|
نزار قباني ؛ نموذج لزيف الدراما الرمضانية
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2407 - 2008 / 9 / 17 - 05:46
المحور:
الادب والفن
مسلسل " أسمهان " ، أعاد إلى ذاكرتنا ما كان قد جدّ بين أسرة مسلسل "نزار قباني"، وأسرة الشاعر الكبير ، المكونة حالياً من أولاده الثلاثة . وها أنا ذا هنا ، عبرَ هذا المقال المُستعاد ، أستجلبُ أسئلة تراود ربما القاريء ، منذ أن أشيع خبر الخلاف بين عائلة " الأطرش " و القائمين على العمل الدرامي ؛ " أسمهان ". وبما أنّ هذا الأخير ما فتأ في طور العرض ، فإنني أقدّم هنا عرضاً للمسلسل الأول " نزار قباني " ، والذي على رأيي يعزز تلك الأسئلة الهاجسة بشرعيّة العمل على سيرة شاعر ، أو فنان ، في الدراما السورية ووفق شروط الرقابة والإعتبارات الاخرى ؛ سياسية وإجتماعية وفكرية ، على السواء . وسأعترف منذ البدء ، بأنني أخترتُ حلقتيْ البداية من المسلسل ، لكي أشير لتلك الأسئلة ، الموسومة آنفاً . وربّ امرءٍ سيبتدهني بتساؤله ، عما إذا كانت حلقتان من مسلسل تلفزيوني ، في ثلاثين حلقة ، تجيز لي الحكم على العمل ككل ؟ وأعتقدُ من جهتي ، بأنّ الأمر مشروعٌ وجائزٌ؛ خاصة إذا عرفنا أنّ الثغرات الخطيرة في ذلك العمل ، قد تبدّت للعيان مباشرة ً منذ الحلقات الأولى ، إن كان على صعيد الحوار أم الشخصيات أم لعبة الزمان والمكان.. وغير ذلك من مكونات العمل الدرامي . عزوفي عن التعاطف مع هذا المسلسل ، في واقع الحال ، كان عائداً لمشاعر المحبة والوفاء التي تشدني إلى شاعر مدينتي الخالدة ؛ المشاعر التي هجستُ ، فوراً ، بتغرّبها عن العمل أو على الأقل ، ضبابيّتها وتماهيها بمواقف مفتعلة ، غريبة عن أجواء الشاعر ومحيطه الحميم . فبيت الطفولة القبانيّ ، المشعّ بإلفة غامرة و الذي يا ما تغنّت به قصائد شاعرنا ، هو غير المنزل الذي عرضه لنا المسلسل ؛ إذ تتخلله مسحة ٌ مقيمة من الكآبة والضجر ، وإنتفاء أحاسيس الحرية و الأنس والبهجة ؛ الأحاسيس الضرورية لتكوين شاعر مرهفٍ لم يدُن سوى بالحب عقيدة ً وخلاصاً . هذا على الرغم من ضرورة تنويهنا بجهد المخرج ، في إيحائه بطراز البيت الدمشقيّ ، العتيق ، المميز بعمارته الداخلية المتقنة وتقسيماته وباحته السماوية وحديقته المنمنمة وبحرته السلسبيل . هاهو نزارُ ، الطفلُ الجميل ، الأثيرُ بين إخوته عند الأم الحنون ( والتي تؤدي دورها ، الفنانة القديرة صباح الجزائري ) ، بما يعتورها تجاهه من قلق خفيّ إثر تعرضه لحادث أليم ، عابر . وثمة أنثى اخرى في المنزل ، منحته كل الحب والرعاية ؛ وهي الشقيقة الكبرى ، " وصال " ، التي ستشكل مأساة ُ موتها المبكر ، لاحقاً ، عاصفة َ التمرد على التقاليد المتزمتة ، والمنطلقة من صوت الشاعر المدوّي ، دفاعاً عن المرأة وكيانها وحريتها . لقد نجح المسلسل ، إلى هنا ، في إستيعابه للشروط الإجتماعية المكونة لشخصية نزارنا الطفل . لولا تلك المطبات الإنفعالية ، المقحمة في النص ، سوقاً لمبررات سياسية ، راهنة ، تستدعي إستجداء الماضي مشوّهاً ، مزيفاً ، وعلى مقاس أهل السلطة وتوجهاتهم وأهوائهم المتقلبة ؛ كما عودتنا " مآثر " الدراما السورية ، المتلاعبة بالمسألة التاريخية في مرورها بحقب الإحتلال التركي والإنتداب الفرنسي و إلى الإستقلال والإنقلابات .. وصولاً إلى الثورة المجيدة !
إن المشهد اليتيم ، في الحلقة الأولى ، الموحي بالزمن التاريخي ، إقتصر على محاورة سريعة بين والد الشاعر ( يؤدي دوره الممثل المخضرم أسعد فضة ) ، وبين صديق له من مجاهدي فلسطين . يعاتب الأب صديقه لتركه صفوف المجاهدين ، ويكون تبرير الرجل أنّ هؤلاء أذعنوا لضغوط الحكومات العربية بخصوص تقسيم فلسطين إلى دولتين ؛ عربية ويهودية : المستغرب هنا ، أن المخرج باسل الخطيب ( وهو الفلسطيني الأصل ) لم يتنبه إلى الخطأ التاريخي ، الفادح ،لذي أوقع به المسلسل ، كاتبُ السيناريو ، العتيد ؛ ذلك أن مشروع التقسيم ، لم يطرح في فترة ثورة عام 1936 ، بل بعد هذا التاريخ بأكثر من عشر سنوات ؛ وتحديداً في عام 1947 ، أي إثر إنتهاء الحرب العالمية الثانية ونشوء الأمم المتحدة ! وفي الحلقة الثانية ، أيضاً ، سيتحفنا الكاتب نفسه بمطبّ تاريخيّ ، لا يقل فداحة عن سابقه . فيطالعنا في صدر الشاشة الصغيرة تقويم زمنيّ (1943)، يوحي بإنتقال شاعرنا إلى مرحلة الصبا ؛ أي أنه دخل في العقد الثاني من عمره . نحن ، إذاً ، في السنة ذاتها ، حينما يشاءُ أهلُ الدراما إقحام إمرأة فلسطينية في مشهد يصوّر بطلنا منحنياً على قبر أخته الحبيبة وبيده وردة جورية ، حمراء . يتداعى إلى فهم المشاهد ، من خلال المحاورة بين نزار الفتى وحارس المقبرة ، أنّ المرأة تبكي زوجها الذي حمل جراحه إلى الشام لاجئاً ، حيث مات على الإثر متأثراً بها : نشدتكم الله ، أليس أطفال المدارس عندنا يعلمون أنّ الفلسطينيين نزحوا إلى سورية ، وغيرها من الدول العربية المجاورة ، بعد نكبة 1948 ؟؟ نعم . ولكن المطلوب من أصحاب المسلسل اللعب بالتواريخ وأحداثها، ما دامت " فلسطين " هي التجارة الرابحة لأصحاب السلطة ، المحظوظين ! وكأنما عدمت سورية الثلاثينات والأربعينات أحداثاً جساماً ، غير هذه المأساة ، وعلى الرغم من أهميتها الكبيرة ؛ أحداثاً هزت العالم كله ، وقررت إلى هذا الحدّ أو ذاك ، مستقبل بل وكينونة الوطن الذي أنجب نزاراً. فتنامي رقعة الفاشية على الخارطة الأوربية ، إستدعى إنقساماً حاداً ، بين مؤيد لها ومعارض ، طبَعَ جيل شاعرنا بشكل عميق ، خاصة ً مع نشوب الحرب العالمية الثانية ؛ الحرب العظمى ، التي مازالت ذكرياتها تدغدغ مشاعر ذلك الجيل نفسه الذي عاصرها، بينما لانجد لها أثراً في حياة مجتمع دمشق مسلسل "نزار قباني " ! ففي المدارس الثانوية ، والمسماة بـ " التجهيز" زمنئذٍ ، إحتدمت المشادات بين الطلبة ، إناثاً وذكوراً ، من المنقسمين بين ذينك المعسكرين المتخاصمين ؛ وخاصة ً القوميين السوريين والشيوعيين : بينما أتحفتنا هذه الدراما بصورة مخملية ـ أين منها رومانسية الدراما المصرية السقيمة ـ عن مدارس ذلك الزمن ، حيث التلميذات لا شاغل لديهنّ إلا تسقط أخبار الشاعر الدونجوان ؛ الشاعر الذي لمّا ينشر بعد ديواناً واحداً أو قصيدة يتيمة حتى : بهذه الحالة ، وعلى رأي حكماء الدراما ، فلا ثورة ولا يحزنون مادام كل شيْ على طبق الإنتداب الفرنسيّ كان رائعاً وشهياً ؛ اللهمّ إلا قليل من بهارات فلسطين ! وماذا عن المشهد الإجتماعي ، في هذه الدراما ؟ يقيناً ، لا السيناريست ولا المخرج قد أقنعا المشاهد بمعرفة أي منهما لما كان حاله ذلك العصر ؛ لا بل ويجوز القول ، أنّ هذا المشاهد ربما يملك وعياً في ذلك يفوق وعيَ الفنانيْن العتيديْن : فهل من المنطقيّ أن تتجوّل تلميذات دمشق الأربعينيات ، سافرات وبزينة تحسدها عليهنّ تلميذة القرن الواحد والعشرين ؟ ناهيك أن الواحدة منهنّ لا تنقصها الجرأة في مصارحة أهلها بعشقها للشاعر الوسيم ذي العينين الزرقاوين ، وتتبادل معه الحديث الغراميّ عبر الهاتف بثقة بالنفس لا شك أنها كانت تنقص فتيات هوليوود عقد الأربعينيات ، السعيد !
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لن تطأ روكسانا
-
مَراكش ؛ مَلكوت المُنشدين والمُتسكعين
-
فلتسلُ أبَداً أوغاريتَ
-
ثمرَة الشرّ : جادّة الدِعَة والدّم
-
برجُ الحلول وتواريخُ اخرى : الخاتمة
-
العَذراء والبرج 4
-
العَذراء والبرج 3
-
العَذراء والبرج 2
-
العَذراء والبرج *
-
الطلسَم السابع 6
-
محمود درويش ، الآخر
-
الطلسَم السابع 5
-
الطلسَم السابع 4
-
زمن السّراب ، للشاعر الكردي هندرين
-
الطلسَم السابع 3
-
الطلسَم السابع 2
-
دمشق ، عاصمة للمقتلة الجماعية
-
الطلسَم السابع *
-
أسمهان : أيقونة وأسطورة 2 2
-
أسمهان : أيقونة وأسطورة
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|