صباح البياتي
الحوار المتمدن-العدد: 2404 - 2008 / 9 / 14 - 06:21
المحور:
الادب والفن
المَبنى في أقصى الشّـارع ِ
ليسَ بعيدا ًجدّا ً، بضعَ مَتاجر،
لمْ أتَبَيَّنْ في صَفْع ِالرّيح ِسوى هَمهَمةٍ مُبهَمةٍ لمَشاةٍ يَنسَلـّونَ وراءَ الباصِ ، فأدلـُفُ ، يلفَحُ وَجهي دِفءُ المقهى ،
منذ ُزَمانٍ ، لا أتَذكَّرُ كـَمْ بالضَّبطِ،أمُنذ ُخَريفِ العام ِالماضي لمْ آتيْ؟
أتكوَّمُ خلفَ زجاجِ المبنى عندَ الطاولةِ الخشَبيّةِ،
يخلو البهوُ من الروّادِ سوى شيخٌ عربيٌّ
راحتْ عيناهُ تلاحقُ سطورَ جريدَتِهِ العربيّةِ،
أخبارُ الحربِ على بغدادَ وسعرُ النّفطِ وكيفَ تطافَرَ
نحوَ المجهولِ على إيقاعِ طبولِ الغزوِ القادمِ،
يشفطُ من كوبِ القهوةِ،يومئُ،يأتي النّادلُ
يسكبُ بعضاً منها في كوبِ الشّيخِ المسلوبِ الروحْ
في الخارجِ خلفَ زجاجِ المقهى
تذرو غمغمةُ الرّيحِ بلاطَ السّاحةِ
تغتسلُ الطرُقاتُ المبتلّةُ وتلمعُ أكثرَ من ذي قبلْ
يعتدلُ الشّيخُ ويغمسُ نظرتَهُ في أغوارِ الصّفحةِ،
أخبارُ الحربِ على بغدادَ ورائحةُ النّفطِ النائمِ في الأعماقِ
وقعقعةُ الحرَسِ الجّمهوريِّ وهذا الحشدُ العائمُ في البحرِ
على أبوابِ البصرةِ يتأهَّبُ للزحفِ،
تُرى أيّ بلادٍ مثلُ بلاديْ
يتهاوى فيها الأطفالُ كما أوراقٍ فارَقَها النَّسْغُ
وأقعدَها القمعُ وأنهكها النَّزفُ
وأغرى فيها كلَّ لصوصِ الأرضِ
فراحتْ تتفرَّسُ في سَحناتِ الغُرَباءِ
وأرتالٍ دجَّجَها النّفطُ النّوويّ
أيّ بلادٍ مثلُ بلاديْ
يفتحُ حاكمُها ملئَ ذراعيهِ لأفواجٍ مملوكيّهْ
مَنْ للمستعصمِ باللهِ يضئُ الليلةَ
أروقةَ اللغزِ المسكونةَ بالظلُماتِ
يقودُ خطاهُ الى بابٍ يفضيْ للحكمةْ
ينفضُ عنْ بغدادَ غباراً سأمتهُ جيادُ التّأريخِ
تخبّئُ منها للريحِ أعنّتَـها وحَوافِرَ للذكرى
مَنْ ينكأُ صمتَ البحرِ
مَنْ يخدشُ صمتَ النّخلِ المعتكفِ في عُمقِ النسيانْ
حشودٌ يتصبّبُ من شهوتِها المسفوحةِ في أبوابِ البصرةِ
لونُ الموتْ
ومذاقٌ عتّقهُ طعمُ البارودِ المنتصبِ
في أعمدةٍ تُطلقُ في وجهِ الكونْ..
........................................ديسمبر 2002
#صباح_البياتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟