|
باب الحارة واقع مستعار
بلال يوسف الملاح
الحوار المتمدن-العدد: 2421 - 2008 / 10 / 1 - 06:37
المحور:
الادب والفن
"يجد المسلم الراحة والعزاء في الرجوع الى قيم دائرته الثقافية المغلقة، متذكراً أمجاد الماضي التليد التي تعوضه عن وضع المسلمين المهين اليوم في العالم، وتتيح له طريقاً مريحاً للهرب من أعباء الحاضر وتحديات المستقبل" هكذا يصف الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل الفصام الثقافي الذي ألم بالعالم العربي والاسلامي في كتابه الصورة والجسد الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية. فمسلسل باب الحارة ما هو الأ محاولة لأستذكار الماضي، لأن المواطن العربي واقفاً لا يستطيع الرجوع الى الماضي خوفاً من هروب المستقبل ولا يستطيع اللحاق بركب الحضارة وما بها من قيم ما بعد حداثية، والإعلام العربي يحاول أن يوسط هذه الظاهرة المخيفة عن طريق ما يبث من مسلسلات درامية، فتلك الدراما والسنيما والاغاني المصورة مليئه بقيم الحداثة وما بعد الحداثة، التي لم يصلها المجتمع العربي الى هذه اللحظة وهو بالتالي يمثل الفصام الثقافي الذي يعاني منه المجتمع العربي والاسلامي. يمثل مسلسل باب الحارة ذروة حيرة الانسان العربي، فهو يحمل في طياته الكثير من القيم التي فقدها المجتمع العربي ويحاول من خلال المسلسل أن يعوض ما فقده المجتمع خلال تلك السنوات التي عانى خلالها من الإستعمار وبعد ذلك من إنطلاق ثورة الإتصلات وما مثلته من قيم جديدة في المجتمع، وإذا نظرنا الى باب الحارة كدرامة سورية نجد ان هناك الكثير من القيم التي تدعم فقط السورين كمحافظين على قيم المجتمع العربي المفقودة، وخاصة بما يحمله من رموز تدغدغ مشاعر المشاهد العربي مثل المقاومة وفلسطين والشرف والعار والرجولة والكرم والكرامة، ولعل التناقض الأكبر في هذا المسلسل يتمثل في تلك الفنانات السوريات المحافظات على الشرف والعرض عندما يخرجن من بيوتهن فهن لابسات محجبات ولكن لِما لا تبقى هذه الفنانات لابسات ومحتشمات عندما يظهرن على الشاشة، لا تناقض هنالك وأنما من خلال تلك الوجوه الحسنة يحاول المخرج أن يجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين، فقط بالغن الفنانات في وضع المكياج بصورة تبدو غربية وكبيرة أيضاً ليظهرن على الشاشة ملكات جمال، إذا كان باب الحارة يريد أن يحافظ على قيم المجتمع العربي التي ضاعت وتبددت فلماذا يخدع المشاهد العربي في هذه الجزئية بالتحديد. كما أن الرموز التي يستمدها من الواقع كثيرة لأستمالة المشاهدين ومن ضمن تلك الرموز أيضاً المشهد الذي قتل فيه الولد الصغير الذي استخدم الفنان الذي يدعى "ابو بشير" كلمات "ابو محمد الدرة" حين قتل ولده عندما قال" قتلتوا الولد"، أليس هذا رمز آخر أٌستخدم من أجل جذب المشاهدين والتأثير بالمتلقي العربي. ولعل ذروة فقدان الرجولة عندما يبدأ الحكاواتي بالحديث عن صلاح الدين الايوبي ويقوم "ابو بدر" بالتصفيق والتهليل لما حققه صلاح الدين من إنتصارات مثلت قمة الخصاء العربي فأبو بدر شخص مضطهد من قبل زوجته ويحاول ان يعوض هذا النقص بالرجولة عن طريق رموز إسلامية من الماضي وابو بدر يمثل ايضا شريحة كبيرة من المجتمع العربي وأفراد باب الحارة أيضاً كذلك فجتمع باب الحارة يتلذذ بالقصص البطولية تعويضاً عن رجولتهم التي فقدت منذ زمن. وما يعززه باب الحارة أيضاً ثقافة الطوشة والاشتباك فهو في اللحظة التي يدخل الفرنسي الى الحارة ويقتل طفل و أحد شباب المقاومة لا تستطيع الحارة عمل شيء ولا تحتج بأي شكل من الأشكال، بينما في اللحظة التي تحاول أحدى الحارات الأخرى الدخول الى الحارة تبدأ المشاكل والطوشات والمشاجرات ويستطيع الفرنسي الدخول والقتل والتفتيش أما أبو النار المواطن في حارة قريبة لحارتهم لا يستطيع الدخول الى بيت جدته. وأذا أرادنا ان نشطح كثيرا بالتحليل فأننا نرى أن في اللاوعي لدى المؤلف والمخرج السوري الكثير من الحقد الكامن داخلهم للنظام السوري البعثي فهو يصف النظام بطرق كثيرة لا يستطيع النظام نفسه إكتسشافها، فهو عندما يحاول أن يقول للمجتمع العربي أنكم تعانون من خصاء جمعي فهو يقول للنظام أنت أيضاً تعاني من نفس المرض الذي يعاني منه المجتمع العربي، على الرغم من إدعائك بأنك تحتضن المقامة الا إنك لا تستطيع حماية أرضك. وفي النهاية لا واقع يحاول أن يصنعه باب الحارة الإ واقع مستعار من ماضي إنقضى ولا يمكن إسترجاعه، فالراباح الأكبر من هذا المسلسل هو مجموعة MBC أما المتلقي العربي فهو الخاسر الوحيد، وعودة الى الواقع المستعار الذي يحاول باب الحارة فرضه فأنه فقط يبث روح القطرية على القومية وفرض اللهجة المحلية على العربية ودعم نظام دكتاتوري كونه الوحيد الذي يحمي المقاومة وبذلك تكون المعادلة أن سوريا تنتج و MBC تبث و قناة المنار تستضيف هذه الشخصيات الفذة التي تُكون واقع مستعار لا تستطيع آلاف المسلسلات أن تغيره في ظل هيمنة الإعلام الغربي والثقافة الغربية على واقعنا العربي، فقيم ما بعد الحداثة قد أنتشرت في كل ما يبث على القنوات العربية سواء الإخبارية منها أو المنوعة.
#بلال_يوسف_الملاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|