|
ارتهانات مؤجلة
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 2384 - 2008 / 8 / 25 - 09:15
المحور:
الادب والفن
الى (نون )
كيف تبدأ الحكاية في كل مرة ..، من نقطة الصفر ام كسابقاتها ... تكمل دورة سابقتها ؟ الامر سواء ! هذا ما قاله حكيم زمانه الناسخ الكبير لقصة الخلق ، كما تقول الاسطورة . وهذا ما نضطر الى ترديده في لحظات عجزنا عن الفهم والتفسير والتعليل .. كنت اجلس وحيدا في صالة الاستقبال الفرعية لاحد فنادق الدرجة الاولى ، في الزاوية البعيدة التي تطل على مسبح الفندق ، عندما دخلت ثلاث فتيات في منتصف العشرينات ليجلسن الى الطاولة المجاورة لطاولتي من اجل شرب الشاي . كنت ارقب صبيين يتباريان في فن القفز من اعلى منصات المسبح عندما وصلتني دمدمة احتجاج الفتاة التي ترتدي قميصا ورديا مرشوقا بزهور حمراء .. - كأنك تحمليني مسؤولية موته .. كأني قتلته ...؟ فاجابت ذات النظارة الطبية .. - انا لم اقل هذا ، ولكنك لا تحترمين حرمة موته . - ماذا يتوجب علي ان افعل كي اثبت العكس ؟ - ان تكفي عن الحديث عن شؤونه الخاصة ، اجابت ذات النظارة هذه المرة . ثم اضافت وهي تصطنع ابتسامة .. - لنتحدث عن حياته في العالم الذي انتقل اليه ... مثلا . - وكيف نتحدث عن عالم نجهله بحقك ؟ تساءلت ذات القميص الوردي بامتعاض ظاهر . فقالت ذات النظارة متسائلة .. - نحن لا نجهله تماما .. - بل نجهله تماما . قالت صاحبة القميص الوردي ، ونظرت الى صاحبة الشعر الاشقر وكأنها تطلب تأييدها فيما ذهبت اليه . ولكن المرأة اصرت على ملاحقة تقافزات الصبيين في اشارة منها على تجاهل موضوع الحوار . فصرخت صاحبة القميص الوردي .. - لم انت مصرة على صمتك ؟ - ليس عندي ما اقوله في الموضوع . - كيف ؟ - هكذا ! قالتها بلامبلاة وعادت لتلاحق معابثات الصبيين . - انت تقتليني هكذا ! الا يعنيك الامر ؟ الا يعنيك شيء على الاطلاق ؟ - من قال هذا ؟ - لامبالاتك .. هنا تدخلت صاحبة النظارة لتقول .. - لا ليس هذا ، بل هي تفكر بشيء آخر فقط . - ماذا تعنين ؟ - هي تفكر في امر انزوائه في ذلك العالم اللامرئي والمبهم بعد ان انهار كيانه وتصدعت ارادته ... - من قال ان ارادته قد تصدعت ؟ صرخت صاحبة الشعر الاشقر بغضب ثم اضافت .. اني اراه الان ... - ترينه الان ؟ تساءلت صاحبة القميص الوردي ساخرة ، ثم اضافت .. كيف واين ؟ وماذا يفعل الان من فضلك ؟ يقرأ كعادته أم ... ؟ واطلقت ضحكة ساخرة . - لا .. هو فقط يراقب حركة ما خلف ستار ... ربما هي امرأة تستبدل ثيابها او تداعب مراكز الاحساس في جسدها ... قاطعتها بقهقهة عالية وهي تقول .. - بحقك ما هذا الهراء ؟ فردت صاحبة النظارة بصبر نافد .. - بحقك نادية الا تصمتين لحظة ؟ اكملي صفاء اكملي .. - هو يكتفي بمراقبته .. - فقط ؟! تساءلت صاحبة النظارة . - الى الان ، نعم سجى ! - وماذا يعني هذا برأيك ؟ سألت نادية . - هذا يعني انه مستمر في معاناته ! - أهذا مجرد استنتاج صفاء ؟ سألت سجى . - لا . بل هو ما اراه . - وهذا يعني ...؟ - لحظة ، الصبي صاحب السروال الاخضر سيدق عنقه ! ثم سحبت حقيبتها اليدوية ونهضت مسرعة . - الى اين ؟ سألت نادية باستغراب . - لا اريد ان اشهد المنظر . - أي منظر بحقك ؟ سألت سجى . - الصبي وهو يدق عنقه ! - ها انت جادة ؟ سألت نادية باستغراب . - نعم ! وللاسف لن استطيع ان اهديه الى وجهة ما ! - هل انت جادة صفاء ؟ سألت سجى . الا ان صفاء اندفعت خارجة دون ان تجيبها . - ماذا اصابها ، هل جنت ؟ - كلا . هي دائما هكذا ؛ تتلقف اشارات غالبا ما تكون صادقة . بعد لحظة نهض الصبي واعتلى منصة القفز وقذف نفسه ليسقط على حافة المسبح وليفارق الحياة فصعت الفتاتان من هول المفاجأة وصرخت نادية .. - ما هذا ؟ انه فعلا ... يالصفاء المسكينة ! - وما شأن صفاء بالامر ؟ - كيف سيهتدي الى طريقه هذا الصبي المسكين ؟ - هل صدقت هذا الهراء ؟ - ليس الامر امر تصديق من عدمه ، بل امر تيه من لا يجد من يدله الى نهايته ، كما يحدث للعم الان .. والا هل من المعقول ان يمضي العم وقته في مراقبة امرأة تداعب مفاتنها ؟ - نعم معقول ! أفلتت مني صرخة لا ارادية . - كيف من فضلك ؟ سألت سجى .. - هكذا هو الامر ببساطة ! - ماذا تعني بحقك ؟ سألت نادية . هنا دخل النادل ليضع امامي فنجان شاي فقلت .. - لانه ببساطة مازال مشدودا لما لم يشبع مما يضايقه ! ندت صرخة مكتومة من سجى وهي تضع يدها على فمها دهشة ، ثم بلعت ريقها لتقول .. - اتعرف ، انت تصدع لي رأسي هكذا ! فقلت وانا اداعب عروة فنجان الشاي بلامبالاة .. - اعرف . اما نادية فقالت باستسلام مكتوم .. - هذا هراء ! ثم اردفت بحنق – انت تدس انفك في امر لا يعنيك ... أليس كذلك ؟ - نعم اعرف .. اعتذر . وهنا عادت صفاء يبدو عليها الارهاق فسألتها نادية .. - كيف سار الامر مع الصبي ؟ - كفي عن ازعاجي بمهاتراتك ! انا الان بحاجة للتنفيس عن مشاعر كبتي ! فأومأت سجى لها براسها تنبهها لوجودي فقالت بلامبالاة .. - وان ؟ الامر لا يخجلني ! وهل تتصورين ان تكتمنا يمنع معرفتهم بما تتصوريه سرا مخجلا ؟ - أليس هو مخجلا فعلا ؟ - على الاطلاق ! انه تكويني الطبيعي الذي لم اختره ! فقالت سجى .. - دعينا الان من هذا واخبريني بامر العم . - هو مصر على مراقبة تلك المرأة ! - هل انت مصرة على ترديد هذا الكلام ؟ - لا ابدا ، انما هو ما اراه . - والصبي ؟ - لم اهتد اليه ! المهم الان من منكما ستساعدني على انفاث توتر جسدي اللعين ؟ أطرقت الفتاتان خجلا فصرخت بهما .. - غبيات ! وسحبت حقيبتها وتركت المكان . فقالت نادية متسائلة .. - الم يكن بمقدورنا مساعدتها فعلا أم هو مجرد نفاق منا ؟ فزمجرت سجى بغضب.. - ان كنت على استعداد على مساعدتها فماذا تنتظرين ؟ - انا اناقش الفكرة ... ك ... كمساعدة ... - هل انت جادة ؟ أعني هل يناسب مزاجك ؟ فقلت دون ارادة .. - هذا هو السؤال .. فصرخت سجى محتدة .. - ما دخلك انت في الامر ؟ كيف تسمح لنفسك بالتنصت على احاديث الاخرين الخاصة ؟ فاعتذرت وحولت عيني الى المسبح المهجور . فقالت نادية بصوت مهموس .. - الرجل معه حق ؛ الامر يتعلق بالمزاج فعلا ! - وهل الامر يناسب مزاجك ؟ فقالت نادية متلعثمة .. - الحقيقة لا ادري ! ولكن ... - ولكنك تجدين في نفسك رغبة لتأدية خدمة لصفاء أليس كذلك ؟ ثم سحبت حقيبتها وتركت المكان فقلت .. - اتعرفين ان صفاء التي لها القدرة على التنبوء او تلقف بعض اشاراته وامثالها هم اكثر الناس ميلا للجنس المماثل بطبيعة تكوينهم ؟ - نعم اعرف . - هل هما قريبتاك ؟ - نعم ولكن من بعيد وقد ورثنا احد اقربائنا ونحن هنا من اجل استلام حصصنا من امواله . وبعد لحظة صمت اضافت .. - سننهب اموال الرجل التي قضى عمره في جمعها . - هل كان اعزبا ؟ - تزوج لفترة وهجرته زوجته . - هل ستساعدين صفاء ؟ هنا احمر وجهها غضبا لا خجلا وصرخت .. - وما شأنك انت في خصوصيات الاخرين ؟ فقلت بهدوء مصطنع .. - لا داعي للغضب انه مجرد سؤال .. - ولكنه سؤال في ادق الامور خصوصية يارجل . - خصوصيته نحن الذين صنعناها ! - وان ... ولكن ... وبدلا من ان تكمل سحبت حقيبتها وتركت المكان بخطى عصبية ؛ بينما انصرفت انا الى مداعبة عروة قدح الشاي بحركة عصبية . بعد نحو ربع ساعة عادت صفاء لتجلس في نفس المكان ولتسألني .. - هل خرجتا من الفندق ؟ - لم انتبه للاسف . هل انت متضايقة ؟ - قليلا . - كانت نادية متعاطفة معك . - حقا ؟ - نعم . الاسف اني سمعت كل كلمة من حديثكن ... - لا عليك .. كنا نتحدث بصوت مرتفع . - يبدو لي انك كنت تشبهينه ببعض تكوينك . - تعني العم رياض ؟ لا ! الرجل كان مزدوج الاحاسيس والمزاج ! - تعنين ... اه ! نعم افهم . - هل تعتبره شذوذا ؟ - كل منا شاذ على طريقته الخاصة ! - انت تشبهه في ميوله ولا خيار لك في ذلك . - هل هذا نوع من البصيرة ؟ - بل احساس . ام تراك ستنكر ؟ - لا لن انكر . - هل اخترت هذا بنفسك ؟ - لا . - والحل برأيك ؟ وكان سؤالا خارج حدود توقعاتي فوجمت صامتا بل مفزوعا ان شئتوا الدقة . مرت فترة ترقب امضتها في مراقبة ردود افعالي على تعابير وجهي ، وعندما تأكدت من عجزي عن الاجابة قالت وابتسامة سخرية تملأ وجهها .. - لا عليك ، انا ساجيب عنك . الحل ان نتجاوز صمتنا ! وحملت حقيبتها واتجهت الى بوابة الفندق الخارجية فصرخت خلفها بصوت مبحوح .. - ولكن هذا جنون . ولكنها اكتفت بان ترمقني بنظرة ملئها الشفقة والاحتقار ومضت . فرددت في نفسي .. - كيف بدأت هذه الحكاية ؟ من الصفر أم ...
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألف رصيف للاختلاف
-
درويش .. مداد الحرف والرصاصة
-
كركوك وازمة انتخابات الحكومات المحلية
-
اذ اوقظ مومياء انعتاقك
-
تصور اوباما للانسحاب من العراق
-
عروج الى فيوض الالهة ( ايمو )( رعشة من جذور المعنى )
-
الحوار .. رؤية واقتراح
-
ثقافة التسامح على الطريقة العربية
-
استيلاد المستحيل من غدق النار : انهمار( قراءة في قصيدة -موجة
...
-
تفاصيل زحام
-
شاهد اثبات على جريمة قيد النظر
-
المعاهدة الامريكية – المالكية( قراءة في الوجه الظاهر)
-
لقاء افتراضي على هامش الرغبة( قراءة في قصيدة -اللقاء الافترا
...
-
تسابيح مثول لحضرة ملكة الوصية الاولى في معبد النار
-
شغب احلام
-
اذ تؤجلين احتراقك ...
-
تفريس المنطقة لمصلحة من ؟
-
الركض خلف هوة السؤال( قراءة في قصة -هل قلت انه يساعد ؟- للقا
...
-
ليلى بنت الطباخ
-
جرح يتوضأ بزمزم الطفولة : التياع( قراءة في قصيدة -الى امرأة
...
المزيد.....
-
بيت المدى ومعهد -غوته- يستذكران الفنان سامي نسيم
-
وفاة الممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي عن 81 عاما
-
فنانون لبنانيون ردا على جرائم الاحتلال..إما أن نَنتَصر أو ن
...
-
مخرج يعلن مقاضاة مصر للطيران بسبب فيلم سينمائي
-
خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و(
...
-
-من أمن العقوبة أساء الأدب-.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجا
...
-
إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص
...
-
رحال عماني في موسكو
-
الجزائر: مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يستقبل ضيوفه من ج
...
-
أحلام تتفاعل مع تأثر ماجد المهندس بالغناء لعبدالله الرويشد
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|