|
بين العرفان والصوفية والسياسة!
مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث
(Moayad Alabed)
الحوار المتمدن-العدد: 2391 - 2008 / 9 / 1 - 07:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لقد تعوَد الناس هذه الايام على قراءة المقالات السياسية بسبب الظرف الذي يعيشه العراق العزيز بلد الفكر والروح الوثَابة والذي يتَفق الكثير على انَ مخاضاَ جديداَ ينتظره العراقيون والمهتمون بالوضع العراقي . والمطَلع على تاريخ هذا البلد الذي حيَر العديد من المؤرَخين ان في الجانب العلمي الاجتماعي وان في الجانب السياسي الفكري والذي ما زالت آثاره تتفاعل الى الآن، يرى التغييرات التي تتلاحق بسرعة توحي الى الانتقالات السريعة عبر التاريخ التي يتّسم بها هذا البلد. وكلما يتطلَع المرء الحاذق الى التصادمات العديدة في العراق لا يخرج بنتيجة واحدة بل العجيب ان يخرج بنتائج متضاربة في كثير من الاحيان!! هل تتصور ان بلداَ يدخل حروباَ عبر التاريخ غالباَ ما تكون اسبابها فكرية محضة! يعالجها بالطريق الفكري المحض كذلك قبل أن ينتقل الى السلوك الانساني! ولا اريد بهذه العجالة ان ادخل في تفاصيل اقل ما اقول عنها انها من إختصاصات متعددة تحتاج الى فتح صفحات عديدة لا مجال لذكرها الآن! إن كان الامر كذلك، فلم هذا الموضوع؟! نلاحظ ومن خلال العديد من الدراسات الصوفية او العرفانية ما ينبغي أن يتدبّرفيه الانسان امور الربط الوثيق بين ما يحدث في العالم المتقدم وعلاقته بالعراق كبلد له الحصة الكبيرة في مخاضات العالم التي باتت نتائجها تتوضَح اكثر فأكثر! ويذهل الانسان بالربط الوثيق بين ما هو معروف من مشاكل في العالم الآن وبين ما يمكن ان نصل به الى حل مجدٍ عن طريق نهضة روحية سريعة وقوية اي لشحذ الهمة النفسية والدفع بها الى الامام لتكون في عالم رحب من الاسترخاء الذهني الذي يؤدي الى مسك زمام الحلول للكثير من المشاكل بكل انواعها! هل تتصور ان هذا الكلام جزء من الترف الفكري او الذهني؟ هل ما اقوله كمن يدفع بالجوعان الى سماع الموسيقى الهادئة لكي يشبع وتمتليء بطنه فيرتاح ويريح؟!! لا ابداَ ولا يفهم ما اقوله الا من يفهم ما سأقوله ليحكم على سفسطائيتي التي اكتبها وانا في بلد الاسترخاء النوعي!! ان ظاهرة الولوج الى النفس الانسانية وانعكاساتها على المحيط وانعكاسات المحيط عليها له مذاق لا يتصور طعمه الا من تورَط بشرب كأس خمر الروح العالية التي توصلك الى حيث الربط بين عدة ظواهر وتاثيرات المحيط الفيزيائية التي تاثَر بها الاخر قبل غيره! تنتشر الآن في الولايات المتحدة الامريكية ظاهرة كم يتمنى المرء ان تنتشر في بلادنا مثل هكذا ظواهر بدل ظاهرة نانسي عجرم ومن لف لفها!! تلك الظاهرة التي اصبح يندفع لها المواطن الامريكي بشكل مذهل وانت وانا نعرف ان ليس كل ما يقوله الامريكي مرفوض كما يتصور بعض القوميين السطحيين والذين اصبحوا موضوعاَ لتهكم الكثير من الساخرين والذين يفترشون ارض دولة شقيقة مجاورة للعراق العزيز!! هذه الظاهرة تسمى (رومي في امريكا) والمقصود بها ظاهرة الشاعر الصوفي العظيم جلال الدين الرومي الذي عاش في القرن الثامن الهجري. فمن هو هذا الرجل وماذا نريد منه بعد هذه المئات من السنوات ننبش فيها آفاقه الرحبة؟! هو جلال الدين محمد بن محمد بن حسين بن أحمد بن قاسم بن مسيب بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن ابي قحافة. ولد في بلاد فارس في عام 604 للهجرة المباركة عام 1207 ميلادي.(معذرة من الاخوة المعجبين بجمع الشتائم الرفيعة!!! والقائها بوجه من ينادي بأي علم او تاريخ يأتي من بلاد الفرس!! لإلغاء كل ما هو ايراني على زعم انه من بلاد الفرس ولم اعرف ما الربط بين طرق الوصول الى الحقيقة وبين نبذ قومية ما قد شابهتها العديد من القوميات بضمنها العربية عبر التاريخ الديني!!) . انتقل جلال الدين الطفل الصغير الى بغداد في عام 607 للهجرة اي بعد ان بلغ من العمر ثلاثة اعوام. لم يستقر فيها طويلاَ ما لبث ان انتقل مع والده الى دمشق ومكة وعدد من المدن التركية الى ان استقر بهما المقام في بلدة قونية التركية وذلك في عام 632 للهجرة اي 1226 ميلادي. في الفترة التي نزلا فيها بلدة قونية كان الحاكم فيها الامير السلجوقي علاء الدين قبقباذ. لقد تأثر جلال الدين الرومي بالعالم الصوفي العبقري شمس الدين تبريزي والذي لعب الدور الاكبر في تهذيب الرومي عقلياَ وروحياَ بالاتجاه الذي جعله من القلائل الذين يمتلكون طريقة ما يتميز بها عن غيره من الصوفيين فسميت طريقته بالطريقة المولوية لتدل عليه . لقد تميز جلال الدين بنظم الشعر وانشاده ومن الغريب انه مزج بين الآفاق العلوية والرياضة والموسيقى , حيث اخذت الموسيقى مكاناَ مهما في التعرف وممارسة طريقته وهي بذلك اول طريقة تعتمد هذا الاسلوب . لقد اعتمد جلال الدين الرومي في طريقته على التصوير الرائع للطبيعة وما وراء الطبيعة بالاسلوب الذي يراه في بصيرته مستوحيا ذلك من الآيات المباركة كما يراها هو. وقد كانت اشعاره متسمة بالخيال الواسع والاصالة الكبيرة. بحيث تستطيع ان تسيح معه في آفاق رحبة نظيفة تشعر فيها بالراحة والاسترخاء والشفافية. لقد أنجز الرومي رائعة من روائعه وهي (المثنوي) وقد اخذت منها العديد من الدراسات التي باتت طريقة من طرق البيان والشرح لمعاني القرآن الكريم فسميت هذه الطريقة في التعبير بالمثنوية. حيث تمّت في (المثنوي) العديد من الاشارات الى اهم ركائز مقاصد الشريعة المقدسة. وقد تضمنت طرقاً رائعة في كيفية ترويض النفس الامّارة بالسوء وكيفية معالجة الهبوط بالنفس من علياء السلوك والولوج الى السماء الى طرق التوبة ووضعها في المكان الصحيح. (المثنوي) يحتوي على ستة مجلدات كبيرة تحتوي على اكثر من 25000 بيت من الشعر يرددها كلّ من اراد ان يسير في طريق التصوّف النابع من زهد الدنيا الى التشبّث بالصعود الى اعالي النفس التي خلقها المولى الكريم كريمة عزيزة(ولقد كرّمنا بني آدم..).واشدّ ما يثير الاعجاب بهذا الرجل هو زهده الى الدرجة التي لا يريد مريديه ان يبحثوا عن قبر لمّه انما قبره في صدور من احبّوه من العارفين: يا من تبحث عن مرقدنا بعد شدِّ الرحال قبرنا يا هذا في صدور العارفين من الرجال يقول احد الباحثين حول الرومي: (( وها هنا نجد قلباً آمن وصدق حتى صار صدِّيقا ، وبدلاً من الخوض في متاهات التخيل العقلي جلا مرآة قلبه فانطبعت فيها من غير كلفة حقائق الغيب . وقال لأصحابه : ( جاء صديقٌ ليوسف من السفر فسأله يوسف : ماذا أحضرت لي من الهدايا ؟ فقال الصديق : وأي شيء ليس عندك ، وأنت محتاج إليه ؟ ولكن لأنه لا يوجد من هو أجمل منك أتيت لك بمرآة لكي ترى فيها وجهك كل لحظة . فأي شيء ليس عند الحق تعالى , وهو محتاج إليه ؟ ينبغي أن يقدم الإنسان للحق تعالى قلباً صافياً مضيئاً ليرى ذاته فيه ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم ). فإذا جليت مرآة القلب فلن ترى فيها غير المحبوب ، والقرآن هو وصف المحبوب لأن الكلام صفة المتكلم ، لهذا لم يكن مولانا الرومي يبحث عن المحبوب إلا في المحبوب ، وقال : ( التمس معنى القرآن من القرآن وحده ))) انتهى المصدر. فهل نتلمّس كتاب الله الكريم في هذه الايام المباركة ؟! ونصفّي ماء النفس بمصفاة المحبة والرأفة والصدق ولا تحمل في القلب الا الخير والخير وحده الى الآخر. رمضان الخير والطاعات وقبول الاعمال لكم ايها الاكارم..
#مؤيد_الحسيني_العابد (هاشتاغ)
Moayad_Alabed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التلوث بالاشعة النووية في العراق
-
البرنامج النووي الايراني بين الحقائق العلمية والصراعات السيا
...
-
البرنامج النووي الايراني بين الحقائق العلمية والصراعات السيا
...
-
البرنامج النووي الايراني بين الحقائق العلمية والصراعات السيا
...
-
البرنامج النووي الايراني بين الحقائق العلمية والصراعات السيا
...
المزيد.....
-
هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
-
علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
-
ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
-
برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي
...
-
رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف
...
-
مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم
...
-
منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص
...
-
ترامب -يعلن الحرب- على دعم فلسطين داخل المؤسسات التعليمية
-
لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
-
ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|