|
الاكتئاب تشخيص وعلاج(3)
جودت شاكر محمود
()
الحوار المتمدن-العدد: 2429 - 2008 / 10 / 9 - 02:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اشرنا فيما سبق إلى موضوع الاضطرابات العاطفية بشكل مختصر، وأهم الأعراض التي من الممكن تشخيصها لدى هؤلاء الأشخاص، ومن اجل فهم هذا النوع من الاضطرابات سوف نتناول بعض المداخل المهمة: 1.مدخل نظريات التحليل النفسي وفق نظريات التحليل النفسي، يفسر الاكتئاب على انه رد فعل على خسارةً معينة. وكيفما تكن طبيعة الخسارة أو الفقدان(كفقدان شخص عزيز، أو فقدان مكانة، أو فقدان الدعم المعنوي الذي توفره مجموعة من الأصدقاء). فأن الشخص المكتئب يكون له رد فعل عليها بشكلٍ حاد وذلك لأن الموقف الحالي يعيد إلى الأذهان كل المخاوف والمشاعر حول الخسارة القديمة التي حدثت في الطفولة، مثل فقدان الحنان الأبوي. ونتيجة لسبب ما ، فان احتياجات الفرد للحنان والرعاية لم تتم تلبيتها وهو طفل. فالخسارة في الحياة المتأخرة تجعل الفرد حالة إرتكاس أو عودة إلى حالته الإتكاليه عند حصول أو حدوث الخسارة الأصلية. وعليه فأن جزءاً من سلوك الشخص المكتئب يمثل صرخة من أجل الحب(a cry for Love). وهي صورة عن العجز، وطلب للحنان والأمان. إن ما يعقد ردة الفعل على الخسارة أو الفقدان هو مشاعر الغضب اتجاه الشخص الهارب(deserting person). هذا وان الافتراض الأساسي لنظريات التحليل النفسي هو إن الناس الذين يكونون عرضةً للاكتئاب يعرفون كيف يعودوا بمشاعرهم العدائية، لأنهم يخافون من عزلة أولئك الذين يعتمدون عليهم من اجل الدعم أو المساندة. وعندما تجري الأمور ليس على ما يرام، يتحولون بغضبهم إلى الداخل ويلومون أنفسهم. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تشعر المرأة بالعداء الكبير نحو صاحب العمل الذي طردها من العمل، لكن لأن غضبها يثير القلق، فإنها تستخدم آلية الدفاع لإستدخال مشاعرها. فهي ليست غاضبة، وإنما الآخرون غاضبون عليها. وإنها تفترض بأن صاحب العمل كان لديه السبب المقنع لرفضها، إنها ليست كفوءة وليست جديرة. وتفيد نظريات التحليل النفسي بان عزة النفس الواطئة لدى الشخص المكتئب ومشاعره بعدم الجدارة تنبع من الحاجة الطفولية لموافقة أو استحسان الأبوين. فعزة النفس لدى الطفل الصغير تعتمد على استحسان وحنان الوالدين. لكن حالما يكبر الشخص ، فان مشاعر الجدارة يجب كذلك أن تستمد من شعور الفرد بانجازاته وبفاعليته. هذا وإن عزة النفس للشخص الميال للإكتئاب تعتمد بشكل أساسي على مصادر خارجية، مثل استحسان ودعم الآخرين. وعندما تفشل هذه المساندات، يمكن أن يقع الفرد في حالةٍ من الإكتئاب. وعليه، فأن نظريات التحليل النفسي للاكتئاب تركز على الخسارة أو الفقدان(Loss)، وعلى المغالاة في الاعتماد على الاستحسان الخارجي، وعلى جعل جانب الغضب داخلياً. وتبدو بأنها توفر تفسيراً معقولاً لبعض من السلوكيات التي يظهرها الأفراد المكتئبون، غير أنه من الصعب إثباتها أو تفنيدها. وتشير بعض الدراسات إلى إن الأفراد الذين يميلون أو يتعرضون إلى الاكتئاب هم أكثر احتمالاً من معدل الشخص العادي في فقدان أحد الوالدين في حياة مبكرة. غير إن فقدان أحد الأبوين(بسبب الموت أو التفريق أي الطلاق) نجده كذلك في تاريخ حالات الأفراد الذين يعانون من أنواع أخرى من الاضطرابات العقلية، وإن معظم الأفراد الذين يعانون من مثل هذا الفقدان لا يطورون مشكلات عاطفية في فترة الشيخوخة.
2. مدخل نظريات التعلم تركز نظريات التعلم في الإكتئاب على ما يجري الآن في حياة الفرد وليس على تجارب الماضي. وضمن إطار نظرية التعلم، هنالك مدخلين رئيسين لتفسير أسباب الإكتئاب. وأحد هذه المداخل يؤكد على التقوية(تدعيم)(reinforcement)، والآخر يؤكد على العوامل المعرفية(الإدراكية)(Cognitive factors). يقوم مدخل التدعيم(التعزيز) على أساس الافتراض بأن الأفراد يصبحون في حال إكتئاب عندما لا توفر بيئتهم الاجتماعية إلا القليل من التعزيز الايجابية. وإن الكثير من الأحداث التي تدفع على الإكتئاب(مثل وفاة شخص عزيز، الفشل في عمل معين، اعتلال الصحة) تشتمل على نقص معين في التدعيم المعتادة. وحالما يصبح الأفراد في حالة إكتئاب، فأن مصدر تقويتهم الرئيسي هو التعاطف والاهتمام اللذان يحصل عليهما الأفراد من الأقارب والأصدقاء. وإن هذا الاهتمام يمكن أن يقوي من الأنماط السلوكية الفعلية التي تعتبر سيئة التكيف(البكاء، التشكي، انتقاد الذات، الحديث عن الانتحار). لكن بسبب أنه من الصعب أن تكون حول شخص ما يرفض الابتهاج، فأن سلوك الشخص المكتئب بالنهاية يعزله حتى عن الزملاء والأصدقاء المقربين، مما يقلل التقوية من جانب، ويزيد من التعاسة والعزلة الاجتماعية للفرد من جانب آخر. كما إن المعدل الواطئ من التقوية الايجابية(positive reinforcement) يؤدي إلى التقليل من نشاطات الفرد والتعبير عن السلوك الذي يمكن مكافئته. وإن كل من النشاطات والمكافئات تتناقصان في حلقة مفرغة. أما المداخل المعرفية للإكتئاب فلا تركز على ما يقوم به الأفراد، بل على كيفية نظرتهم لأنفسهم وللعالم. وتفيد إحدى النظريات المعرفية والتي يمثلها(بيك) بأن الفرد الذي يكون ميالاً للتعرض إلى الاكتئاب يكون قد طور موقفاً عاماً عن تقييم الأحداث من وجهة نظر سلبي ومن منظور النقد الذاتي. فهم يتوقعون الفشل بدلاً من أن يتوقعوا النجاح، وأنهم يميلون إلى تضخيم جوانب الفشل، والتقليل من حجم النجاحات في تقييم أداءهم(مثل الطالب الذي يحصل على درجة ضعيفة في امتحان واحد فقط من بين الامتحانات الأخرى، فأنه يعتبر نفسه شخص أكاديمي سيء التطابق(يعوزه الانسجام والتكيف مع مجتمعه)(academic misfit)، والمرأة التي تعتبر نفسها غير كفوءة، على الرغم من تعاقب الانجازات الجديرة. كما إنهم يميلون إلى أن يلوموا أنفسهم وليس يلوموا الظروف عندما تكون الأمور ليست على ما يرام.(عندما تنهمر الأمطار على الناس الجالسين في(الكافتريا) الموجود في الفضاء الخارجي، فأن المُضيف يلوم نفسه ولا يلوم الطقس. ووفقا لهذه الفكرة ، فأن تشجيع الأفراد المكتئبين على أن يصبحوا فاعلين أكثر في المجتمع بحيث يمكن أن يحصلوا على تقوية إيجابية أكثر سوف لن يكون جانباً مساعداً بحد ذاته، حيث أنهم ببساطة سوف يجدون فرصاً جديدة لانتقاد أنفسهم. ويقوم المدخل المعرفي الآخر للاكتئاب على أساس مفهوم العجز المكتسب بالتعلم(Learned helplessness)، وبناءً على هذه النظرية، يصبح الأفراد المكتئبون عندما يعتقدون بأن أفعالهم لا تخلق أي فرقاً في إحداث السرور أو الألم. فالاكتئاب هو إيمان الفرد بعجزه. لقد تم التوصل إلى مفهوم العجز المكتسب بالتعلم من خلال التجارب على الحيوانات. ويشير (سليجمانSeligman) إلى بعض التجارب حيث يتم إخضاع الحيوانات إلى ظروف أو شروط مؤلمة أو صادمة(traumatic conditions)، تكون عاجزة عن أن تتلافاها، مثل: الصدمة الكهربائية أو الصوت العالي. فإنها تقوم بتطوير علامات الاكتئاب، مثل: اللامبالاة(apathy)، وتناقص الشهية، فقدان الإمكانية الجنسية، والافتقار إلى العدوانية الاعتيادية(normal aggressiveness). ولا نجد هذه الأعراض لدى الحيوانات التي يمكن أن تتلافاها باستجابة مناسبة. وقد افترض (سليجمان Seligman) بان التجارب المتكررة عن العجز ، أظهرت بأن التغيير الأحداث المهمة أو التأثير عليها في حياة الشخص تؤدي إلى الاكتئاب. غير إن عوامل عديدة دفعته إلى تعديل هذه النظرية. فأولاً، هنالك القليل من الأدلة الاثباتيه التي تؤيد فكرة إن الأفراد ذوي الاكتئاب المزمن يشهدون مثل هذه الأنماط من الفشل. وثانياً، يفيد البحث بأن تقييم الشخص للموقف أو للحالة غالباً ما يكون أهم من الطبيعة الموضوعية للموقف أو الحالة ذاتها. فعندما يخفق الأفراد المكتئبون في مهمة معينة، فأنهم يكونون أكثر احتمالا من الأفراد الطبيعيين في أن يلوموا أنفسهم( وذلك لكونهم غير ماهرين أو أنهم لم يحاولوا بشكلٍ أكثر جهدا إلى حدٍ كافٍ) وليس الظروف. وبالعكس، فعندما ينجح الأفراد المكتئبين، فأنهم يكونوا أكثر احتمالاً لتوضيح نجاحهم من حيث " الحظ " وليس من حيث قدرتهم. ولقد قام (سليجمان) بتنقيح نظريته في العجز(helplessness) كي تشتمل على التفسير الذاتي للمواقف التي لا تكون للفرد سيطرة عليها. هذا وأن ليس النتائج غير الإرادية بحد ذاتها تحدد درجة الاكتئاب، بل التفسيرات أو التحليلات السببية للفرد عن هذه النتائج هي التي تحدد ذلك. فعندما يحصل حدث غير مرغوب به، يقوم الفرد بمراجعة حقائق الموقف الحالي إضافة إلى ما يكون قد حدث في مواقف مماثلة في الماضي ويحاول تفسير ذلك. وإذا ما كان هذا التفسير يؤدي بالفرد إلى استنتاج بانه لا يستطيع السيطرة على الموقف في المستقبل، فان أعراض العجز يمكن أن تتبع ذلك. وعند تناولنا لمثال بسيط أشار إليه (بيترسون وآخرون 1981)، هناك ثلاثة طلبة يفشلون في دورةٍ معينة مطلوبة للتخرج. فأحد هؤلاء الطلبة يعزو الفشل إلى عوامل خارجية(حيث إن المدرس كان ضعيفاً في عمله في عرض المادة، وان الامتحان النهائي كان غير عادلاً). والثاني يعزو فشله إلى عدم كفاية الجهود التي بذلها(حيث أنه لم يقضِ الوقت الكافي في الدراسة). وأما الطالب الثالث فيقرر بانه ببساطة ليست لديه المقدرة(إذ أنه فعل ما بوسعه وإن أداءهُ في الماضي في دورات مماثلة كان ضعيفاً). ووفقاً لنظرية(سليجمان)، فأن جميع الطلبة الثلاثة يمكن أن يشعروا بالاكتئاب، بيد إن، الطالب الثالث ينبغي أن يكون هو الأكثر اكتئاباً والأكثر رفضاً للمحاولة الثانية، وذلك لأنه يعزي فشله إلى شيء داخلي ليس من المحتمل أن يتغير في المستقبل. وتفيد بعض الأدلة بأن لوم الخاصية الشخصية على سوء الأحداث له علاقة بالاكتئاب، لكن لوم السلوك ليس له علاقة بالاكتئاب. وعلى الرغم من إن التوقعات السلبية حول الذات والعالم تبدو لتلعب دوراً مهماً في الاكتئاب، فأن المدى الذي تسبق فيه مثل هذه الأفكار الفترة الاكتئابية وليس الترافق معها هو مدى غير واضح. كما إن مواقف النقد الذاتي ومشاعر العجز يمكن أن تقود إلى الاكتئاب. غير أنه ليس من الممكن أن يؤدي الاكتئاب بالفرد إلى أن يفكر بشكلٍ سلبي.
3.مدخل النظريات البيولوجية: إن الميل إلى تطوير اضطراباتٍ عاطفيةٍ، ولاسيما الاضطرابات الجنونية – الاكتئابية(أي ثنائية القطب) يبدو موروثاً. والدليل على ذلك يأتي من الدراسات حول التوائم. فالتوأم المتطابق(monozygotic) يخرج من ذات البويضة، ويشارك بنفس الصفات الموروثة، وأما التوأم الأخوي(fraternal twins) فانه يخرج من بويضات مختلفة، ولا يتشابهون جينياً أكثر من الأخوة الاعتياديين. وإذا ما تم تشخيص أحد التوأم المتطابق على أنه في حالة اكتئاب وجنون، فتوجد هنالك نسبة (72%) من الفرصة بأن التوأم الآخر سوف يعاني من نفس الاضطراب ، أما النسبة التي تقابل ذلك في حالة التوائم الأخوية فهي فقط(14%). وهذه الأرقام، والتي تدعى باسم(نسب الانسجام(concordance rates، تمثل احتمالية أن كلا التوأمين سيكون لديهما خاصية محددة، إذا ما افترضنا بأن أحد التوأمين لديه تلك الخاصية. هذا وأن نسبة الانسجام للتوائم المتطابقة والتي تعاني من الاكتئاب هي(40%) وهي بذلك تتجاوز نسبة الانسجام للتوائم الأخوية والتي هي(11%)، غير أن الفرق بين هاتين النسبتين هو اقل بكثير من الفرق بين المكتئبين الذين يعيشون حالة جنون. وتشير مقارنة هذه الفروقات إلى إن الاضطرابات الاكتئابية- الجنونية هي أكثر ارتباطاً من الاضطرابات الاكتئابية بالعوامل الجينية. إن الدور المحدد الذي تلعبه العوامل الجينية في الاضطرابات العاطفية هو دورٌ ابعد من أن يكون واضحاً. على أنه يبدو من المحتمل بأن ثمة نوع من الشذوذ البايوكيميائي(biochemical abnormality) يكون داخل في الموضوع. وتشير الأدلة إلى إن مزاجيتنا تنظمها مجموعة من العوامل الكيميائية تدعى باسم(neurotransmitters) والتي تؤثر على نقل نبضات الأعصاب(nerve impulses) عبر نقطة الاشتباك العصبي(Synapse) من خلية عصبية إلى أخرى. ويعمل عدد من المواد الكيميائية (neurotransmitters) في أجزاء مختلفة من الجهاز العصبي، وإن السلوك الاعتيادي(السلوك السوي) يتطلب توازناً دقيقاً بينها. ويُعتقد بأن اثنين من العوامل(أي: (neurotransmittersيلعبان دوراً مهماً في الاضطرابات العاطفية،ألا وهما(norepinephrine) و(serotonin) . وكلا هذين العاملين يقعان في مناطق معينة من الدماغ ويسهمان في تنظيم السلوك العاطفي- النظام الوصلي(limbic system) والهايبوثلاموس(hypothalamus) أي ما تحت السرير البصري. هذا وأن الفرضية التي تجد قبولاً واسعاً هي إن الاكتئاب يرتبط بعجز معين (deficiency)، وإن الجنون يرتبط بواحدٍ من هذين العاملين أو بكليهما. على إن الأدلة هي أدلة غير مباشرة، تعتمد كثيراً على الآثار التي تحملها بعض العقاقير على السلوك وعلى نشاط ناقلات الأعصاب(neurotransmitters). فعلى سبيل المثال، إن العقار الذي يعرف باسم(drug reserpine)، والذي يستخدم لمعالجة ارتفاع ضغط الدم، يؤدي أحياناً إلى الاكتئاب كتأثير جانبي، وقد أوضحت أبحاث الحيوانات بأن العقار يسبب مرض معين في مستويات(serotonin) و(norepinephrine) من الدماغ. وبالعكس، فأن كلا نوعي الايتامين(amphetamines) –أو السرعة- واللذان يؤديان إلى ارتفاع الجانب العاطفي ويسهلان من أطلاق أو تحرير كلا ناقلتي الأعصاب(neurotransmitters). إن العقاقير التي تعتبر مؤثرة أو فعال في تخفيف الاكتئاب تزيد من وفرة كلاً من(norepinephrine) و (serotonin) في الجهاز العصبي. ويوجد هنالك نوعين أو صنفين رئيسيين من العقاقير المضادة للاكتئاب، وهذين الصنفين يعملان بطرق مختلفة على زيادة مستويات ناقلات الأعصاب(neurotransmitters). فموانع أو مضادات أوكسيداز الأمينين الأحادي (monoamine oxidase inhibitors) تعيق من نشاط الأنزيم الذي يمكن أن يدمر كلاً من(norepinephrine) و (serotonin). وبذلك يزداد تركيز هاتين الناقلتين في الدماغ. كما إن مضادات الاكتئاب الثلاثية(tricyclic antidepressants) تمنع من إعادة الامتصاص(reuptake) – وهي العملية التي يتم من خلالها امتصاص الناقلات العصبية(neurotransmitters)، إلى نقاط إيصال الجهاز العصبي التي كانت قد انطلقت منها- أي تمنع من إعادة امتصاص كلاً من(norepinephrine) و (serotonin)، وبذلك تطول مدة نشاطها. وطالما إن هذه العقاقير تؤثر على كل من(norepinephrine) و (serotonin)، فأنه من الصعب التمييز ما بين أدوار هاتين الناقلين في الاضطرابات الاكتئابية. وتشير بعض الدراسات إلى إن(serotonin) يلعب الدور الرئيسي، في حين هناك دراسات أخرى تشير إلى دور(norepinephrine) بالمسألة. ومن الممكن أن يساهم في ذلك كل ناقلة(neurotransmitter) لكن بأنواع مختلفة من الاكتئاب. عن الفكرة التي تفيد بأن مضادات الاكتئاب أحياناً ما تؤدي إلى مرضى من ذوي القطبين(bipolar patients)، والذين يكونون في حالة اكتئاب وسرعان ما ينتقلون إلى حالة الجنون، وبما يؤيد الفكرة التي مفادها بأن الجنون(mania) يسببه الإفراط بالسيروتونين(serotonin) والنورباينفرين(norepinephrine). على إن هنالك مجموعة معينة من الحقائق يصعب تفسيرها. حيث إن كاربونات الليثيوم الكيميائية(chemical lithium carbonate) اثبت كونها ناجحة بشكل واضح في تهدئة السلوك الجنوني للأفراد من ذوي القطبين وفي تلافي فترات الجنون المستقبلية. وبإضافة إلى إنها تقلل من مستويات السيروتونين والنورباينفرينن ، فإن هذه المادة الكيميائية تعمل كذلك على منع تكرار فترات الاكتئاب. وبعبارة أخرى، فأنها تجعل من الشخص طبيعياً أو اعتيادياً. وقد أوضحت الدراسات حول الحيوانات بان الليثيوم (lithium) لا يقلل من تركيز النورباينفرين(norepinephrine) في الدماغ، بل أنه يزيد من مستويات السيروتونين((serotonin. وعليه،فان العامل الحاسم في المحافظة على المزاج ضمن الحدود الطبيعية يمكن أن يكون هو التوازن ما بين السيروتونين والنورباينفرين، وربما عدد آخر من الناقلات العصبية يتعين تحديدها أيضاً. فالسيروتونين لوحده ربما لا يفعل شيئاً بحالات المزاج، بل أنه يمكن أن يعمل كمنظم يحافظ على تقلبات النورباينفرين ضمن حدود معينة على كلا طرفي مقياس المزاج. ومن الممكن أيضاً أن يكون للاضطرابات العاطفية المتنوعة أسبابا مختلفة. فبعض حالات الاكتئاب يمكن أن تعود إلى انخفاض مستويات النورباينفرين. والبعض الآخر من حالات الاكتئاب يعود إلى انخفاض مستويات السيروتونين. ولاشك إن الاضطرابات العاطفية تشتمل على تغيرات بايوكيميائية في الجهاز العصبي. والسؤال المعقد هو فيما إذا كانت التغييرات الفلسجية هي السبب أو هي النتيجة للتغيرات السيكولوجية. فعلى سبيل المثال، إن الأفراد الذين يتصرفون بتعمد كما لو كانوا يشهدون فترة جنونية(manic episode) يظهرون تغييرات معينة في مستويات(neurotransmitter) مثل تلك التي توجد ما بين المرضى المصابين بالجنون فعلاً. وربما إن استنفاذ النورباينفرين يسبب بعض الأنواع من الاكتئاب، بيد إن الرابطة المبكرة في السلسلة السببية التي تؤدي إلى الاكتئاب يمكن أن تكون هي الشعور بالعجز أو فقدان الدعم العاطفي. 4. الضغوط وسرعة التأثر إن كل النظريات التي تم مناقشتها تتطرق إلى نقاط مهمة حول طبيعة الاكتئاب. فالخصائص السيكولوجية الموروثة ربما تجعل الفرد عرضة للتغيرات المزاجية الكبيرة. كما إن التجارب المبكرة(مثل فقدان الحنان الأبوي و/ أو عدم القدرة على الحصول على الرضا أو العجز عن كسب الرضا من خلال جهود الفرد خاصة) يمكن أن تجعل من الشخص أن يكون عرضة للاكتئاب في عمر متأخر. هذا وإن أنواع الأحداث الضاغطة والتي يعلن مرضى الاكتئاب بأنها قد دفعت على اضطرابهم، هي عادة ما تكون ضمن مدى تجارب الحياة الطبيعية، وهذه التجارب هي تلك التجارب التي يمكن أن يعالجها معظم الناس من دون أن يصبحوا مكتئبين بشكل شاذ. وهكذا فأن مفهوم قابلية التأثر(vulnerability) يساعد في فهم أسباب نشوء الاكتئاب لدى بعض الأفراد، وعدم نشوءه عند آخرين عندما يواجهون تجربة معينة ضاغطة.
#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)
#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
..........
-
مَنْ الأخير ؟
-
الاكتئاب تشخيص وعلاج(2)
-
البصرةُ حبيبتي
-
الحقيقة بين الجواهري ونوري باشا السعيد
-
الاكتئاب تشخيص وعلاج(1)
-
غربةُ الذات
-
طرق وأساليب العلاج النفسي (4)
-
لكِ أنتِ
-
طرق وأساليب أخرى في العلاج النفسي(3)
-
طرق وأساليب أخرى في العلاج النفسي (2)
-
لنعمل على زيادة مساحة اتفاقنا ولنقلل من حيز اختلافنا
-
طرق وأساليب أخرى في العلاج النفسي(1)
-
العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (4)
-
الوطنُ الغائبُ الحاضر دوماً
-
العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (3)
-
العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (2)
-
المدخل الإنساني في العلاج والإرشاد النفسي(1)
-
الموسيقى والإرشاد والعلاج النفسي
-
مدخل باب الوهم نظرية في العلاج والإرشاد النفسي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|