متى يتم خلق فكرة فلسفية .. وكيف ؟ (4 )

أمل فؤاد عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 2431 - 2008 / 10 / 11 - 02:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

من جهة أخرى نجد أن هيوم في رؤيته يقدم جديدا مميزا حيث يرى أن الفكر يجب أن يكون متأثراً وهو الشرط الضروري لإمكان وجود معرفة على وجه العموم .. والفكر لا يتأثر إلا بشكلين لا ثالث لهما هو ) الانفعالي والاجتماعي ) وهما معاً يشكلان جزءً من الطبيعة البشرية إلى جانب الفهم والتداعي انطلاقا من مفهوم السيكولوجية الممكنة وهي لدى هيوم سيكولوجية تأثرات الفكر .. وليس سيكولوجية الفكر بحد ذاته حيث أنها ممكنة التشكل والديمومة والثبات وذلك بفعل مبادئ التداعي .. المبادئ التي يرى فيها هيوم الأصل في تأثر الفكر وتأكيد الطبيعة البشرية .. وأيضاً هي التي تقيم بيم بين الأفكار علاقات طبيعية .. فليس صدفة أن يتم المرور من فكرة إلى أخرى .. إن فكرة تشكل تمهيداً طبيعياً لأخرى .. وفق مبدأ تحول الخيال إلى عقل خالص .. كما أن المبادئ العامة وهي ( التأثر والفهم والتداعي ) هي التي تنظم عناصر الطبيعة ومبادئها بالذات .. مثلما تحول مبادئ الانفعال من اللذة غاية تعطي الفعل مبدؤه وتجعل منه حافزاً للعمل أو الفعل .
كما أن المبادئ الطبيعية الثلاثة هذه ( التأثر والفهم والتداعي ) هي الظواهر الرئيسية للطبيعة البشرية التي تقدم لنا تفاسير ممكنة على طبيعة عملها من خلال الفكر وعمليات التفكير .. وأخصها التأثر والتأثر .. من ضمن الأسئلة التي طرحها هيوم في كتابه المبحث هي كالآتي :
كيف يصبح الفكر طبيعة بشرية ؟ .. كيف يصبح الفكر ذاتا .. ؟ والخيال ملكة .. ؟ وكيف تصبح مجموعة من الأفكار منظومة ..؟ كما أنه يطرح مسألة كيفية تشكيل الذات في المعطى .. في التجربة .. وضمن أي شروط لذلك التشكل .. ؟ ولنا أن نركز على ارتباط الفكرة والفكر والخيال وتطابقها في الخيال .. يركز هيوم بداية على الخيال محدداً إياه بأنه مكان يجب تحديد مكانه ولاشيء يفعل بواسطة الخيال بل كل شيء يفعل في الخيال .. والفكرة موجودة في الخيال .. حتى وإن تم إنتاجها في الخيال .. فما هذا الإنتاج إلا إعادة إنتاج انطباع في الخيال .. وله نشاط آخر لا يقل أهمية عن النشاط الأول ولكن بلا استدامة أو تشاكل ( يعني أنه فنطاسي ) وهو حركة الأفكار ومجموع أفعالها وردود فعلها .. ومبادئ الطبيعة التي هي مبادئ التداعي الثلاثة التي حددها بأنها التأثر والفهم والتداعي التي تعمل على تثبيته وإعطائه استدامة وتشاكل وهي ( الطريقة التي تتداعى بها الأفكار في الخيال ) ولم يكن ليحصل عليها لولا فعل تلك المبادئ التي تشكل المعطى كمنظومة .. أي مجموعة الإدراكات أو مجموعة الأفكار أو الترجبة من خلال أقامة علاقات هي الكيفيات الأصلية للطبيعة وليست سمة من سمات الفكرة أو الأفكار .. وإذا كان لي تحليلي في هذه النقطة والتي جاءت فكرتي في توظيفها في معالجة كيفية إنشاء أو خلق فكرة فلسفية .. بأن إذا كان تحليل هيوم بهذا الشكل هو نفعي بالضرورة الأولى حسبما أرى اجتهادا في تفعيل العلاقات مع الأشياء والكون وتفعيل مبدأ العلاقات والاستفادة منها على أكمل وجه لتحقيق تداعيا يحقق مستوى من الخيال المدرك على مستوى بشري عاقل ومفهوم أرى أن هذا المبحث الذي يقدمه لنا هيوم هو مفتاح أو سؤال على شكل إجابة بكيفية توظيف الخيال من خلال سياق انفعال وتفعيل الطبيعة البشرية .
من ناحية أخرى نرى جيل دولوز طرح سؤاله حول ماهي الفلسفة .. ليقدم لنا وعيا وإدراكا مضاهيا ومختلفا عن الطبيعي لفيلسوف .. كان قد تطرق أيضا لأسلوب التفكير الإبداعي وكيفية تحصيل المعرفة المنتجة .. في كتابه الذي يحمل نفس عنوان السؤال ( ماهي الفلسفة ) ويقول أن هذا السؤال هو ما يستحق الوقوف عنده ومحاولة الإجابة عليه .. على أن ( الساعة قد حانت لنتساءل عما هي عليه الفلسفة ) وهو سؤال ينم عن صدمة الكشف والانكشاف والترائي .. أو هو نتيجة حتمية لصدمة الوعي وتفتقه عن حقيقة كانت خافية .. على الوعي والإدراك ..
هذه بعض الأطروحات التي تم الكشف من خلالها عن ماهية الوعي والفكر .. وهي قليلة في الطرح ولكنها فعالة من حيث التوصل إلى ولو بعض الشئ إلى كيفية تداول الفكر لأفكار أو كما يقول هيوم في مبحثه : كيف يمكن تحصيل بعض المعرفة الممكنة والمنتجة في آن ..
ويبقى السؤال الفلسفي قائما ألى حيث المنتهى .. ذلك أنه سؤال إنساني بالدرجة الأولى ومن ثم هو سؤال قيد الكشف والتحقيق والبحث .. ولكن مكمن تحقيق الفكرة الفلسفية قيد الفعل مادام الإنسان قادراً على تجاوز الذات .. ورؤية من ثم الواقع أكثر جلاءً ووضوحاً وأكثر موضوعية .. حيث يصبح الكشف عن ماهية الفكرة الفلسفية .. كشفاً عن الذات ومن الذات وإليها مردود هذا الكشف في نهاية المطاف .. ويبقى السؤال الفعلي مدى تفعيل الفكر في استنتاج مضامينه ورؤاه .. قيد الرؤية والتحليل .. وقيد الدراسة الموضوعية الحقيقية .. التي تنتج مضمونها من نفسها وبنفسها .. من خلال أيضاً تحويل الفهم من مجرد عملية إدراك سطحي .. إلى عمق تجربة إنسانية هي أكثر شفافية وأكثر استحكاماً على مشروعية الكشف الواقعي والمفاهيمي أيضاً .

#أمل_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات