|
الإنتخابات في لبنان:أبعد من السلاح، وأكثر من هيئة رقابية
عاصم بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2347 - 2008 / 7 / 19 - 10:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعبر وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية إبراهيم شمس الدين عن قلقه إزاء إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في ظل بقاء سلاح حزب الله، متخوفاً من استخدامه في "الإرغام على اختيار معين أو المنع من الاختيار". وهو تخوف مبرر ومنطقي. وفي المقابل يعلن وزير الداخلية الجديد المحامي زياد بارود أحد أبرز المشاركين في الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس، عن إصراره على اعتماد الإصلاحات الواردة في المشروع المقدم من قبل اللجنة إلى الحكومة، بما فيها تبني قيام "الهيئة المستقلة للانتخابات" الاقتراح الأكثر أهمية لضمان نزاهة الانتخابات النيابية. فضلاً عن تخفيض سن الاقتراع، والسماح للمغتربين اللبنانيين بالمشاركة في القرار السياسي، ووضع كوتا نسائية في اللوائح الانتخابية، وليس في المقاعد النيابية، بحيث أن الأولى تبقي مساحة حرية الاختيار أوسع من الثانية. وأجد من واجبي هنا، كي أصل إلى النتيجة المرتجاة من هذا المقال، أن أشرح غاية وطريقة عمل "الهيئة المستقلة للانتخابات". إن الهدف من هذه الهيئة هو "تأمين حسن تطبيق مبدأ الحياد والنزاهة في إجراء الانتخابات وإبعاد العملية الانتخابية عن نفوذ السلطة السياسية، وهذه الهيئة الإدارية ذات صفة قضائية تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي وتناط بها مهمة الإعداد للانتخابات النيابية والإشراف عليها والعمل على تطوير الثقافة الديمقراطية وتعزيز الوعي الانتخابي"، فضلاً عن دورها في الإشراف على حسن إعداد لوائح الشطب وتنقيحها، وتعين أعضاء لجان القيد والفرز وتحديد مواقع أقلام الاقتراع وتعيين رؤساء الأقلام ومعاونيهم، وتلقي طلبات تسجيل المرشحين، وممارسة الرقابة على الإنفاق الانتخابي ومراقبة تقيد اللوائح والمرشحين ووسائل الإعلام بالقوانين والأنظمة التي ترعى الدعاية الانتخابية، والإشراف على عملية الفرز وعلى احتسابها وإعلان النتائج.
بإختصار إن مهمة اللجنة التأكد من نزاهة الانتخابات، وتتابعاً التأكد من تطبيق مبدأ حرية الاختيار لدى المقترعين، أي أنها تحقق مآل المعلقين أعلاه. لكن ما يفوت الوزيرين الجديدين، أن السياسة في لبنان تقوم على ممارسة زبائنية فاضحة، بمعنى أن الحزب السياسي يشتري الأصوات ويقدم مقابلها: خدمات نوعية أو كمية.
لقائل أن يقول أن لجنة الرقابة المزمع إنشاؤها، ستعمل على الحد من حجم الإنفاق الانتخابي (أو المال السياسي)، بالتالي الحد من عملية شراء الأصوات وتحرير المقترع من أي قيد، لكن هذا الأمر يبقى ناقصاً. وللتدليل على هذا الأمر سنأخذ الحزبين (الأصح تيار وحزب) اللبنانيين الذين يشكلان اليوم متن السياسة اللبنانية ومحركها، وهما تيار المستقبل وحزب الله.
ولنبدأ من حزب الله، إذ أنه مؤسسة شاملة قائمة بحد ذاتها، أو منظومة اجتماعية منفردة وجامعة، بينما تيار المستقبل مبني على نفوذ اقتصادي مشتت الأطراف والمؤسسات والشخوص. إن حزب الله اليوم، لم يعد حزباً مسلحاً فقط، أو سياسي صرف، بل صار حزباً يشكل في هيكليته ومؤسساته الرعائية دولة ظل، للدولة الأساس. ولا نبالغ إن قلنا أن هناك أكثر من مئتيّ ألف لبناني-شيعي تحديداً- يتقاضون راتباً شهرياً منه، كذا فإن المؤسسات الاجتماعية الأخرى، ذات الدور الخدماتي، كمؤسسة الإمداد ومؤسستي الشهيد والجرحى ومؤسسة القرض الحسن (مؤسسة مصرفية) والمؤسسات التربوية كالمهدي والمصطفى، ورعاية الأيتام.. وغيرها الكثير. إن كل الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات، يمكن تصنفيها في باب "شراء الانتماء"، تالياً المستفيدون منها لن يستنكفوا عن تأييد حزب الله في كل مواقفه وآرائه ومشاريعه، مما يعني أنهم لن يحجبوا أصواتهم عنه ولن يقوموا بدوريّ المراقب والمحاسب. في المقابل، تلعب ملحقات تيار المستقبل الاجتماعية دوراً خدماتياً فعالاً في الشارع اللبناني، السني تحديداً، وهي إن لم تكن نسقاً منظماً، كحزب الله، إلا أنها تقوم بالدور ذاته، والفعالية نفسها، لذا لا نقدر في المجال هذا التفضيل بين الحزبين، ومشاركتهما في تدمير مفهوم الديمقراطية الناجعة. إن مؤسسات الحريري، غالباً ما تسمى بإسمه، أو بإسم أحد أفراد عائلته وتقدم خدمات طبية وتربوية وغذائية، ونذكر منها مؤسسة رفيق الحريري التعليمية "التي ساعدت ألاف الطلاب اللبنانيين لمتابعة دراستهم الجامعية في الداخل والخارج" ومؤسسة نازك الحريري الاجتماعية، فضلاً عن المساعدات الأخرى التي ترتبط مباشرة بأسماء أشخاص نافذين اجتماعياً، تابعين لتيار المستقبل.
من هذا المنطلق، لا يمكننا أن نستثني هذه "المساعدات" الاجتماعية، من عملية الإنفاق الانتخابي البعيد المدى. فعلى مدار السنة يتقاضى الناس الرشى، التي تجعلهم تابعين خانعين غير قادرين على الاختيار الموضوعي للمرشح الأنسب والأكفأ والأكثر تمثيلاً وإفادة لمصلحة الوطن، والمواطن طبعاً، العليا. وحسبي أن هذا الإنفاق، ليس إلا إنفاقاً انتخابياً استتباعياً، يشوه العملية الانتخابية ويعطل الديمقراطية.
كذلك الأمر، فإن الرشوة الاجتماعية ليست الوحيدة القادرة على تحديد رأي المقترع وتوجيهه، وإن اعتقدنا ذلك، فإننا نشوه المعالم "المميزة" و"الفريدة" للديمقراطية اللبنانية والعمل السياسة فيه. فبالإضافة إلى الأموال، هناك العصبية المذهبية (والعشائرية في بعض المناطق: البقاع مثلا)، التي تشد "معظم" أبناء المذهب إلى جماعة حزبية واحدة ذات رأس واحد هي المولجة إدارة شؤون الطائفة، لذا نرى سيطرة الأحزاب الطائفية على اللعبة السياسية اللبنانية وقدرتها الفائقة في كسب التأييد الشعبي وهذه طبعاً إحدى آفات النظام الطائفي، الذي يغلب الوعي القبلي على الوعي العقلي، ويجعل من الانتماءات الأولية رابطاً أصل في أي علاقة ناشئة.
ينتج عن العاملين السابقي الذكر، ما يمكن تسميته، استناداً إلى مصطلحات حزب الله الدينية: "التكليف الشرعي"، بحيث أن عواقب مخالفة رأي الجماعة مشابه تماماً لتداعيات الشرك بالله! فحزب الله قادر من خلال الإيديولوجية الدينية التي يتبناها أو يتبعها على فرض هذا المبدأ على جميع مريديه. زد على ذلك استخدامه لسلاح "الإثارة"، ويشاركه في ذلك تيار المستقبل طبعاً، كأن يجعل نتائج العملية الانتخابية، مقرراً لمصير الشيعة اللبنانيين وسلاحهم. وفي المقابل يعتبر تيار المستقبل النتائج نفسها، دليلاً على مدى قدرة السنة اللبنانيين على الصمود في وجه "الأعداء" وحفاظاً على دم الرئيس الراحل رفيق الحريري (كما الانتخابات الماضية: في الحالين)!
بعد هذا العرض الموجز للعوامل القادرة على تحديد خيارات المقترع اللبناني، من البديهي القول، أن بقاء سلاح حزب الله أو عدمه، لن يغير شيئاً في المعادلة الانتخابية مع احتفاظ الأحزاب بقوتيها الخدماتية والنفسية، خصوصاً مع صيغة التقسيمات المتفق عليها في الدوحة للدوائر الانتخابية، والتي تكرس الزعامات نفسها في طمس واضح وجلي لأي محاولة صعود لقوى أخرى غير تقليدية. كذلك الأمر فإن الهيئة المستقلة للانتخابات، على أهميتها من حيث المبدأ، ستكون قليلة الفعالية والتأثير.. طالما أن أيادي الأحزاب باقية في أفواه الناس، وعقولهم على مدار السنة!
#عاصم_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فؤاد شهاب يعظكم
-
الهيئة العربية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
-
لا لعقوبة الإعدام في قضية الزيادين
-
حينما يتمادى القمع
-
علمانية الخميني بين الولاية المطلقة والغيب المقدس!
-
ذلك السلاح.. في إنتظار التسوية
-
ليس بئس العلمانية التركية، على بؤسها، إنما بئس الإسلام العرب
...
-
الطائف ليس المشكلة الأساس
-
إستفحال الإستغباء بالتصفيق
-
العلماني خارج دائرة الإنغلاق
-
وماذا عن الجيش؟
-
صراع أبدي
-
الإنتفاخ الطائفي
-
متى الحرية؟ متى السيادة؟
-
في ذكرى سمير قصير: أسئلة دائمة
-
الدولة المعلقة والحرب والمعلقة
-
هل العلمانية حل لمشكلة الأقليات اللبنانية؟
-
لا نساء في الكويت
-
ماذا بقي من الديمقراطية؟
-
أخطئ سعد الحريري
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|