|
بحث في دراسة :ملامح إستراتيجية أمريكية جديدة في المنطقة والعالم : المتغيرات الإستراتيجية العالمية وانعكاساتها على العرب والمسلمين
فرمان بونجق
الحوار المتمدن-العدد: 2361 - 2008 / 8 / 2 - 07:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من اليسير جداً على الباحث المتحيّز لبحثه فكرياً وسياسياً أن ينجز ما يريد إنجازه ، وذلك بالتواصل مع ذواته ورغباته ومع رؤاه التي تعيش في كنفه ردحاً من الزمن . وهو بذلك متصالح معها ومتآلف مع متطلباتها ، وليست هناك ثمة مسافة فاصلة وحاسمة ينبغي أن يقطعها أو يتجاوزها أو يقفز من فوقها لبلوغ غايته بتقانة بحثية أو درسية . وأيضاً من اليسير جداً على الباحث المناوئ لطرح ما ، أن يتفاعل سلبياً ومن موقعه الفكري المضاد مع أية دراسة أو بحث مطروح للنقاش أو للتحليل ، فإنه وبسهولة قادرعلى استنباط الوسائل التي من شأنها أن تسفه المادة الفكرية ، وأن تحط من قيمتها ، وكذلك أي هذه الوسائل المستنبطة والمخترعة والمبتكرة تمتلك القدرة على أن تجعل هذه المادة الفكرية مادة ممسوخة ولا تستحق عناء البحث فيها . وهي بذلك تفقد أي معنى للاهتمام بها ، والخوض في غمار مناقشتها لا يتعدى مضيعة للوقت ليس إلاّ . ولكنه من العسير بل من العسير جداً على الباحث المحايد ، أن يخوض غمار البحث في أية دراسة أو مسألة شائكة قد تتفق في بعض المواقع مع استنتاجاته التحليلية أو قد تتعارض معها في مواقع أخرى . وبذلك فإن المهمة تزداد صعوبة ، وتصبح الطريق وعرة ومعقدة للوصول إلى نتائج ونهايات هي بالأساس خلاصة رؤى منطقية أدت إلى تحليلات منطقية . وبالتالي يمكن طرحها على أنها قابلة لاكتساب المصداقية في حدها الأدنى . ومن هنا فإن الباحث أو الدارس الذي يمتلك النظرة الحيادية ، غالباً لا ينجو من اللوم أو الانتقاد اللاذع أو حتى التشهير في بعض الأحيان . ولكن قوة الإرادة ، وصلابة الأرضية ، وروح التحدي لبلوغ المعرفة التي يتمتع بها هذا الباحث ، تمكنه من المثابرة والمضي قدماً في إنجاز ما يريد إنجازه بالتقانة المهنية الصرفة ، والتي تبقى ضمن التخوم والآفاق التي تكتسب الحدود الدنيا من المصداقية والاستحسان . وعلى وجه الخصوص إذا كان ذلك العمل البحثي يتعلق بدراسة مستفيضة كتلك التي أحاول أن أخوض فيها ، والتي هي أمامي ، وقد تملكني منها الخوف ، لأنها في واقع الأمر دراسة واسعة ، وتتسم بالرحابة والغنى المعرفي ، وهي في الوقت آنه تشكل عبئاً من ناحية المسؤولية الأخلاقية لما جاء فيها من نقاط حساسة تتعلق بحياة ومستقبل العالم ، وبذلك تكتسب بشدة استحقاق الاهتمام ، واستنفار القدرات العلمية وحتى اللغوية إلى جانب القدرات الأخرى ، وصولاً إلى ما ينبغي الوصول إليه . ولو في عجالة ، لابد لنا من التعريف بأهم النقاط الواردة على متن هذه الدراسة ، لأنها ستشكل نقاط الارتكاز في ممارسة النقاش المتصل بها ، وقبل ذلك أيضا لابد من التعريف بها على سبيل خصوصيتها من جهة ، وشموليتها من جهة ثانية . فهي عندئذ تتعرض لجملة من المتغيرات العالمية ، والتي ستشمل افتراضيا بعض مناطق العالم ، وضمناً منطقة الشرق الأوسط ، والتي ستلامس البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والإثنية ، وجملة من المسائل الأخرى التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع تطلعات ورغبات شعوب المنطقة ، والدراسة تمتد على مساحة جغرافية تغطي مساحة الكرة الأرضية تقريباً ، والشرق الأوسط في قلبها ، كما أنها لاشك تتعرض لقضايا العلاقات الدولية المتفاقمة ، وأيضاً الشرق الأوسط في بؤرتها ، بالإضافة إلى تداخل التاريخ السياسي مع آراء وتوقعات الكثير من مفكري النخبة على مستوى الغرب ، وصولاً إلى العلاقة الجدلية بين الانتخابات الأمريكية وما ينتج عنها ، وبين الأوضاع المتأزمة لما يسمى بؤر التوتر والنزاع أو الخطوط الساخنة . ومن أبرز النقاط والموضوعات التي وردت في هذه الدراسة والتي ينبغي متابعتها بالنقاش والتحليل هي الآتي : • حقبة تاريخية جديدة يتحفز لها العالم ، على أساس المؤشرات التالية : # المؤشرات الأمريكية : • صعود أوباما . • فشل إدارة بوش وانحسار نفوذ المحافظين . • الحيوية الشعبية الأمريكية . • ضغط الأزمات الاقتصادية والاجتماعية . # مؤشرات أخرى : • الصعود السريع لآسيا و( الهند ـ البرازيل ـ جنوب أفريقيا ). • تداعيات أمريكا اللاتينية . # مؤشرات المنطقة العربية : • سرعة إطلاق التفاوض مع إسرائيل . • سرعة الانفتاح الأوربي ( فرنسا ـ سوريا ). • العروض السخية لإيران ـ تحصين الخليج ـ عزل إيران عن الصراع العربي الإسرائيلي . • تسوية الصراع العربي الإسرائيلي . • إعادة هيكلة تركيا . # سوريا . ( مجموعة من الإجراءات ) . وللحقيقة ..هي نقاط جد متشعبة ، وجد متداخلة ، وتمتد على مساحة نقاشية فسيحة ، وهي جديرة في الوقت ذاته بالتوقف والتمعن فيها ، بالإضافة إلى جملة من النقاط التي ينبغي مناقشتها باستفاضة ولم أشأ أن أُوردها لأنها بطبيعة الحال ستأتي تلقائياً من خلال سير عملية المناقشة . # المؤشرات الأمريكية : من المتعارف عليه ، وقد لا يختلف عاقلان بأن الولايات المتحدة الأمريكية بجسمها السياسي ، ووزنها الاقتصادي ، وكتلتها البشرية ، وتقدمها العلمي والتكنولوجي وطموحاتها وأطماعها أيضاً ، سعت ومنذ أكثر من مئة عام من العمل الدؤوب على بسط نفوذها إن لم نقل سيطرتها ليس على مناطق واسعة من كوكب الأرض فحسب ، وإنما على المجال الحيوي في الفضاء الخارجي أيضاً ، وقد سخرت لهذه الأهداف مئات الآلاف من العلماء الأمريكان وغير الأمريكان ، وقد أزهقت أرقاماً فلكية من بلايين الدولارات ، وضحت بما يوازي عدد سكان أية دولة صغيرة نسبياً من أبنائها كعاملين في القوات المسلحة ، أو عاملين في أجهزة الرصد والاستخبارات وجمع المعلومات ، أو حتى كمجموعات دعم لوجستي منتشرين على سطوح البحار والمحيطات ، وفي أعماقها ، ويجوبون الأجواء والفضاءات على مدار الساعة ، ناهيك عن جنودها وطياريها وفنييها المتواجدين في القواعد خارج حدودها ، وجيش من الدبلوماسيين والملحقين بهم والسائرين في ركبهم ، واستخدمت بلايين الأطنان من القنابل والمواد المتفجرة حول العالم ، وهي الدولة الوحيدة التي لم تتوانى عن استخدام أفتك الأسلحة ضد اليابان ، ولأول مرة في تاريخ البشرية ، ولا تزال مستمرةً في نهجها هذا ، وهي مستعدة لاستخدام تلك الأسلحة مرة أخرى ومرة أخرى ، كل ذلك من أجل ما يشاع على أنه الحلم الأمريكي ، وككرة الثلج المتدحرجة ، يكبر الحلم الأمريكي مطلع كل شمس . ويأتي أحد ليقنعنا بأن الولايات المتحدة الأمريكية كإمبراطورية لهذا العصر والبعض من العصور القادمة تتعرض للهزيمة في داخلها ، وتتعرض للانتكاسة من خارجها ، وهي الآن في مأزق ، وهي تقدم تنازلات هنا وهناك فقط لكي تحافظ على تماسكها ومنع نفسها من الانهيار ، أعتقد بأن المسألة تحتاج إلى المزيد من التروي والنقاش ، وأيضاً تحتاج إلى المزيد من الوقائع بدلاً من الإيحاءات ، حتى يتمكن المرء من إقناع نفسه بأنه من الممكن قبول أو حتى مجرد القبول بفكرة الانهيار . حتى لا نتحدث بإيقاعات سريعة ، وكي لا ترتطم خطواتنا ببعضها ، فتترك أقدامنا آثاراً يستحيل بعدئذ على المتتبع إدراك الداخل منها من الخارج ، ينبغي أن نلقي نظرة على الاستراتيجيات التي انتهجتها الولايات المتحدة منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ، باعتبارها نقطة تاريخية حاسمة ، وفاصلةٌ منقّطةٌ لانتهاء جملة من المغامرات غير المحسوبة لبعض المفاهيم المريضة ، كالنازية والفاشية ، والتي على أية حال دُفعت تكلفة توجهاتها آنذاك بفاتورة مكلفة جداً ، وعلى الأرجح ما حدث بعدئذ من ملامح اللاسلم واللاحرب والتي تم تعريفها بأنها مرحلة الحرب الباردة ، وظهر للسطح على شكل سباق للتسلح ، لم تكن إلا صراعاً أيديولوجياً بين مفهومين متضادين في المظهر والجوهر ، ومهما حاولنا أن نجد المبررات التي نهدف من ورائها إقناع أنفسنا قبل أن نقنع الآخرين ، بأن ثمة أخطاء ارتكبت هنا وهناك وأدت إلى انهيار منظومة عملاقة كانت قد توفرت لها كافة أسباب الاستمرارية والنجاح ، بالإضافة إلى منظومة أخرى كانت في وضع المساعدة والمساندة والتحالف الأيديولوجي والاستراتيجي بطبيعة الحال ، ناهيك عن منظومة ثالثة كانت تقف وبقوة إلى جانب المنظومتين السابقتين ، ورغم الاختلافات في البنى الفكرية ، إلا أن هذه المنظومة الثالثة والتي كانت تتكون من مجموعة من حركات التحرر المنتشرة عبر العالم ، كانت لها مصالحا الوطنية في التحالف مع منظومة الإتحاد السوفييتي السابق ، وبقية دول المعسكر الاشتراكي . ومع كل ذلك صعق أكثر من نصف سكان المعمورة بذوبان تلك الأيديولوجيات الجميلة والتي لم تكن وللأسف إلا جبلاً هائلاً وعظيماً ولكنه كان من جليد . وقد يشكل ما تقدم مدخلاً للبحث في توجهات الولايات المتحدة من حيث ما هو استراتيجي وليس تكتيكي ، وتحدياً في تلك الفترة الزمنية التي وسمناها بأنها نهاية حقبة وبداية حقبة أخرى ، وقد نعود إلى مسألة التكتيك لدى تناولنا مباحث الترتيبات الأخيرة في الشرق الأوسط ، ومنها وفي مقدمتها التقارب الفرنسي السوري ، وإطلاق المفاوضات السورية الإسرائيلية عبر الوسيط التركي . واللافت للنظر أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم تلجأ إلى إستراحة المحارب بعد الذي كان ، فقد تابعت تقدمها وانتصاراتها داخلياً وخارجياً ، وعلى أصعدة شتى ، ففي بداية التسعينات والتي شهدت البريسترويكا أي إعادة البناء ، والتي لم تكن كذلك على أية حال ، فقد سعت أمريكا إلى تحسين وتلميع صورتها مما علق بها من غبار الحرب الباردة ، عبر تدخلها المباشر في عملية احتواء كافة الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي ، سواء عن طريق ضمها إلى منظمة حلف شمال الأطلسي أو تقديم التسهيلات التي مكنتها من الانضمام إلى الاتحاد الأوربي ، وعلى الصعيد العسكري وبمؤازرة حلفائها ، خاضت حربين خرجت منهما بوجه مشرق ، إحداهما كانت حرب تحرير الكويت ، وثانيهما كانت الحرب على يوغوسلافيا السابقة ، ولسنا بحاجة أن ندخل إلى تفاصيلهما على الأقل في الوقت الحالي ، وقد يقول قائل بأن سياسات اليمين المتعصب والمتشددين وعصابة الخمسة من قيادة الحركة الإنجيلية الأصولية وما شابهها من أسماء هي التي افتعلت كل هذه الضوضاء تبعاً لقواعد اللعبة التي ينتهجها الجمهوريون ، عندئذ يمكننا القول بأن الديمقراطيين هم أول من ضرب مقرات القاعدة ومصادر تمويلها ، وتحديداً في عهد الرئيس كلنتون ، عندما أغارت أسلحة الجو الأمريكي على مصانع الأدوية التابعة لابن لادن في السودان . وبعد الحادي عشر من سبتمبر عملت الولايات المتحدة إلى إبراز الوجه الحقيقي لقوى الظلام ، أمثال حركة طالبان الأفغانية ، ونظام صدام الدموي في بغداد ، مما أدى إلى بث الخوف والرعب والرجفة في أوصال بعض أنظمة الطغيان في هذا العصر والتي سيأتي الدور على ما تبقى منها لاحقاً . وهنا ولابد أن نسجل وربما كسابقة تاريخية : بأن الولايات الأمريكية في حربها على الإرهاب قد قدمت خدمة مثلى للبشرية أولاً ، ولمنطقة الشرق الأوسط ثانياً ، وإلا لكانت قوى التطرف الديني والمذهبي قد قطعت شوطاً في استعباد شعوب المنطقة وزج مستقبلها في غياهب ظلمات القرون الوسطى . هذه الإستراتيجية المكلفة بالنسبة للولايات المتحدة ، تمكننا الآن من تناول المؤشرات التي على أساسها يتحفز العالم لحقبة جديدة من المتغيرات الإستراتيجية وانعكاساتها المفترضة على الأوضاع العالمية ومن ضمنها منطقة الشرق الأوسط . ـ صعود أوباما : وسواء أكان اسمه براق حسين أوباما أو باراك ميشيل أوباما ، وسواء أكان مسلماً أو مسيحياً أو ( مسليحياً ) ، وسواء أكانت بشرة الرجل داكنة السواد أو ناصعة البياض ، فإن هذا كله لا يصب أساساً وبشكل منطقي ضمن مبادئ وأسس الإستراتيجية الأمريكية التي لا يمكن تغييرها أو تحويرها بسهولة ، ولكن الثابت في الأمر هو أن أوباما مواطن أمريكي اكتسب حقوق وواجبات المواطنة طبقاً للقوانين المعمول بها ، وبالتالي فهو عضو في الحزب الديمقراطي نتيجة انتسابه لهذا الحزب طوعياً ، وممارسته للعمل السياسي في إطار حزبه المرخص قانونياً ، وهو مؤهل عقلياً ونفسياً وقانونياً لخوض غمار الانتخابات الرئاسية الأمريكية . ولعبة الانتخابات في الولايات المتحدة وكأي لعبة انتخابات في هذا العالم ، تخضع لقوانين التحالفات والتجاذبات والكولسة ، ومصافحات الغرف المظلمة وما فوق الطاولة وما تحتها ، وأوباما نفسه يشكل الجزء الأهم في هذه اللعبة على الأقل في الوقت الحاضر . وأنا شخصياً أميل إلى الرأي القائل : بأن الحياة السياسية في الولايات المتحدة نتاج طبيعي لنشاط مجموعات مراكز القوى الاقتصادية أولاُ ، ومن ثم أي في المرتبة الثانية يأتي دور اللوبيات في توجيه دفة الحياة السياسية تلك ، بما يتلاءم مع تطلعاتها وبما لا يتناقض في المرتبة الأولى مع مصالح التكتلات الاقتصادية ،وهذه التوأمة هي التي ترسم السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية . وللعلم فقط فإن أوباما هو أحد السيناتورات الذي ينظر بإحدى عينيه لمصالحه وطموحاته الشخصية والشخصية الصرفة ، بينما ينظر بالعين الأخرى إلى مصالح الإمبراطورية التي ينتمي إليها والذي هو من نتاجها أساساً ، وإن لم يكن الأمر كذلك لما كان سيناتوراً ، وتالياً لما كان مرشحاً لهذا المنصب . وكما تبرز نقاط الاختلاف بين أي متحاورين ، فإن من الطبيعي أن تظهر نقاط الاتفاق أيضاً ، وهنا لابد لي من الإشادة بالتحليل المنطقي الذي تعرضت له هذه الدراسة من جهة تحليل الأوضاع الداخلية لأمريكا ، وتحديداً الأوضاع الاجتماعية للملونين ( وأرجو أن تكون المفردة دالةً على الأمريكان من غير البيض ، حتى لا نبدو وكأننا نمارس شكلاً من أشكال التمييز العنصري ) . وانعكاس هذه الأوضاع على المزاج السياسي والاجتماعي العام ، وعلى كافة المستويات ، وضمناً وفي مقدمتها النخب الأمريكية كشرائح مثقفة وواعية ومدركة لطبيعة التطورات وانعكاساتها السلبية على الفئات الاجتماعية الدنيا من الشباب والملونين والنساء أيضاً ( وبالمفهوم والمقياس الأمريكي ) . وصحيح أيضاً ولا يختلف عليه عاقلان أن النخب الأمريكية تمتلك القدرة على استقراء وتحليل الأوضاع من زواياها واتجاهاتها المختلفة ، وهي بطبيعة عملها تستطيع تقديم الحلول الناجعة لكافة المشكلات ، ولكنها تبقى في إطار التنظير الذي لا يقدم ولا يؤخر أمام قوة وجبروت وطغيان رأس المال القادر وبيسر وسهولة على امتصاص وابتلاع كل المفاهيم الخيرة منها والشريرة أيضاً على حد سواء . ويبقى تقدم باراك أوباما باتجاه البيت الأبيض ، وهو يتقدم فعلاً ، تجسيداً لنموذج جديد من النماذج التي افتقدها الأبيض منذ إنشائه ، ومن الطبيعي أن تتوهج مشاعر الملونين إزاء هذه الظاهرة الجديدة والتي تتوازى مع حملات النشاط الإعلامي العابرة للقارات ، والتي يمكن القول عنها بأنها شر لابد منه ، وضمن هذا السياق تحديداً ، فقد كانت لباراك أوباما بعض كلمات ركزت عليها الحملات الآنفة الذكر ، والتي أوضحت وبجلاء مواقفه من قضايا الصراع في منطقة الشرق الأوسط ، نافياً إسلامه ، ومؤكداً حرصه على بقاء القدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل ، ومبدياً إعجابه بهذه الدولة ، ومن ثم تلميحاته بتعزيز القوات الأمريكية في أفغانستان من أجل حسم المعارك على تلك الجبهة . وهذا غيض من فيض . ـ فشل إدارة بوش وانحسار نفوذ المحافظين . ويمكننا إضافة النقطة الرابعة من المؤشرات الأمريكية ، والتي تتمثل في ـ ضغط الأزمات الاجتماعية والاقتصادية على أساس كونهما نتاج سياسات إدارة بوش والمحافظين : من المؤكد أن الاقتصاد ألأمريكي يمر من خلال عنق الزجاجة كما يقال ، ومما ليس فيه أدنى شك أن هذا الاقتصاد منهك إلى درجةٍ مخيفة ، ونحن متفقون مع أي طرح يشخص الاقتصاد الأمريكي بأنه يشهد أسوأ أيامه ، وليس لأننا نرقى إلى مستوى الخبراء الاقتصاديين القادرين على تلمس دقائق الأمور الاقتصادية ، ولكنها ببساطة تلك المسائل التي تخرج عن السيطرة أحياناً فتظهر جلية للعامة قبل الخاصة ، وليس أدل على ذلك أكثر من أزمة الرهونات العقارية ، وفلتان أسعار النفط من عقالها ، والارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية ، وتدني القوة الشرائية للشرائح ذات الدخل المتدني ، ( وأيضاً بالمفهوم والمقياس الأمريكي ) . وتتويجاً لكل ما تقدم العجز الهائل في الميزانية الأمريكية. وهي بتعبير أوضح ، أزمة اقتصادية لها مدلولاتها وانعكاساتها الاجتماعية والسياسية أيضاً ، وهذه الأوضاع بمجملها إحدى إفرازات سياسات إدارة جورج بوش ومعه بطبيعة الحال أبرز رموز المحافظين الجدد . والتي يتحمل مسؤوليتها الحزب الجمهوري ، إذا افترضنا جدلاً بأن هناك ثمة مسؤولية . في صبيحة الحادي عشر من سبتمبر كان المواطنون الأمريكيون يمارسون أعمالهم ونشاطاتهم المعتادة ، وفوجئوا بانهيار مبنيي برجي التجارة العالميين ، وأخذتهم الصاعقة على نحو مفاجئ ، لدرجة أن معظم الأمريكيين ومعهم الكثير من مواطني دول العالم على امتداد الكرة الأرضية أصيبوا بالذهول . ولأنه كان حدثاً غيرعادياً فإنه كان بمثابة يوم القيامة ، لأنه وفي واقع الأمر حتى نتائجه كانت تبعث على الدهشة ، من حيث : أكثر من ثلاثة آلاف قتيل ، خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات ، انهيار إحدى أهم وأبرز قلاع ورموز الاقتصاد الأمريكي ، سقوط نظرية الأمن القومي الأمريكي على يد مجموعة من الشباب ـ وبإمكانات وأدوات أمريكية ـ قدموا من جبال طورا بورا أوغيرها ، وهذه الصدمة وضعت الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية أمام خيارات صعبة إن لم تكن مستحيلة ، وفي حقيقة الأمر كان هناك خياران لا ثالث لهما ، فإما خروج المارد من قمقمه ، ومطاردة الخارجين على القانون في صحارى وجبال ووديان أفغانستان القصية ، وهذه المرة ليست على طريقة الحكواتي ، وإنما على طريقة الشريف في أفلام رعاة البقر ( الكاو بوي ) ، وتحديداً فيلم مطلوب حياً أو ميتاً ، وإما الانكفاء وانتظار الضربة التالية . وسواء شئنا أم لم نشأ فإن هذه الإمبراطورية الصاعدة والتي اسمها الولايات المتحدة الأمريكية تلقت طعنة في صميم كرامتها ، وكان لابد من فعل شيء يعيد لها ولو جزءاً من هيبتها كدولة قائدة لهذا العالم ، أوعلى الأقل كان هذا هو حلمها . وكل ما أسلف يمكن أن يكون صحيحاً ودقيقاً إذا استبعدنا نظرية المؤامرة . واستناداً إلى النزعة الهجومية المتصاعدة إن لم نقل القتالية التي اتسمت بها التربية السياسية والدينية لجماعات المتشددين من اليمين المسيحي ، اتجهت الإدارة الأمريكية بزعامة عصبة الخمسة إلى انتهاج الخيار الأول ، والذي لابد أن يكون مكلفاً بل باهظ التكاليف ، وهنا لابد من الإشارة إلى ما أشيع بأنه كان قد تم إعداد غرفة ومسرح العمليات القتالية ، ودراسة النفقات وتخصيص الميزانية وإلى ما هنالك من استعدادات ، وذلك قبل ارتطام الطائرات بأهدافها ، ويبقى هذا الحديث أيضاً ضمن ملفات نظرية المؤامرة ، والتي لم تتأكد على أية حال . ولكن المؤكد هنا أن عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين ، ومثلهم من الموالين من القبائل غير البشتونية ، قد التحمت في معارك ميدانية شرسة وطاحنة ضد تحالف حركة طالبان مع تنظيم القاعدة .ولم تستثني هذه الحرب وكغيرها من الحروب أي طرف من الأطراف ، من حيث الخسائر البشرية والمادية . والذي لابد من ذكره هنا بأن طبيعة التكتيكات القتالية ودقة تنفيذها ، تتحكم في حجم الخسائر أثناء سير العمليات الحربية ، وبالاستناد إلى تجربة وخبرة مقاتلي طالبان والقاعدة ولسنوات طويلة وتعاملها مع النظريات والخطط العسكرية السائدة لدى الجيوش النظامية ، وذلك أثناء فترة تواجد القوات السوفيتية على أرض أفغانستان ، رفعت من مستوى أرقام الخسائر المادية والبشرية لدى القوات الأمريكية ، رغم التفوق العددي والتقني . وقد انعكست بطبيعة الحال هذه الأوضاع على الداخل الأمريكي ، وهذه نتيجة طبيعية ، وأمثلة التاريخ كثيرة وعديدة ، وعلى مر التاريخ فإن الشعوب تمنت لجيوشها الانتصارات السريعة والساحقة وبالحد الأدنى من التكاليف ، بغية عودة الأبناء والأزواج إلى أحضان عائلاتهم وأسرهم ، وكانت هذه إحدى النقاط القاتلة للإدارة الأمريكية ، مما اضطرها وباستمرار إلى تغيير قياداتها العسكرية إن في أفغانستان أوفي العراق . ولأن الرياح ربما أحياناً لا تجري بما تشتهيه السفن . فإن هذه الإدارة اليوم في مأزق . وربما مأزقها هذا منح الفرصة لصعود أوباما أو كان أحد الأسباب المنطقية لهذا الصعود . والسؤال الهام والذي طرح نفسه باستمرار ويطرح نفسه الآن وبقوة : هل كل ما حدث حتى الآن يندرج تحت مسمى فشل إدارة بوش ؟. وبالتالي انحسار نفوذ المحافظين ؟. والذي أدى بدوره على تراجع شعبية الحزب الجمهوري . أعتقد بأن الوقت لا يزال مبكراً ولو بعض الشيء على هكذا استنتاجات . ـ الحيوية الشعبية الأمريكية : وهنا لابد لي من إظهار تطابق رؤيتي مع الرؤية القائلة ، بتزايد الحيوية الشعبية الأمريكية ، وأيضاً ازدياد دور المهمشين والشباب على صعيد المساهمة والمشاركة في النشاط الانتخابي ، وبروز ظاهرة التمويل الشعبي بدلاً من تمويل الشركات العملاقة ورؤوس الأموال ، وهذه ظاهرة جديدة ، لم يشهدها المجتمع الأمريكي من قبل ، ولها أسبابها المنطقية ، وستكون لها نتائجها المنطقية لاحقاً ، فالمقدمات تولد النهايات ، كما يقال ... وباعتقادي فإن جزءاً من هذه الأسباب المنطقية قد تكون نسخة مكررة من حالات تاريخية مشابهة لشعوب أخرى وفي مواقع أخرى من هذا العالم ، إن كان بنفس المستوى أو أقل أو أكثر بروزاً ، فعندما تطبق أزمة ما على أمة من الأمم أو شعب من الشعوب ، يبدأ البحث عن مخلّص ومنقذ أو نبي ، ليخرج هذه الأمة أو هذا الشعب من هذه الأزمة ، وعندما يُهتدى إلى هذا الشخص وغالباً ما يكون هذا الاهتداء عن طريق الحدس ، تبدأ مرحلة نسج الحكايات والقدرات الخارقة حول هذه الشخصية ، أو تنسب إليه من باب إقناع الذات بصدق ذلك الحدس ، وهذه مسالة وفي أحسن الأحوال لا تتعدى كونها مسألة سايكولوجية صرفة ، ( والحديث هنا على المستوى الشعبي ) ، وليس على المستويين التنظيري والأكاديمي . وتكون الصورة أوضح في المجتمعات المتدينة بشدة والمتخلفة نسبياً ، إذ تتداخل قدرات المنقذ مع قوى غيبية مساندة وداعمة بغية اكتمال المشهد الدرامي ، والذي عادة ما يحتاج إلى بطل . # مؤشرات أخرى : في كافة الأحوال ، وعلى مدى التاريخ الإنساني ، لابد من نشوء ظاهرة القوى الموازية ، وظهور هذه القوى هي حاجة غريزية من جهة ، ومطلب استراتيجي على قاعدة التحالفات مع العوامل المساعدة من جهة أخرى ، والتي بدورها تشكل قوى إضافية للدفع باتجاه تحقيق غايات الإستراتيجية الأم . وبتطور النظام الرأسمالي وصولاً إلى درجة اكتظاظ الأسواق المستهلِكة بالناتج الصناعي إلى درجة التخمة ، وانحسار قدرة التسويق طبقاً لانحسار الطلب على السلعة المنتجة نتيجة ازدياد العرض ، فإن رأس المال العالمي اتجه إلى فتح أسواق جديدة ، تتسم بالنهم الاستهلاكي ، وتوفرالأيدي العاملة الرخيصة وغير المكلفة كإحدى أدوات عملية الإنتاج ، إضافة إلى انخفاض مستوى الدفع الضريبي مقارنة بالمركز الرئيس . ولهذا فإن الاقتصاديين منهمكين على الدوام في البحث عن استثمارات جديدة ، وبالتالي فهو سعي لتحقيق أرباح جديدة ، وهذه مسألة مشروعة ولا يرقى إليها أدنى شك . وقديماً ، ومنذ اللحظات الأولى لنشوء ظاهرة الاستعمار الأوربي الحديث في بدايات ومنتصف القرن الماضي ، كانت آسيا محط أنصار مراكز قوى رأس المال الأوربي ، وبذلك اكتسبت دول عديدة مثل الصين والهند أهمية بالغة ضمن دائرة اهتمامات قوى الاستعمار ، تبعاً للكتلة البشرية الهائلة التي تمثلها هذه الدول ، وتمتعها بمصادر أولية للمادة الخام ، إضافة إلى كونها أسواق نموذجية لتصريف البضائع والسلع المنتجة ، ومؤخراً من الفترة تلك برزت إلى السطح ظاهرة شركات الشاي في الصين ، وظاهرتي الملح والمنسوجات في الهند كبوادر أولية من بوادر حملات شحن وتحفيز المواطنين باتجاه التفكير بالاستقلال الوطني . ولكن وفيما بعد وعلى وجه التحديد في مطلع هذا القرن ، وتحت ضغط الانفتاح الإعلامي ، لجأت العديد من الدول الآسيوية إلى تبني الاتفاقيات الحرة ، واستجلاب التكنولوجيا ، تحت عنوان توطين مفهوم العولمة ، وتمكنت بذلك الالتحاق بركب الدول الصاعدة اقتصادياً ، وهي كمحصلة تتبع لمجموعات من الشركات العالمية المانحة للامتيازات ، والتي تستحوذ على نسبة هامة من الأرباح ، وخير ما يؤكد طرحنا هذا الأزمة العميقة التي تعرضت لها شركة ( دايو ) الكورية ، عندما امتنع التجار بتوفير قطع الغيار نتيجة تراكم المستحقات غير المدفوعة ، ولجأ عمال الشركة للاحتجاج ومن ثم للإضراب لعدم توفر السيولة لتسديد مخصصاتهم الشهرية ، مما دفع الشركة إلى إبرام عقود خارجية بالوساطة لتوفير السيولة والخروج من المأزق ، وهذا يشكل أحد العيوب في الاقتصاد التابع غير المتحرر . وهذه الصيغة تدلل بل وتنطبق بشكل أو بآخر على مجموعة الدول الصاعدة اقتصادياً ، مثل ( الهند ـ الصين ـ البرازيل ـ جنوب أفريقيا ) وهي بذلك اقتصاديات تابعة وليست اقتصاديات بديلة ، مما يسقط الطرح الذي يفيد بأن صعود مثل هذه الدول ، سيساهم في تعزيز الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدول الغربية ، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ، وليس مشروع الاتحاد من أجل المتوسط سوى صيغة أخرى من هذه الصيغ الاقتصادية ، بتنازلات سياسية مؤقتة ، الهدف من ورائها ربط اقتصاديات هذه الدول باقتصاديات دول الاتحاد الأوربي ، ومن ثم تحرير الاقتصاد الإسرائيلي ، من خلال تسوية سياسية ما ، وليس بالتأكيد البحث لإيجاد الوسائل التي تمكن من تصفية الصراع العربي الإسرائيلي على أسس عادلة ومتينة ، تنهي وبشكل جذري إحدى بؤر التوتر في هذا العالم . وفيما يخص تداعيات أمريكا اللاتينية ، وتصاعد قوى اليسار في العديد من ساحاتها ، وهذه القوى ليست قوى معادية للولايات المتحدة في جوهرها ، وإن كان الظاهر منها يوحي إلى ذلك ، إلا أنها في حقيقة الأمر قوى تعبر عن آمال الملايين من الجياع ممن تضرروا خلال الحقبة الماضية من سياسات الشركات الوطنية ، ونموذجنا هنا شركات النفط الفينزويلية ، وهي إحدى أهم القطاعات المنتجة في فنزويلا ، والتي بدورها انتهجت بعض السياسات الخاطئة والمجحفة بحق الشرائح العمالية التابعة لمؤسساتها ، مما دفع ببعض الشخصيات والفعاليات اليسارية ، والتي هي أساساً نتاج حقبة انهيار الاتحاد السوفييتي ، إلى استثمار نتائج هذا الوضع سياسياً ، وهذه الفعاليات تتسم بالرؤى اليسارية ولكنها قطعاً لا تتسم بالرؤى الديمقراطية ، على الأقل حتى تثبت العكس . ولذلك لا يمكن تصنيفها على أنها قوى اليسار الديمقراطي الذي يسعى إلى تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية ، على أسس علمية ومنهجية دقيقة . والمؤشرات في هذه الحالة كثيرة ، فقد لجأت الحكومة الفينزويلية والتي يقودها هوغو تشافيز ، إلى إغلاق بعض المحطات الإعلامية التي لا تتناسب ورؤاه الشخصية . أضف إلى ذلك بعض مبادراته التي تتصف باللاعقلانية ، والتي تتمثل ببيعه النفط أو مشتقاته للشرائح الفقيرة من الشعب الأمريكي بأسعار زهيدة . وخلاصة القول : يستطيع اليسار الناشئ في أمريكا اللاتينية أن يكتسب تسمية واحدة لا غير ، ألا وهي ( بأنه حركة يسارية طموحة غير ناضجة فكرياً وسياسياً ، وهي حركة غير ديمقراطية ، ولا ترقى إلى مستوى التحديات المطروحة على امتداد الجزء الجنوبي من القارة الأمريكية ) . و بذلك يكون هذا اليسار منخفض التأثير على الأوضاع الداخلية والخارجية التي تعيشها الولايات المتحدة ، خصوصاُ وأن الأولى كما أسلف لا تتبنى سياسات ذي صبغة عدائية لأحد ، ولكنها جادة في سعيها الدؤوب للبحث عن مناصرين وحلفاء ، حتى ولو كان هؤلاء المناصرون والحلفاء هم إيران وسوريا وكوبا وغيرها . # مؤشرات المنطقة العربية : ـ وأولى هذه المؤشرات المفترضة ، هي تلك التي تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي ، كونها القضية الأبرز التي تحتل مركز الاهتمام دولياً ومحلياً وإقليمياً ، وتستقطب أساساً أية إشارات صادرة من هنا وهناك ، وهي القضية الشائكة والمعقدة والتي طالت مدتها أكثر مما ينبغي ، دون أن تحصل على نصيبها من الاهتمام الجدي وبالتالي من الحلول ، ومرد ذلك بالتأكيد تعنت الطرف الإسرائيلي ، ونهجه سياسة المليمتر في قضم الأراضي العربية ، وعلى وجه الخصوص أراضي الضفة الغربية . وازدياد سرعة وتيرة بناء المزيد من المستوطنات ، في الوقت الذي كان ينبغي على إسرائيل العمل على إزالة المستوطنات ، على قاعدة اتفاقيات أوسلو ، وما تلاها من تفاهمات . إلا أن إستراتيجية إسرائيل المبنية على الاتفاقيات المنفردة مع كل طرف على حده ، هي التي أسست لرفض إسرائيل جملة وتفصيلاً المبادرة العربية الموحدة ، والتي تبناها مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في بيروت . ومؤخراً وجدت الفرصة الضائعة والتي كانت تبحث عنها ، والتي تمثلت بقبول النظام في سوريا للذهاب منفرداً إلى مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة ، عبر وسيط تركي أو غير تركي ، وكان ذلك الخروج الأوضح على الإجماع العربي ، وعلى المبادرة العربية نفسها . إلا أن الملفت للانتباه ، أن الرأي العام في المنطقة العربية ، أخذ باستنتاجات البعض من المراقبين والمحللين السياسيين ، على أساس سرعة إطلاق المفاوضات بين سوريا وإسرائيل ، وهذا المفهوم بعيد عن الدقة ، بالنظر إلى أن المفاوضات السورية الإسرائيلية بدأت فعلياً من مدريد ، وفيما بعد استمرت على شكل رسائل سياسية تارة ، وعسكرية تارة أخرى عبر حماس وحزب الله اللبناني ، بالإضافة إلى الرسائل الأخرى والتي كانت تمر تحت الطاولة ، بدءاً من زيارات الساسة الأتراك المتكررة والمتواصلة ، ووصولاً إلى زيارة رجل الأعمال السوري إبراهيم سليمان . ومن هنا يمكن دحض فرضية ( سرعة إطلاق المفاوضات ) . ـ وأما فيما يخص سرعة الانفتاح الأوربي ، والذي تمثل ـ كما يشاع ـ بانفتاح فرنسي على سوريا ، من خلال دعوة بشار الأسد لحضور مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط ، فهذه مسألة أخرى من المسائل التي تكتسب أهمية بالغة ، وينبغي التوقف عندها بعض الوقت ، كما ينبغي إلقاء نظرة على ردود الفعل التي صدرت من أطراف أوربية شريكة وفاعلة في شراكة الإتحاد الأوربي ، إضافة إلى موقف الولايات المتحدة نفسها من هذه الدعوة ، ويضاف إلى كل هذا وذاك اللغط الذي دار أثناء انعقاد هذا المؤتمر ، سواء على صعيد الجلسات الرسمية ، أو أحاديث المجاملة التي دارت على الهامش ، ناهيك عن النشاط الإعلامي . يخيل إليّ أن كل ما قيل وكل ما كتب عن هذا الموضوع هو بمثابة صورة مقلوبة رأساًً على عقب ، ولا تعكس الحقائق المضمرة وغير الظاهرة للعيان والتي كانت خلف هذه الدعوة ، والتي قد يستفيق النظام السوري عليها ذات يوم ، فيسميها الدعوة المشؤومة ، تماماً على عكس ما يهلل لها اليوم على أنها نجاح للسياسة السورية ودبلوماسيتها . والدبلوماسية الفرنسية جربت ولا تزال تجرب كافة الوسائل المتاحة للمساعدة في إخراج لبنان من محنته ، هذا أولاً ، أما ثانياً ، فإن فرنسا لا تزال لصيقة الأزمة اللبنانية ، وأمامها المزيد والمزيد من العمل للوصول إلى الشروط التي تمكن لبنان من استمراره في مسيرة الوفاق الوطني على أسس ديمقراطية تحديداً ، وهنا لابد من الإشارة إلى معوقات مسيرة الوفاق الوطني ، كي تتضح بعض ملامح السياسة الفرنسية إزاء الأوضاع القائمة في لبنان . ومن أبرز المعوقات والتي لا يمكن أن يتجاهلها عاقل : ـ معضلة سلاح حزب الله ، والذي شكل ويشكل الهاجس المخيف والمرعب للقوى الديمقراطية على الساحة اللبنانية . على أساس مفهوم ( دولة ضمن دولة ) ، وأي تصعيد عسكري كالذي حدث في غزوة بيروت ، يعيد إلى الأذهان شبح الحرب الأهلية ، وحزب الله يمتلك كافة المقومات الفكرية والسياسية والمادية لخوض أية مغامرة من هذا النوع . ـ مشكلة المحكمة الدولية الخاصة بقتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصحبه ، وضرورة إنجاز الإجراءات الدستورية على المستويين التشريعي والتنفيذي ، سيما وأن القوى الديمقراطية متمسكة بهذا الشرط إلى آخر رمق . وعلى الطرف الآخر ، فإن طرح مسألة المحكمة الدولية ، يجلب الصداع والقلق لتلك القوى المتمترسة خلف قوة السلاح . لأنه وعلى الغالب ليس من مصلحتها ومصلحة حلفائها داخلياً وخارجياً ، انطلاق أعمال هكذا محكمة . وليس الغزل الفرنسي للنظام السوري إلا من باب تمرير استحقاقات المرحلة اللبنانية ، والحديث عن فك ارتباط بين النظام وحزب الله ليس إلاّ من باب ذر الرماد في العيون ، وقد يتم اللجوء إلى تسوية بعض الملفات الهامشية بين لبنان وسوريا ، كتبادل السفارات ، وترسيم الحدود ، وإطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية ، وهذه الملفات جميعها ليست بذي شأن مقارنة بملفي سلاح حزب الله والمحكمة الدولية بالغي التعقيد . وأما من ناحية مواقف شركاء فرنسا الأساسيين في الاتحاد الأوربي ، فقد بدا واضحاً من موقف المستشارة الألمانية ، عدم رضاها عن دعوة بشار الأسد إلى باريس ، وأما بالنسبة للدول الأخرى فاتسمت مواقفها باللامبالاة ، وأعلنت الولايات المتحدة ومعها أطراف عربية عن عدم ارتياحها لهذه الدعوة . وهنا أتفق مع الرأي المشكك في أن ما تفعله فرنسا اليوم هو محاولة ساركوزية لاحتلال مكانة في منطقة الفراغ ، أو هو نوع من الاستثمار السياسي أو غير السياسي على الخلفية الانكفائية الانتخابية الأمريكية ، ولكن على أساس أنَّ ما تقوم به ينبغي أن يصب في مصلحة حلفاء فرنسا ولو بحدودها الدنيا . ـ تحصين الخليج وعزل إيران عن الصراع العربي الإسرائيلي : عبر العروض السخية . نعم ، بالفرص المتاحة والإمكانات المتوفرة ، يجري تحصين منطقة الخليج العربي ، ولسببين أساسيين لا ثالث لهما ، ويكمن الأول في أن منطقة الخليج يعتبر منبعاً وممراً للنفط كمصدر استراتيجي وحيوي ووحيد للطاقة في الوقت الراهن ، باستثناء المفاعلات النووية ذي الأغراض السلمية ، والتي تعتبر المنطقة متخلفة كلياً بالنسبة لهذا النوع من التكنولوجيا ، والثاني وهو حسب تقديري يصب في مصلحة الأول ، والذي يمكن وصفه بعلاقات الصداقة والمصالح المتبادلة بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة ، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى ، وإن كان العراق هو أحد القادمين والذي ينبغي له آجلاً أم عاجلاً أن يتبوأ مكانه المخصص في هذا الحيّز ، وتحصين الخليج أيضاً ينبغي أن يتم بطريقتين أيضاً لا ثالثة لهما ، وأولهما زيادة القدرات الدفاعية ( عسكرياً ) لدول مجلس التعاون الخليجي ، وقد تم إنجاز المزيد من الخطوات المتعلقة بهذا الجانب ، عبر صفقات الأسلحة الضخمة ، والتي عقدتها وبشكل فعلي مع كبريات الشركات المصنعة للأسلحة ، وهذا حق مشروع ، وأما ثانيهما ، وهنا تكمن العقدة المتمثلة بإضعاف إيران عبر الترغيب والترهيب ، في ظل اندفاع إيراني ملحوظ لامتلاك شتى أنواع الأسلحة ، وقد يندرج ضمنها السلاح النووي الذي على ما يبدو لن تألو إيران جهداً للحصول عليه ، ويجري هذا في ظل قيادة سياسية مغامرة إلى حد ما ، وبرعاية ودعم ومباركة من الأجنحة المتشددة في منظومة الملالي الحاكمة فعلياً في طهران ، وهذا الحلم الإيراني يشكل المأزق ونقطة المقتل لكافة المشاريع الغربية بما فيها إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط عموماً ، وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص . وفي قاموس المراقبين السياسيين والمتتبعين لتطورات الشأن الإيراني ، تبرز دوماً مفردتان ، حتى كادتا أن تكونا مألوفتين في أي نقاش أو حوار ، يتعلق بالمسائل الساخنة التي تعاني منها المنطقة العربية ، وأولاهما المشروع الإيراني ، وثانيهما الدور الإيراني ، وهذا يثبت أن لإيران مشروعاً استراتيجياً وهي ماضية في بنائه وترسيخ أسسه وقواعده ، وبناء عليه فهي الحاضرة دوماً في القضايا الإقليمية نزاعاً أو تسويةً ، و هي بذلك تؤكد للعارفين ببواطن الأمور، بأن لإيران دور ينبغي أن تمارسه وفقاً لما تتطلبه مصلحة إيران ومشروعها ومصالح حلفائها في المنطقة . ومن الغريب جداً ، وهذه سابقة تاريخية لا مثيل لها ، حتى يمكننا القياس عليها على أقل تقدير ، أن الدول العربية المعنية بالصراع العربي الإسرائيلي ، ومنذ بدايات الثلاثينات من القرن الماضي ، وتحديداً منذ اندلاع أعمال المقاومة في فلسطين بقيادة الشيخ عز الدين القسام ، والتي قدمت الآلاف من الضحايا ، وأنفقت مليارات الدولارات على أعمال التدريب والتسليح ، وشاركت في ثلاثة حروب كبرى ، ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا ، غابت أجيال وعاشت أجيال أخرى ، وسقطت حكومات عديدة لا حصر لها ، ثم نُصبتْ حكومات أخرى وأيضاً لا حصر لها ، وبعض هذه الدول العربية قد خرج فعلياً من دائرة هذا الصراع ، عبر توقيعها اتفاقيات سلام ، وهناك المتبقي الذي يسير في ركب سابقاتها ، وإيران .. نعم إيران هي التي تدعي اليوم بأنها صاحبة الحق في التصرف بميراث الشهداء ، فتعلن عن عدم موافقتها لأي مسار سلمي في المنطقة ، وفي معظم الحالات تلجأ إلى لغة التهديد والوعيد ، وهي تدرك كيف ومن أين تؤكل الكتف ، والآخرون يدركون هذا أيضاً . وفي مسعى جدي لإقصاء إيران عن النزاع العربي الإسرائيلي ، وتعتبر هذه الخطوة خطوة تمهيدية إن شئت ، باتجاه تحجيم دور إيران الإقليمي ،إضافة إلى جملة من الإجراءات الأخرى والتي تعتبر عروضا سخيةً بلا شك ، لجأت الولايات المتحدة ومعها دول الاتحاد الأوربي ، للإيحاء بأنه من الممكن أن تلعب إيران دوراً ما في الساحة العراقية ، كمقدمة لدور إقليمي وهمي تلعبه إيران ، على الأقل في المرحلة الراهنة ، بالإضافة إلى جملة من المغريات الأخرى ، وقد تكون هي الأخرى مغريات وهمية . ولكنني هنا لابد من التسجيل بأنني أختلف بالرأي مع الطرح القائل : بأن إيران الحالية ، وبتوجهاتها المعروفة ، وسياساتها العدائية ، ستجد لنفسها مقعداً في صفوف مقاعد أعضاء النادي النووي الدولي ، لأنه وهذا أيضاً اعتقاد سائد لدى العارفين بخفايا الأمور ، بأن من أعرض الخطوط الحمراء وأشدها قتامةً ووضوحاً أيضاً ، السماح لإيران بامتلاك ذلك السلاح النووي . ـ تسوية الصراع العربي الإسرائيلي : وهذا المؤشر متصل بالمؤشر الذي سبقت مناقشته ، ولكنه في جوهره خيار الدول العربية ذات الشأن ، ونقصد هنا الدول العربية التي أدارت وخاضت هذا الصراع منذ قيام دولة إسرائيل على أقل تقدير ، وكما أسلف فإن البعض من الدول العربية المعنية خرجت من هذا الصراع بشكل أو بآخر ، وبذلك تقلصت خيارات العرب إلى حدودها الدنيا ، ولم يتبق في ساحة الصراع غير النشطة نسبياً ، إلاّ سوريا والتي لا تعتبرها إسرائيل مصدر خوف أو قلق ، ولكنها تعتبرها مصدر إزعاج ليس إلاّ ، والعمل قائم الآن على احتوائها ، على قاعدة التضحية بربع الجولان أو حتى نصفه ، وهذا من المنظور الإسرائيلي ، وتكون بذلك قد تفرغت إسرائيل لترتيب أوضاعها مع فلسطينيي الضفة والقطاع ، مع إمكانية استبعاد طرح قضية اللاجئين الفلسطينيين في الشتات ، إلى وقت آخر ، أو حتى ترحيلها لجولة من المفاوضات غير منظورة . وبتقديري لا يمكن أن نطلق على هذه العملية برمتها تسمية ( تسوية الصراع العربي الإسرائيلي ) ولكنها قطعاً يمكننا تسميتها ( تصفية الصراع العربي الإسرائيلي ) . ـ إعادة هيكلة تركيا : وكمقدمة لابد منها نقول : إن الإسلاميين الأتراك الذين يتظاهرون في شوارع اسطنبول أو إستانبول أو الأستانة ، رافعين الرايات الإسلامية في احتجاجاتهم على ممارسات إسرائيل في حصارها وتجويعها للفلسطينيين في غزة ، هم ذاتهم أولئك الذين يهرولون لاسترضاء إسرائيل بمناسبة أو غير مناسبة ، واللذين يلعبون دور العرّاب في المفاوضات السورية الإسرائيلية اليوم . وقد يسال سائل كيف يستقيم أمران متناقضان في سلة إسلامية تركية ضيقة الحدود والجوانب ؟. وللإجابة على مثل هذا التساؤل المشروع لابد من المرور على جملة من المعطيات أو الرغبات التركية إقليمياً . فتركيا تعمل على إرضاء إسرائيل وإنجاز ما يمكن إنجازه من تسوية أو تصفية ، وعينها لا تغفل عن لواء الاسكندرون ، وتركيا تعمل على إرضاء سوريا ومعها إيران ، وعينها على حزب العمال الكردستاني ، وأيضاً تتشدق تركيا بالحفاظ على حقوق السنة في العراق ، وكلتا عيناها على الموصل وكركوك ، وهي سباقة أحياناً لاسترضاء الولايات المتحدة فيما يخص مشاريعها الشرق أوسطية ، وأحياناً أخرى تعمل على إغضابها طبقاً لمقتضيات المرحلة ، والحديث لا يزال ضمن الدائرة الإقليمية ، وهي حريصة إلى أبعد الحدود على توسيع دائرة أعمالها واستثماراتها وتجارتها مع أسواق دول الخليج العربي كظاهرة ناشئة ومزدهرة ، ناهيك عن طموحها في الامتداد إلى بعض جمهوريات أسيا الوسطى ولو على الصعيد الثقافي ، كمدخل لامتدادات أخرى قادمة . إن الأوضاع القائمة حالياً تجعلنا نعتقد بأن لتركيا أيضاً مشروعها القومي ، وهي تبذل المزيد من الجهد والمثابرة لتحقيقه ، وضمن دائرة مزدحمة بالمشاريع الإقليمية ، قد تتخاصم وقد تتصالح فيما بينها ، إلاّ أن الأوضاع الداخلية المعقدة نسبياً في تركيا غالباً ما تقف حائلاً وعائقاً دون تحقيق طموحاتها على صعيد مشروعها القومي . والقارئ للتاريخين التركي والكردي ، لا يجد صعوبة في الوصول إلى نتيجة مفادها ، أن المئة عام الماضية كانت بحق قرن الانتفاضات الكردية المتلاحقة ، والتي كان آخرها والتي لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا ، الثورة التي يقودها حزب العمال الكردستاني بجناحيه السياسي والعسكري ، والتي باتت مصدر قلق لدى الأوساط التركية العلمانية منها والدينية على حد سواء ، والتي لم توفر جهداً أو وسيلة للقضاء على هذا الحزب وأنصاره ، ولكن جميع محاولاتها باءت بالفشل . ولا يزال حزب العمال يطور من قدراته السياسية والقتالية لمواجهة الاحتمالات والتطورات الإقليمية المتوقعة ، بغية التكيف معها سلباً أو إيجاباً ، وهو في كفاحه هذا ، لا يرضى بأقل من الفدرالية الموسعة ، ضمن المحافظات ذات الأغلبية الكردية الساحقة ، وفي حال حدوث هذا الأمر فإن الباب سيُفتح على مصراعيه أمام القوميات الأخرى غير التركية ، للمطالبة بحقوقهم القومية أسوة بالكرد ، وهذا مالا يستطيع أحد من القوميين الأتراك تصوره في لحظة من لحظات الزمن ، وهذا هو أحد العوائق الرئيسية التي لا يمكن تجاوزها بسهولة ، وأما فيما يتعلق بالصراع بين ما يطلقون على أنفسهم صفة العلمانية ، وفي الواقع تشكل هذه التسمية ، غطاءً للفكر الأتاتوركي المتشدد لمبادئ الجمهورية التركية ، وبين التيار الإسلامي الصاعد ، والذي يحكم البلاد في الفترة الحالية ، وعلى كلا الجبهتين قوتان متحفزتان لمعركة البقاء أو الفناء ، في خضم المؤشرات الأخيرة والتي أطلق عليها اسم المؤامرة الكبرى ، والتي اتسمت بالخطورة على مستقبل تركيا ، بحسب ما تناقلته الصحافة التركية نفسها . وإذا كانت هناك ثمة أفكار تشير إلى إعادة هيكلة تركيا ، لتكون قوة إقليمية صلبة موالية للغرب ، للتأثير على صعود إيران والتوازن مع سوريا ، فإنني أقف موقف المندهش من هذه القوة الصلبة التي يتم الحديث عنها ، والتي لا يمكن لها أن تكون ، ما لم تُنجز استحقاقات القوميات الأخرى غير التركية ، وبالشكل الذي يرضي جميع الأطراف ، وعلى قاعدة التساوي في حقوق المواطنة وواجباتها . وإلاّ فإن تركيا بشكلها الحالي ، معرضة لخطر التفكك ، وذلك بفضل تنامي الشعور القومي والإثني ، على مبدأ أن جميع الدول المتكونة من عدة قوميات مختلفة بسبب ديني أو اقتصادي أو عسكري أو عقائدي أو وضعي ، سوف يمزقها الصراع القومي حتى تستقل كل قومية . أي ينتصر العامل الاجتماعي ( القومي ) على العامل السياسي . # سوريا : ( مجموعة من الإجراءات ) . 1 ـ سحب الذرائع الوطنية والقومية : ولدى البحث في مفردة ذريعة لغوياً نستنتج ، أنها تدل على معنيين أساسيين ، أولهما الوسيلة ، وثانيهما بزيادة التاء في أولها أي تذرّعَ ، ومعناها أكثر من الحديث ، وكلا المعنيين يبيّنان ويثبتان ، أنه ما من قضايا وطنية حقيقية ينبغي معالجتها ، ولكن يتم الإكثار من الحديث كوسيلة أي ( كذريعة ) للدلالة والإيهام بأن هناك قضايا وطنية تحتل مركزاً متقدماً وأولوياً من الاهتمامات ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفعل الوطني ، هو كلّ فعل مبنيٍّ على أساس نتائجه الحتمية والموظفة توظيفا حقيقياً لخدمة الوطن بمفهومه العام . وكل ما يشذّ عن هذه القاعدة هو فعل غير وطني وبالتالي من الممكن أن يخدم جهات أخرى تتصف بالانتماء اللاوطني . وبالتدقيق في سلوكيات النظام في سوريا ، إزاء القضايا الوطنية والقومية بدءاً من القضية المحورية ، ومروراً بمستعصيات الأزمة اللبنانية، وصولاً إلى تعقيدات الأوضاع السائدة في العراق ، أضف إلى ذلك الأوضاع الداخلية ومجموعة الأزمات المتراكمة ، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، هذه السلوكيات تشير وبدقة إلى وضع العصي في الدواليب ، في محاولة لإيقاف حركة الزمن ، ومنعه من التقدم إلى الأمام ، إلا بالشروط والكيفية التي تتلاءم مع مصالح النظام ، والتي تتلخص في بقائه واستمراريته ، على الشكل الذي يريد . بغض النظر عن الحلول المطروحة ، لتصفية الصراع العربي الإسرائيلي ، سواء على جبهة الجولان أو على الجبهات الأخرى ، أو فيما يتعلق بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ، والموثقة دولياً على شكل قرارات صادرة عن الأمم المتحدة وهيئاتها القانونية . ومن هنا ينتفي الطرح القائل بسحب الذرائع الوطنية والقومية ، وإنما من الأجدر الحديث عن سحب النظام نفسه باتجاه طريق اللاعودة ، كحالة معادية لكافة الثوابت الوطنية والقومية ، وأيضاً كظاهرة لا تنسجم مع التطور الطبيعي لحركة التاريخ . 2 ـ احتواء سوريا دبلوماسياً واقتصادياً : ويجري الحديث هنا عن تطمينات ووعود بفك العزلة عن النظام في سورية ، وتنشيط الاستثمارات الأوربية وتعزيز العلاقات الاقتصادية ، وكذلك انخراطها في الشراكة من أجل المتوسط . وبالنظر إلى قمة الاتحاد من أجل المتوسط ، والتي غاب عنها أغلب قادة المتوسط ، فهي لا تغدو أكثر من محاولة للجمع بين أولمرت والأسد ، ولوعلى سبيل لقاءات عابرة ، هذا فيما يخص التواجد السوري ، والتي فشلت حتى في تحقيق هذه البادرة . وبقراءة متأنية لحيثيات هذه القمة ، يظهر للعيان أنها وبكليتها لا تغدو أكثر من كونها مهرجاناً جاء من فراغ وسيصب في الفراغ . 3 ـ استرضاء سوريا لبنانياً وعراقياً : والمفتاح الرئيسي لهذا الاسترضاء ، يكمن في عواصم بعض الدول العربية ، وهذا المفتاح في حالة غياب وفقدان ، ويجري البحث عنه وقت اللزوم ، وفيما عدا ذلك ، فإن الدور السوري بشكله الحالي لا يحتاج إلى استرضاء . 4 ـ الرهان على التوترات الاجتماعية والإثنية : وخلال السنوات الأخيرة وبفعل توجهات النظام وسلوكياته برزت على السطح بعض المفاهيم التي تشير إلى توترات اجتماعية وإثنية ، ولكنها وفي حقيقتها وجوهرها هي توترات وطنية بالمعنى الدقيق للمفردة ، إذ يجري العمل على قدم وساق وبشكل ممنهج ومنظم ، على استحكام فئة دون غيرها من مقدرات البلاد ، وتهميش واستبعاد فئات أخرى بقصد إقصائها عن الحياة السياسية والاقتصادية ، مما خلق مفاهيم لم تكن متداولة قبل ذاك ، ويجري الحديث الآن داخل المجتمع السوري وخارجه أيضاً فيما يمسّ الشأن الداخلي السوري ، عن الطوائف والقوميات والمذاهب كما لم يحصل من قبل ، ومن المؤكد أنه سيتم استغلال هذه التوترات أسوأ استغلال لدى سنح أول فرصة . 5 ـ إضعاف أوراق سوريا ، عبر استمالة قوى ( المقاومة ) : بتقديرنا لا يمكن استخدام عبارة ( استمالة ) في سياق معالجة أو التعامل مع مجمل أوضاع المنطقة ، وضمناً سوريا ، وإنما ينبغي استخدام مفردة ( تفكيك ) لحالة من الترابط العضوي ، المبني على أساس المشروع الإيراني ، والذي أفرز ما يسمى قوى الممانعة ، والتي تنتشر على الجناح الأيمن لإيران ، والتي تشكل معقل هذا المشروع ، وأداته ورأس حربته . والمتمثل بسوريا وحزب الله وحماس ، بالإضافة بعض القوى والشخصيات الهامشية التي تدور في فلكها . 6 ـ تصعيد مصري ـ سعودي : توفير بيئات ومناخات تعيد تصعيد الدور المصري والسعودي للمشاركة في الدور السوري وحلفائه ، وإمكانية تفويض مصر بالتفاوض على أولاً الهدنة أو التهدئة الفلسطينية في شكلها الحالي ، وأيضاً في المساهمة بالتفاوض على مزارع شبعا . ومثل هذه الاحتمالات واردة وواردة جداً ، وهي ربما تهدف إلى نزع بعض الخيارات من حقيبة المفاوض السوري ، وليس بعيدا أن يسند هكذا دور إلى مصر وغيرها كعوامل مساعدة ، ضمن التوجهات العامة للسياسة الغربية في المنطقة العربية . ــــــــــــــــــــــــــــ نقاط ذات صلة : 1 ـ إسرائيل دخلت الأزمة الوجودية . 2 ـ أمريكا والغرب في طور الهزيمة في المنطقة . 3 ـ الغرب وأمريكا ـ السيطرة بطرق وآليات جديدة . 4 ـ العالم المتعدد القطبية ، متنافس غير محترب . 5 ـ المنطقة ( بلاد الشام ـ بلاد الرافدين ) تحتل مرتبات متقدمة في الحدث الإقليمي والدولي . ويمكن مناقشتها في مبحث آخر منفصل ، نظراً لغناها وأهميتها . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تنويه : كل الشكر للأستاذين : ميخائيل عوض ، إبراهيم اليوسف ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#فرمان_بونجق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصدر سعودي يكشف معلومات عن المشتبه به بهجوم الدهس بألمانيا و
...
-
أحد أكثر حوادث الطيران غموضا.. الطائرة المنكوبة MH370 تعود ل
...
-
إعلام ألماني يعلن ارتفاع حصيلة قتلى هجوم الدهس في مدينة ماغد
...
-
هل هو فصيلة جديدة؟.. اكتشاف أحفورة تشبه النمر بأنياب حادة جد
...
-
الأزهر يدين حادث الدهس في ألمانيا: -الاعتداء على الآمنين خرو
...
-
الكونغرس الأمريكي يمرر تشريعا للتمويل تفاديا لإغلاق حكومي
-
عن الخروج الروسي من سوريا..!
-
إسرائيل تواصل قصف غزة موقعة قتلى وجرحى والحوثيون يستهدفون تل
...
-
كلمة الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن / مسيرة الملت
...
-
تركيا تدين بشدة هجوم مدينة ماغديبورغ الألمانية.. وتكشف عدد م
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|