أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم النجار - الفنان كاظم الخليفة بحث لأجل لوحة.. وتفاصيل في فوضى الواقع















المزيد.....

الفنان كاظم الخليفة بحث لأجل لوحة.. وتفاصيل في فوضى الواقع


كريم النجار

الحوار المتمدن-العدد: 745 - 2004 / 2 / 15 - 04:57
المحور: الادب والفن
    


ماذا يعني عمل لوحة..؟ 
وكيف، وبأي مادة أو تقنية.. أو فكرة يخطط الرسام عمله ويوصله حيث الاكتمال.
سؤال دائما يستفز الفنان ويستوفز مخيلته كلما وقف أمام مسند اللوحة وأبعادها الأربعة، أو أشكالها المختلفة وما بينهما من بياض متوثب. وبشكل خاص في هذا العصر المتسارع الخطى، حيث سباق التكنولوجيا أخذ مداه الأبعد في الخيال حتى الوصول به إلى المحال، وما عملية الاستنساخ إلا واحدة من أمثلة هذا الصراع يقف الفنان مذهولاً أمام العديد من التواريخ والأحداث والصور والوقائع المتراكمة على بعضها يومياً، وهو الذي يسعى أن يكون الصانع والمساهم في مجارات هذه الأحداث والوقائع بخلقه الإبداعي سواء عن طريق الشكل أو الفكرة أو الجمال، وربما تحطيم كل ذلك وإرساء قيم جديدة مغايرة.
يقودنا ذلك إلى تلمس الفعل وحضور الفنان واستحواذه على ما تراه العين يوميا، وتجسيد ذلك بطرائق عديدة لشكل عياني ملموس، لكن بأفكار مختلفة.. كل حسب مفهومه ونظرته للأشياء.. فمن الفنانين الآن من يعتمد بشكل مطلق إلى ما يقوده التجريب والحرث فوق سطح اللوحة، بتراكم الاصباغ والمواد البنائية المختلفة، ومنهم من يحاول أن يرجع الرسم إلى عصور البدائية التشخيصية..  وأحيانا بنظرة معاصرة لوظيفة اللون والشكل، وفريق آخر تعدى الصورة حد التماهي مع التجريد وتفكيك ذراتها وأبعادها المعروفة.. لا لشئ إلا لزيادة الغموض والامعان في سحب المتلقي من ثقافة الصورة إلى اكتشاف عوالمها الخفية، وفريق آخر يحاول أن يتجاوز كل ذلك.. كمحاولة لإكتشاف الذات وجر الرسم إلى ذاتية مطلقة تتوسم في تجسيد أفكاره ولملمة تشظيها وضخها عبر سطح اللوحة لتخرج لنا مجهريات لونية تحلق في خيال الأفكار والتضادات المعاصرة.
هذا بدوره يرجعنا إلى الاسلوب.. وكيف يرى الرسام صنيعة فرشاته وكل ما أسس عليه من مرجعيات أو ابتكار محض.. بلوحة مكتملة، وربما سلسلة لا متناهية من الأعمال تقود بعضها للآخر.
يستشهد الفنان الامريكي "الارمني الأصل" آرشيل غوركي على صناعة اللوحة، حيث يقول: "حين تفرغ من عمل شئ ما، فذلك يعني أنه صار في عداد الموتى، أليس كذلك؟ أنا أؤمن بالأبدية.. لذا لم أكمل رسماً قط. أحب الرسم لأنه شئ لا أبلغ نهايته قطعاً. أحياناً، أنهمك بالعمل على خمس عشرة أو عشرين قطعة في الوقت ذاته، أفعل ذلك لأني أرغب في فعله، لأني أحب أن أغيّر أفكاري مراراً، لكن المهم هو الاستمرار في الرسم، وعدم أكمال الرسم.".
هذا المثال يعطينا فكرة، وإن كانت مدخلاً مبسطاً بعض الشئ لقراءة لوحات الفنان العراقي (المقيم في لندن) كاظم الخليفة ومجموعته الموسومة تحت عنوان إشكالي ومركب "بحث لأجل لوحة".
رسمت جميع لوحات هذه المجموعة خلال شهراً واحداً وبحجوم واحدة (50 سم×50سم).. ومن هذه الدلالة نفهم أن الفنان الذي تجاوز الثلاثة عقود في بحثه الفني والمقل بعض الشئ بمعارضه الشخصية (أقام معرضين عامي 2001 و 2003 على قاعة بوسك وسط لندن بعد قطيعة دامت تسعة سنوات عن آخر معرض له على قاعة غاليري الأربعة في لندن عام 1993 )، وصل إلى حالة ذاتية شديدة الحساسية، وإلى ظاهرة تثير الأسئلة الكثيرة.

فبدءا من العنوان الإشكالي (بحث لأجل لوحة) حيث يحاول الخليفة أن يبقينا في منطقته الخاصة، وما آل أليه بحثه ونتائجه التي يراها مختلفة عن الكثير مما يعرض الآن، يبرز السؤال الأول، وهو هل يعني الفنان هنا قطيعته مع صلته المباشرة باللوحة وبداية بحث جديد يغير فيه من مفهومه وأرثه الإبداعي السابق، وهل أدار ظهره لكل الموروث الفني وأعتبره عاجزا عن تأسيس جديد  يقوده لفاعلية أكبر.
لا أظنه يقصد شئ من ذلك.. فلوحات مجموعته الجديدة هي امتداد لمعرضه السابق (دراسة السطح) وإن جاءت أكثر ليونة وإسترسال وحيوية، وكأنه يقذف بانفعاله مرة واحدة.. مجسداً انغماره الكلي وتماهيه، بلحظة لا يود الهروب منها.. أو كما يسميها: (تلك اللحظات التي تأتي وكأنها مصادفة أو عن وحي والهام، كيف يمكن استدراجها ومسكها، وإدامة التحكم فيها، أي أمكانية امتلاك الحرية "الفن" ولمسه لمس اليقين). وفي هذا التضمين نلمس ما يجول في دواخل الفنان من إرهاص لا يبارحه إلا بعد أن يقذف بمكنون روحه وهياجه وقلقه الدائم.

يحاول الخليفة هنا أن يتستر بتماسكه الذي سرعان ما نراه يشتط بعيدا، وكأنه يخيط قصصه السحرية مع بعضها برسم مجموعة متصلة من اللوحات ذات كيان واحد، لكن بصور وحالات وإنشاء مختلف ومتباين تماما، مقسمها لمجموعات رغم أنها جاءت بفترة زمنية متقاربة جداً. فمن مجموعة أعماله التي خصها "بتمهيد رقم واحد".. نرى انه بقي لصيقا لتجربته السابقة برسم فضاءات وتفاصيل حياته المدينية، حيث ثقل المدينة ككيان ضاغط ومتشظي في كل مفاصلها، مما جعله يعتمد فيها البناء التقليدي وتراكم الطبقات محققا ذلك بأدوات صلبة نسبياً، ومعتمدا فتح الإنشاء فيها للخارج وتحجيم التصميم إلى أبعد حد، أو ترحيله إلى حدود المفردات وعلاقاتها مستخدماً وحدة الأضداد والتكتلات اللونية، وكما نجح في أعماله السابقة الأكبر حجما، نشاهده هنا كمن يريد تزيع إنشاءاته إلى أقصى حد، ربما يأتي ذلك تعبيراً عن الضغط النفسي الذي يثقل كاهله تجاه غربته التي طالت كثيراً وما يشاهده من وحشية تغلف الكون وترمي بأرض أحلامه لأتون الدمار.
ويتوسع بتفاصيله في "تمهيد رقم 2" من خلال حجم المفردات المبثوثة بانفعال تارة وبانسجام أخاذ حيناً آخر، حيث الانثيال وتعدد الألوان ومصادر الضوء الخارجي النافذ خلل التفاصيل العديدة التي تحتشد لوحته بها وكأنها عالم مستل من وسط المدينة وصخبها، ليس فرحا، لكن بريبة من يتعامل مع هذا الكيان العنيد الذي يضغط على الجسد والروح ويثقل عليهما.وتتميز أعمال "تمهيد رقم 3" بالتخطيط والإنشاء المحكم، وتعدد زوايا النظر، حيث تظهر لنا الكتلة والتصميم بوضوح تام، وباعتقادي أنه عبر هذه اللوحات الثلاث كان يشتغل بوعي ودراية تامة لما ستؤول فيها النتائج، ولم يكن للصدفة من فعل.. والتأكيد على ذلك هو تعدد أدوات التنفيذ باستخدام الفرشاة والسكين ووسائط مختلفة مما عزز حركية الموضوع وتأويلاته، حيث يعقب  على تجربته في هذه الأعمال قائلاً: (صرت أقترب قناعة وعاطفة من فكرة اللوحة كواقعة وحدث). وهذا باعتقادي يجئ جواباً على تساؤله المضمر في العنوان الرئيسي للمعرض "بحث من أجل لوحة" فهذه الأعمال كما غيرها أتت من الواقع وليس من خارجه وفيها بحث مضن عن الجديد في تناول مفردات الحياة، مع الشك والقلق الدائم الذي ينتاب الفنان من جدوى التفاصيل ورسم الواقع كما هو.
ويخلص في "تمهيد رقم 4" إلى صفاء ورقة وهدوء غير معتاد، بسلسلة تكمل بعضها البعض، متجاورات باللون والانشاء.. تعتمد على أحادية اللون وضلاله وتدرجاته، مختصراً فيها الكثير من المفردات المحتشدة في بعض أعماله.
لكنه سرعان ما يتحول باحثا عن التفاصيل مرة أخرى، حتى لو كانت في قاع نهر صغير ومهمل، كما جاءت أعماله في "تمهيد رقم 5" بوفرة التكوينات والخطوط المتشابكة ومساقط الضوء.. حيث تنمو الطحالب وتغطي الماء الآسن على حواف النهر مع تركات المدينة الصناعية التي تخنق بدورها حيوات النهر اللائذة بطميه أو نافقة على سطحه.
وكما أتت أعماله الاخيرة "تمهيد رقم 6" كتقريض للطبيعة وعدم مبارحته الأثر أو الخيط الذي يشد حياته "كيانه" وإحساسه المثقل بالفجيعة، فالطبيعة لدى الخليفة هنا هي الحاضنة للآلام وهي الاحساس المزمن بالفقدان لما هو جميل ويترك أثراً.. أو ندوباً لا تزول. مستلهماً من الفنان فرانك أوهارا تعريفه للفنان كونه: "معذباً بشك ذاتي ومبرحاً بالقلق".
 الفنان الخليفة أحد الذين تشغلني دراستهم كظاهرة فنية مبدعة وواعية، فمنذ تخرجه من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1973 ومن ثم تقديمه عروضه الفنية داخل وخارج العراق، كان يمتلك فرادة بين مجايليه في عدم الوقوع بالسائد وسطوة الموضوع على شكل العمل الفني أو النهل الحرفي من التراث وإسقاطه على الاسلوب والمعالجة أو الوقوع في مطب الأدلجة الفنية والسياسية، رغم إلتزامه السياسي التقدمي آنذاك وبسط هذا التوجه على تلك المرحلة بشكل عام. بل كان يشغله البحث وهاجس المغايرة مع المألوف الواقعي ودراسته الجادة للفن وللأدب وعلاقاته مع بعض الفنانين والأدباء المتمردين خلق لديه حالة من التفرد ستنعكس في أعماله اللاحقة وتطور أدواته واسلوبه الفني الذي عرف به منذ بداياته بطاقة داخلية وهاجس لا يفتر نحو البحث والتقصي والوصول إلى غاية الإبداع ومبتغاه.
فقد رفض منذ البداية التشخيصية في العمل الفني رغم امتلاكه الحس الأكاديمي القوي ورغم تظمين أعماله بعض المفردات والعناوين الأدبية والفكرية والسياسية، إلا أنه بقي وفياً لنهجه التعبيري ومن ثم التجريد الحر ورؤية الأشكال بعين طائر يرى الأشياء بصفائها المحظ، ولا يخفى هنا بعض تأثيرات الفن الأمريكي والانكليزي عليه الذي يعتمد اللوحة كحقل تجريب ودراسة وتشكلات لونية تحتل مجال اللوحة بالتمام تستعصي فك رموزها حتى على العين المدربة.


الفنان كاظم الخليفة 
مواليد 1948 العمارة- العراق.
تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة- بغداد 1973.
شارك في معارض جماعية داخل العراق للأعوام 1971, 72،73، 74،75، 76
غادر العراق منذ عام 1979 وتنقل بين ايطاليا والجزائر وانكلترا.
له مشاركات عديدة منذ عام 1971 ولحد الآن  في برلين وايطاليا ولندن.
معرضا شخصياً على قاعة غاليري الأربعة في لندن عام 1993 بعنوان مسودات حرب.
معرضاً شخصياً على قاعة غاليري بوسك في لندن عام 2001 بعنوان دراسة سطح.
معرضا شخصياً على قاعة غاليري بوسك في لندن عام 2003 بعنوان بحث لأجل لوحة.



#كريم_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذاكرة والمكان في أعمال الفنان جون نقاشيان
- الفنان صالح حسن ممثل يتحدث بلغة الجسد على خشبة المسرح
- الضوءُ يشفُّ عَنكِ
- الوضع العراقي الراهن.. بين خيار الفوضى والاستقرار
- بلاد خلف أبعادها تهوي
- ليس انتصاراً لجاسم المطير بل من أجل الحقيقة- دعوة للتسامح


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم النجار - الفنان كاظم الخليفة بحث لأجل لوحة.. وتفاصيل في فوضى الواقع