|
-الوعيد- و-الصفقة- في خطبة مشعل!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2407 - 2008 / 9 / 17 - 04:59
المحور:
القضية الفلسطينية
ثمَّة "ديمقراطية" من نمط "لا تقربوا الصلاة.."؛ ونراها، على خير وجه، عند بعض القادة الفلسطينيين، فهؤلاء، الذين هم في الأصل لا يدينون بالديمقراطية وإنَّما يدينونها في بواطن موقفهم منها لكون الجهر بذلك الآن يتعذَّر عليهم، يُظْهِرون حرصاً شديداً على أن يُظْهِروا أنفسهم لخصومهم في الداخل والخارج على أنَّهم يؤمنون فحسب بشرعية التمثيل السياسي (للشعب) المستمدَّة من الانتخابات، أو من صندوق الاقتراع، فحسب.
هل قطاع غزة محتل إسرائيلياً؟
الإجابة البرغماتية (غير الموضوعية) التي يفضِّلون إنَّما هي "كلاَّ، ليس بمحتل، فهو محرَّر؛ ولكن محاصَرٌ".
هل الضفة الغربية محتلة إسرائيلياً؟
إجابتهم الآن هي "أجل، إنَّها محتلة".
ومع ذلك، فـ "الانتخابات السياسية الحرَّة" ممكنة وضرورية، فالاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، واستمرار حصار قطاع غزة، والفصل الإسرائيلي بين الشطرين، هي جميعاً أمورٌ لا تمنع، ويجب ألاَّ تمنع، أن تجرى انتخابات لرئاسة السلطة الفلسطينية في "اليوم الدستوري المقدَّس"، أي في التاسع من كانون الثاني المقبل!
قد يبدي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "ضعفاً سياسياً"، سببه أخلاقي، في مواجهة هذا "التحدِّي الديمقراطي العظيم"، الذي شُهِر في وجهه من هناك، أي من حيث تزدهر "شرعية التمثيل السياسي المستمدَّة من صندوق الاقتراع الشفَّاف"، فَيَقْبَل أن تجرى انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية في التاسع من كانون الثاني المقبل.
قد يبدي هذا "الضعف"، فتبدي إسرائيل بعضاً من قوَّتها في العرقلة أو الإعاقة أو المنع، مكرهةً الناخبين الفلسطينيين على البقاء في بيوتهم "يوم الانتخاب"، فما الذي يمكن أن يقوله، أو يفعله، مشعل عندئذٍ؟
لن يكون لديه من خيار إلاَّ أن يقيم الدليل على صدقية تهديده ووعيده، أي أن يُعْلِن "انتهاء شرعية" الرئيس عباس الذي ظلَّ في رئاسة السلطة الفلسطينية من غير انتخاب!
الفلسطينيون لديهم كل شيء؛ لديهم "الوطن المحرَّر الحر"، و"الدولة المستقلة ذات السيادة"، و"الرخاء السياسي الداخلي"، الذي تحسدهم عليه شعوب الأرض؛ وعليه، لن يَجِد مشعل عُذْراً للرئيس عباس إنْ هو سعى (على نحو يتسم ولو بشيء من الالتزام القانوني والدستوري) إلى البقاء في منصبه حتى إجراء انتخابات متزامنة للمجلس التشريعي ولرئاسة السلطة سنة 2010؛ وكيف له أن يَجِد له عُذْراً والفلسطينيون جُبِلوا على العيش في ظلال "نظام حُكْم ديمقراطي"، ولا ينقصهم شيء لإجراء انتخاباتهم في مواعيدها الدستورية؟!
إذا ارتكب الرئيس عباس هذه "الجريمة الدستورية" فإنَّ مشعل، بوصفه حارساً لـ "النظام الديمقراطي الفلسطيني"، لن يتردَّد، عندئذٍ، في إعلان نهاية شرعية الرئيس عباس، وشرعية حكومته، وشرعية منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها، فهو أعلن في "الخطاب الرمضاني الدمشقي" ذاته أنَّه "لن يعطي الشرعية" للجنة التنفيذية للمنظمة؛ لأنَّها لم تأتِ من طريق الانتخاب، وإنَّما من طريق التعيين؛ ولأنَّها "محنَّطة".
لو سُئِل مشعل "من هو الممثِّل الشرعي للشعب الفلسطيني الآن؟"، فلن يجيب إلاَّ بما يؤكِّد للعالم أن لا وجود لهذا الممثِّل الشرعي، فـ "المنظمة"، وإلى أن تتمثَّل فيها "حماس" على النحو الذي يرضيها، وإلى أن تتغيَّر سياسياً على النحو الذي يرضيها أيضاً، ليست بالممثِّل الشرعي للشعب الفلسطيني. وحكومة فياض ليست كذلك. وحكومة هنية المقالة قد يشقُّ عليها (لأسباب وجيهة) أن تدعي تمثيل الشعب الفلسطيني كله. أمَّا رئيس السلطة الفلسطينية فهو، إذا ما تحلَّى مشعل بمنتهى المرونة في الحُكْم، يمكن أن يتمتَّع بشيء من الشرعية في تمثيل، ليس كل الشعب الفلسطيني، وإنَّما جزء منه، هو بعضٌ من أهل الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومع ذلك، ها هو يُعْلِن أنَّ بقاء الرئيس عباس في منصبه من غير اتِّفاق بعد التاسع من كانون الثاني المقبل لن يبقي على شيء من بقايا "التمثيل السياسي الشرعي للشعب الفلسطيني"!
أمَّا إذا أردنا فهم هذا الكلام، الذي فيه من "السياسة الفلسطينية" ما يصلح دليلاً على تلاشيها، بشيء من "الميكيافلية" فقد نقف فيه على شيء من معاني "الصفقة"، فمشعل كأنَّه يقترح على الرئيس عباس "التمديد" في مقابل تأليف حكومة فلسطينية جديدة برئاسة حماس، وتسيطر عليها "حماس". إنَّه، أو كأنَّه، يقترح عليه تأجيل انتخابات الرئاسة في مقابل التخلِّي عن فكرة الانتخابات المبكرة للمجلس التشريعي الذي تهيمن عليه "حماس".
إنَّ خير عملٍ يمكن أن يؤدِّيه الرئيس عباس الآن، أو في التاسع من كانون الثاني المقبل، أو بعده ببضعة شهور، هو أن يحذو حذو آخر رئيس للاتحاد السوفياتي غورباتشيوف، أي أن يكون آخر رئيس للسلطة الفلسطينية.
المهمَّة الحقيقية، ليست إجراء، أو عدم إجراء، انتخابات الرئاسة الفلسطينية في التاسع من كانون الثاني المقبل، وإنَّما العمل بما يلبِّي الشروط لولادة "مجلس وطني فلسطيني جديد"، بالانتخاب في المقام الأوَّل، أو حيثما أمكن، وأن تنبثق من هذا المجلس الهيئات والمؤسسات القيادية الجديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن تُعْلِن هذه المنظمة، بوصفها الممثِّل الشرعي الوحيد لكل الشعب الفلسطيني، حل كل هيئات ومؤسسات السلطة الفلسطينية (الرئاسة وحكومة فياض، وحكومة هنية).
لقد حان للسلطة أن تُحلَّ، وللمنظمة أن تعود، وللأمم المتحدة أن تضطلِّع بمسؤولياتها كاملةً في (وحيال) الضفة الغربية وقطاع غزة، بوصفهما أراضٍ فلسطينية محتلة، ولا خيار لأهلها سوى المقاومة حتى تولِّي المنظمة الدولية الإدارة المؤقَّتة لهذه الأراضي، فإذا قامت هذه الإدارة بعد (وبسبب) رفع الاحتلال الإسرائيلي، يصبح ممكناً عندئذٍ أن تعيِّن منظمة التحرير الفلسطينية وفداً جديداً لمفاوضة إسرائيل في أمر التوصُّل إلى اتفاق على حلٍّ نهائي.
"السلطة" ما عادت بالشيء الذي يلبِّي حاجة قومية (أو إنسانية) للشعب الفلسطيني؛ ولقد اسْتُنْفِد وجودها وعملها بما ألحق ما ألحق من ضرر كبير بالقضية القومية للشعب الفلسطيني؛ أمَّا سلطة "حماس" في القطاع فقد انتهت إلى "كارثة قومية"، وإلى استجلاب الحصار، والفشل التام في إنهائه، وإلى إنهاء العمل بخيار المقاومة العسكرية عبر اتفاقيات أمنية مع إسرائيل.
ذلك "المسار"، "مسار أوسلو"، حان له أن ينتهي، وأن تنهيه منظمة التحرير الفلسطينية، فهذا "المسار" إنَّما عاد بالنفع والفائدة على إسرائيل، وعلى كل من قضت مصلحته في إبقاء قطاع غزة على ما هو عليه الآن، وفي إبقاء العلاقة بين القطاع والضفة على ما هي عليه الآن، فكان الشعب الفلسطيني، مع قضيته القومية، هو الخاسر الوحيد.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-تجربة- تَحْبَل ب -ثورة فيزيائية كبرى-!
-
-القاعدة-.. لعبةٌ لمَّا تُسْتَنْفَد المصالح في لعبها!
-
عندما تتصحَّر -الليبرالية- ويزدهر -الليبراليون الجُدُد-!
-
تهاوي -ثقافة الحقوق- في مجتمعنا العربي!
-
-العرب الجُدُد- و-العرب القدامى-!
-
أُمَّةٌ تبحث عن فلك تسبح فيه!
-
ما ينقص -الفكرة- حتى تصبح -جذَّابة-!
-
-خيار أوكسفورد- لا يقلُّ سوءاً!
-
ثقافة -الموبايل- و-الفيديو كليب-!
-
لقد أفل نجمها!
-
أسبرين رايس والداء العضال!
-
خطر إقصاء -الأقصى- عن -السلام-!
-
العالم اختلف.. فهل اختلفت عيون العرب؟!
-
-الإعلام الإلكتروني- يشبهنا أكثر مما نشبهه!
-
-العلمائيون- و-السياسة-.. في لبنان!
-
-إيراروسيا-.. هل تكون هي -الرَّد-؟!
-
ثرثرة فوق جُثَّة السلام! -دولتان- أم -دولة واحدة ثنائية القو
...
-
ما معنى جورجيا؟
-
مات -آخر مَنْ يموت-!
-
الصفعة!
المزيد.....
-
شهقات.. تسجيل آخر محادثة قبل لحظات من اصطدام طائرة الركاب با
...
-
متسلق جبال يستكشف -جزيرة الكنز- في السعودية من منظور فريد من
...
-
المهاتما غاندي: قصة الرجل الذي قال -إن العين بالعين لن تؤدي
...
-
الهند وكارثة الغطس المقدس: 30 قتيلا على الأقل في دافع في مهر
...
-
اتصالات اللحظات الأخيرة تكشف مكمن الخطأ في حادث اصطدام مروحي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يشكر نظيره الأمريكي على رفع الحظر عن
...
-
-روستيخ- الروسية تطلق جهازا محمولا للتنفس الاصطناعي
-
الملك الذي فقد رأسه: -أنتم جلادون ولستم قضاة-!
-
زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب ألاسكا
-
سماعات الواقع الافتراضي في مترو الأنفاق تفتح أفقا جديدا في ع
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|