أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير شحود - خمسة جنود صهاينة مقابل بيضتين!














المزيد.....

خمسة جنود صهاينة مقابل بيضتين!


منير شحود

الحوار المتمدن-العدد: 725 - 2004 / 1 / 26 - 05:36
المحور: الادب والفن
    


حتى لا يكتشف أحد سرا حملته ثلث قرن من الزمان, فإني سأعترف بما اقترفته يداي آنذاك, كنوع من التطهر البيضي . وقد نعت التطهر المذكور بالبيضي نسبة إلى بيض الدجاج, حتى لا يساء الظن من قبل المغرضين... وإليكم ما حدث بالضبط.
في أثناء حرب حزيران 1967, كان الجميع في قريتي الصغيرة مشغولا بالحرب, وقد تجمع نفر من الرجال يستمعون إلى إذاعة لندن, عند مغزل قديم لغزل خيوط الحرير الطبيعي. كانوا يتحدثون عن القنيطرة والميراج وأشياء أخرى. وكان عمري وقتئذ ثماني سنوات. في ذلك الوضع الحرج, الذي عصف بأمتنا الأبية والأبوية, رأيت الوقت مناسبا, والفرصة سانحة, لأقترب متسللا من المكان الذي تبيض فيه دجاجة الجيران, واختطف منه بيضتين اثنتين. ضغطت على البيضتين, كل واحدة بيد, وهرولت مسرعا إلى دكان القرية. كان خوفي شديدا من أن تُكسر البيضتان. وعندما تعثَّرت, وسقطت على وجهي في الطريق الوعرة, لم تصب البيضتان بأذى, لكن ذقني تهشمت, وسالت الدماء منها نقطة نقطة على حجارة الطريق.
وصلت الدكان ببيضتين سالمتين. تفحصهما البائع كل على حدة, ثم خضَّهما قرب أذنيه ليكتشف أنني لم آخذهما وقت الحضن, ووصل إلى نتيجة لا مفر منها: سيدفع لي ثمن البيضتين كاملا, أي خمسة فرنكات. ها أنا الآن, قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم, وقد بيَّت النية أن أروي غليلي من حبات المصاص الصغيرة, التي كنت أترقبها بفضول كلما أتيت إلى الدكان, وهي تتراكم في أحد المرطبانات الزجاجية المتلاصقة على الرفوف الخشبية.
حتى الآن, كان يمكن اعتبار الأمر مجرد نزوة طفولية عادية, لو لم تتركب على هذه السرقة عقدة نفسية, استعصت على فرويد نفسه. فعندما كنت أتجول بجيوبي الممتلئة في أزقة القرية, وأنا أقضم المصاصات, وأمجها واحدة واحدة, سمعت صوت المطربة "كروان" يلعلع من المذياع المعلق فوق دولاب المغزل, وهي تغني أغنيتها الشهيرة, التي تقول فيها: "بيكلفني خمس قروش الـ بيقرِّب صوب حدودي". ومعروف للقاصي والداني, أن خمسة قروش تساوي فرنكا واحدا. وهنا بدأ تشكل العقدة النفسية المذكورة أعلاه.
صرت أحسبها بنفسي: إذا كان الجندي الصهيوني, وهو المقصود بأغنية كروان السابقة, يكلف خمسة قروش, فإنني قد فوَّت الفرصة على جنودنا البواسل أن يمتلكوا خمس طلقات, تكفي لقتل خمسة مرتزقة صهاينة عند اقترابهم من الحدود؛ ذلك أن ثمن البيضتين كان يمكن أن يذهب كمجهود حربي, بدلا من أن يتحول إلى حبات المصاص (السُكَّرات) التي رويت بها غليلي, وكشفت عن ضعفي تجاه الطعم الحلو. وما إن فكرت بهذه الطريقة, حتى تحول الطعم الحلو علقما في فمي. وعندما اتفق الجميع على حدوث الهزيمة (ستدعى لاحقا النكسة, كعطف بلاغي على شقيقتها النكبة), اعتبرت نفسي أحد المسؤولين عما حدث, وقد لُذت بالصمت, وعانيت من تعذيب الضمير طوال هذه المدة.
ولعلمي, لم يكتب أحد تقريرا عن هذه الواقعة, كما لم يُحَل ملفها إلى الرقابة المالية. فاقتضى الاعتراف بذلك كنوع من التواضع الوطني اليابانوي!.
وبهذه المناسبة, أرى لزاما عليَّ, توجيه الدعوة إلى اللصوص "الوطنيين" جميعهم, بغية الاعتراف بسرقاتهم, اقتداء بما قمت به, عسى أن نحسب عدد الصهاينة الذين كانوا سيُصرعون, لو حُوِّلت تلك الأموال إلى المجهود الحربي... ودمتم.



#منير_شحود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحجاب والاحتجاب من منظور تطوري
- المشروع الجيني البشري
- الاستنساخ: أنواعه وآفاق تطبيقاته
- في سوريا تخمة وطنية وسقم ديمقراطي
- بعيدا عن الواقع... ومن أجله
- نقد ذاتي وغيري
- تحية لصديق جديد
- بين ثقافة الاستشهاد و-عقيدة- الانتحار
- مثقفو وشعب... حبيبتي سوريا
- تقاسيم على وتر الخوف
- قلب تاريخي
- لبنان: ذكريات حاضرة
- بئس الخطاب القومجي: صاخب ومتعالٍ ولا إنساني
- محللون يحللون التحلل والحلول


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير شحود - خمسة جنود صهاينة مقابل بيضتين!