أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جودت شاكر محمود - العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (2)















المزيد.....


العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (2)


جودت شاكر محمود
()


الحوار المتمدن-العدد: 2356 - 2008 / 7 / 28 - 10:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ثانياً: بعض التقنيات العلاجية
هناك الكثير من التقنيات والممارسات التي يؤديها المُعالج النفسي الإنساني خلال عمله ولكننا هنا سوف نقوم بتوضيح بعض تلك التكنيكات والتي لم يتم الإشارة إليها سابقاً، كما نتصور إننا نستطيع من خلالها تمييز العلاج الإنساني عن غيره من العلاجات الأخرى، وهي:
1.كشف الذات:
وهو عملية استرجاع الانطباعات(feeling back impressions) أو الخبرات والذكريات التي يختزنها العميل في ذاكرته والتي تشكل جزء من مكونات ذاته، والتي يحرص إلى عدم كشفها وفضحها أمام الآخرين، وهي كما توصف بأنها محاولة الفرد لإزاحة الأقنعة والتي يلبسها ليخفي خلفها ذاته. وهذه العملية أو هذا الإجراء يمكن أن يكون مفيداً جداً للمُعالج وللعميل بذات الوقت. وانه يمكن القيام به بشكل طبيعي وبأسلوب جائز أو اختياري، وليس بطريقة مهيمنة. وهكذا فان العبارة:
"أني أتساءل إذا لم يكن هنالك نوعٌ من الغضب من وراء ذلك الاكتئاب ؟".
أو عبارة:
" هل من المحتمل أن يكون هنالك شخصٌ ما أنت مكتئبٌ منهُ ؟".
هذه العبارات ستكون أفضل من مجرد القول:
" أخبرني عن الغضب من وراء ذلك ".
فهي أولاً عبارة متواضعة بشكلٍ ملائم (إذ أنك لا يمكن مطلقاً أن تكون متأكداً، حيث انك دائماً ما تخمن إلى مدى معين)، وإنها عبارة رفاقية أيضاً بشكلً ملائم.
هذا وان المدخل العام للمعالج هو أن يتصرف كرفيق يدخل مع الزبون في بحث واهتمام مشتركين. وان المسألة هي دائماً ما تكون مسألة القول:
" يمكنك أن تفعل ذلك" ".
فأنك يمكن أن تضيف:
" خذ هذه الإشارة أو التلميحة وجربها واستخدمها".
غير إن ذلك دائما ما يكون في إطار محاولة زيادة اختيارات العميل واستقلالية. وهذا لا يمكن القيام به عن طريق تشخيص العميل، أو بإخبار العميل بأمره، أو بمحاولة معرفة الأفضل من العميل حول ما يجري.
ويمكن إجراء استرجاع الانطباعات بطرقٍ تعتبر ضمن نطاق الخيال الواسع، وغالباً ما تكون هذه الطرق فاعلةً جداً. إذ يمكن أن يقول المعالج:
" كانت لديه هذهِ النظرة ".
ومن ثم يمكن أن يصف رمز معين أو صورة خيالية معينة عن العميل(المريض)، أو عن حالة العميل. ويمكن أن يقول المُعالج:
" إن وهمي أو خيالي هو..........." .
ويسرد مشهداً أو صورة تبدو معبرةً بطريقة معينة عما يجري للعميل. وربما يقوم المُعالج بتقليد أو بمحاكاة وضع العميل أو إيماءاته بطريقةٍ ساخرة من دون خلق أي تأثير سلبي مقصود.
إن كل جوانب الاسترجاع أو التغذية الاسترجاعية(feedback) والتي نشعر بها على إنها مؤلمة أو مزعجة للعميل أحيانا، غير إنها إذا ما كانت دقيقةً بالمقام الأول، فان هذا الألم يمكن تلافيه بشكل ناجح، ويمكن لذلك من أن يضيف قيمة معينة للعلاقة بدلاً من الابتعاد عنها. وهذه هي الصيغة الأولى من صيغ الإفصاح عن الذات(self-disclosure)، ولاسيما عندما تتخذ صيغة:
" إن شعوري هو......."
وإنها حقاً تكشفُ المشاعر الحقيقة الخاصة بالمُعالج.
أن مسألة أسترجاع أو الكشف عن الذات هي مسألة مهمة وتحتاج إلى نوع من الاهتمام، لاسيما في اللقاءات القليلة الأولى، والتي يكون احتمال نشوئها فيها كبيراً. وهنالك فكرتين عن الإفصاح عن الذات: أولاً هناك الفكرة التقليدية المأخوذة عن التحليل النفسي والتي مفادها أن الكشف عن الذات لدى المُعالج يكون خارج نطاق العمل، وذلك لان المُعالج المثالي هو مجرد مِرآة، إذ انه فقط يلعب دور في استرجاع جوانب الخيال اللاواعي للعميل. وعلى هذا الأساس فأن محاولات العميل للارتباط بالشخص الواقعي ما وراء الجبهة العلاجية دائما ما يكون مشكوك فيها، حيث إنها مجرد محاولات للتخلص من المسؤولية، والقيام بنوع معين من لعبة القوة بدلا من القيام بالعلاج. ثانياً: توجد الفكرة الوجودية التقليدية التي تفيد بأن المُعالج هو شخص واقعي (حقيقي) أولاً وأخيراً، وأن القيمة الكلية للصدام أو اللقاء العلاجي تكمن في اللقاء الحقيقي لأفراد حقيقيين في أطارٍ يصاغ للتخلص من هذه الوقائع أو الحقائق.
ومن الواضح إذن فأن المحلل النفسي سوف يعمل على تلافي الكشف عن الذات، في حين يعمل المُعالج الوجودي(existentialist)على الترحاب بالكشف عن الذات، بيد إن القليل منا يقعون في بساطة هاتين الفكرتين. وان معظمنا يكمن في مكان ما على امتداد السلسة ما بينهما، من دون الاستقرار في مكان واضح أو موقع واضح للتوجه إليه. وفي كل مرة ينشأ فيها مثل هذا يجب التعامل معها على إنها حالة فريدة، وان كل استجابة علاجية يجب أن تكون جديدة وملائمة وحديثة. غير إن هنالك بعض التلميحات التي يمكن تقديمها. فإذا ما كان الطلب على المعلومات هو طلب عدائي من حيث الأساس:
"أراهن بأنك لم تشهد مشكلات فقر مثل مشكلاتي، فكم من الأموال تكسب في السنة ؟ ".
فعادة ما يكون من الأفضل استقصاء جانب العداء والإدلاء بشيء ما، مثل أن نقول:
" يبدو انك غاضب علي، هلا أفدت بالمزيد عن ذلك ؟ ".
وإذا ما كان يبدو طلباً للتأكيد فان السؤال التالي يعبر عن ذلك:
" كيف يمكن لك أن تفهم الخسارة عندما لم تكن قد مررت بها أبداً ؟".
إذن غالبا ما يكون من الممكن أن نؤكد على الاختلاف ما بين الشكل والمضمون. فمن الممكن أن يكون لدينا نفس عمق التجربة، ولذلك فمن الممكن أن نكون قادرين على النزول إلى نفس مستوى الشعور أو الألم. من دون امتلاك ذات الخبرة أو التجربة الخاصة. غير إن على المعالج يتعين عليه أن يقرر فيما إذا كان ما يريده العميل هو التأكيد أو شيء ما آخر. وربما على المعالج أن يشعر بانه من الأفضل له أن يعطي تأكيداً مباشراً أولاً ومن ثم إذا ما استمر الاستفهام فعليك معالجة العداء الذي سيكون واضحا حينها.
أن فسح المجالات للعميل كي ينطلق ليكشف عن ذاته هو نشاط مهم جداً للمُعالج، وهنالك عدد من الطرق للقيام بذلك. وإحدى أهم هذه الطرق هي استخدام الرموز والصور الخيالية. فإذا ما بدا العميل بان لديه مشكلة معينة في العلاقات الجنسية مع الجنس الآخر، يمكننا أن نقول له:
" هنالك علبتين كبيرتين على الأرض، أحداهما فيها رجل والأخرى فيها امرأة. تخيل المشهد وأخبرني ماذا يحدث بعد ذلك".
أو إذا ما أراد العميل أن يهرب وان يكون في مكان آخر ، يمكننا أن نقول له:
" أغلق عيناك وأذهب في خيالك إلى المكان الذي ترغب أن تكون فيه الآن، واخبرني ماذا يحدث عندما تصل هناك ".
وهذه هي مجرد أمثلة. فأن كل ما يقوله العميل أو يفعله يمكن التعرف عليه بهذه الطريقة، وبالمجال الذي نفتحه له للانطلاق فيه. أو إن هذا يمكن وضعه على نحو سلبي أكثر بالقول:
" هل هنالك شيء تتلافاهُ الآن ؟ ".
هذا ما يجب القيام به بخصوص هذه المسالة المهمة التي تتعلق بمتابعة العميل. وهذا يعني البقاء على اتصال مع العميل، ومتابعة ما يجري، واستثمار أي فرصة للدخول بشكل أعمق في تجربة العميل. وهذا يشتمل على المعرفة اللحظية التي تعتبر حال مختلفة فعلاً من الوعي عن تلك التي تستخدم في الحوار الاعتيادي. وإنها ليست حالة من الغشوة(trance)، بل إنها عملية عرض لحالات معينة موجودة من خلال التأمل أو التفكير.
2. الاتصال الحسي أو الإحساس Sensing :
إن الكثير من الأساليب الإنسانية تبدأ من الجسد. فان تكامل العقل والجسد يعتبر مهماً لأهداف ممارسي المدخل الإنساني، لذا فليس من المدهش أن يبرز الجسد بشكل مباشر جداً في العلاج. ويشير ( ولبر1979) إلى إن ثقافتنا بأكملها تشجعنا على أن نرى أنفسنا جالسين على أجسادنا كما لو كنا مثل الفارس الذي يركب جواداً:
" أضربهُ أو أثني عليه، أطعمه وأنظفه وأداريه عند الضرورة، أدفعه بقوة من دون أذنه، وأكبحه إلى الخلف ضد أرادته، وعندما يسلك جوادي جيداً، فأني عموماً ما أتجاهله، ولكن عندما يصبح عنيداً – وهذا ما يحدث غالباً- اسحبُ السوطَ لأضربه كي يذعنُ ثانيةً".
وبالفعل فأن ( ولبر) يفيد بان أجسادنا تبدو معلقة إلى الأسفل. فنحن لا نفهم العالم في أجسادنا بل على أجسادنا. ونحن نكمن ها هنا في رؤوسنا، وهو ها هنا أسفل منا. فوعينا هو تقريباً محصور في وعي الرأس – إذ نحن نتمثل برؤوسنا، بيد إننا نمتلك أجسادنا- وهو حد مثل الصدع أو الجزء، أو الكتلة. لذا فان كل مداخل الإحساس تبدأ بالتشجيع على معرفة الجسد. وأن أبسط الطرق في البدء بذلك هي مدخل الجشتالتي(gestalt approach) ، عندها نطلب من العميل فقط أن يولي اهتماماً لما يجري الآن، ويشير (ستيفنز) فيقول:
" ابق على اتصال بما يأتي من أحاسيسك من الداخل، بشكل هادئ كما لو كنت متآلفاً معهُ. وأبق على اتصال مثل نقطة الضوء التي لا تدفع أي شيء من حولها ولا تحتفظ بأي شيء في الطريق الذي هي فيه. وهذا الاتصال يعني إذا ما اشتكى أي مكان من جسدك من أي نوع من الألم أو التوتر أو عدم الراحة، يمكنك أن تنتقل إليه، ببساطة مثل تحريك عينيك من النافذة إلى الباب. ودع الألم يكون، وإذا ما اشتد عليك أو قلَّ أشدادهُ، دع ذلك يحدث، أو أية تغيرات أخرى. دع كل شيء كما هو.... فلا تجهد نفسك ولا تدفع ولا تحاول بذلك الإحساس".
هذه طريقة جيدة للاقتراب من الجسد، وذلك لأنها لا تشكل تهديداً في دعوتها. فهي يمكن أن تؤدي إلى مشاعر عميقة تتدفق أحياناً، بيد أن ذلك ليس هو الهدف. إذ إن الهدف ببساطة هو السماح بوجود الجسد وان يكون له كيانه أو قوله الخاص به .
أما الطريقة البسيطة الأخرى للبقاء على اتصال مع الجسد، فهي أقناع العميل على تجريب الممارسة ذات الثلاث خطوات التي جاء بها (ماسترز) و(هاوستون) 1978 والتي هي:
1.تصور مشية خيالية، محاولاً أن تدرك ما تفعله وأنت تمشي. ثم عُد إلى حيث بدأت وأعد صياغة ما فعلت.
2.والآن أنهض فعلاً وأمشي حولك، منتبهاً انتباهاً دقيقاً لحركاتك وإحساساتك. وعد إلى حيث بدأت، وعد تجميع ما فعلته بالتفصيل.
3.والآن كن على دراية بوضعك الحالي، وبأحاسيسك الحالية بالتفصيل.
ومرة أخرى نقول بأن هذه الطريقة هي الطريقة بسيطة جداً وليس فيها أي نوع من التهديد، ولكن بعض الأسئلة سوف تكفي لبيان كيفية الاتصال بأجسادنا. والأسئلة المقترحة تشتمل على ما يلي:
" عندما نهضت، بالخيال ماذا فعلت ؟ وعندما بدأت بالمشي، أي قدمٍ من قدميك أخذت الخطوة الأولى ؟ وعندما استدرت، هل استدرت إلى اليسار أم إلى اليمين، أم ربما إلى اليسار مرة والى اليمين مرة أخرى ؟ أن مهما تكن قد فعلت، فأن ذلك سيكون مثلما تفعله بشكل اعتيادي عندما تمشي. ففي الوقت الذي تقدم فيه القدم اليسرى والساق اليسرى عندما تمشي، ما الذي كنت تفعله بالذراع الأيسر ؟ وبينما كنت تمشي، أي جزءٍ من قدميك اتصل بالأرض أولاً ؟ وأي جزءٍ من قدميك ترك الأرض أخيراً ؟.... وعندما نهضت للبدء بالمشي، هل استخدمت أحدى ذراعيك أم كلاهما كي يساعدانك، وكيف استخدمتهما، وهل استخدمت أحدى ذراعيك أولاً ومن ثم استخدمت الأخرى، أو هل استخدمت أحداهما أكثر من الأخرى ؟ وهل ضغطت على الأرض بشدة بإحدى قدميك، وإذا كان الأمر كذلك ، في أي قدم من قدميك ؟ وحالما مشيت، ماذا كان شعورك في كاحليك وفي ركبتيك، وفي مفاصل الورك ومفاصل الكتفين ؟ وكيف كانت كثافة الحركات في المفاصل ؟ وكيف كان ذراعيك يتحركان بحرية ؟ وهل لاحظت الاتجاه الذي استدرت به، وماذا فعلت بيديك وذراعيك، وكتفك ورقبتك ورأسك وعينيك، عندما استدرت ؟ وهل كنت على دراية بتنفسك فيما إذا كان حراً أو فيما إذا كنت قد احتبست تنفسك حالما حاولت التركيز على حركاتك ؟ وهل كنت واعٍ، حتى الآن، بتنفسك عندما حاولت الإجابة على هذه الأسئلة ؟ "
هذا يعتبر تمرين بسيط جداً، ومع ذلك فأن معظم الأفراد يجدون صعوبة في اكتشاف كيفية الإجابة على بعضٍ من هذه الأسئلة، وهذا يظهر لنا قلة الاهتمام الذي عادة ما نوليه لأجسادنا. وإذا ما أصبحنا على دراية بهذه المسألة فأن ذلك يعتبر أحدى الخطوات الأولى نحو تغييرها. وبطبيعة الحال فان المفكرين الشرقيين قد لاحظوا هذا الإدراك البسيط للجسد، والذي يبدو سهلاً جداً، غير أنه أصبح في الواقع صعباً جداً علينا بسبب افتراضاتنا الثقافية. هذا وان المفهوم البوذي للانتباه أو الوعي(mindfulness) هو مفهوم ملائم هنا، وكذلك مفهوم(غورجيف) للتذكر الذاتي(self-remembering) ، المشتق من الفكر الصوفي.
على إن المعالج الإنساني يذهب إلى ابعد من ذلك، وانه فعلاً يمس جسد العميل. فالجلد يغطي كل أجسادنا، وانه أقدم أعضاء جسدنا وأكثرها تحسسا، وهو أول وسيلة اتصال لدينا، وهو يمثل حدودنا وأداة حمايتنا يشير (مونتاغو) إلى هذا فيقول:
" في نشوء وتطور الحواس، كانت حاسة اللمس وبلا شك هي أول حاسة تظهر إلى الوجود. فاللمس هو مصدر أعيننا وآذننا وأنفنا وفمنا. وحاسة اللمس هي الحاسة التي أصبحت متميزة على الحواس الأخرى، وهي حقيقة تبدو لتكون مميزة في التقييم القديم لللمس على انه أم الحواس ".
فعندما كنا صغاراً ، كانت لدينا احتياجات قوية لللمس والمسك والمعانقة. وإذا لم تكن قد تمت تلبية هذه الاحتياجات، يمكن أن نعيش حياتنا نبحث عن الاتصال الذي افتقدناه. وعلى نحو غير رسمي يقول(هارفي جاكنز) بان كل إنسان بحاجة إلى أربعة عِناقاتٍ جيدة(hugs) يومياً كي يبقى سليم عقليا. أما (أريك بيرن) فيشير مجازياً بقوله:
" إذا لم يُمسَدُ عليك، فأن حبلك الشوكي سوف يصبح ضعيفاً ".
لذا فعندما يقوم المعالج بلمس العميل، يمكن أن يتحرك شيء ما قويٌ جداً، وان ذلك دائما ما يجب أخذه بعين الاعتبار بشكل دقيق. وان وجهة نظر التحليل النفسي هي إن اللمس(touching) دائما ما يكون جنسياً، وان تلك الفكرة تضع تقييدا وشدا كبيرا جدا على التحويل(transference). وقد كانت هناك معارك كبيرة بين (فرويد) و(فيرينزي) على هذه المسألة. لكن المدخل الإنساني لديه موقفاً مختلفاً إزاء عملية التحويل، لذا على المعالجين أن لا يهملوا عملية اللمس. على انه من الضروري الاعتراف بوجود الجانب الجنسي في اللمس. ويتعين على المُعالج قد عمل من خلال مشاعره على نفسه حول العلاج باللمس قبل البدء بلمس أي شخص آخر. ومن المهم أن نفيد بانه لان اللمس يعتبر جنسياً، فان ذلك لا يعني بانه من الضروري أن يكون تناسلياً. وكما يشير(آلان واتس) فان الجنس هو مثل الرغيف الفرنسي(French loaf) الطويل: إذ إن إحدى طرفيه أخف من الأخرى، فهناك اتصال مثل المصافحة أو القبلة على الخد، والطرف الآخر هو جماع جنسي كلي بالأعضاء. ونحن غالباً ما نقع بخطأ التفكير أو الاعتقاد بانه إذا ما ذهبنا إلى ابعد من الطرف الأول، فانه يتعين علينا أن نمضي وعلى طول الطريق إلى الطرف الآخر، بنوعٍ من الطريقة الأوتوماتيكية. لكن في الواقع ، يبقى هنالك ما تبقى من الرغيف الذي يجب استكشافه واستخدامه -أي كل أنواع الجنس غير التناسلي – وليس الطرفين فقط.
ويمكن استخدام اللمس في العلاج النفسي بعددٍ من الطرق المختلفة. ويشير(لاوين) إلى إن الزبون غالباً ما تكون له حاجة كبيرة للمس المُعالج، غير انه يشعر بان هذا غير مسموحٍ به، فهو يقول:
" ومن اجل التغلب على هذا الحظر، أني غالباً ما اطلب من المريض أن يلمس وجهي بينما يكون راقداً أو مستلقياً على الفراش. واني استخدم هذا الإجراء بعد أن أكون قد كشفت بعضاً من مخاوف العميل. وفي انحنائي عليه، أكون في وضعِ الأُم أو الأب الذي ينظر إلى العميل كطفل صغير. وأن التردد والإيماءة المترددة، والقلق الذي تثيرهُ هذه المناورة كان مفاجئاً بالنسبة لي لأول وهلةٍ. وقد لمسني الكثير من المرضى في وجهي فقط بأطراف أصابعهم، كما لو كانوا يخشون أجراء التواصل الكلي بأيديهم. ويقول معظمهم بأنهم كانوا يخشون الرفض، ويقول آخرون بأنهم كانوا يشعرون بأن ليس لهم الحق في لمسي. ومن دون أي تشجيع، كان القليل يشعر بأنهم يمكن أن يقربوا وجهي من وجوههم. على الرغم من أن هذا هو ما كانوا يريدون القيام به. وفي كل الحالات توصل هذا الإجراء إلى أعماق المشكلة التي لا يمكن بلوغها بمجرد الكلمات.... أن الاتصال بي يجعني قادراً على أن أكون على اتصال أكبر بنفسي، وهذا هو هدف المسعى العلاجي".
وهذا يقود إلى استخدام آخر لللمس أو الاتصال(touch) وهو استخدام غالباً ما يكون مفيداً جداً. فإذا ما كان العميل يبكي، ويبدو انه بحاجة إلى التشجيع، يكون من المناسب غالباً أن يتم وضع اليد على كتفهِ أو على ظهره من الأعلى بشكل هادئ. وهذا يمنحه عادة طمأنة من وجود المُعالج ودعمه من دون مقاطعة تدفق المشاعر. ومن المهم عدم مسك أو حضن العميل في مثل هذه الأوقات ما لم يكن العميل بحاجة إلى ذلك. حيث إن مسك العميل باتصال جسدي كامل يمكن أن يعمل على إيقاف تدفق المشاعر قبل أوانه. فدع التفريغ العاطفي يصل إلى أقصاه ويحسم نفسه من خلال التنفيس(Catharsis) ، ثم يأتي بعد ذلك إظهار مشاعر الدفء أو ممارسة الاحتضان، على الرغم من عدم ضرورة ذلك.
وأما الاستخدام الآخر لللمس أو الاتصال الحسي، فهو التوجه مباشرة إلى العضلات المتوترة. وعادة ما يكون بمقدور المريض(العميل) أن يشير إلى نقطة التوتر وان يوجه المُعالج أو يرشده إليها. ومن خلال الخبرة، يمكن للمُعالج أن يشعر بها بنفسه. وان احد المداخل التي جاء بها(غيردا بويسين1970) هو استخدام ضربات دورية هادئة على مناطق التوتر. وتكون هذه الضربات مقتضبة، ويكون هنالك توقف مؤقت بين الضربات حتى يتسنى للجسد أن يكون له رد فعل كلي. ويتم تشجيع العميل على الاستنشاق(التنفس بقوة) من أعماق جوفه أو بطنهِ. ولابد من التأكيد على انه أياً من الأساليب المذكورة يجب عدم القيام بها من قبل شخصٍ غير متدرب على استخدامها ولدية خبرة في هذا المجال.
وضمن توتر العضلات، فان المدخل الآخر الذي جاء به (رايخ) وقد تبناه كل من(لاوين، وكيلي، وكليليمان وآخرون) وهو الضغط بشكلٍ قوي أو ثابت على الجزء المتوتر. ويشير (لاوين 1976) إلى ذلك فيقول:
" فعلى سبيل المثال، أن الصراخ أو الصياح، توقفه العضلات المتوترة في الحنجرة. وإذا ما تم وضع ضغط قوي بالأصابع على العضلات الأمامية على امتداد جانب العنق(أي الرقبة) في الوقت الذي يقوم فيه الشخص بإصدار صوتٍ عالٍ، فأن ذلك الصوت غالباً ما يتحول إلى صرخةٍ معينة. وعموماً سوف تستمر هذه الصرخة بعد إزالة الضغط، لاسيما عندما تكون هنالك حاجة إلى الصراخ. وعلى أثر هذا الصراخ، ينتقلُ المرء إلى تحديد سبب الصراخ، ولماذا من الضروري إيقافه ".
الفكرة هنا طبعاً، هي استخدام العضلات في المناورات الدفاعية للعميل، وان العمل مباشرة على الدفاعات بهذه الطريقة، يمكننا من أن نتوصل إلى ما يجري حقاً. وفي الحقيقة، إن هذا المدخل يدخل بعمق المادة بشكل سريع جداً، وأحيانا ما تكون تلك السرعة سببا في عدم قبول العميل لتلك المادة، إلى الحد الذي يمكن أن يتأذى فيه العميل. ولابد للمُعالج مرةً أخرى من أن يكون على معرفة كاملة بهذه الآثار المفاجئة والعميقة، إذا ما أريد استخدام هذا الأسلوب بشكلٍ فاعل.
وأما الشكل الأعمق لللمس أو الاتصال الحسي، فقد استخدمتها(أيدا رولف 1978). حيث اخترعت(رولف) طريقة أسمتها بالتكامل الهيكلي(Structural integration ) والتي تشتملُ على معالجة كل الطرق التي يتشوه فيها الجسد من خلال التجربة أو الخبرة، وهي إعادة ترتيب العضلات على مستوى أعمق. وهذه الطريقة تعتبر طريقة متخصصة جداً وتحتاج إلى تدريب خاص جداً. إذ إن استخدام هذه الطريقة من قبل(أيدا رولف) نفسها قد أحدث قدراً كبيراً من الألم، غير أن بعضاً من مطبقي هذه الطريقة قد قاموا مؤخراً بتطوير صيغة أكثر لطافةً منها، بحيث لا تتسبب بأي ألم على الإطلاق.
وتوجد هنالك مداخل جسدية أخرى مثل: مدخل موشي فيلدنكرايس 1977، وماثياس الكسندر 1969، ومدخل ماجده بروسكارو1977، ومدخل لولو سويغارد1947، ومدخل ليليمور جونسون1980.





#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)       #          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدخل الإنساني في العلاج والإرشاد النفسي(1)
- الموسيقى والإرشاد والعلاج النفسي
- مدخل باب الوهم نظرية في العلاج والإرشاد النفسي
- الإنسان والعراق والديمقراطية
- إرشاد ولكن!!!!!
- إيران والمنطقة والضربة الموعودة...,وجهة نظر
- إهداءُ من القلب
- فكر معي رجاءً
- التخيل والإرشاد والعلاج النفسي
- متعةٌ ولكن!!!!!
- البحث العلمي وأنواعه
- العراق والفكر ألاستئصالي
- طرق ومصادر المعرفة
- العلم والتفكير العلمي
- المعرفة الانسانية وأنواعها
- وجهات نظر: أفيون ولكن !!!!!
- وجهات نظر: امرأة واحدة ولكن!!!!!
- وجهات نظر: نظرية أنسانية ولكن....


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جودت شاكر محمود - العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (2)