أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمه قاسم - استنساخ العدو














المزيد.....

استنساخ العدو


فاطمه قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 2375 - 2008 / 8 / 16 - 10:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.فاطمه قاسم
يرحم الله "فرانز فانون" ذلك الطبيب القادم من جزر المارتينيك، والذي عمل طبيباً مع القوات الفرنسية في الجزائر، وأتاح له عمله ذاك، وقوة ملاحظته، وروحه الإنسانية السامية، أن يسجل أعمق الأفكار والملاحظات عن الاستعمار، الاحتلال، وخاصة ذلك النوع من الاحتلال الإحلالي الاستيطاني، والآثار التدميرية التي يخلّفها ذلك النوع من الاستعمار في النسيج الثقافي والنفسي والاجتماعي للشعب الذي يخضع لهذا النوع من الاستعمار، الاحتلال، لسنوات طويلة، مثلما حدث مع الشعب الجزائري تحت نير الاستعمار الفرنسي، ومثلما حدث مع العديد من الشعوب الأفريقية الآسيوية تحت سطوة الاحتلال الإنجليزي أو الفرنسي.. الخ، ومثلما يحدث مع الشعب الفلسطيني تحت سقف الاحتلال الإسرائيلي.

فرانز فانون:

أجمل ملاحظاته وتجاربه ودراساته العبقرية تلك في كتاب ترجم إلى لغات عديدة في العالم ومنها اللغة العربية، بعنوان "المغتربون في الأرض" ورصد لنا في هذا الكتاب العديد من الملاحظات والنماذج التي تكشف عن حقائق موجعة ومفجعة في آن واحد، وهي أن الشعوب تحت نير هذا الاحتلال، حتى وهي تقاومه ببطولة خارقة، فإن قيم الاحتلال، قيم الطرف الأقوى، الطرف المسيطر، سرعان ما تتسرب إلى عمق ثقافة الشعب المضطهد، فيحاول هذا الشعب أن يقلد أعداؤه، وأن يأخذ معاييره من هؤلاء الأعداء، حتى وهو يقاتلهم بشراسة، ولكنه يقع ضحيتهم دون أن يدري، مثل ذلك الرجل الأسود الذي وهبه الله عينان قويتا الإبصار، ولكنه يضع نظارة طبية لأنه اعتاد لعشرات السنين أن يرى الرجل الأبيض – السيد – يضع هذه النظارات الطبية لخلل في قدرته على الإبصار بطبيعة الحال، وكيف أن الشعوب المضطهدة حتى وهي في حالة قتال وثورة ضد هؤلاء المحتلين فإنها تستخدم معاييرهم ومقاييسهم في توع الطعام والشراب والملبس والسكن وهلم جرا.

ولكن أخطر ما سجله لنا العبقري "فرانز فانون" هو أن الشعوب المقهورة تلجأ إلى استنساخ العدو – الاحتلال – في أشياء أخطر ألف مرّة ومرّة من التقليد في المأكل والملبس وبعض السلوكيات الصغيرة، وإنما في أشياء حميمة أوسع مدى واشد خطورة، مثل إعادة استنساخ العدو في وسائل وأساليب القهر والقمع وكبت الحريات وتشديد قبضة الأمن ضد مواطنيهم أنفسهم، فالسجون تبنى على طريقة المستعمر، وغرف التحقيق ووسائل وأساليب التعذيب هي نفس أساليب المستعمر، والملاحقات والمطاردات وإهدار كرامة الإنسان هي نفسها التي كان يستخدمها العدو والمستعمر نفسه، وعمليات التخويف والترهيب هي نفسها، وهكذا دواليك.

بطبيعة الحال:

فإن الشعوب الحية، لا تقبل أن تصاب بهذا الانحدار الخطير في التعامل مع بعضها بنفس ما كانت تشتكي منه في زمن الاحتلال، أو زمن قبل الاستقلال، وكلما كانت الأحزاب والحركات الثورية أكثر رقياً فإنها تنتبه بقوة حتى لا تجد نفسها تستنسخ العدو، وتعيد إنتاجه، واستحضاره هي بنفسها، وعبر إجراءات تستمر وتتكاثر حتى ليبدو الأمر وكأن العدو، الاحتلال، الذي رحل لأي سبب من الأسباب، قد عاد وحضر ليس بجنوده، ولا دباباته، بل بيد الأجهزة المحلية، الوطنية نفسها، التي عانت طويلاً، واشتكت كثيراً، وبكت دماءً ودموعاً في كل الفصول، حتى إذا من الله عليها بنعمة الاستقلال أو الحرية، أو حتى التخفيف المحدود من وجود العدو، نراها تفعل بنفسها وبشعبها ما كان العدو والمحتل قد فعله بها في أزمنة سابقة.


الشعوب الحيّة،
والحركات والأحزاب الراقية،
تراقب ذلك بانتباه شديد، ويقظة عالية، وبصيرة وطنية مشرقة، حتى لا تجد نفسها متورطة في أن تفعل بنفسها ما فعله العدو وأكثر.

إن الثقافة الوطنية:

يجب أن تقف بكل تجلياتها المتعددة، روحياً، وتراثياً، وقيمياً، وسياسياً، حتى لا يقع الشعب المقهور فريسة لهذه الحالة الشاذة من الالتباس، وهي أننا نناضل ببطولة، ونقدم التضحيات الغالية، ونقدم قوافل الشهداء، للخلاص من نير الاحتلال، ومن جرائمه، ومن عسفه وإرهابه، ثم، وبدون انتباه، وتحت حمّى الشعارات الجوفاء، والخلافات الفارغة، نجد أنفسنا نقلد عدونا في البطش بأنفسنا، ونعمق جراحنا بأيدينا، علماً أن الجرح الذي يسببه العدو قد يشفى بسرعة، لأننا لا نتوقع من العدو غير الأذى، أما الجراح التي يسببها لنا أبناء شعبنا، ذوي القربى، فهي أشد غضاضة على النفس من وقع الحسام المهند، كما قال الشاعر العربي القديم، لأننا لا نتوقع من أنفسنا سوى الرحمة والمحبة والتسامي فوق الجراح.

إن الثقافة الوطنية العميقة هي الضوء الذي يتوهج في أعماقنا ويحمينا من الانزلاق في المزالق الخطيرة، كيف لا.. ونحن أمة أمرها الله سبحانه وتعالى أن تكون أمة وسطاً، حتى لا تقع في المهالك، وحتى لا تفقد موهبة التراحم فتسقط في مستنقعات الحقد والكراهية.




#فاطمه_قاسم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة تركيب المشهد الفلسطيني
- احتمالات الزمن الصعب
- ليل يحتاج الى نهاية
- اطفالنا ذوي الاحتياجات الخاصة بين ظلم المجتمع وعجز القوانين
- ضرورة اسمها القوة
- قرارخارج السياق
- الحوار الوطني رؤية عملية
- الحوار الفلسطيني ماذا ينتظر؟
- اختبار كبير اسمه التهدئة
- مثلث اليأس في الذكرى الاولى للانقسام
- افتراض التشابه افتراض الاختلاف
- دعوة ابو مازن والوقت الحاسم
- وحش اسمه الفراغ
- اسرائيل نيران تحت الرجل السياسي
- غزة وسباق الحلول
- كم نحن حمقى
- صلح في لبنان أم سلام في المنطقة
- حوار الدوحة امل كبير وخوف اكبر
- المقاومة وزمن الانزلاق الى الهاوية
- الأنفاق بوابة للحياة ومختنق للموت


المزيد.....




- سوريا: -سوء التغذية الحاد- يحدق بأكثر من 400 ألف طفل جراء تع ...
- ماذا يحدث في الأردن؟ ومن هي الجماعة التي تلقت تدريبات في لبن ...
- إصابة ثلاثة أشخاص في غارة بمسيرة روسية على مدينة أوديسا الأو ...
- انقسام فريق ترامب حول إيران: الحوار أم الضربة العسكرية؟
- حريق يستهدف أحد السجون بجنوب فرنسا ووزير العدل يصف تصاعد اله ...
- المبادرة المصرية تحصل على رابع حكم بالتعويض من -تيتان للأسمن ...
- تصاعد الخلاف الفرنسي الجزائري مع تبادل طرد الدبلوماسيين.. فإ ...
- حادث مرسى مطروح: روايات متضاربة بين الأهالي والشرطة المصرية ...
- رشيد حموني : التحول الإيجابي في العلاقة المغربية الفرنسية خي ...
- ما وراء سحب الجيش الأمريكي بعض قواته من دير الزور السورية؟


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمه قاسم - استنساخ العدو