|
خذوني إلى الخليل
ضياء أيوب
الحوار المتمدن-العدد: 2365 - 2008 / 8 / 6 - 01:39
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
كان اسمه أدهم وعند السؤال يجيب أن اسمه الكامل هو أدهم عبد الكريم، وكان يفتخر بهذا الاسم، افتخاره بكونه مقاتلا في القوات المسلحة الثورية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. هو من مواليد الظاهرية ـ محافظة الخليل في فلسطين. لو بقي حيا لكان عمره الآن إحدى وستين سنة. استشهد في 12/11/1980، أي حين كان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة. قليلون كانوا يعرفونه في وحدته القتالية كان معروفا عنه صمته الدائم، وحين يسأل كان قليل الكلام، يتسم بهدوء شديد، وعرف عنه أنه كان حسن المظهر، حريص على ترتيب كل شيء ووضعه في مكانه. الفوضى لا تعرف طريقها إليه، ولا يجب أن يترك للصدفة دورا تلعبه في حياته حين يخطو، كان يقرر إلى أين، ومتى، وكيف سيعود. ولعله اكتسب هذا كله، من كونه كان واحدا من كبار ضباط الاستطلاع في القوات المسلحة الثورية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. عرف القاطع الغربي والأوسط من جنوب لبنان، كما كان يعرف باطن كفه. في رأسه رسم خريطة للمنطقة، بمدنها وبلداتها، وقراها، ودساكرها، ووديانها وتلالها، وشعابها الوعرة، وصخورها وأشواكها وغدرانها، وجداولها، وينابيعها، ومغاراتها، وكل وحدة وكل منعطف، بل كل شجرة. حين تحل لحظة العمل، كان يتحضر لدوريته ليومين كاملين يحضر جعبة سلاحه، بعد أن يعيد تنظيفه يحمل خرائطه، وجعبة تموينه، واحتياجاته الأخرى. وأن أنت عبثت في جعبته الخاصة اكتشفت أشياء لم يكن لتخطر لك على بال فتثير استغرابك لكنك في الوقت نفسه تخجل أن تسأله. وإن أنت سألته، فلن يصلك الرد سوى قوله: عدة الشغل. يبلغ قائده بخط مسيره مسبقا، ويتفق معه على الأهداف الواجب استطلاعها ورصدها، وتجهيز تقرير عنها، مقدمة لعمل قتالي ضدها ثم ينطلق بصمت، دون أن يطلب مساعدة من أحد. اعتاد أن تحمله السيارة إلى نقطة معينة, حيث ينتظر هبوط الليل، ينظر في السماء، يتأمل النجوم، ودون أن يتطلع في ساعته اليدوية، يحمل عتاده، وينطلق بمفرده، مودعا الحاضرين بإشارة صامتة من يده. اعتاد أن يغيب عدة أيام، واعتاد رفاقه أن يطمئنوا إلى عودته، فلا يخيب أمالهم ويعود وقد فرغت جعبة تموينه، وامتلأت بدلا عنها جعبة معلوماته يدخل غرفته، وقبل أن يغتسل، ويستلقي فوق سريره، يجلس إلى طاولة في الزاوية ويشرع في كتابة تقريره المفصل، المختزل في آن. ويختم التقرير بعدد من التوصيات والاقتراحات وعندما يسلم تقريره مرفقا بالخرائط، يشعر أنه بات من حقه أن يغتسل وأن يبدل ثيابه، وأن يجلس في زاوية ظليلة، يحتسي عدة أكواب من الشاي الساخن، ويدخن دفعة من لفائف التبغ الذي ما اعتاد أن يغيره بعدها يذهب في نوم عميق، بحثا عن راحة افتقدها لأيام خلت تحضيرا لدورية جديدة، وتقرير معلومات جديد. كان أدهم عبد الكريم العنصر الرئيسي في نجاح العمليات القتالية ضد مواقع العدو وميليشيا عملائه في جنوب لبنان وشمال فلسطين. هو مصدر المعلومات، ومنه تأتي الاقتراحات وخطط الاقتحام، لم يكن مجرد ضابط استطلاع ورصد، بل كان قائدا عسكريا فلسطينيا تفتخر به قواته المسلحة، وكان هو بدوره يفتخر بها. في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1980 كان أدهم يتحضر لدورية جديدة كان الطقس ما زال صحوا، ولم يهطل المطر بعد، وإن كان البرد قد بدأ يغزوا ليالي الجنوب اللبناني. ارتدى بذلته العسكرية، وكنزة صوف، وفيلدا عسكريا، وحمل في جعبته كنزة إضافية، وما يعتقد أنه بحاجة إليه في ليالي الجنوب الباردة. ورسم خط سيره، ونال موافقة قيادته وانطلق على أن يعود بعد ثلاثة أيام على أبعد تقرير. كان وحده لا يستطيع أي كان أن يتنبأ ما هي الأفكار التي كانت تراوده هل كان يتذكر رفاقه في الموقع أم زوجته وطفلته الصغيرة الشقراء أم المجموعة القتالية التي سوف يقودها في المرة القادمة لتصل هدفها وتنجز مهمتها. هل كان يحلم بساعة العودة إلى غرفته ليكتب تقريره، ثم يخلو إلى إبريق الشاي الساخن وعلبة التبغ، يترك لأعصابه العنان كي ترتخي، فيذهب في النعاس. كلها أحلام قد تكون قد راودت أدهم، حين اصطدم فجأة بموقع عسكري إسرائيلي أقامه العدو حديثا في المكان. كان على أدهم أن يتجنب الاشتباك مع العدو. كان عليه أن يكتفي برصد المكان والعودة. لكن خاطرا اقتحم وعيه. ماذا لو أنه قام بما على رفاقه الآخرين أن يقوموا به، فاقتحم الموقع، قبل أن يستقر جنود العدو فيه لعل الفكرة راقت لأدهم، فاتخذ إجراءاته وتقدم بخطوات النمر، رويدا رويدا، نحو الهدف. وحين أصبح جنود العدو تحت مرمى نيرانه، أطلق زخات من بندقيته الرشاشة قذف العدو بقنابله اليدوية. ودار اشتباك بين أدهم وجنود العدو. انتهى بسقوط خسائر في صفوف الجنود الإسرائيليين واستشهاد ضابط الاستطلاع الرفيق محمد عبد الكريم البطاط، ابن الظاهرية، في محافظة الخليل، والذي اختار لنفسه اسما حركيا هو أدهم عبد الكريم. اليوم، وهم يحفرون «مقبرة الأرقام» لإخراج جثامين الشهداء أبطال العمليات الفدائية في جنوب لبنان وشمال فلسطين نسمع أدهم، هذا الرفيق الذي اتصف بأنه قليل الكلام يخاطب الجميع قائلا: خذوني إلى الخليل ولا تبعدوني عن تراب فلسطين.
#ضياء_أيوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|