|
لمحة عن محمود درويش
خالص عزمي
الحوار المتمدن-العدد: 2381 - 2008 / 8 / 22 - 05:02
المحور:
الادب والفن
ما زالت الصورة ماثلة أمامي ... شعراء على جناح زورق شراعي يتهادى على شط العرب ؛ واحداث المهرجان الادبي تسجل بقلم المربد الاول تلك اللوحة التذكارية الزاهية بالالوان والأمان ؛ وسعفات النخيل تظلل نغمات ضحكاتهم المرحة كلما اقتربوا من شواطيء معقل البصرة . دعوني اشاهدهم بالمنظار المكبر من شرفة الفندق ؛انهم مجموعة متألقة من صداحي الشعر ؛ محمود درويش ؛ خليل حاوي ؛ بلند الحيدري ؛ ؛ سليمان العيسى عاتكة وهبي الخزرجي احمد عبد المعطي حجازي وآخرين . كأنهم كوكبة من نجوم تحط ركابها على أكتاف فجر وثاب الخطى يستشرف الآتي من الزمن ؛ وبصرة الفراهيدي تستقبلهم بترحابها المعهود كلما ذهبوا او آبوا . كانت أمسيات الشعر المتدفق المحلق ينطلق من منابر هذه المدينة العريقة بتاريخها اللغوي ؛ وكان الجواهري ؛ وحافظ جميل ؛ ونزار قباني ؛ ولميعة عمارة ؛ والفيتوري ؛ وأدونيس ؛ وحسين مردان ... وكان لمحمود درويش صوته المغرد المتفرد ؛ يصعد المنصة فاذا به يجسد امام المخيلة عباقرة الشعر الفلسطيني الرواد ؛ معين بسيسو وابراهيم طوقان وبرهان الدين العبوشي ووديع البستاني ؛ ...بل وحتى من سار على دربهم من الرعيل الثاني ؛ فدوى طوقان ؛ ؛ جبرا ابراهيم جبرا ؛ ابراهيم الخطيب ؛ سلمى الخضراء الجيوسي؛ هارون رشيد ؛ ثريا ملحس ...وآخرين ؛لقد كنا نشم من عطر ازاهير شعره عطردواوين تلك الصفوة المتألقة من ابناء ارض المقاومة الذين منحوا الشعر العربي طاقات أبداعية من نسيجهم المتألق .
كان نيسان من عام 1971 .....؛ حيث تورق الاشجار ؛ وتتباهى بجمالها الأوراد ؛ موعدا لاستقبال هذا الشاعر الفلسطيني المجدد ؛ ومشاهدة طلعته الناصعة وهو يلقى من شذى انفاس قصائده البكر ما يضفي على الفيحاء لونا محببا من انغام قيثارته ؛ بصيغته الخاصة والقائه الواضح العذب . من لحظة ذلك الظهور الاول ؛ ظل محمود درويش على صلة حميمة بالادباء الاصلاء من أرباب الحرف المعتزين بكرامة نتاجهم ؛ فكانت له لقاءات متواصلة الحلقات مع جمهوره الواسع ومما اذكره لاحد معلمي البصرة ممن انتدب لمرافقة الوفود وكان من محبي الشعر والغناء ؛ ترديده لمقطع لحنه هو عفو الخاطر من قصيدة لهذا الشاعر الكبير يتحدث فيها عن مخضل الارض الممرعة وانعكاسها على حالة مستديمة من عشق الوطن والدفاع المستميت عنه : (إنّا نحبّ الورد ، لكنّا نحبّ القمح أكثر و نحبّ عطر الورد ، لكن السنابل منه أطهر فاحموا سنابلكم من الأعصار بالصدر المسمّر هاتوا السياج من الصدور ... من الصدور ؛ فكيف يكسر ؟؟ إقبض على عنق السنابل مثلما عانقت خنجر! الأرض ، و الفلاح ، و الإصرار ، قل لي : كيف تقهر... هذي الأقانيم الثلاثة ، كيف تقهر ) كان محمود درويش ؛ يلقى الشعر وكأنه موسيقي فذ يعزف على كمانه عزفا منفردا فيغدق على اوتارها من احساسه الفني رقة وحنانا ؛ على الرغم من ان الافكار التي كانت تتدفق منها على المتلقي كان لها تأثير في غاية العمق والجدة خذ ايا من دواوينـــه ( اوراق الزيتون ؛ مطر ناعم في خريف بعيد ؛ مديح الظل العالي ؛ شيء عن الوطن ؛ لاتعتذر عما فعلت ....) وغيرها او مما صدر بعدها تجد ان سر عظمة شاعريته تتضح في ان غنائية وعمق شعره الذي يسمع ؛ يوازي عمق وحلاوة شعره الذي يقرأ : وشاح المغرب الوردي فوق ضفائر الحلوه و حبة برتقال كانت الشمس. تحاول كفها البيضاء أن تصطادها عنوة و تصرخ بي، و كل صراخها همس: أخي !يا سلمي العالي! أريد الشمس بالقوة! ..و في الليل رماديّ، رأينا الكوكب الفضي ينقط ضوءه العسلي فوق نوافذ البيت. وقالت، و هي حين تقول، تدفعني إلى الصمت: تعال غدا لنزرعه.. مكان الشوك في الأرض! أبي من أجلها صلّى و صام.. و جاب أرض الهند و الإغريق إلها راكعا لغبار رجليها وجاع لأجلها في البيد.. أجيالا يشدّ النوق و أقسم تحت عينيها يمين قناعة الخالق بالمخلوق! من الصدف العجيبة ؛ ان يكون لقاؤنا الاخيرفي بغداد ؛ وفيها كانت لنا صورة غالية على النفس عند نصب الشهيد ؛ توثق له والشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي وهما يحملان أكليلا من الزهور باسم الادباء والشعراء المشاركين في المربد ؛ اما انا فقد كنت خلفهما مباشرة وكانت لقطة فريدة لم احسب انها ستكون آخر صورة اظهر فيها مع هذين الراحلين الكبيرين .
ان مميزات شعرمحمود درويش ؛ تكمن في مكثفات يمكن ايجازها في التعبيرالمصغر التالي : جدة في المواضيع المختارة بعناية وحصافة ؛ حداثة مدروسة من خلال اسلوب التناول التفصيلي ؛ لغة عربية صافية في فصاحتها مؤطرة ببلاغة متفردة في انتقاء المفردات الملائمة تماما للتعبير الذي ينشده عن النمو العضوي لمجمل القصيدة التي تتفاعل في دواخله . رحمه الله
#خالص_عزمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكمة وعبرة
-
تربية أطفال العراق على حب الوطن
-
في يوبيلها الذهبي انجازات ثورة 14 تموز
-
لماذا لم أكتب الرواية ؟!
-
من مقدمات كتبي 6
-
قصة قصيرة الغرفة رقم 6
-
انشاد حائر
-
تجربتي في النقد المسرحي
-
ربيعيتان
-
هل سقطت بغداد ؟ أم أسقط العباد في الفوضى
-
تراث المسرح العربي ( لمناسبة يوم المسرح العالمي )
-
نماذج من اعترافات لاتحتاج الى تعليق
-
أربعة أسئلة وثلاث أجابات
-
المرأة ومسايرة روح العصر
-
نزيهة سليم كما عرفتها
-
فضاء وانطلاق
-
يوم أعتقلنا في النادي الاولمبي
-
محو الامية في التربية الديمقراطية
-
أدب القضاة ( 22 ) حازم سعيد
-
التربية المسرحية في العراق
المزيد.....
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|