رشيد كرمه
الحوار المتمدن-العدد: 2390 - 2008 / 8 / 31 - 06:45
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
الشهيد الشيوعي ( كامل شياع )
لم يكن الشيوعي كامل شياع ليدرك بعد عطاءه الأخيره بأنه سيصبح ( بوصلة ) حقيقية ليس للشيوعيين وحدهم وإنما لسائر المثقفين والديمقراطيين العراقيين على إمتداد مساحة العراق , ولربما أبعد من ذلك .
والحقيقة المرة لدى ( أولاد القحبة ِ*) ان كامل شياع كان كاملا ًوفق جميع المقاسات فهو عراقي وإنسان لم يضع هدفه منذ دراسته الف باء الشيوعية ولم تغره مواهبه المتعددة كان ميالاً الى تواضع الفلاسفة والقديسين فهو سياسي متمرس والأكثر من هذا نُبله وجسارته التي أغاضت المجرمين .
وما من شك في ان جمهرة الكتاب والأدباء والفنانين وشغيلة الفكر على إختلاف قومياتهم ونحلهم وأديانهم وأحزابهم ومواقفهم ووجهات نظرهم وأهوائهم يتطلعون صوب الكمال وهم بهذا يهتدون ببوصلة واحدة ( الثقافة الوطنية الأصيلة ) والتي يحارب من اجلها الشيوعي العراقي منتميا ً أم ملتزما ً .
وأكاد أجزم ان الشعور بالنقص هو ما يعانيه الأوغاد سواء مافرختهم الأحزاب القومانية أو جراء تفريخهم المخزي والمهين في جحور الظلاميين والذين لم يجدوا بُداً من الإتحاد تحت شعارات زائفة بغية تصفية من هم على شاكلة الشهيد ( كامل شياع ) بوصلتنا للنجاة مــن عفن التطرف والتزلف والتخلف والغلوائين .
ولو تسنى للقتلة ـــ أولاد القبحة ـــ كما أسلفت , ان ينسفوا كامل تراثنا الثقافي لما ترددوا وهاهم أيتام النظام المباد وتوابي الأسلام السياسي يحصدوا ارواح ً بريئة ًبمختلف الأسلحة ــ الأمريكية والإيرانية والإسرائلية أرواح ٌُ كان جل خطأهم انهم آمنوا بالحرية والناس... فاليك ايها الشهيد العفيف عهدا ً ان لاتفوتني البوصلة الى العراق , الوطن الذي لم يكبر احدا ً عليه , ونحن متفقون ان المصاعب الجمة نشأت من جراء الاحتلال أولا ًومن جراء دولة الحزب الواحد والقائد الواحد والأيديولوجيا الواحدة ثانيا ً وإنتقالها ثالثا ً الى الديمقراطية دون مقدمات وممهدات ضروريتان الى دولةالشعب أو الأمة القائمة على التعددية وضمان حقوق الأفرادوالجماعات والقوميات والاعراق والطوائف ..
في المقال اللاحق سأورد إستكمالا ًلما كتبه شهيد الثقافة العراقية ــ كامل شياع ــ في سياق نقاشات مجلة النهج عن ( فوكوياما أو إستعجال النهاية ) : باعتماد مرجعية مختلفة تقوم على فكرة تقدم التاريخ كصيرورة عالمية وواحدية الاتجاه يعالج معاصرنا ( فرانسيس فوكوياما )في كتابه الشهير " نهاية التاريخ والانسان الاخير" مسألة الشر وهو وان لم يذكر لايبنيتز في كتابه هذا ولم يستنجد مثله بموقف ميتافيزيقي لاهوتي لفهم الشر في العالم يظل قابلا ً للمقارنة به ـــ / ملاحظة : لمزيد من الفائدة بإمكان القارئ العودة الى مقالينا السابقين في الرابط المرفق ــ "" رشيد . ك ""
إن الشر عند " لايبنيتز " يعزي الى نقص أصلي في طبيعة الإنسان نقص لايمكن تفاديه ما دام الانسان كائنا ً محدودا ً وزائلاً . فهذا وإن وضع من حيث المبدأ بصورة الخالق , ولايصدر عن كمال الخالق سوى الكمال , فإنه من حيث الواقع بمرتبة أدنى من مثاله ولا يمكنه أن يكون خلاف ذلك , ومن هنا ينبع مصدر الشر لكن أيضا ً مصدر تجاوزه مادام الواقع غير مكتف بنفسه ومحكوما بالإنجذاب الى مثاله (( إن الشر الذي هو حصيلة إساءة الإنسان لحريته )) لايمكنه أن يحجب الانسجام المسبق لنظام الكون , ولهذا ففي أسبقية الانسجام على الفوضى وحتمية إنجذابها اليه , كإنجذاب النقص الى الكمال مايبرر التفاؤل الذي هو قدرة إحتواءالشر وتحويله الى ظاهرة ثانوية .
من جانبه فإن ( فوكوياما )لا يأخذ الشر , وبالتالي نقيضه الخير وكأنه مغروس في الطبيعة الانسانية وكامنٌُ فيها , فليس الشر بهذه المواصفات الميتافيزيقية هو مايعنيه لأنه يميل إلى فهمه ضمن أبعاده ِالخارجية كتجلٍ لرغبة ٍ ومصلحةٍ وايديولوجية ٍ , ذلك أنه لاينظر الى طبيعة الانسان من خلال كمال طبيعة الخالق أو من خلال ثنائية ما ذات طابع أخلاقي بل من خلال ترابط بُعديها المادي ـــ ويتمثل عنده في حرية الفعل الاقتصادي ـــ والمعنوي ويتمثل في الصراع من اجل الاعتراف .
إن طبيعة الإنسان بالنسبة له متجلية في التأريخ الذي هو مصدرها ومآلها , وما البشارة أو النهاية السعيدة التي يعلنها ( فوكوياما ) عـن إنتصار الأيديولوجية الليبرالية على بدائلها التأريخية كالشيوعية والفاشية سوى إنتصار هذه الطبيعة ببعديها المشار اليهما , وبمقدار قيامها على مزاوجة هذين البعدين فإن إنتصارها ليس مسألة أيديولوجية بحتة لأنه يمثل إستواء حقيقة الانسان في نهاية المطاف .
مما ورد , كل يظهر أن بلوغ التأريخ عتبة النهاية والتي هي عتبة النجاة عند (فوكوياما ) تتيح النظر الى الشر وكأنه من ضلالات الماضي أو من بقاياه العالقة , وكيف يمكن للتبشير بالنهاية ألا يكون إلا على حساب الشر ؟ كما كان الامر عند ( لايبنيتز ) وربما عند كل نظرة تفاؤلية بدليل حجة ( فوكوياما ) يُعالج الشر وكأنه انخلاع عن شرط مسبق ــ لنظام الكون أو لطبيعة الإنسان ـــ إنخلاع ينبغي تأطيره وتبريره صمن فكرة للتقدم نحو غاية لا غاية لها ( لايبنيتز ومن بعده كانت ) أو نحو غاية أخروية ( فوكوياما )ولكن القول بإن الشر طارئ قياسا ً الـــى الغاية أو الأصل لا يعني تطابق فهمهما لماهية البشر إذ مثالية الأول تدفعه إلى إعتبار الشر واقعا ًغير حقيقي , بينما لاينكر الثاني حقيقة كونه في حالة الإبادة الشاملة لليهود من قبل ألمانيا في الحرب العالمية الثانية مثلا ً, يمثل حالة فريدة من نوعها إرتباطا ًبالظروف الشديدة الخصوصية التي كانت لألمانيا فـــــي عقدي العشرينات والثلاثينات ( ص 128 ـــ 129 من كتاب نهاية التأريخ والإنسان الأخير ) .
لو توسعنا قليلاً في نظرة ( فوكوياما )إلى هذه المسألة لإتضحت لنا جدية موقفه منها , ففي المواضع القليلة التي خصها به في كتابه قاربها من خلال مفهوم مرن للنهاية والتقدم الحتمي فهو من جانب تعاملَ مع النهاية على انها مرادف لمبدأ أو فكرة وليس لواقع متحقق بالفعل , أي أن القول بإنتصار هذه النهاية , ممثلة بالايديولوجية الديمقراطية الليبرالية لا يضمن عالما ً منزوع الشر , كل ما يضمنه هو أنه رغم إمكانية تخيل عوالم مستقبلية أسوأ من العالم الراهن بلا تسامحها وحروبها وكوارثها لا يمكن تخيل نظام أفضل من النظام القائم في الغرب ( ص 46 ) فهذا النظام الذي يمثل بالنسبة له " أفضل العوالم الممكنة " مقارنة ببدائله التأريخية والمحتملة , والذي هو حصيلة نهائية للتقدم التأريخي هو في الوقت نفسه نظام عالمي لايعفي مجتمعا أو ثقافة من تحدياته , وبتقريره شمولية فكرة هذا النظام أي الديمقراطية الليبرالية يبرهن ( فوكومايا ) على أنه واحد من أشد المتحمسين المعاصرين لمشروع الحداثة الغربي , وهو المشروع الذي استند على واحدية التأريخ وتطوره الخطي , أما من الجانب الآخر فإن إلتزام ( فوكوياما ) بمفهوم التقدم الحتمي لم يلزمه بتقديم نسخة علمانية لفكرة العدالة الالهية ( الثيوديسي ) ذلك أن حتمية التطور لا تعني له تبرير الانظمة الأستبدادية والحروب كما لو انها لحظات ضرورية في التاريخ بدلا من هذا فإنه يقرر بأن وجوب وإنتظام حركة التأريخ لن يتأثرا بقبولنا " تعرضه لإنقطاعات طويلة وغير قابلة للتفسير لأول وهلة مثلما أن النظرية البيولوجية للتطور ( لا ) تتقوض بإعترافها بواقعة الإنقراض المفاجئ للديناصورات " ( من كتاب نهاية التأريخ والأنسان الأخير ص 128 ) وهذا يعني أن القول بالتقدم الحتمي للتأريخ وتجانسه في المدى البعيد ضمن صيرورة واحدية الإتجاه وبالتالي رؤيته وفق مخطط عقلي لايفترض إختراع مبررات فوق تأريخية لمآسيه أو إفتداء آلام ضحاياه وفواجعهم , بل أنه يعترف بأن محرك التقدم التأريخي والذي يرجعه الـــى رغبة الأعتراف ينطوي فـــي حالة المبالغة فيه على وجه سلبي هــــو مصدر
( الشر الإنساني ) ص 181 من كتاب نهاية التاريخ والإنسان الأخير .
الشر الذي لم ينجو منه مجتمعنا العراقي والذي يشكل فيه كامل شياع نواة خلية نقية نحن بأمس الحاجة اليها بعد ان تعرض مجتمعنا الى مسلخ ٍمنذ 8 شباط 1963 وحتى 9نيسان 2003 ومابين 2003 و2008 كان الشرُ دينيا ًإسلاميا ًمحضا ًبعد ان أنتزع منه رداءَ بني يعرب العدناني القحطاني ووووووووو (( ر. ك ))
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* ( أولاد القحبة ) من قصيدة الشاعر العراقي مظفر النواب والذي يقول في بعض مقاطعها : أولاد القبحة
لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير
أطهر مـــــــــــــــن أطهركم
http://www.irak-k-k.org/wesima_articles/makal-20080825- 24669.html
#رشيد_كرمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟