|
ريثما يتحرك أبو الهول
كريم الهزاع
الحوار المتمدن-العدد: 2388 - 2008 / 8 / 29 - 04:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" بالطبع ، الروح لا تموت ، إنما تتحول إلى وحش كاسر " - كريستوفر كوك . فى عصر العولمة والإنترنت هل مازال هناك من يتعقب المقدس ؟ هل ما زال حرس " التابو" و " الطوطم " محتفظين بيقينهما ؟ ولماذا ؟ .. هل مشروع " التنوير العربي" أو " الخطاب العالمي الجديد " زائف ولم يحقق ذاته ؟ لذلك أصبح اللاشعور مفعم بـ " فوبيا المقدس " الذي يشكل له مصادر قلق نفسية واجتماعية حيث يتجاذبه الواقع المتشظي والذاكرة الأولية التي تضخمت بها آلهة الطموحات والرغبات البشرية بين الاتكاء على هذه الآلهة وتيه الروح . " احترس " ، " قف " ، منطقة محظورة ، مليئة بالأسلاك الشائكة ، يرتبك أمامها الإنسان دون أي عون ثقافي أو معرفي تجاه أهدافها الخارقة والمتسلطة . . كيف استطاعت بعض هذه الآلهة رغم هشاشتها الاحتفاظ بكل هذا المجد المزيف أو ديكتاتورية الموروث الأسطوري . الإنسان المعاصر بحاجة إلى من يفك له هذا " الالتباس" ، أو من يساعده على استيعاب العوالم الرمزية للثقافة الدينية والرمزية والاجتماعية والسياسية وربما تكسير بعض أيقوناتها لمعرفة هشاشتها . بحاجة لمن يقول له : بعض هذا المقدس وهم وكل النصوص تنتظر حالة قراءة جديدة تكشف دلالاتها أو مدلولاتها لكي يعبر هذا الإنسان المتعثر معها أو يتركها وراءه . إن إنسان اليوم بحاجة إلى ألفة ، حوار، تعاطف ، ولم يعد يطيق " الترهيب " و " الخطوط الحمراء " . إنه يريد الخلاص من هذا الرهاب .. ندخل عصرا جديدا نخاف فيه أن يتحول كل شركاؤنا و أصدقائنا و أقاربنا وأصحاب السلطة إلى معصومين أو قديسين ، علينا أن نستأذن في الدخول إليهم أو التحاور معهم ، وحينما يرفضون و باسم المقدس نسقط فى " مستنقع الكآبة " باحثين عن خوارق جديدة وأرقام وشعارات تخرجنا منه . إن الفعل الاستهلاكي المستشري في تحويل الإنسان إلى بضاعة ، أو التعليم الفاشل في تنشئة الأجيال ، أو رقابة النصوص والوصاية ، هي التي وراء انتشار ظاهرة المخدرات في العالم ، وكل أنواع " العفونة الجديدة " ، ولم تستطع " الآلهة المقدسة " من إنقاذ من استطاعت ترهيبهم من ذلك " الفخ " . أن آلهة المقدس فرحة جدا لكون الإنسان يمثل " عقدة الحبل " الذي تشده من طرفيه بواسطة " سجنه " أو " أناه المنفية " بما يسمى " حبل الأنانية - المقدس " . بذلك نصل إلى مفارقة أننا ندنس العالم ونقوم بتشويه صورتنا ليفرح الشيطان ( Satan) المدنس بالمفهوم الديني ويتحول إلى شريك وحليف للمقدس وراء " أبواب الارتياب والشك " من هنا يقول كارل يونغ : " تتلاعب القوى الخارقة بنفوسنا وأجسادنا مسببة اضطرابا عصبيا وتدفعنا لتمثيل العمليات الرمزية بشكل حرفي غريب "ولأننا مستلبين وليس لدينا القدرة على المواجهة ، منحنا تلك الآلهة والشياطين وبشكل ساخر سيطرة أكبر علينا ، ولم نعد نرى سوى لونين " الأسود والبني " بانتظار من يشعل لنا قوس قزح فى الأفق . إننا لا ننشد الانحلال أو تحويلنا إلى جزر معزولة بسبب التحرر الحاد أو التشظي الذي استطاعت حركة الحداثة من خلال تاريخ المائة عام الماضية منحه لنا بالرغم من إنجازاتها السياسية والاجتماعية ، تركتنا الحركة الإنسانية فقراء ثقافيا ومفلسين روحيا ، وتم التأكيد على أن القيم الأخلاقية والروحية نسبية تماما ومصاغة اعتباطيا ، فلا تجد النفس والروح عزاء ولا زادا ، وراحت العلاقات الشعبية والأواصر التقليدية تضعف وتنهار ، والفردية النرجسية متفشية ، واستطاعت بعض الأيديولوجيات والآلهة المقدسة أن تسيء إلى الحرية من خلال الطرح الذي تنادي به لخلاص الإنسان دون الأخذ في الاعتبار شرط علم النفس الأساسي : " يمكن للفرد أن يصبح حرا فقط بدخوله الخدمة طواعية " ، ويجب أن يفهم مفهوم " التطوع " بدافع الرغبة واليقين لا بدافع الحاجة أو بمقولة " شيء أفضل من لا شيء " وعلى أن لا تحوّل الحرية " البطل " إلى " ديكتاتور" . إلى " بطل " لا يشيخ – جلجامش آخر- إذ لدى البطل استعداد ليكون ديكتاتوريا واستبداديا فهدفه الأساسي تضخيم " الأنا " وإبادة المعارضة وتصوره للحرية هو ما نعاني منه جميعا اليوم وما يهدد استقرار وتركيبة الحضارة . فـ " الأنا " من حيث المبدأ مندفعة دائماً إلى " الحرية " لتمنحها القدرة على القيام بما تشتهي ، للتمرد داخل النفس وخارجها دون أي اعتبار للآخر، لكن في أساطير البطولة العديدة ، ليس فى اليونان القديمة فحسب ، بل فى علوم الكونيات الأخرى أيضا ، يجب وضع حد للبطل إما عن طريق الرجال والنساء أوالآلهة خشية أن يسبب دمارا شاملا . يصبح التوأمان فى مغامرات البطل الأسطوري لهنود ( الوينباغو ) مغروران بقوتهما ، وعندما يدفعهما حب السلطة لقتل أحد الحيوانات الأربعة التي تحمل الأرض يتم اعتقالهما . يعقب جوزف هندرسن قائلاً : " يصبح موت البطل الرمزي مؤشرا على تحقيق مستوى جديد من النضوج النفسي " . وأيضا الاقتراب من المقدس أو التابو وفك طلاسمه نضوج نفسي جديد ، وحينما يموت " الإله " سيجد نيتشه ارتياحا وسعادة فى قبره ، وسيرقص أتباعه فى الشوارع ، وربما يتحرك " أبو الهول " ذلك المنبثق من ذاكرة الجنس البشري العالمية ، له " جسم أسد " و " رأس رجل " .
#كريم_الهزاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرية.. وشرط المعرفة
-
إشكالية الحرية وتقرير المصير
-
451 فهرنهايت
-
إذا سكت المثقف ، فمن الذي سيدافع عن المجتمع ؟
-
إصبع يشير إليك ويرميك في خانة التصنيف
-
العولمة المتوحشة!
-
بؤس العالم
-
طبخة تموز وكأن شيئاً لم يحدث
-
جدلية الماء والنار
-
الصحافة الكويتية واللعب بالمشاعر
-
مرضى ال ms في الكويت.. من الذي سيقتص لهم؟
-
قضية البدون في الكويت
-
طرة أو نقشة
-
إلى أين توجهت أصوات «حدس»؟
-
الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 4)
-
الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 3 )
-
الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 2 )
-
الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 1 )
-
كيف نصنع دكتاتورا ونشنقه ونتباكى عليه؟
-
الحداثة والبحث عن نظرية نقدية
المزيد.....
-
أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
-
إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا
...
-
إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات
...
-
المحكمة الإدارية الفرنسية تؤكد صحة قرار الجزائر في قضية المؤ
...
-
عباس يرسل برقية للسيسي بشأن تهجير الفلسطينيين.. ماذا فيها؟
-
إدانة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق بوب مينينديز بالسجن 11
...
-
باكستاني يقتل ابنته لنشرها فيديوهات على -تيك توك-
-
طبيب نفسي: يوجد في سوريا من 1 إلى 3 ملايين مريض نفسي
-
الولايات المتحدة: أوامر بترحيل المئات من مواطني الدول المغار
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|