|
رواية خضر قد والعصر الزيتوني، وجائزة نوبل
ابتسام يوسف الطاهر
الحوار المتمدن-العدد: 2428 - 2008 / 10 / 8 - 04:40
المحور:
الادب والفن
مأساة قد- تراجيديا الشعب العراقي لقد اتعبتنا حواراتنا مع الاخر.. الذي يعيش في الضفة الاخرى (البطرانة) او الاخر ممن لا يرى ابعد من جيبه او احلامه ببَطل ورقي يلصقه على حائط غرفته المثقوب! فقد رفضوا ان يديروا وجوههم صوب اشارتنا ووجعنا وصموا اذانهم لصراخنا، لا يريدون أن يعرفوا عن مأساتنا غير مارسمته فضائياتهم، او ماكتبه بعض مداحي السلطان عنا. فنحن برأيهم نبالغ او نكذب بحق بطلهم ، اتهمونا بالخيانة للقومية والعروبة ومنهم من يستنكر عدائنا للقائد..حتى لو سحل ذلك القائد كل الشعب للهاوية، فلا ضير عليهم مادامت الدولارات تسبق الشعارات الرنانة، ومن يُقتل ، بعيدا عنهم، حتى لو قتل بحروب قضت على العروبة وعلى فلسطين ايضا!. تمنيت لو ان كاتبا يحكي عن تلك المرحلة المظلمة، عن ملحمة الشعب العراقي وقد احاطوه باسوار متداخلة من تعتيم وحصار. لقد كتب الكثير من الكتاب والشعراء من داخل العراق وخارجه.. ولكن لم يسعفني الحظ والوقت للاطلاع على كل ماكتب.. عرفت الكاتب نصيف فلك من خلال عموده الساخر في الصباح واختياره المشاهد الحادة والتقاطه الصورالـ(حنديرية) المعتمة ليضيئها بومضة ساخرة نرى بها تعويضا لخسارتنا المزمنة للكهرباء الوطنية. لكن روايته (خضر قد- والعصر الزيتوني) قالت الكثير مما كنا نريد ان نقول، فقد كانت بحق ملحمة الشعب العراقي في اواخر القرن العشرين. تلك الـ(قد) حيرتني ببداية الامر، حسبتها اختصارا لاسم تاريخي لا اعرف او لم اسمع به، لاكتشف انها اكبر من تلك الاسماء التي اجهلها او توقعتها. فالـ(قد) هنا بدلالتها الاحتمالية وتأرجحها بين امكانية المضي قدما او التوقف الازلي، بين تحقق الحلم او قطع خيوطه بيقظة مفزعة تطيح باحلام الكرى، التأرجح بين الأمل واليأس ، الحياة والموت بين الـ(أكون) او لا أكون، تكاد تكون بوابة للعمل الملحمي الذي يحكي عن مأساة (خضر قد) ، مأساة الشعب العراقي وملحمة صبره وقدرته على المضي بالرغم من كل الكوارث. تلك الملحمة التي فاقت ملحمة كلكامش ، الذي اخفق ببحثه عن الخلود.. فبطل ملحمة (نصيف فلك) هو الشعب العراقي الذي نال الخلود من جده (اوتونا بشتم) لصبره وقوة احتماله ورفضه لكل ماهو معادي للحياة والحب من خلال رفضه القاطع للبسطال العسكري واللون الزيتوني الذي استخدم بابشع صوره ومسخت غاياته بحماية الارض والوطن والشعب، بعد ان جعلوا الوطن مرتعا للقتلة والسراقين والمرتشين، واداروا اسلحتهم التي خلعوها في ساحات الوغى بامهات معاركهم الخاسرة ، ليصوبوها نحو صدر الشعب والناس المتعبين بحقد لامثيل له. اغلبنا يعرف عن قرب او عن بعد، اساليب التعذيب التي مورست ضد احبتنا واهلنا او مباشرة مع البعض منا.. لكن بشاعة الصور تجعل البعض منا يحاول النسيان بعدم الحديث عنها او التطرق لها بشكل مقتضب.. لكن نصيف فلك كان جريئا، او ربما اراد ان يتخلص من ذلك الرماد وعفونة تلك الايام بفضحها وتشريحها كأي جراح ماهر فنصف العلاج تشخيص الحالة وتسليط السكانر والاشعات عليها لرؤيتها من الداخل. فينقل لنا صور التعذيب البشعة التي مورست ارضاء لسادية القائد وزبانيته ضد المواطنين ، بلا ذنب غير انهم ولدوا بدين او بلغة مختلفة..او فكر مختلف " كان جسده مثخنا بجروح يفوق عددها اسماء الذين اعترف عليهم ووجهه يتكسر الى شظايا الم مكتوم... اشار الى صبي عمره حوالي الرابعة عشرة كان يصلي قال بزهو: اسمه كميل هو اصغر واصلب معتقل.. في كل مرة يرجع من غرفة التعذيب وهم يسحلونه بالممرات ينتقي قطف سيجارة .. يجرها بقدمه والدماء تسيل منه حتى يوصلها هنا الينا، رغم انه لا يدخن. اضحكني اوميد حين قال: تشن السلطة كما يقال حملة على الشيعة والاكراد والشيوعيين فكيف بي وانا شيوعي وكردي وشيعي؟" ص22
يسخر نصيف فلك من عبثية الاقدار والحياة وعبثية السلطة على يد عصابات حزب العبث التي قتلت كل القيم الانسانية والسياسية والاجتماعية وحتى الدينية وجعلت الانسان لا قيمة له اسوة بالكلاب السائبة والقطط التي لامكان لها يسكنها الخوف من بني البشر الذي يمارس الحقد الذي مورس ضده معها، يحكي باسلوبه الساخر المباشر الجرئ: "يالعظمة الحياة حين يكون الدليل الوحيد على وجودك هو الضرطة. هذا ماحصل بالضبط في مشرحة الطب العدلي..حيث الثلاجات العملاقة لخزن الجثث لحين تسليمها لذويهم بعدما تسجل اسماءهم..وعادة ماتتم الاجراءات كيفما اتفق خاصة في مواسم ازدحام الجثث بعد هجوم كبير في جبهات القنال".ص32 فيحكي باسلوبه الساخر المرير كيف ان ذلك الصوت الذي يحرجنا احيانا ويسبب لنا التسمم لو حبسناه كان المنقذ لخضر قد لاخراجه من ثلاجة الموتى "يالحماقة الواقع وسخافة الوجود حين تكون الضرطة هي دليل الحياة الوحيد".
يصور لنا نصيف فلك من خلال (خضر قد) غربة الوطن وهي الغربة الاصعب.. حين تسير بشوارع تخافها ولا احد يعرفك بها! غربة اصعب من التي عشناها نحن قبل حرب الكلاب كما يسمي الحرب العراقية- الايرانية بالرواية، حيث غربة الخوف من الحرس اللاوطني، الخوف من جارك قد يكتب عليك تقريرا لتروح لدرب الصد ما ردّ. تلك غربة تشبه الغصة حين يهاجر اصدقائك واحبتك او تغيبهم الاقبية والسجون او تحصدهم الة الحرب فتدور بشوارع كنت تعرفها لكنها فقدت معالمها . "..دخلت حي المربعة ، الذي انقلب لحارة مصرية... لأشرب الشاي، واذا بشاب كان يجلس امامي يلتفت الي ويدقق النظر، وان هي الا ثواني حتى نهض صائحا ، رمى قدح الشاي على الارض ارتمى علي يحتضنني ويقبلني : خوية عراقي.. منذ زمن بعيد بعيد لم التق عراقيا!!؟"ص42
وحين يتخذ القرار الصعب والمميت برفضه السلاح ورفضه المشاركة بحفلة القتل الجماعي الغير مبرر، يضطر للهروب للجانب الاخر معتقدا انهم سيقدرون موقفه الانساني هو ومئات من زملائه، او سيثمنون التضحيات التي قدمها الجندي العراقي برفضه للحرب لا جبنا ولا خوفا ولكن من موقف انساني ولشعوره بعبثية تلك الحرب .. ليصطدم بان ذلك الموقف لا يعرفه ولا يقدره كلاب الحروب. "..سوف يستقبلوني باذرع من ريش وحفاوة تقرع الافاق..انا استحق هذه الحفاوة.. ليس فقط لانني تعمدت الجهل في كيفية اطلاق الرصاص واحتقار السلاح بل لانني اتقزز من البدلة العسكرية ..وتكبدت افدح ثمن لعدم محاربتي عدوا لا اعرفه..تخيلت الايرانيين يرمون علي الورد لاني ضحيت باعز الناس الى قلبي ..تركت اهلي واصدقائي ومدينتي ووطني و.. سلاّمة.." 64 فيصطدم بالطرف الاخر الذي لم يكن مختلفا الا قليلا.. يعيش في مخيمات شبه معتقل لاتختلف عن السجون الا قليلا. فيقرر العودة مدفوع بحلم القضاء على بهضام لانقاذ اهله واصدقائه ليمحو غبار العبث والبعث الذي قلبت موازين حياتهم..وتدخلت حتى بمفردات يومهم وجعلت حتى كلماتهم بذيئة بعيدة عن الذوق والحس الانساني "طكوا بالدهن..انعلس.." وغيرها من العبارات الماحية للقيم الانسانية. يعود متسللا "بعد فوات الاوان..ها انا ارجع للعراق يفترسني الندم ، ارجع كقطرة دم تتسلل الى شريان البلد ، فهل تنقذه هذه القطرة؟".ص137 وكان هذا هاجسنا في الغربة وقد انتقل مبكرا لابنائنا الذين حلموا بالعودة يوما لاحضان جداتهم بعد الخلاص من (بهضام). رغم الحزن الذي شعرته وانا اقرا واتابع يوميات خضر قد، وبالرغم من ان حتى المقاطع التي اضحكتني طويلا لم تمنع بكائي، بالرغم من ذلك شعرت بالامل بان شعبنا بمثل هكذا مبدعين (قد) ينهض او لابد ان ينهض ويملا الارض حبا وحياة..والذين ادانوا الشعب العراقي واذوه (قد) تصحو ضمائرهم ويعتذروا للشعب ويساعدوه. لعل المسؤولين يعملوا بحرص لازاحة العصر الزيتوني ورماده العفن. تلك الملحمة التي يجب ان تعاد طباعتها بالشكل الذي يليق بحجمها النوعي وتوزع بشكل رئيسي على اعضاء البرلمان لكل عضو نسختان واحدة له واخرى لعائلته ليطلعوا عن كثب على مخلفات الماضي ويدرسوها جيدا لا ليتعلموا طرق التعذيب وسلب انسانية الناس، بل ليعرفوا حجم عذاب وصبر الشعب العراقي ويعوضوا تعبه خيرا وكهرباءا وعيشة انسانية.. وليأخذوا درسا بأنه مهما طال الزمن ستداس بدلة الحاقدين وصورهم بنعال ابو تحسين وابو خضر وابو ميري وابو اوميد وابو احمد.. وغيرهم من الذين لن يسكتوا بعد ان فتحت جراحاتهم.. لعل او قد ينفع درس الماضي لتحسن الحاضر وانقاذ المستقبل. قلت في حوار صحفي ..ان هناك اسماء عراقية لامعة في سماء الادب تستحق جائزة نوبل، اذا تخلصت تلك الجائزة من الهيمنة السياسية ومزاجية وعلاقات الدول المصلحية، و اول الادباء العراقيين الذين يستحقونها فؤاد التكرلي، الجواهري، سعدي يوسف، مظفر النواب وغائب طعمة فرمان وغيرهم اسماء عديدة لاتحضرني..ومن الشباب نصيف فلك، وبعد قرائتي لروايته خضر قد والعصر الزيتوني حيث صور الحرب على حقيقتها البشعة وادانها ورفض لعبتها تحت اي من المسميات، ودافع عن قيم الانسان المحب للحياة والمحبة والسلام بالرغم مما سبب ذلك الموقف من خسارات وتضحيات جسام، اقول انه يستحق جائزة نوبل للسلام.
بغداد 2008
#ابتسام_يوسف_الطاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا الكامل شياع؟
-
ثقافتنا الاجتماعية
-
من ستنتخب أيها العراقي؟
-
ناقوس الخطر يدق! فهل حياة لمن ننادي؟
-
هل السيد مقتدى ضحية لتياره؟
-
ماذا تريد التيارات (الهوائية)?
-
البرلمان العراقي وحصان(ة) طروادة
-
عام كهرباء وضياء
-
تراثنا من اساطير الحضارات العراقية
-
لن تأتي حياة
-
حلم جبار
-
هل يصلح موزارت ما أفسده الارهاب
-
مستقبل العراق مرهون بوحدة شعبه
-
ما الخطورة التي تشكلها جبهة التوافق !؟
-
في يوم مشمس
-
هدية اسود الرافدين لشعبهم، شئ من الفرح
-
التهديد الامريكي بفوضى بلا حدود
-
ابنتي والعراق والشاعر سعدي يوسف
-
الحرية التي ضحى الشعب العراقي من اجلها
-
في ضرورة فصل الدين عن الدولة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|