أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - تلك من أنباء القرى التي أنفلت















المزيد.....



تلك من أنباء القرى التي أنفلت


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2403 - 2008 / 9 / 13 - 10:14
المحور: الادب والفن
    


في هذه الليلة..الأرض الخصبة لمعتقل الأنفاس/تزرع ممر صدري جيئة وذهابا/ببساطيل حادة كالشفرات/في هذه الليلة ربطت آلامي/على ظهر الصرخات]..(شيركو بي كه س)
***
ـ ماما..لماذا ينام هذا الرجل على فراش بابا..؟؟
ـ هسسسس..لا ترفعي صوتك،سيذبحنا بسكينه.
ـ السكين يذبحون بها الدجاج..ماما.
ـ نحن دجاجاتهم يا بنتي.
ـ ماما..لماذا لا نبيض إذا كنّا دجاجاتهم.
خنقت المرأة غصّة تدفقت في حلقها،كانتا متكورتان،تحتضن المرأة رأس صغيرتها،وليل آذار يثلج جسديها،تحاول أن تبعد البرد المتسلل من أسفل الباب عن طفلتها ببطانية تلفها حولهما،وعلى سريرٍ حديدي في نهاية الغرفة،جسد متهالك يواصل بث نتانة أنفاس،عبر زفيرٍ صائت،رائحة عرق وحشرجات صوت تتداخل معها عواءات ذئاب غير مسبوقة وأصوات غريبة تتبعها ارتجاجات الأرض وطلقات بنادق متقطعة تشرخ صمت الليل ما بين لحظة ولحظة،ظلّت الطفلة مستفزة غير واعية ما جرى وما يجري،تحاول جهد مسعاها أن تستوعب شيئاً،تريد أن تعرف هذا الغريب النائم على سريرهم،تريد أن تصل إلى سر أمها،لم تألف من قبل احتباس الدموع في عينيها،من جديد بثت الروح لجسد أمها لحظة قرّبت فمها الحار من أذنها..همست :
ـ لا تكذبي علي يا ماما،لماذا ينام هذا الغريب معنا.
ـ هسسسس..جاء ليذبح بابا.
ـ وهل بابا دجاجة ليذبحه.
ـ الحكومة تعتبره دجاجة.
صمتت الطفلة برهة وهي تحاول أن تجد شيئاً في الظلام..همست :
ـ ماما..قولي له بابا ليس دجاجة،قولي لهم بابا رجّال.
ـ سأقول له ذلك عندما ينهض.
ـ ماما..إذا ذبح بابا وهل يأكله.
ـ هسسس..قلت : لا ترفعي صوتك يا بنتي.
ـ أريد أن أعرف لماذا يريد ذبح بابا.
ـ الحكومة تذبح كل من يكرهها.
ـ وهل تكرهين الحكومة يا ماما.
ـ أنا وبابا نكرههم.
ـ ماما..أنا أيضاً سأكره الحكومة عندما أكبر..!!
***
رغبة تنمو وتلح،موج يكبر ويتناثر،ترغب أن تلبي نداء آتياً من أعالي جنسها،ترتجف وعيناها تحرثان صمتاً مخادعاً وسواداً يتكاثف،وكلّما تهل لحظة الحسم تنهض طفلتها،بريئة تقف حجر عثرة وتميت فكرتها قبل اختمارها،شجرة ستظلّ بلا ماء(هكذا فكّرت)،رغم توافد ظلمة طاحنة وماجنة ما تني تغربل أحشاءها،مكتوفة اليدين تلقيها لتكتم أو تخنق كل رد فعل فيها،ليس بوسعها المضي قدماً أكثر مما مضت،الليل يأخذها،وأنفاس بغيضة تلوّث فردوسها،عليها أن تتخذ بيقين ثابت ما هو أنسب من قرار كي توازن ـ على أقل تقدير ـ ما بين الكفّتين،جروح نازفة تقرص جسدها،نبال قاسية في لحظة طغيان اخترقت أرضها الكريمة،وطفلة صغيرة أغنية(مريوان)،مخالب ضارية تمتد نحوها،تتشرنق من حولها،تبغي قطفها من حديقتها،مضت تشرخ بخيالٍ أنثوي جامح وجريح العتمة الخانقة،تحاول أن تنضج فكرة تتدفق وتتماهى فيها،رغبة أنثى محتلّة،تؤسس لانتفاضة عارمة،تريد أن ترد الاعتبار لكينونتها،بين إحجام وإقدام ظلّت مثل بندول أو رقّاص ساعة تتأرجح،تارة تدنو من حلمها وطوراً تتماسك وتطحن الهاجس المتنامي حين تشعر بأنفاس دافئة ولذيذة يحررها ثغر أبنتها..
***
من نظراته عرفت المرأة ما يختلج في نفسه،عينان قلقتان،قلب يفضح ما يضمر،شمّت بغريزتها الأنثوية نتانة جزّار يشحذ سكينه،بدافع أمومتها ضمّت صغيرتها إلى صدرها،ولبّت بتواضعٍ حذر ممزوج بخوفٍ أمره،لحظة أشار العسكري النحيف بمسدسه،أندفع الباب بعنف وهوتا معاً لحظة أرادت غلقه،جندي بلا شارب،متعرق الوجه مندلق اللسان شاهراً بندقيته رافعاً قدمه،رغم كثافة الدمع والألم المتنامي لمحت حذاء بحجم الفضاء،يريد الهبوط على رأسيهما،صاح الضابط النحيف من وراءه،فتحجر الحذاء وتوقف عن أداء شرف مهنته،نهضت المرأة وهي تضم صغيرتها وهرولت إلى الغرفة..
***
ماذا تعمل،خوف يعريها،ألم ينتشر كدبابيس ساخنة عبر عروقها،ليس ثمة مكان للهروب،سدّوا المنافذ،رأت كل شيء قبل أن تتوقف المركبات العسكرية،مروحيات تتجول في بساط الفضاء الشاحب،جنود متفاعلون وضبّاط يصرخون،كتمت أزيز أغوارها ووضعت رأس الطفلة في حجرها،سحبت(بطانية)وغابتا تحتها..
***
تأكدت من نوم الطفلة،متذكرة زحفت ببطيء،أسفل السرير صندوق خشبي فيه حربة اشتراها (مريوان)..ذات مرّة من عسكري جائع،قايض الحربة بنصف وجبة غداء،محترسة رفعت الغطاء ولمست النصل البارد،أرهفت السمع،كان الجسد يغرق في مستنقع بغيض،طفلة تمدها بقوة من خلال صوت أنفاسها،واثقة رفعت يدها وهوت،غرزت نصل الحربة في أرنبة بلعومه،طفر الجسد وسقط،متنمرة..لم تمهله فرصة لرد فعل أخير،أو إشعار رهطه المتناثر في ليل القرية،كتمت فمه بوسادة،محترسة سحبته ـ بعدما همد ـ وألقته في بئر الماء،متوجسة عادت ورفعت صغيرتها رغم لذعة البرد إنسربت إلى صمت الباحة،رهبة لا تدع فرصة للتفكير وبرد يجلد العالم،ذئاب ما تزال تواصل غناء التزاوج،في نهاية البيت حيث الجدار الحجري وقفت على أطراف أصابعها،أرادت أن تقرأ الصفحات المتفتحة من كتاب الليل،كائنات شيطانية تجثم عملاقة تبدو في سواد لا يرحم العيون،عناكب خبيثة تتكور في محاولة قنص،مفكرة تذكرت حفرة حفرها(مريوان)خلف بيت الخلاء ودفن ذات يوم فيها أكداس كتب يوم شاع وصول قوافل عسكرية لتفتيش البيوت،على خبب مشت إلى تلك الحفرة وهي تربت على ظهر طفلتها من وراء البطانية،وقفت على الحفرة،لم تعد تعرف لم جاءت وما نفع هذه الحفرة،هي ألقت بالجثة في البئر،ولم يعد ماءها صالحاً للشرب بعدما تلوّث،استدارت وتقدمت من زريبة الحيوانات،فتحت الباب وحررت ثلاث بقرات وحمار،لمحت كائناً يتلمس دربه،يخطو من وراء السياج الواطئ،انسحبت وتوجهت إلى خلف الدار،مصغية سمعت لهاثاً وأنيناً،أختنق الصوت،لمحت جندياً يلبس سرواله ورأت حمارة مرفوعة الذيل،محترسة لاذت بالصمت،اجتازت ممراً خلف البيت،مشت كثيراً بين الأحراش،تتلفت وتمشي،قبل أن يباغتها الفجر بثعبانٍ متماوج،وقفت أمام قافلة مركبات عسكرية تجأر في الغبش المتحلل،وقف الرتل،هبط أحد الجنود،بصوت لاهث صاح :
ـ وين رايحين.
جندي أسمر كان يندفع مهرولاً نحوهما.
ـ ما أعرف.
ـ تعالا معي.
قادهما،بدا الرتل متكاسلاً،وقف الجندي أمام مركبة صغيرة،رأس كبير برز من وراء الزجاجة..
ـ مين جايين..وين رايحين..
ـ ما أعرف.
تحرّك الرأس،قادهما الجندي الأسمر وأدخلهما حافلة تغص بالجنود..
ـ ماذا تعملين في هذا المكان.
رأت وجهاً مختلجاً،عينان فيهما خوف وبراءة وحياء.
ـ أروح بيتنا.
ـ لا تقولي هذا الكلام..(همس العسكري الوسيم)..
غمرتها راحة،بدأت الحافلة بالسير.
ـ ما أعرف أقول.
همس الجندي :
ـ سأتولى أمركما.
مع تسلق قرص الشمس رمح الشرق،وقفت القافلة قرب مطعم على الطريق العام، هبط الجندي الوسيم وهرول صوب الرجل الكبير،من وراء زجاج النافذة رأته يحاوره،تململت الطفلة،فتحت عينيها،نقرت المرأة ثغرها بأناملها :
ـ لا تـ..تـ..كـ..لـ..مـ..ي..
مهرولاً عاد الجندي يبتسم وهو يلوّح بورقة :
ـ حصلت على إجازة عشرة أيام.
توقف عن الكلام،أخرج من حقيبته(صمّونة)..قدّمها إلى الطفلة،ترددت قبل أن تتدخل الأم وتضعها بين يديها..
هدر صوت من بين الجنود :
ـ ألعب بيها ياعم..!!
ألتفت الجندي الوسيم ونحت عينيه في أحدهم..صاح :
ـ قشمر..حيوان.
ساد الصمت،ألتفت إلى المرأة،كان في عينيه ألم،ربما لكلام الجندي..قال:
ـ سنذهب معاً.
ـ وين.
قرّب فمه منها وهمس :
ـ أنقذتكم من الكلاب.
ـ أنت أخوي.
ـ قلت له أريد..أريد هذه..هذه المرأة..أن..أن..أ..أ..تـ..ز..و..جـ..هـ..ا..
دامعة ارتجفت أوصالها..أسعفها الجندي :
ـ لا تخافي،أنا مراسل الآمر،أنت أختي،أنا أمي كوردية..أردت أن أخلّصك منهم..
استردت هدوءها،كان قلبها ينبض بشدّة،دموع بدأت تنبجس من موقيها،بدأ الرتل يتحرك،كانت الطفلة تلوك بقايا(الصمّونة)،نقل الجندي بصره وراح يراقب المنازل المارقة،سكاكين بدأت تجرحها،سكاكين تخترق أغوارها وتمضي،تثاقلت أجفانها،وشاح ضبابي يقصيها عن ملامح العالم،رأت حشرات خبيثة تغزوها،حشرات تزحف كالسيل ،لم تبادر،ليس بها قوّة تجعلها أن تتحرك،أن تتلافى الحشرات الغازية،خائرة،فاقدة الإرادة ،غابت عن العالم..
***
تمشي السماء،تحاول رغم ارتعاشات جسدها أن تخنق صرخات أغوارها،نزيز دمع يتواصل،خوف يوّشح مساحة الرؤية،وأنفاسها تفضح ما يدور أو يتفاعل فيها،أين يجري بها هذا الجندي،يكاد يقنعها بخجله،ليس ثمة رغبة في مضارب الجحيم،أغمضت عينيها متظاهرة بالنوم،كان الجندي صامتاً يمسح الحقول المترامية،منحها الوقت الكافي كي تتفاعل أو تنسجم مع هذا التغير المفاجئ في إستراتيجية حياتها،لم يسألها عن وجهتها،كان يعرف بحكم قربه من مصدر الأوامر،أن القرى والأرياف صارت بجرّة قلم أو برنّة هاتف طلول ستغدو مآوي للضواري والأشباح،ظلّت بخوف تتحسس الجندي الجالس قربها،تريد بيان مراميه،وجه شبابي أسمر مليح،لمحت الكثير من الجنود،كانوا متعبين ملابسهم وسخة،فقط هذا الجندي،مرتب الهندام،حاولت أن تعرف معنى أن يكون الجندي مراسلاً،كلمة لم تسمعها من قبل،رغبت أن تعرف معناه ربما تمكنت من أيجاد أرضيّة لرد الروح لنفسها،لمحته يبتسم ربما فرحاً باصطياد أنثى غير مبالياً بما ترافقها من فتاة صغيرة ظلّت غير مرتاحة لرؤيته،وربما..فرحاً لإنقاذه هذه المرأة وطفلتها من مخالب سدّت الأفق ومضت تقتلع بقايا الحياة من جذورها،كان الجندي مزهواً يواصل تأمله وفرحه وكانت هي تبحث عن تفسير مقنع لما حصل ويحصل لها،وكانت الحافلة تشق أحشاء الشارع بسرعة متوازنة..
***
لحظة رأت وجوههم،فقدت رشدها،عرفت بغريزتها الأنثوية،رائحة كريهة تنبثق، توجست خيفة منهم،ليس من شيء تتسلح به،قدموا عازمين على أمرٍ جلل،ضمّت طفلتها إلى صدرها متقهقرة على مهل،تقدم الجندي بلا شارب،داعب جديلتيها المنسابتين على تفاحتي صدرها،مرتجفة دفعت يده،رغبت أن تلقي طفلتها وتغرز أسنانها في اليد النجسة،يدان من الخلف بددتا ما عزمت عليه،صارخة،متوسلة،تراخت متهامدة،مزقوا ثوبها،على صلابة أرض الغرفة تتابعوا عليها،كانت الطفلة تضرب الظهور العارية وهي تأخذ مكان أبيها،ظلام يسود العالم..نجوم ما عادت تستحيل إلى شهب راجمة،طفلة خالدة لصمت وذهول،ضابط حقير يدنس سرير فقير،سكاكين لئيمة تنغرز في أرض كريمة،وهن يشلّها..ومن جديد أعادت الطفلة لها الروح :
ـ هل أرادوا أن يذبحوك يا ماما.
ضمّتها وقبلّتها وراحت تمسح دموعها بشعرها.
ـ لقد ذبحوني يا بنتي.
فتحت الطفلة عينيها على سعتهما..قالت:
ـ لا تكذبي علي،لا يوجد دم على رقبتك يا ماما.
***
فتحت عينيها،أزاحت دموعها،رأت الجندي الوسيم يخالسها النظر..همس :
ـ لا تخافي.
غمرتها راحة،تمكنت من خنق الألم المتراكم في أحشاءها.
ـ أنت أبن حلال.
أبتسم الجندي وتشجع للحوار..همس :
ـ الحكومة كلاب.
ـ أنت تقول مثل(مريوان).
ـ من هو(مروان)..
ـ (مريوان)..(مريوان)زوجي.
ـ أين هو..!!
ـ خرج من البيت ليعمل.
ـ لو كنت أعرف مكانه لجئت به إليكم.
ـ أنت أبن حلال والله.
ـ لا تخافي منّي ستعيشان مع أمي وأخواتي،أمي كوردية من مدينة(خانقين)..
دمعت عيناها،رقيقة..شفافة..دافئة..تنحدر دموع عشاق الحياة والحرية،دموع الفقراء والمظلومين،دموع عيون لم تلطق غير سهام الرحمة والحب،فقراء دموعهم تنبع من خلجان الإنسانية،لأوّل مرة بدأت تعي الأشياء،بدأت تقرأ العالم كما هو مرمي ومقصي ومكتوم،عرفت أن هناك ملائكة بهيئة بشر،مندسون بين كلاب بهيئة بشر ،متنكرون، يقدمون المعروف بلا مقابل،بلا خوف..تمتمت الطفلة :
ـ لماذا تبكين يا ماما.
مسحت دموعها.
ـ أنا لا أبكي يا بنتي.
ـ عيناكِ فيهما دموع يا ماما.
ـ أخاف على بابا.
ـ وهل يذبحونه يا ماما..
تدخل الجندي الجالس يمينها :
ـ لا تخافي يا حلوة..سآتي بـ(باباك)عندما أعود..
***
ـ هذه الناصريّة.
ـ ناصريّة.
ـ سمّاها الملعون ذي قار.
ـ يا..ملعون.
ـ وهل في بلادنا ملعون آخر غيره..!!
***
عصراً..وصلوا زقاقاً،طرق الجندي باباً متواضعاً،خجولة..منطفئة بين أربعة فتيات وأم وجدت (بيخال)..مكاناً آمناً..
***
مات الجندي الذي أنقذها،مات رمياً بالرصاص،يوم خرجت(الناصرية)لطرد كلاب بشرية مسعورة غزت مدينتهم،رأت(بيخال)جثث ممزقة مرمية في الشوارع،بيوت تحترق على ساكنيها..
ـ أنتم أيضاً مثلنا.
ـ عفريت متى نتخلص من شره..(قالت أم الجندي وراحت تبكي).
***
كل فجر تجلس(نسرين)..تؤدي فريضتها،تحمل إبريق الماء،قرب قبرين متلاصقين،تسقي شجرة سدر،يتقدم شيخ يتلمس دربه بعكاز يجلس قرب ثلاثة قبور،يتقدم رجل ويبرك أمام خمسة قبور،تتقدم عجوز وتجلس قرب صف قبور،ومع ظهور قرص الشمس،تختفي مقبرة القرية بين حشود الباكين..
ـ هيّا نسرين.
باكية تنهض وتتبعهم..!!
***
ماتت(بيخال)..ماتت صبيحة اليوم التاسع من ـ مايس ـ سنة ـ 2004ـ فتاة صغيرة قالت:سقط عكازها،رأيتها تتدحرج من فوق الجبل،من يعلم..ربما تذكّرت ليلة ذبحوا كرامتها،ليلة التاسع من مايس العام ـ1986 ـ وربما ظنّت حتمية موت(مريوان)..على أية حال،كان صباحاً مؤلماً،زحفت القرية لتنتشل جسدها من أسفل الوادي الملتوي حولهم،حدث ذلك قبل عودة رفاة(مريوان)..من مقبرته الجماعية بشهر وبعد مرور سنة وشهر من عودة الأحفاد إلى أرض أجدادهم..!!
***




في هذه الليلة..الأرض الخصبة لمعتقل الأنفاس/تزرع ممر صدري جيئة وذهابا/ببساطيل حادة كالشفرات/في هذه الليلة ربطت آلامي/على ظهر الصرخات]..(شيركو بي كه س)
***
ـ ماما..لماذا ينام هذا الرجل على فراش بابا..؟؟
ـ هسسسس..لا ترفعي صوتك،سيذبحنا بسكينه.
ـ السكين يذبحون بها الدجاج..ماما.
ـ نحن دجاجاتهم يا بنتي.
ـ ماما..لماذا لا نبيض إذا كنّا دجاجاتهم.
خنقت المرأة غصّة تدفقت في حلقها،كانتا متكورتان،تحتضن المرأة رأس صغيرتها،وليل آذار يثلج جسديها،تحاول أن تبعد البرد المتسلل من أسفل الباب عن طفلتها ببطانية تلفها حولهما،وعلى سريرٍ حديدي في نهاية الغرفة،جسد متهالك يواصل بث نتانة أنفاس،عبر زفيرٍ صائت،رائحة عرق وحشرجات صوت تتداخل معها عواءات ذئاب غير مسبوقة وأصوات غريبة تتبعها ارتجاجات الأرض وطلقات بنادق متقطعة تشرخ صمت الليل ما بين لحظة ولحظة،ظلّت الطفلة مستفزة غير واعية ما جرى وما يجري،تحاول جهد مسعاها أن تستوعب شيئاً،تريد أن تعرف هذا الغريب النائم على سريرهم،تريد أن تصل إلى سر أمها،لم تألف من قبل احتباس الدموع في عينيها،من جديد بثت الروح لجسد أمها لحظة قرّبت فمها الحار من أذنها..همست :
ـ لا تكذبي علي يا ماما،لماذا ينام هذا الغريب معنا.
ـ هسسسس..جاء ليذبح بابا.
ـ وهل بابا دجاجة ليذبحه.
ـ الحكومة تعتبره دجاجة.
صمتت الطفلة برهة وهي تحاول أن تجد شيئاً في الظلام..همست :
ـ ماما..قولي له بابا ليس دجاجة،قولي لهم بابا رجّال.
ـ سأقول له ذلك عندما ينهض.
ـ ماما..إذا ذبح بابا وهل يأكله.
ـ هسسس..قلت : لا ترفعي صوتك يا بنتي.
ـ أريد أن أعرف لماذا يريد ذبح بابا.
ـ الحكومة تذبح كل من يكرهها.
ـ وهل تكرهين الحكومة يا ماما.
ـ أنا وبابا نكرههم.
ـ ماما..أنا أيضاً سأكره الحكومة عندما أكبر..!!
***
رغبة تنمو وتلح،موج يكبر ويتناثر،ترغب أن تلبي نداء آتياً من أعالي جنسها،ترتجف وعيناها تحرثان صمتاً مخادعاً وسواداً يتكاثف،وكلّما تهل لحظة الحسم تنهض طفلتها،بريئة تقف حجر عثرة وتميت فكرتها قبل اختمارها،شجرة ستظلّ بلا ماء(هكذا فكّرت)،رغم توافد ظلمة طاحنة وماجنة ما تني تغربل أحشاءها،مكتوفة اليدين تلقيها لتكتم أو تخنق كل رد فعل فيها،ليس بوسعها المضي قدماً أكثر مما مضت،الليل يأخذها،وأنفاس بغيضة تلوّث فردوسها،عليها أن تتخذ بيقين ثابت ما هو أنسب من قرار كي توازن ـ على أقل تقدير ـ ما بين الكفّتين،جروح نازفة تقرص جسدها،نبال قاسية في لحظة طغيان اخترقت أرضها الكريمة،وطفلة صغيرة أغنية(مريوان)،مخالب ضارية تمتد نحوها،تتشرنق من حولها،تبغي قطفها من حديقتها،مضت تشرخ بخيالٍ أنثوي جامح وجريح العتمة الخانقة،تحاول أن تنضج فكرة تتدفق وتتماهى فيها،رغبة أنثى محتلّة،تؤسس لانتفاضة عارمة،تريد أن ترد الاعتبار لكينونتها،بين إحجام وإقدام ظلّت مثل بندول أو رقّاص ساعة تتأرجح،تارة تدنو من حلمها وطوراً تتماسك وتطحن الهاجس المتنامي حين تشعر بأنفاس دافئة ولذيذة يحررها ثغر أبنتها..
***
من نظراته عرفت المرأة ما يختلج في نفسه،عينان قلقتان،قلب يفضح ما يضمر،شمّت بغريزتها الأنثوية نتانة جزّار يشحذ سكينه،بدافع أمومتها ضمّت صغيرتها إلى صدرها،ولبّت بتواضعٍ حذر ممزوج بخوفٍ أمره،لحظة أشار العسكري النحيف بمسدسه،أندفع الباب بعنف وهوتا معاً لحظة أرادت غلقه،جندي بلا شارب،متعرق الوجه مندلق اللسان شاهراً بندقيته رافعاً قدمه،رغم كثافة الدمع والألم المتنامي لمحت حذاء بحجم الفضاء،يريد الهبوط على رأسيهما،صاح الضابط النحيف من وراءه،فتحجر الحذاء وتوقف عن أداء شرف مهنته،نهضت المرأة وهي تضم صغيرتها وهرولت إلى الغرفة..
***
ماذا تعمل،خوف يعريها،ألم ينتشر كدبابيس ساخنة عبر عروقها،ليس ثمة مكان للهروب،سدّوا المنافذ،رأت كل شيء قبل أن تتوقف المركبات العسكرية،مروحيات تتجول في بساط الفضاء الشاحب،جنود متفاعلون وضبّاط يصرخون،كتمت أزيز أغوارها ووضعت رأس الطفلة في حجرها،سحبت(بطانية)وغابتا تحتها..
***
تأكدت من نوم الطفلة،متذكرة زحفت ببطيء،أسفل السرير صندوق خشبي فيه حربة اشتراها (مريوان)..ذات مرّة من عسكري جائع،قايض الحربة بنصف وجبة غداء،محترسة رفعت الغطاء ولمست النصل البارد،أرهفت السمع،كان الجسد يغرق في مستنقع بغيض،طفلة تمدها بقوة من خلال صوت أنفاسها،واثقة رفعت يدها وهوت،غرزت نصل الحربة في أرنبة بلعومه،طفر الجسد وسقط،متنمرة..لم تمهله فرصة لرد فعل أخير،أو إشعار رهطه المتناثر في ليل القرية،كتمت فمه بوسادة،محترسة سحبته ـ بعدما همد ـ وألقته في بئر الماء،متوجسة عادت ورفعت صغيرتها رغم لذعة البرد إنسربت إلى صمت الباحة،رهبة لا تدع فرصة للتفكير وبرد يجلد العالم،ذئاب ما تزال تواصل غناء التزاوج،في نهاية البيت حيث الجدار الحجري وقفت على أطراف أصابعها،أرادت أن تقرأ الصفحات المتفتحة من كتاب الليل،كائنات شيطانية تجثم عملاقة تبدو في سواد لا يرحم العيون،عناكب خبيثة تتكور في محاولة قنص،مفكرة تذكرت حفرة حفرها(مريوان)خلف بيت الخلاء ودفن ذات يوم فيها أكداس كتب يوم شاع وصول قوافل عسكرية لتفتيش البيوت،على خبب مشت إلى تلك الحفرة وهي تربت على ظهر طفلتها من وراء البطانية،وقفت على الحفرة،لم تعد تعرف لم جاءت وما نفع هذه الحفرة،هي ألقت بالجثة في البئر،ولم يعد ماءها صالحاً للشرب بعدما تلوّث،استدارت وتقدمت من زريبة الحيوانات،فتحت الباب وحررت ثلاث بقرات وحمار،لمحت كائناً يتلمس دربه،يخطو من وراء السياج الواطئ،انسحبت وتوجهت إلى خلف الدار،مصغية سمعت لهاثاً وأنيناً،أختنق الصوت،لمحت جندياً يلبس سرواله ورأت حمارة مرفوعة الذيل،محترسة لاذت بالصمت،اجتازت ممراً خلف البيت،مشت كثيراً بين الأحراش،تتلفت وتمشي،قبل أن يباغتها الفجر بثعبانٍ متماوج،وقفت أمام قافلة مركبات عسكرية تجأر في الغبش المتحلل،وقف الرتل،هبط أحد الجنود،بصوت لاهث صاح :
ـ وين رايحين.
جندي أسمر كان يندفع مهرولاً نحوهما.
ـ ما أعرف.
ـ تعالا معي.
قادهما،بدا الرتل متكاسلاً،وقف الجندي أمام مركبة صغيرة،رأس كبير برز من وراء الزجاجة..
ـ مين جايين..وين رايحين..
ـ ما أعرف.
تحرّك الرأس،قادهما الجندي الأسمر وأدخلهما حافلة تغص بالجنود..
ـ ماذا تعملين في هذا المكان.
رأت وجهاً مختلجاً،عينان فيهما خوف وبراءة وحياء.
ـ أروح بيتنا.
ـ لا تقولي هذا الكلام..(همس العسكري الوسيم)..
غمرتها راحة،بدأت الحافلة بالسير.
ـ ما أعرف أقول.
همس الجندي :
ـ سأتولى أمركما.
مع تسلق قرص الشمس رمح الشرق،وقفت القافلة قرب مطعم على الطريق العام، هبط الجندي الوسيم وهرول صوب الرجل الكبير،من وراء زجاج النافذة رأته يحاوره،تململت الطفلة،فتحت عينيها،نقرت المرأة ثغرها بأناملها :
ـ لا تـ..تـ..كـ..لـ..مـ..ي..
مهرولاً عاد الجندي يبتسم وهو يلوّح بورقة :
ـ حصلت على إجازة عشرة أيام.
توقف عن الكلام،أخرج من حقيبته(صمّونة)..قدّمها إلى الطفلة،ترددت قبل أن تتدخل الأم وتضعها بين يديها..
هدر صوت من بين الجنود :
ـ ألعب بيها ياعم..!!
ألتفت الجندي الوسيم ونحت عينيه في أحدهم..صاح :
ـ قشمر..حيوان.
ساد الصمت،ألتفت إلى المرأة،كان في عينيه ألم،ربما لكلام الجندي..قال:
ـ سنذهب معاً.
ـ وين.
قرّب فمه منها وهمس :
ـ أنقذتكم من الكلاب.
ـ أنت أخوي.
ـ قلت له أريد..أريد هذه..هذه المرأة..أن..أن..أ..أ..تـ..ز..و..جـ..هـ..ا..
دامعة ارتجفت أوصالها..أسعفها الجندي :
ـ لا تخافي،أنا مراسل الآمر،أنت أختي،أنا أمي كوردية..أردت أن أخلّصك منهم..
استردت هدوءها،كان قلبها ينبض بشدّة،دموع بدأت تنبجس من موقيها،بدأ الرتل يتحرك،كانت الطفلة تلوك بقايا(الصمّونة)،نقل الجندي بصره وراح يراقب المنازل المارقة،سكاكين بدأت تجرحها،سكاكين تخترق أغوارها وتمضي،تثاقلت أجفانها،وشاح ضبابي يقصيها عن ملامح العالم،رأت حشرات خبيثة تغزوها،حشرات تزحف كالسيل ،لم تبادر،ليس بها قوّة تجعلها أن تتحرك،أن تتلافى الحشرات الغازية،خائرة،فاقدة الإرادة ،غابت عن العالم..
***
تمشي السماء،تحاول رغم ارتعاشات جسدها أن تخنق صرخات أغوارها،نزيز دمع يتواصل،خوف يوّشح مساحة الرؤية،وأنفاسها تفضح ما يدور أو يتفاعل فيها،أين يجري بها هذا الجندي،يكاد يقنعها بخجله،ليس ثمة رغبة في مضارب الجحيم،أغمضت عينيها متظاهرة بالنوم،كان الجندي صامتاً يمسح الحقول المترامية،منحها الوقت الكافي كي تتفاعل أو تنسجم مع هذا التغير المفاجئ في إستراتيجية حياتها،لم يسألها عن وجهتها،كان يعرف بحكم قربه من مصدر الأوامر،أن القرى والأرياف صارت بجرّة قلم أو برنّة هاتف طلول ستغدو مآوي للضواري والأشباح،ظلّت بخوف تتحسس الجندي الجالس قربها،تريد بيان مراميه،وجه شبابي أسمر مليح،لمحت الكثير من الجنود،كانوا متعبين ملابسهم وسخة،فقط هذا الجندي،مرتب الهندام،حاولت أن تعرف معنى أن يكون الجندي مراسلاً،كلمة لم تسمعها من قبل،رغبت أن تعرف معناه ربما تمكنت من أيجاد أرضيّة لرد الروح لنفسها،لمحته يبتسم ربما فرحاً باصطياد أنثى غير مبالياً بما ترافقها من فتاة صغيرة ظلّت غير مرتاحة لرؤيته،وربما..فرحاً لإنقاذه هذه المرأة وطفلتها من مخالب سدّت الأفق ومضت تقتلع بقايا الحياة من جذورها،كان الجندي مزهواً يواصل تأمله وفرحه وكانت هي تبحث عن تفسير مقنع لما حصل ويحصل لها،وكانت الحافلة تشق أحشاء الشارع بسرعة متوازنة..
***
لحظة رأت وجوههم،فقدت رشدها،عرفت بغريزتها الأنثوية،رائحة كريهة تنبثق، توجست خيفة منهم،ليس من شيء تتسلح به،قدموا عازمين على أمرٍ جلل،ضمّت طفلتها إلى صدرها متقهقرة على مهل،تقدم الجندي بلا شارب،داعب جديلتيها المنسابتين على تفاحتي صدرها،مرتجفة دفعت يده،رغبت أن تلقي طفلتها وتغرز أسنانها في اليد النجسة،يدان من الخلف بددتا ما عزمت عليه،صارخة،متوسلة،تراخت متهامدة،مزقوا ثوبها،على صلابة أرض الغرفة تتابعوا عليها،كانت الطفلة تضرب الظهور العارية وهي تأخذ مكان أبيها،ظلام يسود العالم..نجوم ما عادت تستحيل إلى شهب راجمة،طفلة خالدة لصمت وذهول،ضابط حقير يدنس سرير فقير،سكاكين لئيمة تنغرز في أرض كريمة،وهن يشلّها..ومن جديد أعادت الطفلة لها الروح :
ـ هل أرادوا أن يذبحوك يا ماما.
ضمّتها وقبلّتها وراحت تمسح دموعها بشعرها.
ـ لقد ذبحوني يا بنتي.
فتحت الطفلة عينيها على سعتهما..قالت:
ـ لا تكذبي علي،لا يوجد دم على رقبتك يا ماما.
***
فتحت عينيها،أزاحت دموعها،رأت الجندي الوسيم يخالسها النظر..همس :
ـ لا تخافي.
غمرتها راحة،تمكنت من خنق الألم المتراكم في أحشاءها.
ـ أنت أبن حلال.
أبتسم الجندي وتشجع للحوار..همس :
ـ الحكومة كلاب.
ـ أنت تقول مثل(مريوان).
ـ من هو(مروان)..
ـ (مريوان)..(مريوان)زوجي.
ـ أين هو..!!
ـ خرج من البيت ليعمل.
ـ لو كنت أعرف مكانه لجئت به إليكم.
ـ أنت أبن حلال والله.
ـ لا تخافي منّي ستعيشان مع أمي وأخواتي،أمي كوردية من مدينة(خانقين)..
دمعت عيناها،رقيقة..شفافة..دافئة..تنحدر دموع عشاق الحياة والحرية،دموع الفقراء والمظلومين،دموع عيون لم تلطق غير سهام الرحمة والحب،فقراء دموعهم تنبع من خلجان الإنسانية،لأوّل مرة بدأت تعي الأشياء،بدأت تقرأ العالم كما هو مرمي ومقصي ومكتوم،عرفت أن هناك ملائكة بهيئة بشر،مندسون بين كلاب بهيئة بشر ،متنكرون، يقدمون المعروف بلا مقابل،بلا خوف..تمتمت الطفلة :
ـ لماذا تبكين يا ماما.
مسحت دموعها.
ـ أنا لا أبكي يا بنتي.
ـ عيناكِ فيهما دموع يا ماما.
ـ أخاف على بابا.
ـ وهل يذبحونه يا ماما..
تدخل الجندي الجالس يمينها :
ـ لا تخافي يا حلوة..سآتي بـ(باباك)عندما أعود..
***
ـ هذه الناصريّة.
ـ ناصريّة.
ـ سمّاها الملعون ذي قار.
ـ يا..ملعون.
ـ وهل في بلادنا ملعون آخر غيره..!!
***
عصراً..وصلوا زقاقاً،طرق الجندي باباً متواضعاً،خجولة..منطفئة بين أربعة فتيات وأم وجدت (بيخال)..مكاناً آمناً..
***
مات الجندي الذي أنقذها،مات رمياً بالرصاص،يوم خرجت(الناصرية)لطرد كلاب بشرية مسعورة غزت مدينتهم،رأت(بيخال)جثث ممزقة مرمية في الشوارع،بيوت تحترق على ساكنيها..
ـ أنتم أيضاً مثلنا.
ـ عفريت متى نتخلص من شره..(قالت أم الجندي وراحت تبكي).
***
كل فجر تجلس(نسرين)..تؤدي فريضتها،تحمل إبريق الماء،قرب قبرين متلاصقين،تسقي شجرة سدر،يتقدم شيخ يتلمس دربه بعكاز يجلس قرب ثلاثة قبور،يتقدم رجل ويبرك أمام خمسة قبور،تتقدم عجوز وتجلس قرب صف قبور،ومع ظهور قرص الشمس،تختفي مقبرة القرية بين حشود الباكين..
ـ هيّا نسرين.
باكية تنهض وتتبعهم..!!
***
ماتت(بيخال)..ماتت صبيحة اليوم التاسع من ـ مايس ـ سنة ـ 2004ـ فتاة صغيرة قالت:سقط عكازها،رأيتها تتدحرج من فوق الجبل،من يعلم..ربما تذكّرت ليلة ذبحوا كرامتها،ليلة التاسع من مايس العام ـ1986 ـ وربما ظنّت حتمية موت(مريوان)..على أية حال،كان صباحاً مؤلماً،زحفت القرية لتنتشل جسدها من أسفل الوادي الملتوي حولهم،حدث ذلك قبل عودة رفاة(مريوان)..من مقبرته الجماعية بشهر وبعد مرور سنة وشهر من عودة الأحفاد إلى أرض أجدادهم..!!
***




في هذه الليلة..الأرض الخصبة لمعتقل الأنفاس/تزرع ممر صدري جيئة وذهابا/ببساطيل حادة كالشفرات/في هذه الليلة ربطت آلامي/على ظهر الصرخات]..(شيركو بي كه س)
***
ـ ماما..لماذا ينام هذا الرجل على فراش بابا..؟؟
ـ هسسسس..لا ترفعي صوتك،سيذبحنا بسكينه.
ـ السكين يذبحون بها الدجاج..ماما.
ـ نحن دجاجاتهم يا بنتي.
ـ ماما..لماذا لا نبيض إذا كنّا دجاجاتهم.
خنقت المرأة غصّة تدفقت في حلقها،كانتا متكورتان،تحتضن المرأة رأس صغيرتها،وليل آذار يثلج جسديها،تحاول أن تبعد البرد المتسلل من أسفل الباب عن طفلتها ببطانية تلفها حولهما،وعلى سريرٍ حديدي في نهاية الغرفة،جسد متهالك يواصل بث نتانة أنفاس،عبر زفيرٍ صائت،رائحة عرق وحشرجات صوت تتداخل معها عواءات ذئاب غير مسبوقة وأصوات غريبة تتبعها ارتجاجات الأرض وطلقات بنادق متقطعة تشرخ صمت الليل ما بين لحظة ولحظة،ظلّت الطفلة مستفزة غير واعية ما جرى وما يجري،تحاول جهد مسعاها أن تستوعب شيئاً،تريد أن تعرف هذا الغريب النائم على سريرهم،تريد أن تصل إلى سر أمها،لم تألف من قبل احتباس الدموع في عينيها،من جديد بثت الروح لجسد أمها لحظة قرّبت فمها الحار من أذنها..همست :
ـ لا تكذبي علي يا ماما،لماذا ينام هذا الغريب معنا.
ـ هسسسس..جاء ليذبح بابا.
ـ وهل بابا دجاجة ليذبحه.
ـ الحكومة تعتبره دجاجة.
صمتت الطفلة برهة وهي تحاول أن تجد شيئاً في الظلام..همست :
ـ ماما..قولي له بابا ليس دجاجة،قولي لهم بابا رجّال.
ـ سأقول له ذلك عندما ينهض.
ـ ماما..إذا ذبح بابا وهل يأكله.
ـ هسسس..قلت : لا ترفعي صوتك يا بنتي.
ـ أريد أن أعرف لماذا يريد ذبح بابا.
ـ الحكومة تذبح كل من يكرهها.
ـ وهل تكرهين الحكومة يا ماما.
ـ أنا وبابا نكرههم.
ـ ماما..أنا أيضاً سأكره الحكومة عندما أكبر..!!
***
رغبة تنمو وتلح،موج يكبر ويتناثر،ترغب أن تلبي نداء آتياً من أعالي جنسها،ترتجف وعيناها تحرثان صمتاً مخادعاً وسواداً يتكاثف،وكلّما تهل لحظة الحسم تنهض طفلتها،بريئة تقف حجر عثرة وتميت فكرتها قبل اختمارها،شجرة ستظلّ بلا ماء(هكذا فكّرت)،رغم توافد ظلمة طاحنة وماجنة ما تني تغربل أحشاءها،مكتوفة اليدين تلقيها لتكتم أو تخنق كل رد فعل فيها،ليس بوسعها المضي قدماً أكثر مما مضت،الليل يأخذها،وأنفاس بغيضة تلوّث فردوسها،عليها أن تتخذ بيقين ثابت ما هو أنسب من قرار كي توازن ـ على أقل تقدير ـ ما بين الكفّتين،جروح نازفة تقرص جسدها،نبال قاسية في لحظة طغيان اخترقت أرضها الكريمة،وطفلة صغيرة أغنية(مريوان)،مخالب ضارية تمتد نحوها،تتشرنق من حولها،تبغي قطفها من حديقتها،مضت تشرخ بخيالٍ أنثوي جامح وجريح العتمة الخانقة،تحاول أن تنضج فكرة تتدفق وتتماهى فيها،رغبة أنثى محتلّة،تؤسس لانتفاضة عارمة،تريد أن ترد الاعتبار لكينونتها،بين إحجام وإقدام ظلّت مثل بندول أو رقّاص ساعة تتأرجح،تارة تدنو من حلمها وطوراً تتماسك وتطحن الهاجس المتنامي حين تشعر بأنفاس دافئة ولذيذة يحررها ثغر أبنتها..
***
من نظراته عرفت المرأة ما يختلج في نفسه،عينان قلقتان،قلب يفضح ما يضمر،شمّت بغريزتها الأنثوية نتانة جزّار يشحذ سكينه،بدافع أمومتها ضمّت صغيرتها إلى صدرها،ولبّت بتواضعٍ حذر ممزوج بخوفٍ أمره،لحظة أشار العسكري النحيف بمسدسه،أندفع الباب بعنف وهوتا معاً لحظة أرادت غلقه،جندي بلا شارب،متعرق الوجه مندلق اللسان شاهراً بندقيته رافعاً قدمه،رغم كثافة الدمع والألم المتنامي لمحت حذاء بحجم الفضاء،يريد الهبوط على رأسيهما،صاح الضابط النحيف من وراءه،فتحجر الحذاء وتوقف عن أداء شرف مهنته،نهضت المرأة وهي تضم صغيرتها وهرولت إلى الغرفة..
***
ماذا تعمل،خوف يعريها،ألم ينتشر كدبابيس ساخنة عبر عروقها،ليس ثمة مكان للهروب،سدّوا المنافذ،رأت كل شيء قبل أن تتوقف المركبات العسكرية،مروحيات تتجول في بساط الفضاء الشاحب،جنود متفاعلون وضبّاط يصرخون،كتمت أزيز أغوارها ووضعت رأس الطفلة في حجرها،سحبت(بطانية)وغابتا تحتها..
***
تأكدت من نوم الطفلة،متذكرة زحفت ببطيء،أسفل السرير صندوق خشبي فيه حربة اشتراها (مريوان)..ذات مرّة من عسكري جائع،قايض الحربة بنصف وجبة غداء،محترسة رفعت الغطاء ولمست النصل البارد،أرهفت السمع،كان الجسد يغرق في مستنقع بغيض،طفلة تمدها بقوة من خلال صوت أنفاسها،واثقة رفعت يدها وهوت،غرزت نصل الحربة في أرنبة بلعومه،طفر الجسد وسقط،متنمرة..لم تمهله فرصة لرد فعل أخير،أو إشعار رهطه المتناثر في ليل القرية،كتمت فمه بوسادة،محترسة سحبته ـ بعدما همد ـ وألقته في بئر الماء،متوجسة عادت ورفعت صغيرتها رغم لذعة البرد إنسربت إلى صمت الباحة،رهبة لا تدع فرصة للتفكير وبرد يجلد العالم،ذئاب ما تزال تواصل غناء التزاوج،في نهاية البيت حيث الجدار الحجري وقفت على أطراف أصابعها،أرادت أن تقرأ الصفحات المتفتحة من كتاب الليل،كائنات شيطانية تجثم عملاقة تبدو في سواد لا يرحم العيون،عناكب خبيثة تتكور في محاولة قنص،مفكرة تذكرت حفرة حفرها(مريوان)خلف بيت الخلاء ودفن ذات يوم فيها أكداس كتب يوم شاع وصول قوافل عسكرية لتفتيش البيوت،على خبب مشت إلى تلك الحفرة وهي تربت على ظهر طفلتها من وراء البطانية،وقفت على الحفرة،لم تعد تعرف لم جاءت وما نفع هذه الحفرة،هي ألقت بالجثة في البئر،ولم يعد ماءها صالحاً للشرب بعدما تلوّث،استدارت وتقدمت من زريبة الحيوانات،فتحت الباب وحررت ثلاث بقرات وحمار،لمحت كائناً يتلمس دربه،يخطو من وراء السياج الواطئ،انسحبت وتوجهت إلى خلف الدار،مصغية سمعت لهاثاً وأنيناً،أختنق الصوت،لمحت جندياً يلبس سرواله ورأت حمارة مرفوعة الذيل،محترسة لاذت بالصمت،اجتازت ممراً خلف البيت،مشت كثيراً بين الأحراش،تتلفت وتمشي،قبل أن يباغتها الفجر بثعبانٍ متماوج،وقفت أمام قافلة مركبات عسكرية تجأر في الغبش المتحلل،وقف الرتل،هبط أحد الجنود،بصوت لاهث صاح :
ـ وين رايحين.
جندي أسمر كان يندفع مهرولاً نحوهما.
ـ ما أعرف.
ـ تعالا معي.
قادهما،بدا الرتل متكاسلاً،وقف الجندي أمام مركبة صغيرة،رأس كبير برز من وراء الزجاجة..
ـ مين جايين..وين رايحين..
ـ ما أعرف.
تحرّك الرأس،قادهما الجندي الأسمر وأدخلهما حافلة تغص بالجنود..
ـ ماذا تعملين في هذا المكان.
رأت وجهاً مختلجاً،عينان فيهما خوف وبراءة وحياء.
ـ أروح بيتنا.
ـ لا تقولي هذا الكلام..(همس العسكري الوسيم)..
غمرتها راحة،بدأت الحافلة بالسير.
ـ ما أعرف أقول.
همس الجندي :
ـ سأتولى أمركما.
مع تسلق قرص الشمس رمح الشرق،وقفت القافلة قرب مطعم على الطريق العام، هبط الجندي الوسيم وهرول صوب الرجل الكبير،من وراء زجاج النافذة رأته يحاوره،تململت الطفلة،فتحت عينيها،نقرت المرأة ثغرها بأناملها :
ـ لا تـ..تـ..كـ..لـ..مـ..ي..
مهرولاً عاد الجندي يبتسم وهو يلوّح بورقة :
ـ حصلت على إجازة عشرة أيام.
توقف عن الكلام،أخرج من حقيبته(صمّونة)..قدّمها إلى الطفلة،ترددت قبل أن تتدخل الأم وتضعها بين يديها..
هدر صوت من بين الجنود :
ـ ألعب بيها ياعم..!!
ألتفت الجندي الوسيم ونحت عينيه في أحدهم..صاح :
ـ قشمر..حيوان.
ساد الصمت،ألتفت إلى المرأة،كان في عينيه ألم،ربما لكلام الجندي..قال:
ـ سنذهب معاً.
ـ وين.
قرّب فمه منها وهمس :
ـ أنقذتكم من الكلاب.
ـ أنت أخوي.
ـ قلت له أريد..أريد هذه..هذه المرأة..أن..أن..أ..أ..تـ..ز..و..جـ..هـ..ا..
دامعة ارتجفت أوصالها..أسعفها الجندي :
ـ لا تخافي،أنا مراسل الآمر،أنت أختي،أنا أمي كوردية..أردت أن أخلّصك منهم..
استردت هدوءها،كان قلبها ينبض بشدّة،دموع بدأت تنبجس من موقيها،بدأ الرتل يتحرك،كانت الطفلة تلوك بقايا(الصمّونة)،نقل الجندي بصره وراح يراقب المنازل المارقة،سكاكين بدأت تجرحها،سكاكين تخترق أغوارها وتمضي،تثاقلت أجفانها،وشاح ضبابي يقصيها عن ملامح العالم،رأت حشرات خبيثة تغزوها،حشرات تزحف كالسيل ،لم تبادر،ليس بها قوّة تجعلها أن تتحرك،أن تتلافى الحشرات الغازية،خائرة،فاقدة الإرادة ،غابت عن العالم..
***
تمشي السماء،تحاول رغم ارتعاشات جسدها أن تخنق صرخات أغوارها،نزيز دمع يتواصل،خوف يوّشح مساحة الرؤية،وأنفاسها تفضح ما يدور أو يتفاعل فيها،أين يجري بها هذا الجندي،يكاد يقنعها بخجله،ليس ثمة رغبة في مضارب الجحيم،أغمضت عينيها متظاهرة بالنوم،كان الجندي صامتاً يمسح الحقول المترامية،منحها الوقت الكافي كي تتفاعل أو تنسجم مع هذا التغير المفاجئ في إستراتيجية حياتها،لم يسألها عن وجهتها،كان يعرف بحكم قربه من مصدر الأوامر،أن القرى والأرياف صارت بجرّة قلم أو برنّة هاتف طلول ستغدو مآوي للضواري والأشباح،ظلّت بخوف تتحسس الجندي الجالس قربها،تريد بيان مراميه،وجه شبابي أسمر مليح،لمحت الكثير من الجنود،كانوا متعبين ملابسهم وسخة،فقط هذا الجندي،مرتب الهندام،حاولت أن تعرف معنى أن يكون الجندي مراسلاً،كلمة لم تسمعها من قبل،رغبت أن تعرف معناه ربما تمكنت من أيجاد أرضيّة لرد الروح لنفسها،لمحته يبتسم ربما فرحاً باصطياد أنثى غير مبالياً بما ترافقها من فتاة صغيرة ظلّت غير مرتاحة لرؤيته،وربما..فرحاً لإنقاذه هذه المرأة وطفلتها من مخالب سدّت الأفق ومضت تقتلع بقايا الحياة من جذورها،كان الجندي مزهواً يواصل تأمله وفرحه وكانت هي تبحث عن تفسير مقنع لما حصل ويحصل لها،وكانت الحافلة تشق أحشاء الشارع بسرعة متوازنة..
***
لحظة رأت وجوههم،فقدت رشدها،عرفت بغريزتها الأنثوية،رائحة كريهة تنبثق، توجست خيفة منهم،ليس من شيء تتسلح به،قدموا عازمين على أمرٍ جلل،ضمّت طفلتها إلى صدرها متقهقرة على مهل،تقدم الجندي بلا شارب،داعب جديلتيها المنسابتين على تفاحتي صدرها،مرتجفة دفعت يده،رغبت أن تلقي طفلتها وتغرز أسنانها في اليد النجسة،يدان من الخلف بددتا ما عزمت عليه،صارخة،متوسلة،تراخت متهامدة،مزقوا ثوبها،على صلابة أرض الغرفة تتابعوا عليها،كانت الطفلة تضرب الظهور العارية وهي تأخذ مكان أبيها،ظلام يسود العالم..نجوم ما عادت تستحيل إلى شهب راجمة،طفلة خالدة لصمت وذهول،ضابط حقير يدنس سرير فقير،سكاكين لئيمة تنغرز في أرض كريمة،وهن يشلّها..ومن جديد أعادت الطفلة لها الروح :
ـ هل أرادوا أن يذبحوك يا ماما.
ضمّتها وقبلّتها وراحت تمسح دموعها بشعرها.
ـ لقد ذبحوني يا بنتي.
فتحت الطفلة عينيها على سعتهما..قالت:
ـ لا تكذبي علي،لا يوجد دم على رقبتك يا ماما.
***
فتحت عينيها،أزاحت دموعها،رأت الجندي الوسيم يخالسها النظر..همس :
ـ لا تخافي.
غمرتها راحة،تمكنت من خنق الألم المتراكم في أحشاءها.
ـ أنت أبن حلال.
أبتسم الجندي وتشجع للحوار..همس :
ـ الحكومة كلاب.
ـ أنت تقول مثل(مريوان).
ـ من هو(مروان)..
ـ (مريوان)..(مريوان)زوجي.
ـ أين هو..!!
ـ خرج من البيت ليعمل.
ـ لو كنت أعرف مكانه لجئت به إليكم.
ـ أنت أبن حلال والله.
ـ لا تخافي منّي ستعيشان مع أمي وأخواتي،أمي كوردية من مدينة(خانقين)..
دمعت عيناها،رقيقة..شفافة..دافئة..تنحدر دموع عشاق الحياة والحرية،دموع الفقراء والمظلومين،دموع عيون لم تلطق غير سهام الرحمة والحب،فقراء دموعهم تنبع من خلجان الإنسانية،لأوّل مرة بدأت تعي الأشياء،بدأت تقرأ العالم كما هو مرمي ومقصي ومكتوم،عرفت أن هناك ملائكة بهيئة بشر،مندسون بين كلاب بهيئة بشر ،متنكرون، يقدمون المعروف بلا مقابل،بلا خوف..تمتمت الطفلة :
ـ لماذا تبكين يا ماما.
مسحت دموعها.
ـ أنا لا أبكي يا بنتي.
ـ عيناكِ فيهما دموع يا ماما.
ـ أخاف على بابا.
ـ وهل يذبحونه يا ماما..
تدخل الجندي الجالس يمينها :
ـ لا تخافي يا حلوة..سآتي بـ(باباك)عندما أعود..
***
ـ هذه الناصريّة.
ـ ناصريّة.
ـ سمّاها الملعون ذي قار.
ـ يا..ملعون.
ـ وهل في بلادنا ملعون آخر غيره..!!
***
عصراً..وصلوا زقاقاً،طرق الجندي باباً متواضعاً،خجولة..منطفئة بين أربعة فتيات وأم وجدت (بيخال)..مكاناً آمناً..
***
مات الجندي الذي أنقذها،مات رمياً بالرصاص،يوم خرجت(الناصرية)لطرد كلاب بشرية مسعورة غزت مدينتهم،رأت(بيخال)جثث ممزقة مرمية في الشوارع،بيوت تحترق على ساكنيها..
ـ أنتم أيضاً مثلنا.
ـ عفريت متى نتخلص من شره..(قالت أم الجندي وراحت تبكي).
***
كل فجر تجلس(نسرين)..تؤدي فريضتها،تحمل إبريق الماء،قرب قبرين متلاصقين،تسقي شجرة سدر،يتقدم شيخ يتلمس دربه بعكاز يجلس قرب ثلاثة قبور،يتقدم رجل ويبرك أمام خمسة قبور،تتقدم عجوز وتجلس قرب صف قبور،ومع ظهور قرص الشمس،تختفي مقبرة القرية بين حشود الباكين..
ـ هيّا نسرين.
باكية تنهض وتتبعهم..!!
***
ماتت(بيخال)..ماتت صبيحة اليوم التاسع من ـ مايس ـ سنة ـ 2004ـ فتاة صغيرة قالت:سقط عكازها،رأيتها تتدحرج من فوق الجبل،من يعلم..ربما تذكّرت ليلة ذبحوا كرامتها،ليلة التاسع من مايس العام ـ1986 ـ وربما ظنّت حتمية موت(مريوان)..على أية حال،كان صباحاً مؤلماً،زحفت القرية لتنتشل جسدها من أسفل الوادي الملتوي حولهم،حدث ذلك قبل عودة رفاة(مريوان)..من مقبرته الجماعية بشهر وبعد مرور سنة وشهر من عودة الأحفاد إلى أرض أجدادهم..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرابح يأتي من الخلف
- ربّاط الكلام
- أين موقع أنكيدو
- شاعر البلاط الرئاسي
- من كتاب اللعنات
- تحقيق الرغبة في رواية(غسق الكراكي) لسعد محمد رحيم
- إلى ذلك نسترعي الإنتباه
- الأوراق لا تأتي في خريف الرغبات
- رب نافعة ضارة أيضاً
- امرأة الكاتب العراقي
- الصديق الأخير
- فن النصر
- بيت كاميران
- أصطياد فأر....مونودراما
- غريب الدار
- حتى انت يا جمعة
- موت الواقع في رواية (موت الأب) لأحمد خلف
- السيرة الدرامية للمبدع(محي الدين زه نكنه)في كتاب ل(صباح الأن ...
- جمال الغيطاني في(حرّاس البوابة الشرقية)هل دوّن ما رأى أم سرد ...
- بين دمعتي(احمد خلف)و(حسين نعمة)دمعة كاذبة


المزيد.....




- بريطاني يدهش روّاد مواقع التواصل بإتقانه اللغة العربية.. ماذ ...
- سنتكوم: دمرنا زورقين ومحطة تحكم أرضية ومركز قيادة للحوثيين
- نزلها الآن وشاهد اجمل أفلام كرتون القط والفار.. تردد قناة تو ...
- نصري الجوزي رائد الكتابة المسرحية في فلسطين
- كوريا الجنوبية تُطلق تأشيرة للأجانب للتدرّب على ثقافة -كي بو ...
- شغال.. رابط موقع ايجي بست 2024 Egybest فيلم ولاد رزق 3 القاض ...
- أحداث مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 29 مترجمة للعربية وال ...
- قيامة عثمان الموسم السادس.. الان عرض مسلسل قيامة عثمان الجزء ...
- السعودية تدشن مشاركتها في معرض بكين الدولي للكتاب 2024
- وثائق قضائية جديدة تكشف تفاصيل عن سلوك بالدوين قبل الحادث ال ...


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - تلك من أنباء القرى التي أنفلت