|
روسيا حين تستيقظ !
معقل زهور عدي
الحوار المتمدن-العدد: 2381 - 2008 / 8 / 22 - 09:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تقول روسيا اليوم للغرب: كفى ، كفى استهتارا بقوة روسيا ، بارادتها ، بوعيها للمخاطر، روسيا أيها السادة لم تزل دولة عظمى ، مساحتها تكاد تصل لضعف مساحة الولايات المتحدة ، واقتصادها سيكون قريبا خامس اقتصاد في العالم ، واحتياطها النقدي هوثالث احتياط نقدي في العالم ( 470 مليار دولار في عام 2007 ) ، وهي الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث القوة العسكرية بما في ذلك الأسلحة النووية .
تقول روسيا : من أجل الدخول في السوق العالمية ، قبلنا التحول لنكون شركاء مع الغرب بدل ان نكون أعداءه ، قدمنا كل تنازل ممكن ، أثبتنا حسن نيتنا ، وابتعادنا النهائي عن مناخ الحرب الباردة ، والتزمنا الصمت حيال نزعة الولايات المتحدة الأمريكية للغزو والسيطرة على منابع النفط ، وكل مارافق ذلك من حماقات ودماء وفوضى، بل كنا نأمل بشراكة مع حلف الناتو تجعلنا نقف معه على أرضية استراتيجية واحدة لندشن عالما جديدا
فماذا فعل الغرب ؟
لقد كان يخطط بمكر وثبات لمحاصرة روسيا وعزلها ، للنفوذ لجمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا وصنع قيادات سياسية ونخب موالية له مشحونة بالكراهية ضدنا ، تفسح في أرضها لبناء قواعد عسكرية ومنصات صواريخ تستهدفنا على نحو مكشوف ، وشيئا فشيئا كانت الحراب والمدافع تقترب من القلعة الروسية بينما أصوات الأغاني الجوفاء التي تتحدث عن التعاون الدولي والسلام تصدح لتغطي قرقعة عجلات المدافع التي تتقدم نحونا باستمرار.
بعد ذلك ماذا تريد أيها الغرب ؟ لم يبق سوى أن تتسللوا داخل روسيا لتمزيقها الى أشلاء ، او تفكيك بنية الدولة والمؤسسة العسكرية حتى لا تمتلك الإرادة السياسية او القوة العسكرية ولايعود لديها سوى الاستسلام الكامل لارادة حلف الناتو .
كلا أيها السادة روسيا لن تقف مكتوفة اليدين تنتظر نتائج مخططاتكم واكتمال محاصرتها ، وروسيا اليوم ليست روسيا التي خرجت من رحم الاتحاد السوفييتي عام 1991 مهزوزة غارقة بالفوضى والفقر.
فمعدل نمو الاقتصاد الروسي لم يهبط عن 7% خلال تسعة أعوام ، وفي عام 2007 وصل الى 8.1% ، والفقر في روسيا بدأ يضمحل ليفسح مكانه لتوسع الطبقة الوسطى (نسبة من هم تحت خط الفقر 15.8% )، بينما قفزت الاستثمارات الخارجية من 14.6 مليار دولار عام 2005 الى 45 مليار دولار عام 2007 في اشارة واضحة لتزايد الثقة في الاقتصاد الروسي .
روسيا اذن لملمت جراحها ، وبدأت تخرج من عزلتها وسلبيتها ، ما دفعها لذلك ليس الطموح بل غريزة الدفاع عن النفس .
المؤسسة العسكرية الروسية كانت وراء تماسك روسيا ، استعادة دور الدولة الذي أوشك على التفكك في لحظة تاريخية ، اعادة البناء الداخلي بهدوء وثبات ، واليوم تولد روسيا من جديد .
لكن في ولادتها الجديدة لاتنقص المخاطر حول روسيا بل تزيد ، فالغرب الذي استفزه الرد الروسي العنيف في جورجيا لن يقبل ان ترفع روسيا رأسها مرة ثانية ، الغرب بثرائه وغطرسته يعتقد انه يملك من مفاتيح القوة الاقتصادية ما يكفي لاركاع روسيا ، كما يملك من الدهاء والعملاء ما يكفي لاختراقها من الداخل ، أما أوراق الضغط الأخرى فتبدأ بنشر الصواريخ في بولندا ولاتنتهي عند اوكرانيا ، وحين تبتعد جورجيا واوكرانيا عن روسيا تصبح مجموعة الدول المستقلة التي تشكل حزاما أمنيا حول روسيا مهددة بالتفكك.
ما ستعرفه روسيا لاحقا – ان لم تكن قد عرفته – أنها لم يعد بمقدورها العودة لقلعتها والانعزال بعد اليوم ، لابد لها من القتال خارج قلعتها ، ليس بالدبابات فقط ولكن بكل الأسلحة وأولها السياسة .
من أجل ان تحمي نفسها تحتاج الى حلفاء وأصدقاء ، وتحتاج الى سياسة روسية – دولية جديدة ، وتحتاج لتدرك ان القطيعة قد وقعت بالفعل بينها وبين الغرب ، ولافائدة بعد اليوم من طلب رضاه .
تخلق الحرب في القوقاز خطا فاصلا بين عالمين ، عالم بدأ مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 هو عالم القطب الواحد ( القوة الأمريكية المتحكمة بالعالم) ، وعالم ولد مع اتضاح عجز القوة الأمريكية عن تحقيق أهدافها المعلنة في العراق وأفغانستان والمشرق العربي ( بفضل مقاومة الشعوب ) وجرى الاعلان عنه اليوم في جورجيا مع عجز الولايات المتحدة الأمريكية والناتو عن فعل أي شيء لحماية طفلهم المدلل سكاشفيلي الذي أغروه باستفزاز روسيا .
هو اذن عالم سقوط القطبية الأحادية ، وبزوغ نظام عالمي متعدد الأقطاب .
مثل ذلك النظام يحتاج الى مؤسسات عالمية جديدة أقل مركزية وأكثر ديمقراطية ، كما يحتاج لارساء مفاهيم القانون الدولي في مواجهة انفلات القوة التي ستؤدي الى حروب ودمار بغير حدود .
لاتستطيع أمريكا بعد اليوم أن تزعم بقدرتها على الاضطلاع بدور شرطي العالم ، هذا الدور الذي لم تلعبه في الواقع قط بقدر مالعبت دور القرصان والمافيا الذي يضع على صدره اشارة ( الشريف ) .
لكنها – في السابق – كانت قادرة على تغييب حاجة العالم الى مؤسسات عالمية حقيقية جديدة ، لارساء الأمن والسلام العالميين ، أما اليوم فلم يعد بامكانها تغييب تلك الضرورة .
اذا استطاعت روسيا التقاط اللحظة التاريخية على نحو صحيح ، والانتقال من رد الفعل الى الفعل ، فستجد حولها عالما متعطشا لدفن القطبية الأحادية وارساء اسس نظام عالمي جديد أكثر تحررا وديمقراطية واحتراما لانسانية الانسان .
لكن ذلك يبقى مرهونا بتحول عميق في الفكر السياسي الروسي ، تحول يحرره من أسر العبودية للغرب الرأسمالي ، ويعيد اليه شيئا من تراثه الانساني التحرري ورؤيته الاجتماعية التقدمية دون أن يكون ذلك على حساب قيم الحرية والديمقراطية .
21/8/2008 معقل زهور عدي
#معقل_زهور_عدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موريتانيا ..انقلاب على طريق الفشل
-
البشير مطلوبا
-
اللاجئون العراقيون – فضيحة العصر
-
سياسة المتعبين
-
مأزق أمريكا العراقي – احتواء الهزيمة
-
ملاحظات حول اعلان المبادئء المقدم من قبل حزب الاتحاد الاشترا
...
-
تراث عبد الناصر وتصفية الحساب
-
تسونامي غزة – الحدث والرمز
-
أزمة المعارضة في سورية
-
في العلاقة بين القومية والوطنية والديمقراطية-2
-
انهيار الاستراتيجية الأمريكية في العراق وصراع الأفكار
-
مقترحات لتعديل الاستراتيجية الأمريكية
-
قراءة في انعكاس أحداث غزة في التفكير السياسي الأمريكي- روبرت
...
-
زلازل مابعد العراق
-
تدويل لبنان مقدمة لتدويل سورية
-
ليس باسمنا
-
هل يمكن الاستمرار في تجميد الاصلاح السياسي في سورية
-
أسوأ من استبداد
-
المعارضة السورية والخروج من النفق
-
في عشق المدن
المزيد.....
-
-لا خطوط حمراء-.. فرنسا تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها بعيدة
...
-
الإمارات ترسل 4 قوافل جديدة من المساعدات إلى غزة
-
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي روته يلتقي الرئيس المنتخب ترا
...
-
رداً على -تهديدات إسرائيلية-.. الخارجية العراقية توجه رسالة
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة في لبنان؟
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|