|
البسيط والهيئة العليا - 30 - سيرة
ناس حدهوم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2364 - 2008 / 8 / 5 - 10:38
المحور:
الادب والفن
قضيت سنوات بمدينة bilbao - - كنت خلالها قد نسيت نفسي وكنت دائما حزينا في أعماقي بسبب بعدي عن الوطن والأهل . وكنت أجدد نسيان نفسي كل آخر الأسبوع . حيث أدفنها في الكأس حتى الثمالة لأجدد تعاستي عند كل أول الأسبوع فأعكف من جديد كعادتي على العمل الشاق الذي لا أجد مفرا منه سوى بالصبر عليه . فتاتي التي شغلت نفسي بها لم تكن في مستواي الفكري ولا العاطفي لكنها كانت لها أسبابها فقد إشتكت لي مأساتها ذات يوم قالت بأن والدها ( الأعور ) رمى بها في صغرها لإحدى المدارس الخيرية الدينية حيث تربت هناك بدون حنان كافي . وقالت أيضا بأن والدها لم يقبلها يوما في حياته فقد بخل عليها هذا الأب الجبان حتى بقبلة لن تكلفه شيئا. هذا الأعور نفسه ما أن علم بأن ابنته تعاشر مغربيا حتى ثارت ثائرته وغضب لمدة طويلة وسجنها ولم يعد يتركها تخرج من البيت إلا اضطرارا فلولا العمل لما خرجت أصلا . فهربت من البيت وطلبت مني أن أهرب معها إلى مدينة barcelona - - لكي نبني حياتنا هناك بعيدا عن والدها . لكنني رفضت لأنني لم أكن أريد أن أصدمها . يكفيها صدمة الأب ولن أزيدها صدمة الحبيب . كنت أعرف أنني سأرحل يوما ما . فأنا مكتوب علي الرحيل دوما هو قدري فلم أكن أعبأ بالأمكنة ولا حتى بالزمن والوقت . وكان القدر خصمي الوحيد بعد نفسي كان يترصدني في كل مكان وزمان لكن هذا القدر كان يفهمني ويعلم من أي صنف من الناس أكون . هو الذي حرمني من متابعة دراستي رغم نبوغي . هو الذي خطف والدي من أحضان أسرتي وأنا لازلت صبيا مغلوبا على أمري . وهو الذي قدف بي خارج بلدي ومرغ أنفي في التراب والحضيض كأنه بي يقول لي ( خذ أيها المغرور التافه أيها المتكبر ) وكلما كنت أحل بأرض من أرض الله الواسعة كانت برامجها كلها تنقلب ضدي . تقف كل العوائق في وجهي وكل الحواجز في طريقي . نفسي أيضا كانت تفكر ضدي فكلما جاءتني فرصة ذهبية لا يمكن أن تأتي لغيري إلا وكنت أرفضها دون شعور مني دون أن أعطي شرحا لنفسي على ما أنا أقدم عليه من رفض . وكلما عرضت علي خدمة أنفع بها نفسي وأصلح بها أحوالي كنت أجد نفسي رافضا لكل ذلك دون سبب أو مبرر . لم يكن لدي شيء جاهز سوى الرفض لكل شيء . وكنت أحيانا أقول مخاطبا ذاتي ( أنا مريض ) لكن شيئا بداخلي كان يرفض أيضا حتى أن أكون كذلك . لكن شيئا واحدا كان إيجابيا في سلوكي ودون شعور مني هو التزامي نحو الآخر بالتصرف الأخلاقي وعدم إيذاء غيري . كنت دائما أتصرف بحكمة وبأخلاق عالية فكان الإسبان أول الأمر يتوجسون مني لأنهم لهم أحكامهم المسبقة بخصوص جنسنا ونوعنا . وما أن يفهموني على حقيقتي حتى يبادروا إلى تكريمي . أحببت كثيرا من الناس . أغلبية المواطنين الإسبان كانوا آنذاك أناسا طيبين ومتخلقين فتكونت لدي صداقات وأصبحت أعيش مع أناس يحبونني ويحترمونني ولكنني لم أقم قط بسلوك يسيء إلى قومي وبني جلدتي قبل أن يسيء لغيرهم . كنت أحسن سفير لبلادي في الغربة وتركت مكاني دائما نظيفا جدا . لكن البعض من هؤلاء الإسبان كانوا فعلا أوغادا لا يحبون أن يروا مني سوى الجانب العرقي وكانت فصيلتي في نظرهم شيء لا يطاق . ومع هؤلاء كنت أتصرف تصرفا مختلفا كنت أؤذيهم بلساني لأنني كنت أدافع عن نفسي وعن كبريائي وعزة نفسي . كنت مثاليا في كل شيء حتى في غضبي وكنت أكاد أصرخ في وجوههم قائلا ( إنني إنسان ولست بأقل منكم ) . كانت لدي ولا زالت كرامة وعزة النفس تجعلني أحميها من الآخر ومن نفسي كذلك . واستطعت أن أجعل من بعض الإسبان أحبابا وأصدقاءا حقيقيين لم يتوفروا لي من قبل في وطني الجاحد . ولما كنت أرحل من مكان ما أرحل وأنا أبكي بينما من أودعهم كانوا يبكون كذلك مثلي. كان الحزن دائما مرافقا لرحيلي . كنت أسكن بجانب مرقص يسمى ( la jaula ) - القفص - كنت أقضي ساعاتي بعد الإنتهاء من العمل في هذا المرقص لقد كان لدي الرقص طقسا مقدسا كما لو أنني أصلي وكان رقصي لا يعرفه الإسبان كانوا ينظرون إليه كرقص غريب عنهم ولا أبالغ أنني إكتشفت أو أبدعت أشياءا في الرقص لم أكن أراها في ذلك الوقت وصارت متداولة اليوم ومن حسن حظي أن الكثيرين كانوا يعيبونها أثناء قيامي بها في تلك الفترة من جنوني . وكان الكأس من الشراب في ذلك المرقص بسيطا ثمنه لأن الرواد كلهم كانوا طلبة وطالبات وطبقة متنورة من الناس المتحضرين . كنت أول الأمر أبدو لهم غريبا بلباسي المتهدل . وبعد أكثر من سنة تعودوا علي وتعودوا على رقصي وصرت فنانا معترفا به في المرقص ومعلمة به . أو ظاهرة قلما توجد بمرقص آخر . ويوم قررت الرحيل تسرب الخبر عن طريق فتيات كن صديقاتي فتم إيقاف الموسيقى وإخبار الرواد برحيلي فتم تكريمي وتقدم صاحب المرقص وكان رجلا ملتحيا هو الذي قاد هذا التكريم وتم إلقاء كلمة من طرفي أبنت فيها حبي للإسبان وللبلد الإسباني ورقصت على المنصة رقصتي الأخيرة على إيقاع أغنية - البلوز - للفنانة الكبيرة ملكة البلوز Areta franklin ثم ودعت . لأنتقل إلى مرحلة أخرى من حياتي في الغربة لأتعرف على عالم البحار والمحيطات والقارات المختلفة من عالمنا الكبير والشاسع . - يتبع -
#ناس_حدهوم_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يباب في الذاكرة
-
البسيط والهيئة العليا - 29 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 28 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 27 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 26 - سيرة
-
العصفور - ترجمة ابراهيم درغوثي للفرنسية -
-
العوسج المكلوم
-
العصفور
-
البسيط والهيئة العليا - 25 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 24 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 23 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 22 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا- 18- سيرة
-
البسيط والهيئة العليا -20 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا-19- سيرة
-
رسالة إلى المطلق - من إقتراح الأستاذ رشيد المشكوري
-
البسيط والهيئة العليا -14- سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 15- سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 17 - سيرة
-
الرياح الوثنية
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|