العجالة النسبية التي اتّســمَ بها عرضي كتابَ " امبراطورية رأس المال " لإيلين ميكسنس وود ، أدّتْ بي إلى إهمال تفاصيلَ معينةٍ ؛ وأنا الآن أحاولُ إصلاحَ الأمر بصورةٍما .
المقصود بالدولة القومية ذات السيادة ، هو الكيانُ ، بغضِّ النظر عن حقيقية تلك السيادة ، وضمن هذا السياق تُـعتبَـر أفغانستان قرضاي كياناً ، وكذلك البوسنة وكوسوفا ، والعراق كما يريده الأميركيون .
إن هذه الدولة القومية ( المختلفة تماماً عن الدول القومية التي نشأت في أوربا بعد الحروب النابليونية ) ، تلعب دورَ الوحدةِ في منظومة العولمة الأميركية ، وهي خاضعة تماماً لإجراءات العولمة المذكورة ، سياسياً واقتصادياً .
بعد انتهاء الحرب الباردة ، وغياب اليسار كقوّةٍ عالميةٍ ، كانت هناك رغبةٌ واسعة في إعادة النظر بالموقف من أميركا. ولم تكن فكرة أميركا شرطيّـاً دوليّـاً ، المتجذرة اليومَ ، محضَ قبولٍ بالحتميّ . لقد جاء بيل كلينتون إلى البيت الأبيض ، متحدثاً بلغة حقوق الإنسان ، مما منح الفكرةَ صدقيةً معينةً ، وقد تلت ذلك حربُ البلقان ، والتطهيرُ العرقي في أوربا ، وفشلُ الإتحاد الأوربي في وقف الأمر ، ومباشرةً جاء التدخلُ الأميركي الحاسم الذي بدا للوهلة الأولى تدخلاً إلى جانب حقوق الإنسان والديمقراطية . هكذا ولدت النسخة الحديثة ممّـا تُـمْـكنُ تسميتُــه بالإمبريالية الليبرالية .
لكن البوسنة ظلت في فوضاها ، وكوسوفا استبدلت تطهيراً عرقياً بآخر ، وأفغانستان غابت في التخلف والنسيان تحت حكومةٍ عميلةٍ …
وتقتطف الكاتبة قولاً لأحد منظِّــري الإمبريالية الأميركية الجديدة ، هو ميكائيل إغناتييف ، ينصّ على :
" في الإمبريالية القديمة ، كان للإمبراطورية عاصمةٌ واحدة ، وأهدافٌ متعارضةٌ مع أهداف أي امبراطورية أخرى ،
أمّـا في الإمبراطورية الإنسانية الجديدة ، فإن السلطة تمارَسُ بصورةٍ مشتركة ٍ Condominium ، تقودها واشنطن
وتتبعها لندن وباريس وطوكيو بترددٍ . إن الإمبراطورية الإنسانية ، هي الوجه الجديد للشخص القديم : العالمِ الحر الديمقراطي ، الغربِ المســيحيّ " .
ترى الكاتبة أن هذا الرأي كان وارداً ، مباشرةً بعد أحداث 11 أيلول ، وحتى بعد غزو أفغانستان ، لكن هذا الرأي لم يعد وارداً بعد غزو العراق … ولم يصمد أمام الأحداث .
إننا إزاء امبراطوريةٍ لها عاصمةٌ واحدة ، هي واشنطن .
لندن 3/2/2004