أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جهاد صالح - سوزان عليوان وانكسارات الحزن في طريق واحد














المزيد.....

سوزان عليوان وانكسارات الحزن في طريق واحد


جهاد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2389 - 2008 / 8 / 30 - 08:23
المحور: الادب والفن
    


هي إبنة بيروت الحزينة في إيقاعاتها ومرآة جرحها الأزلي, تسمو مع حزنها الأصيل وتكبر فيه، في حيثياته، كشجرة ثمارها دموع تبلل التراب والأرصفة في انكسارات روحانية متشبثة بثوبها الأبيض، تركض في أرصفة إسفلتية من قلب بيروت إلى القاهرة ومن ثم تعود وفي ذاكرتها حكايات وقصص طفولية من زمن الأرجوحة والنافذة والدمية الخشبية الصامتة صمت الأرض. تعود وفي سلالها ديوان شعري جديد ولد من رحم الأنين (كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم) في فلسفة متشعبة وسريالية ماجنة وضبابية خجولة، لكنها مليئة بالصراخ والعويل، وتقمص حياتي عبر جسور الدموع والواقعية في التعبير عن المشهد بصراحة وشفافية مغامرة، وكأنها تخبرنا أن حلمها في السعادة قد انتهى في سفر دائم وترحال مجنون.
كتابها النثري العذب جاء في لغة سهلة ومنتشية ،بسيطة في موسيقاها وكلماتها لكن الورقة والحبر كانا يحملان في جسديهما ثمار ناضجة تكاد تسقط على قارعة الطريق في أول هبة ريح وعبور للزمن حين يبحث عن خربشات آدمية.
ثمار في ألوان قوس قزحية: (تخيل – فلسفة – طفولة لا تكبر – حضور الطبيعة والأشياء والأماكن – الظلال المتدفقة – الحزن الكثيف – ثقافة الطريق – إيقاعات الروح والشعور – الجدران والحرية – ظلم الحب – هواجس الألم وعويل الذاكرة – الصداقات الثعلبية – المحطات الصدئة – الثلج – صلاح سالم – العصافير – همس الشوارع – الشخوص المتلاطمة – الرحيل واللقاء – صمت القبور – الهزيمة – السفر .........) .
حملت سوزان في سطورها إنكسارات للحزن النازف من جرح أعماقها والتي لم تصل بعد إلى دواء له سوى صوتها المتدفق كالماء الهادئ في جدول الحياة، ولينتهي بها الى فلسفة متلاصقة بجبينها ،ودموع تكتب الحكاية في نحت أنثوي شاهق:
ليس الأسى / النافذة جرح جدار.. الباب مرآة مغلقة / على جانبي الأيسر حافة السرير والعالم / الحائط وجه قريب / أقسو كي لا يكسر في حناني / أرواحنا المعلقة صفحة من كتاب بلا كتاب.
كل الطرق في عينيها تنتهي في بحر واحد ونهاية واحدة، حيث الشوارع والظلال عناوين لوجع تاريخي يعفّر وجهه في صلصال الحكمة والحقيقة المؤلمة في انكسارات شعرية وزمانية لا تعرف الأمكنة والوقت:
حزن بكثافة حاجبين معقودين/ عينان مغمضتان على غصة / نصف ابتسامة انكسرت مرة .. انكسرت مرتين / كل موت يتكرر / كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم / لو كنت أعلم إلى أي خراب ستقودنا الطرق لما قطعتها/ لقطعت قبل أعناق ، شراييني .
هي تحاول أن ترسم للحب هزيمة في أيام مضت وتنمو كل لحظة وصباح لكنها لا تستطيع أن تنسلخ عن طغيان آلهة الحب والعشق، فنجدها تلتفت إلى الوراء دون إرادة وتلقي بأرواحها في سيماء الظلال العاشقة، فالحب عندها متشعب وكثير الوجوه والتقاسيم (الأب – الأم – الأصدقاء – الأشباح – وكل من كان يشاطرها تلك الحياة الماضية):
في الحلم المحصّن بألف رمح / سيدي ووالدي / اليتيمة قبل ميلادها أمي / الحائمون حول حدقة البئر بقميصي / أصدقائي الثعالب / القساة الذين بنسيانهم أتسلى / يأخذني حنانك / لأجلك الجسر والعبور / من قال إن الظلال لا تلتفت إلى الوراء .
وحده الثلج ببياضه يستطيع ترويض مدارات الشاعرة وليتحول إلى رفيق دائم لها حتى في نزوع الكتابة، في كناية ورمزية تعبيرية عن صفاء الروح والرؤية:
يبعثرني الثلج / كل ذلك القرب / كل هذا الألم / لو أن المرآة بيضاء الثلج / ثلج كلما علونا بغصة / بأسنانه أعادنا إلى أرضنا / ليست من ثلج / وإن كان البرد على سطحها يبكينا / داخل رأسي ثلج كثير وقتلى/ الثلج في الطرقات طفل يلهو بممحاة.
العصافير الصغيرة ظلت تحلّق مع أحلامها، ولتفتح الكاتبة أجنحتها وتطير في سماءات الفكرة واللغة ببراءة طفلة لا تكبر ولا تنمو في قدر رباني:
أيهما القفص؟ من منّا العصفور / كطيور نافقة تهوي قلوبنا / على جليد أصواتنا عصافير / فلتكف عن صراخها العصافير الناجية على أسلاك وأرصفة / الصوت والصدأ/ عصافير البكاء على أسلاك شائكة.
تمسك بالتراب في معادلة للخليقة وتصنع منه حياة وأكثر من حياة، وترتشف من قلب الصلصال وجزيئاته تراتيل إبداعية، وكأنها آلهة للقصيدة في معبد الحياة والموت والفلسفة الوجودية:
من الوحل حياة / من صلصال أصابعنا / كوردة وحل تفتح ابتسامة سمراء/ وجه كأنه الأبد/ لفرط السكر في ترابنا / بطعم طيننا الكلام / كهوف كالحة / من حفريات كآبتنا / كأننا صوت التراب الذي لا يذكر / صراخنا خطى الآخرين/ في وحل.. في سبيل وردة كتابتي .
ديوان هو سفينة لحزن منفي يبحث عن وطن حقيقي لا وهمي، كم هو مثقل هذا الكّم الهائل من الألم في أوراق شاعرة بيروت. لقد طغى الهمّ وأوجاع الروح على إيقاعاتها بشفافية لا متناهية. تسرّب إلى قراءاتنا الفضفاضة ولتمارس الذاكرة طقوسها في وشائج العويل ولنصبح أسرى شوارعها الإسفلتية، فنشاركها النواح على رصيف حياة، هي دمعة كبرى وظلال جريحة وأماني تبكينا وتبكي وجع الإنسان منذ الخليقة الأولى.
ولنقف وننتهي في أعماق الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان في موعد مع الحزن الدائم ،حيث السعادة على الأرض سحابة بلا مطر ولتظل شاعرتنا في سفر نحو المجهول وفي أصابعها خواتم لعويل إنساني وحكاية انكسرت في شطر الروح الجريحة:
هي ظلالنا تكسو العالم العاري / تضيء النصف المعتم من محبتنا / ترسم الوجوه جميلة / هذا الحزن الكثير / لأن الكتابة لا تكفي / دمعتي دائرة تتسع/ في غيم أسافر / بلا حقيبة أو حسرة / بيتي على حصاني / حصاني في روحي / بوابة العالم تقترب.

اسم الكتاب: كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم
المؤلفة: سوزان عليوان
طبعة خاصة. بيروت صيف 2008



#جهاد_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رهانات وانتصارات من ورق
- دولة القانون
- فدوى الكيلاني...قصائد تعشق عبق النرجس الكردي
- الشاعرة اللبنانية: سامية السّلوم.. تتحرر من صمت الذاكرة إلى ...
- حينما أشعل إبراهيم يوسف قناديل الروح في كتاب الادّكارات
- الطورانية التركية بين الأصولية والفاشية
- في اليوم العالمي للطفولة: أطفال سوريا .. ضياع واحتراق ومصير ...
- الحرية لرجال يصنعن الأوطان
- جمانة حداد ليليت المتمردة على قوانين الوجود والحياة
- مشاركة المراة في العملية السياسية ودورها في صناعة القرار
- حوار مع الشاعر إبراهيم اليوسف
- إبراهيم اليوسف رسول الكلمة الحرة ......الجريئة


المزيد.....




- تصوير 4 أفلام عن أعضاء فرقة The Beatles البريطانية الشهيرة ...
- ياسمين صبري توقف مقاضاة محمد رمضان وتقبل اعتذاره
- ثبت تردد قناة MBC دراما مصر الان.. أحلى أفلام ومسلسلات عيد ا ...
- لمحبي الأفلام المصرية..ثبت تردد قناة روتانا سينما على النايل ...
- ظهور بيت أبيض جديد في الولايات المتحدة (صور)
- رحيل الممثل الأمريكي فال كيلمر المعروف بأدواره في -توب غن- و ...
- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- رحيل أسطورة هوليوود فال كيلمر
- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- - كذبة أبريل-.. تركي آل الشيخ يثير تفاعلا واسعا بمنشور وفيدي ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جهاد صالح - سوزان عليوان وانكسارات الحزن في طريق واحد