|
- زيارة الفرقة الموسيقية - لكوليرين . . شريط ينبذ العنف ويقترح لغة انسانية مشتركة
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2397 - 2008 / 9 / 7 - 04:28
المحور:
الادب والفن
بدأ محور " التسامح " في مهرجان " أوشيَن سيني فان " في نيودلهي قبل أربع سنوات، ولا يزال هذا المحور يتعزز سنة بعد أخرى. وقد ضم هذا العام " 12 " فيلماً روائياً ووثائقياً طويلاً أبرزها " العرب والارهاب " لبسام حجار المقيم في أمريكا، و " الجريمة والعقاب " للمخرج الصيني زهاو ليانغ، و " وجوه مخبأة " للمخرجة التركية هاندان أبيكجي، و" الملائكة الشياطين " للمغربي أحمد بولاني، و " تحت القصف " للمخرج اللبناني فيليب عرقتنجي، و " حرب، حب، رب وجنون " للمخرج العراقي محمد الدراجي، إضافة الى فيلم " زيارة الفرقة الموسيقية " للمخرج الإسرائيلي عِيران كوليرين، مدارَ بحثنا وتحليلنا. وقبل الخوض في حيثيات هذا الفيلم وتفاصيله الصغيرة لا بد من الإشارة الى أن عِيران كوليرين هو مخرج شاب من مواليد عام 1973. دخل مضمار السينما من خلال كتابة السيناريو. وفي عام 2004 كتب سيناريو فيلم " الرحلة الطويلة " وأخرجه للتلفزيون. أما " زيارة الفرقة الموسيقية " فهو فيلمه الروائي الطويل الأول الذي حصد أغلب جوائز أكاديمية الفيلم الاسرائيلية المتمثلة بأحسن فيلم، وأحسن إخراج، وأفضل سيناريو، وأفضل ممثل وممثلة ودور مساعد، وأفضل موسيقى، وأفضل أزياء. كما فاز بجوائز الجمهور في عدد من المهرجانات العالمية منها مهرجان سراييفو السينمائي، ومهرجان وارشو، وآخرها مهرجان أوشيَن سيني فان في نيودلهي. ولو تركنا موضوع الجوائز جانباً فإن ثيمة الفيلم مثيرة للتساؤل حقاً لجهة حساسيتها بموضوع الصراع العربي_ الاسرائيلي الذي نعيش ذكراه الستين هذا العام تحديداً. ومخرج مثل كوليرين لم يعش ويلات الحروب العربية_ الاسرائيلية، لكنه قرأ عنها في الصحف والمجلات وكُتب التاريخ، وربما سمع عنها عن الأهل والأقارب والأصدقاء الذين عانوا مرارتها، وعاشوا رعبها وفظائعها. وهذا الفيلم على الرغم من بساطة مقترباته، ونبوّه عن الواقع، وسقوطة في فخ المبالغة والتغريب، إلا أنه ينطوي رسالة واضحة مفادها الرغبة في التقارب، وربما الرغبة الجامحة في مد يد السلام، حتى وإن كانت هذه الرغبة محض حلم شفيف يداعب مخيلة المخرج الشاب وكاتب السيناريو. بعيداً عن السياسة حاول كوليرين أن يبني قصته السينمائية بعيداً عن أجواء الحروب والمناخات السياسية التي لا يحبذها، وربما لا يتعاطى معها. لذلك فإن الحكاية التي يقوم عليها الفيلم برمته تعتمد على مفارقة أو ربما مأزق وقعت فيه الفرقة الموسيقية التي تتألف من ثمانية أفراد أبرزهم الجنرال توفيق زكريا " ساسون جاباي وهو ممثل من أصول عراقية "، و دينا " رونيت الكابيتز ممثلة يهودية من أصول مغربية " وخالد " صالح بكري ممثل فلسطيني يعيش في إسرائيل ". مشكلة الفرقة الموسيقية أنها وصلت الى مطار تل أبيب ولم تجد من ينتظرها هناك. لذلك طلب الجنرال من خالد أن يستفسر من الاستعلامات عن اسم المدينة التي تستضيفهم. فيحدث ما لا تحمد عقباه. فخالد وأغلب أعضاء الفرقة لا يحسنون الكلام باللغة الانكيزية. فبدلاً من الذهاب الى " بتاح تيكفا " يتجهون الى " بيت حاتيكفا " في صحراء النقب النائية المعزولة. حيث لا وجود لمركز ثقافي عربي، ولا لثقافة عربية، أو لثقافة إسرائيلية، ولا وجود لثقافة على الإطلاق كما تذهب دينا. فالمدينة الصغيرة بعيدة، ومنعزلة، وتبعث على السأم والكآبة. يا ترى، هل تعمَّد المخرج أن تكون هذه القرية المعزولة حاضنة لوقائع الفيلم وأحداثه بدلاً من أية مدينة إسرائيلية تعج بالحياة، وربما تحتج على زيارة فرقة موسيقية حتى في زمن التطبيع الرسمي الذي يقتصر على أروقة الحكومات فقط؟ لا شك أن هذه الفرقة الموسيقية متخلية ولا وجود لها في الواقع. كما أن المدينة نفسها " بيت حاتيكفا " تبدو مفترضة. فلا يتوقع المشاهد العربي في الأقل أن يكون الاستقبال حميمياً، وغير متشنج، ويخلو من أي شكل من أشكال العنف. فحينما يتجه الجنرال ببدلته الزرقاء الفاقعة الى السيدة " دينا " التي تدير مطعماً صغيراً جداً لكي يسألها عن الطريق المؤدية الى " بتاح تيكفا " تخبره بأنهم أخطأؤا الطريق، وأن المواصلات متعذرة في يوم السبت، وعليهم الانتظار الى صبيحة اليوم الثاني. وأكثر من ذلك فإن المدينة الصغيرة تخلو من الفنادق. لم يكن المأزق في أنهم في المدينة الخطأ، بل أنهم لا يمتلكون إلا القليل من النقود الإسرائيلية التي لا تكفيهم إلا للتنقل وتناول الحساء مع شيء من الخبز. ويبدو أن الجانب الإنساني قد استفاق بسرعة لدى السيدة دينا التي قررت أن تستضيف الجنرال توفيق زكريا وخالد في بيتها، بينما دفعت الستة الباقين الى منزل أحد الجيران المقربين لديها. لا شك في أن دينا قد استلطفت لسبب ما شخصية الجنرال، ربما لطرافتها أو أريحيتها، أو غموضها. فهي من جهتها تعاني من السأم والملل والعزلة القاتلة في هذه القرية النائية التي لا يصلها إلا من ضلَّ طريقه. وهو يعاني من فقد زوجته التي أحبها حُباً جماً، ولا يزال مخلصاً لها. تقترح دينا على الجنرال أن يتجولا قليلاً في متنزه القرية حيث يأخذ الفيلم بُعداً رومانسياً يذكي لديهما الذكريات الغرامية في الأقل. خصوصاً وأن دينا كانت مدمنة على مشاهدة الأفلام المصرية أيام الجمعة. فهي تعرف فاتن حمامة وعمر الشريف وغيرهم من نجوم الشاشة المصرية. وفي الوقت الذي تنغمس فيه بأحاديث شتى تداعب غرائزه الجنسية نكتشف أن خالد قد كوّن علاقة سريعة من شاب اسرائيلي لا يحسن التعامل مع الفتيات. وحينما يجلس الى جانبه يلقنه بعض الدروس العاطفية في هذا المضمار. وربما يكون هذا المشهد الذي يضع فيه يده على ركبة صاحبه ليقلده الثاني بحركة تراتبية جميلة وبريئة من أجمل لقطات الفيلم الكوميدية، خفيفة الظل. تقضي دينا المساء مع الجنرال الذي يعود ال البيت منشرح الأسارير، لكنها حينما تطلب منه أن يتناول شيئاً من المشروبات الروحية يرفض بأدب جم متذرعاً بالحفل الموسيقي الذي سيقام يوم غد في المركز الثقافي العربي، بينما كان خالد أكثر استعداداً لتناول الخمر وقضاء ليلة حميمة مع دينا التي لا تتورع في الكشف عن رغباتها ونزواتها المنفلتة. في أثناء هذا اللقاء الطويل نسبياً بين أعضاء الفرقة المصرية والمضيفين الاسرائيليين تتكون علاقات انسانية حميمة تجعل حياتهم أقل وطأة مما هي عليه قبل اللقاء طالما أن الحديث كان منصباً على الأدب والفن والموسيقى على وجه التحديد. في اليوم الثاني تتجه الفرقة الى العنوان الصحيح حيث نراهم يعزفون ويغنون أغنية جميلة لا تفارق سمعنا وهي " كل شيء حلو يفكرني فيك " الأمر الذي يضفي على الفيلم جواً من النشوة والسعادة الغامرة. الاستقبال النقدي قوبل الفيلم باستقبال نقدي حار وكأن كوليرين قد قدّم تحفة بصرية نادرة. وعلى الرغم من أن الفيلم كوميدي، وساخر في كثير من الأحيان، وخفيف الظل، إلا أنه يظل فيلماً بسيطاً بساطة قصته التي يصعب أن تجد لها مثيلاً في الواقع سواء في إسرائيل أو في مصر أو في أي من البلدان العربية. كما أن الشخصيات في مجملها هي شخصيات " مسطحة " لا تمتلك عمقاً تاريخيا كبيراً. فحتى الجنرال والعازف خالد وصاحبة المطعم دينا إنما يتحدثون عن نتف متفرقة من حياتهم، وليست هناك خيوط خفية تجمع هذه النتف في حبكة قوية تشد انتباه المشاهد. فالفيلم برمته قائم على المفارقة. والمفارقة وحدها لا تصنع عملاً فنياً عظيماً. كان على المخرج أن يتعاطى مع الأحداث والشخصيات بطريقة غير افتراضية. كما كان عليه أن يستجيب لشروط الواقع الاسرائيلي ومعطياته، لا أن يذهب في الحلم والتخيل والافتراض الى مداه الأبعد الذي لا يجانب الصواب، ولا ينتصر الى الحقيقة. صحيح أن نية المخرج هي التقارب، والبحث عن لغة انسانية مشتركة تنبذ الصخب والعنف وقعقعة السلاح. وربما كانت هذه النية الخالصة هي السبب الذي دفع الجمهور في كل المهرجانات لأن يصوِّت لهذا الفيلم ويمنحه جائزة الجمهور كما حصل في مهرجان أوشيَن سيني فان في نيودلهي وغيره من المهرجانات العالمية. لا بد من الإشارة إلا أن الشخصيات الرئيسة في الفيلم كانت على قدر كبير من الجاذبية لأنها هي كبيرة في الأساس مثل ساسون جاباي ورونيت الكابيتز والنجم الفلسطيني الصاعد صالح بكري الذي يعد بالكثير. الملاحظة الوحيدة اللافتة للانتباه أن المدينة النائية قد خلت تماماً من مظاهر الجيش والشرطة الاسرائيلية التي نراها في المعابر ونقاط التفتيش وداخل المدن والقرى الأسرائيلية وأن غيابها التام يعزز النظرة الافتراضية لمخرج الفيلم عيران كوليرين الذي أتاح لأعضاء هذه الفرقة الموسيقية أن يتجولوا في المدن والشوارع الرئيسة بحرية تامة من دون أن يعترضهم أحدهم. نيودلهي
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في شريطه الروائي الوثائقي - فك ارتباط - عاموس غيتاي يدحض أسط
...
-
جابر الجابري يتحدث عن الثقافة العراقية في مخاضها العسير
-
مجيد ياسين ل - الحوار المتمدن -: في قصائدي لوحات تشكيلية رُس
...
-
- مُلح هذ البحر - لآن ماري جاسر والاصرار على حق العودة
-
ترجمة جديدة ل - هاملت - تسترشد بالأنوار الكشّافة للشُرّاح وا
...
-
صلاح نيازي يعمل بروح الشاعر ومبضع الجرّاح
-
ثنائية القامع والمقموع في - فندق رواندا - لتيري جورج
-
الواقعية الإجتماعية وأهمية الإرتجال في فيلم - فيرا درَيك - ل
...
-
القاص لؤي حمزة عباس: يتخلى عن الغموض، ولا يزال متشبثاً بشعرن
...
-
القدس: قصة الجانب الشرقي للمخرج الفلسطيني محمد العطار: القدس
...
-
علاء سريح في معرضه الشخصي الثالث: تكوينات متكررة على سطوح تص
...
-
تلاقح الأجناس الأدبية في رواية - حبل السُرّة - لسميرة المانع
-
الفنان علي النجار ل - الحوار المتمدن -: غرابة التشكيل المعاص
...
-
متاهات اللون وجُزر الفراغ في ذاكرة الفنان علي النجار
-
الشاعر أحمد الصافي النجفي بين غُربة الروح وغُربة الفكر
-
السيرة الذاتية- الروائية: - غصن مطعم بشجرة غريبة - مثالاً
-
التشكيلي الكردي صدر الدين أمين . . . من البكتوغرافي الى الشا
...
-
- فهرس الأخطاء - والأنموذج المُحزِن للتيه العراقي:عبود الجاب
...
-
هيمنة الشتاء النووي في - الطريق - الى العدم
-
الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا أقلية في المجتمع الهولندي، وأق
...
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|