|
تدليل الجراد
حسن عبد راضي
الحوار المتمدن-العدد: 2351 - 2008 / 7 / 23 - 11:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أثارني خبر مفاده أن الحكومة أصدرت أوامرها بضرورة معالجة السجناء السياسيين داخل العراق وخارجه، وهي التفاتة إنسانية نادرة تعبر عن عمق وعي الحكومة ورئيسها بحقوق الإنسان مهما كان موقف المعني من الحكومة والمشروع الجديد للدولة. ولكن علينا أولاً أن نحدد في هذا الصدد هوية السجين السياسي، ودعونا نسأل: هل لدينا اليوم سجناء سياسيون في العراق كما يروج بعض الساسة لتمرير مشاريع سياسية تحت غطاء من الشرعية وحقوق الإنسان؟ هذا السؤال نفسه سبق لي أن طرحته في مؤتمر عقده مرصد الديمقراطية برعاية من الحكومة وبحضور ممثلين عن مجلس النواب، لكنني لم أتلقَّ جواباً عنه من أحد، ويومها قلتُ إن الموجودين في السجون العراقية ممن ثبتت عليهم التهم المنسوبة إليهم ليسوا سجناء سياسيين لأن السجين السياسي هو السجين الذي يتعرض للاعتقال والسجن التعسفي بسبب آرائه ورفضه لسياسات نظام الحكم في بلده وتعبيره عن ذلك أما بطرق سلمية في الصحافة أو النشرات الحزبية أو غيرها من الطرق، وأما أنه يؤمن بالكفاح المسلح ضد النظام وعندئذ قد نجد سجناء سياسيين من هذا النمط كانوا قد استهدفوا النظام ومؤسساته، وليس قتل الناس على الهوية أو تفجير الأسواق والمدارس والمساجد والخطف والابتزاز. فهل ما لدينا في العراق الآن يتطابق مع هذا التعريف؟ إن الموجودين في السجون العراقية أو ما بقي منهم (على فرض أنهم من ثبتت عليهم التهم) مجرمون عتاة وقتَلة لا رحمة في قلوبهم، ولذلك فليس من حقوق الإنسان أن نعالج عتاة المجرمين في الخارج وتتحمل الدولة تكاليف باهظة من أجل علاجهم، بينما يُترك ضحاياهم بلا دواء ولا رعاية طبية ولا تعويضات مناسبة؟ هل من حقوق الإنسان أن يموت شعراء وأدباء بسبب المرض أو الإصابة الناجمة عن عمل إرهابي، أو يموت الناس الفقراء لأنهم غير قادرين على معالجة أمراضهم المستعصية، ولأنهم لا يملكون صوتاً في الحكومة ولا في البرلمان، بينما نسارع إلى معالجة القتلة والمجرمين والذباحين فقط لأن لديهم ذلك الصوت العالي! إن قانون العفو العام أعطانا تصوراً عن عدد "الأبرياء" الذين كانوا قد زجوا في السجون العراقية والأمريكية "ظلماً وعدواناً" إذ وصل العدد إلى 96 الف سجين وقد جرى إطلاق سراحهم تحت شعار (لم تثبت إدانتهم) وإذا صدقنا أن هذا العدد من المعتقلين لم تثبت إدانتهم فمن يا ترى الذين كانوا يقومون بالإعمال الإرهابية؟ ومن الذين حولوا العراق كله إلى أرض حرام؟ ومن الذين كانت تلقي القبض عليهم قوات الأمن العراقية، وكانت أحياناً تخوض ضدهم حرباً طاحنة يستشهد فيها عدد من أفرادها؟ وهل يعني هذا الرقم أن من يقولون إن الاعتقالات عشوائية مائة بالمائة هم على حق؟!!!!! إننا ما نزال نسمع عن حملات تفتيش ومداهمة في بعض المناطق والقبض على مطلوبين للقوات الأمنية؟ ولكني أحياناً أتساءل : لماذا يقبضون على المطلوبين إن كانوا سيطلقون سراحهم بعد مدة وجيزة استجابة لرغبة جهة أو كتلة سياسية أو حزب؟ إن الأمر يبدو كما لو أن فلاحاً يجمع الجراد من مزرعته، ولكنه لسببٍ ما يضعها في كيس يعلم أنه مثقوب، وسرعان ما تعود إلى مزرعته لتعيث فيها خراباً. القتلة لا يتوقعون عقاباً حتى لو جرى القبض عليهم وإيداعهم السجون وذلك لعدة أسباب، منها أنهم وجدوا في الفساد الإداري والمالي الذي ينخر في جسد المؤسسات وسيلة جيدة لتفادي الاعتقال، (ادفع كم دفتر وعد إلى الشارع، وطبعاً الدفاتر حاضرة وجاهزة من دول الجوار) ومنها أن ثمة من يدافع بقوة عن حقوق القتلة ولا يخطر بباله يوماً أن يدافع عن حقوق الضحايا، وهناك من يطالب بإلغاء عقوبة الإعدام فقط ليضمن للإرهابيين عمراً طويلاً وعفواً مؤكداً كنوع من التضامن السياسي وتبادل المنافع!! لقد دلّلنا قتلة الشعب طويلاً، ففي الوقت الذي كانت فيه قطاعات واسعة من العراقيين تتحسر على الكهرباء والغذاء والدواء، تشترط منظمات حقوق الإنسان الحكومية وغير الحكومية شروطاً سياحية لإقامة (السجناء على خلفيات إرهابية)، كالتبريد المستمر والغذاء من الدرجة الأولى، وأخيراً ها هي السفرات السياحية والعلاجية للخارج أصبحت في متناول ايديهم، وليذهب الضحايا إلى الجحيم!! حبذا لو تفكر الحكومة بمعالجة الشاعر حيدر عبد الخضر وعباس اليوسفي وصالح زامل وناظم السعود وعشرات الشعراء والأدباء ممن هجروا أو سقطوا تحت عربات قطار العوز ولم يلتفت إليهم أحد على الرغم من النداءات التي أطلقت مراراً بوجه المسؤولين، ومنها هذا النداء.. ثم يا سادتي لنتفرغ بعد ذلك لعلاج الإرهابيين المسجونين على ذمة حقوق الإنسان!!
#حسن_عبد_راضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مظاهرة
-
سابق و لاحق .. و استقلالية القضاء
-
حمامة عسقلان
-
لدرء حروب مياه محتملة..هل يحتاج العالم إلى.. (مجلس أمن مائي)
...
-
القلم .. والرصاص
-
عقدة السوبرمان
-
عصر الغذاء الرخيص
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|