يشكل العنف تجاه المرأة من أسوء المظاهر الحالية التي تعيشها الحضارة المعاصرة، فعلى الرغم من وجود القوانين التي تمنع اضطهاد المرأة، لكن تعامل اغلب الأعراف الرسمية وغير الرسمية يجعلها مواطن من الدرجة الثانية، وهذا الأمر يجعل ضرورة تحرك المؤسسات الدولية والمحلية من اجل حمايتها ليس في يوم المرأة العالمي وانما في كل الأيام، ولا يقف العنف ضد المرأة في حد منع العنف عنها بل أن حرمانها من ابسط حقوقها السياسية والاقتصادية والشرعية والاجتماعية يعد من اكثر مراتب العنف ضدها.
تعتبر ظاهرة العنف ضد المرأة لكونها أنثى، ظاهرة عالمية تعاني منها المرأة في كل مكان وأينما كانت، وإن اختلفت أشكالها، وعلى الرغم من الإنتشار الواسع لهذه الظاهرة إلا أنها لم تحظى بالاهتمام الكافي إلا مؤخرا حيث بدأت الحركة النسوية العالمية تؤكد على أهمية ربط قضايا حقوق المرأة بقضايا حقوق الإنسان واعتبار العنف ضد المرأة انتهاكا صارخا لحقوقها الأساسية، وفي محاولة لتسليط الضوء على هذه الظاهرة، واستخدام كافة الوسائل الممكنة للقضاء عليها، فإن هناك حملة عالمية تقام سنوياً منذ عام 1991 وتجري فعالياتها باعتبار يوم 25/11 – 10/12 من كل عام، وتم اختيار تلك الأيام بالتحديد باعتبار يوم 25/11 هو يوم عالمي لمناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة.
** منظمة الهجرة تطالب بوضع حد للعنف ضد النساء
طالبت منظمة الهجرة العالمية بوقف أعمال العنف ضد النساء المهاجرات وأكدت أن هذه الأعمال تمثل أبشع أنواع العنف الوحشي.
وأضافت في بيان لها بمناسبة يوم المرأة العالمي الذي يوافق غدا السبت أن عملية الاتجار بالنساء أصبحت واحدة من أكبر العمليات الإجرامية في العالم.
وأكدت أن مثل هذه التجارة تتطلب رد فعل منسقا وقويا من جانب المجتمع الدولي ويجب أن يشمل ذلك تقديم تشريعات وسياسات تهدف إلى تقديم مرتكبي هذه التجارة إلى العدالة ومعاقبتهم وتقديم الحماية إلى الضحايا ومساعدتهم أيضاً.
وقالت أن نصف عدد إجمالي المهاجرين في العالم وعددهم 175 مليون مهاجر هم من النساء.
وأكدت في بيانها أن هجرة النساء لها الجوانب السلبية والإيجابية ومن إيجابيات هذه الهجرة أنها تقدم فرصا جديدة للمهاجرات والاستقلال الاقتصادي إضافة إلى خلق وضعية جديدة بين الأهل والأصدقاء.
ورغم تحويل المهاجرات لمبالغ مالية لا بأس بها إلى أسرهم في أوطانهم فانه ينظر إليهن على أنهن مواطنات من الدرجة الثانية.
وأوضحت المنظمة الدولية أن المهاجرات في آسيا يمثلن غالبية العاملين في الخارج وأن السريلانكيات المهاجرات كن يمثلن 33 بالمئة من قوة العمالة المهاجرة في عام 1986 ومثلت نحو 65 بالمئة من العمالة في الخارج في 1999.
وكانت تحويلات النساء المهاجرات من سريلانكا تمثل 62 بالمئة من تحويلات العاملين في الخارج التي بلغت في 1999 نحو مليار دولار أمريكي.
وفي الفلبين تمثل المرأة المهاجرة 70 بالمئة من العمالة في الخارج طبقا لتقديرات عام 2000 ساهمت بتحويلات إلى بلادها بمبلغ يفوق 6 مليارات دولار في عام 2001.
وأكدت الهجرة العالمية أن هناك حاجة إلى تنسيق إجراءات التعاون بين دول المنشأ والدول المضيفة من أجل حماية وتدعيم الحقوق الإنسانية وكرامة النساء المهاجرات.
** أرقام تكشف مستوى العنف
أما الأرقام فمنها تشير إلى العنف الذي تواجهه المرأة في بعض الدول:
-ففي فرنسا، 95% من ضحيا العنف هن من النساء، 51% منهن نتيجة تعرضهن للضرب من قبل أزواجهن أو أصدقائهن.
-في كندا، 60% من الرجال يمارسون العنف، 66% تتعرض العائلة كلها للعنف.
-في الهند، 8 نساء من بين كل 10 نساء هن ضحايا للعنف، سواء العنف الأسري أو القتل.
-في البيرو، 70% من الجرائم المسجلة لدى الشرطة هي لنساء تعرضن للضرب من قبل أزواجهن.
-أن زهاء 60% من النساء التركيات فوق سن الخامسة عشرة تعرضن للعنف أو الضرب أو الإهانة أو الإذلال، على أيدي رجال من داخل أسرهن، سواء من الزوج أو الخطيب أو الصديق أو الأب أو والد الزوج)! وأشارت الدراسة إلى أن (50%) من النسبة الآنفة يتعرضن للضرب بشكل مستمر، وأن (40%) منهن يرجعن السبب في ذلك لظروف اقتصادية وتناول الكحوليات وأن (25%) فقط من أولئك النساء اللاتي يتعرضن للضرب يقمن بالرد على العنف بعنف مماثل، في حين أن (10%) فقط منهن يتركن المنزل احتجاجاً على العنف الذي يتعرضن له..) والغريب: (أن (70%) من هؤلاء السيدات اللاتي يتعرضن للضرب لا يحبذن الطلاق حفاظاً على مستقبل الأولاد، في حين أن (15%) فقط منهن لا يطلبن الطلاق بسبب حبهن لأزواجهن).
-وفي الولايات المتحدة: يعتبر الضرب والعنف الجسدي السبب الرئيسي في الإصابات البليغة للنساء.
** العنف الجسدي يصاحبه انتهاك نفسي
وقال خبراء صحة أمريكيون أن واحدة من كل ثلاث نساء في العالم، تعاني من مشكلات صحية خطيرة لها علاقة بتعرضها للضرب أو الاغتصاب أو إشكال أخرى من العنف.
ووجد باحثون من كلية الصحة العامة ومركز الصحة والمساواة بين الجنسين في جامعة جون هوبكنز عدداً مثيراً للدهشة من النساء يعانين من مشكلات صحية بسبب التعرض للعنف أثناء حياتهن.
وذكر التقرير أن العنف الجسدي في العلاقات الودية يصاحبه دائماً انتهاك نفسي ومزيد من العنف الجنسي.
وأشار الباحثون إلى انهم وجدوا أن ضحايا العنف اكثر عرضة للإصابة بمشكلات صحية من بينها الألم المزمن وسوء استخدام العقاقير والكحول والاكتئاب ومحاولات الانتحار.
وقالت ميغان غوتيمويلر التي ساهمت في كتابة التقرير والباحثة في جامعة جون هوبكنز يمكن إرجاع عدد كبير من مشكلات النساء الصحية حول العالم لبعض أشكال العنف بأكثر ما كان يعتقد.
واستند التقرير إلى بيانات جمعت من اكثر من 500 دراسة مستقلة أجريت حول العالم.
وتشابهت كثيراً خبرات العنف الذي تعرضت له النساء في بلاد العالم الثالث مثل زيمبابوي وكمبوديا مع دول غنية مثل الولايات المتحدة.
وقالت الباحث في الجامعة لوري هيس اللغة التي تستخدمها النساء لوصف العنف ومخاوفهن والأعذار التي يقدمها الرجال متشابهة بصورة مذهلة.. وفي كل الدول التي أجريت فيها دراسات ما زال الضحية هو من يلقى عليه باللوم.
والغالبية العظمى من الانتهاكات التي تتعرض لها النساء تأتي من أزواجهن أو ذكور آخرين من العائلة، وقال هيس من دون استثناء، تأتي مخاطر تعرض النساء للعنف ليس من (خطر غريب) لكن من رجال يعرفونهن وعادة يكونون ذكوراً من العائلة أو الأزواج.
وذكر التقرير أن عدداً من العوامل تسهم في ارتكاب أعمال العنف مثل الفقر والثقافات التي يهيمن عليها الرجال والمعتقدات بأن العنف والرجولة متلازمان.
وحذر تقرير دولي صدر أخيرا من العواقب الوخيمة للعنف الذي يمارس على النساء في العالم، والتي تصل إلى حد القتل. واستناداً إلى بيانات جديدة فإنّ حوالي نصف النساء اللاتي يتم قتلهن؛ يُقتلن على يد زوج أو صديق حالي أو سابق. وتوضح منظمة الصحة العالمية في رصدها لهذه الظاهرة أنّ العنف هو سبب وفاة سبعة في المائة من جميع النساء اللاتي يمتن ما بين سن الخامسة عشرة والرابعة والأربعين في جميع أنحاء العالم.
وفي تقرير حديث لها تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ العنف ضد النساء يرتبط، علاوة على إهلاكه وتدميره حياة مئات الآلاف من البشر، بعدد من الأوضاع الآنية والطويلة الأمد، بما فيها الإصابات الجسدية، ومجموعة الآلام المستمرة المتزامنة، والكآبة، والتصرفات الانتحارية، كما يمكن أن يؤثر عنف شريك الحياة على قدرة المرأة على كسب الرزق، وتأديتها لعملها، وقدرتها على الاحتفاظ بوظيفتها.
وأظهر التقرير الصادر عن المنظمة الدولية أيضاً أنّ 69 في المائة من النساء في بعض البلدان بلّغن عن تعرضهن إلى اعتداء جسدي عليهن، و47 بالمائة من النساء قلن إن أول نشاط جنسي اشتركن فيه تم عنوة وقسراً.
ويمضي التقرير إلى الاستنتاج بأنّ النساء أكثر عرضة لإساءة شركاء حياتهن إليهن في المجتمعات التي تتصف بعدم المساواة الواضح بين الرجل والمرأة، وبتحديد دور كل منهما في المجتمع بشكل صارم لا يسمح بالحياد عنه، وبقواعد السلوك الثقافية المؤيدة لحق الرجل في ممارسة العنف، وبقوانين الردع الضعيفة لمثل هذا السلوك، كما يرد فيه.
وقد أبرز التقرير عدداً من البرامج الواعدة للحيلولة دون وقوع العنف، بما فيها برامج التنمية الاجتماعية، والحد من انتشار الخمور، وتخفيض القدرة على الحصول على الأسلحة كالأسلحة النارية الصغيرة، والتقليل من التفاوت الاجتماعي، وتعزيز نظامي الشرطة والقضاء.
كما يدعو التقرير العاملين في حقل الصحة العامة إلى التعاون مع الشرطة وأنظمة العدالة الجنائية والمسؤولين في مجالات التربية والتعليم والإنعاش الاجتماعي والتوظيف وغيرها من المجالات للحيلولة دون وقوع العنف، بدلاً من مجرد تقبل الوضع أو اتخاذ الإجراءات كرد فعل على وقوع أعمال العنف.
** أسباب رئيسية للعنف.. أهمها الخمر
وهناك أسباب تؤدي إلى العنف ضد المرأة، إذ ثبت من خلال إحصاءات دولية عديدة كانت محط اهتمام واسع في برامج دراسات اجتماعية، متجهة لبحث الخلفيات المتحكمة بموضوع العنف الموجه ضد النساء، أن الخلل المادي في المجتمعات كالمجاعات التي يعاني منها البشر القادرين على العمل، والبطالة المزمنة أو شبه المزمنة، والتضخم الاقتصادي الذي ينعكس على مستوى معيشة الأفراد المحدودي الدخل ويتسبب في ارتفاع الأسعار، إضافة لحالات التسيب وعدم الانضباط التربوي وتقبل الفساد والإفساد بسبب ضيق ذات اليد، والعنصرية السياسية والاجتماعية التي ترفع المنتمين إليها لوظائف أعلى رتبة على حساب الآخرين، ويمكن إضافة ظاهرة عدم الإيمان بالله والدين واليوم الآخر.. كلها أمور تساهم في ظهور العنف، وتجعل من ظاهرة العنف ضد النساء بشكل خاص وكأنها أمر طبيعي.
ومعروف تماماً أن العنف بين الشباب الذكور أكثر انتشاراً، وخاصة الذين يعيشون في الأحياء والمدن المزدحمة والفقيرة حيث تنتشر المشروبات الكحولية (مثلاً) بين الناس بصورة اعتيادية وكأن شيئاً لم يكن، إذ يغيب عن بال أغلب المربين المعاصرين أن تلك المشروبات تذهب العقل، وتغيب الضمير أحياناً، فيكون العنف الشديد أحد نتائجه الوخيمة كاقتراف جرائم السطو والسرقة والقتل.
** الإسلام والعنف ضد المرأة
إن مجتمع الرجال مدعو إلى مسالمة ومشاركة المرأة بصورة أكثر على أسس المبادئ الإنسانية، بعيداً عن القسوة والعنف والجلافة ونبذ أي أسلوب يقلل من شأن المرأة وأن يتم استبدال كل ذلك بالتعامل الإيجابي اللطيف والرقيق، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة.
وفي إطار اهتمام المجتمعات بالعنف كـ (ظاهرة عامة) والعنف ضد النساء بـ (صورة خاصة) فإن الاتجاه العام بهذه المرحلة يتسم بالتثقيف لإزالة العنف داخل الأسرة كظاهرة لها خصوصيتها والممكن أن تمهد لحل عقلاني وعملي لصالح حفظ كرامة المرأة على المستوى الاجتماعي العام، لو تم تدارس الجوانب الأخرى التي تعاني منها المرأة.
ومن جانبنا كمسلمين فإن الإسلام قد أعطى حقوقاً عظيمة للمرأة فهي شِق الرجل،كما ورد في حديث للنبي الأكرم (ص) بـ (إن النساء شقائق الرجال) والمرأة إضافة لكل ذلك متساوية مع الرجل من حيث نيل المنزلة في الحياة والتعلم والمستقبل المضمون.
إن أي مجتمع سوف يعيش بأمان ووئام وانسجام إذا ما شاركت المرأة الرجل فيه بتكافؤ صحيح وكان هناك إنصاف بينهما وخصوصاً في مجال تركيبة بيولوجية الجسم، وحول المعنى الراقي في العلاقة الإنسانية يقول نبي الرحمة (ص) في حديث شريف: (استوصوا بالنساء خيراً).
ومن مُسلمات ما ينبغي أن يسود بين المرأة والرجل حين يشكلان نواةً لبناء الأسرة المثالية التي ينطلق منها كل تآزر على الحق وإقرار للحقوق، ما قال الله العلي القدير في محكم كتابه الكريم:
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).