|
البسيط والهيئة العليا- 18- سيرة
ناس حدهوم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2331 - 2008 / 7 / 3 - 08:37
المحور:
الادب والفن
بالصدفة إلتقيت بصديق الطفولة والصبا ( محمد الخمسي ) الذي يشتغل بهولاندا . إلتقيت به بتطوان فأخبرني بأنه مسافر بعد أيام وعرض علي مساعدته فطلب مني مرافقته إلى هولاندا وكان يتوفر على سيارة فاخرة كما أعفاني من كل المصاريف خلال الطريق ووعدني بمساعدتي حتى أجد عملا بالديار الهولاندية . وكان علي أن لا أرفض هذا العرض الكريم. خرجنا ذات ليلة من تطوان بعد أن ودع كل منا أسرته فعبرنا الحدود وخلال وجودنا على ظهر الباخرة نحو الجزيرة الخضراء تعرفنا على فتاتين أجنبيتين ودار بيننا حديث التعارف وعند اقتراب الباخرة من الجزيرة الخضراء تواعدنا على اللقاء بعد إخراج السيارة من الباخرة لكي نسافر نحن الأربعة في اتجاه واحد. لكن صديقي محمد صرح لي بعد انصرافهما بأننا بدونهما سنكون أفضل ولم أدر السبب الذي جعله يستغني عن رفقتهما المغرية وخمنت وحدي أن السبب ربما يكون تهربه من المصاريف ولسيما وأنا خالي الوفاض إلا من ألف بسيطة لا أقل ولا أكثر . وصلنا نقطة الحدود الإسبانية الفرنسية - هنداي - كان هناك يهوديا معروفا حينئذ بعنصريته يكره المغاربة ولا يترك مغربيا واحدا يعبر الحدود عندما يكون في الخدمة باستثناء من لهم أوراقهم بالبلدان التي يشتغلون بها . فلما تفقد هويتي وعرف وضعيتي أمرني بالرجوع وأمر صديقي بمتابعة سيره وكان علينا أن ننفصل فودعني وزودني ببعض المساعدة المادية وتابع طريقه. فعدت من جديد إلى سان سيبسطيان حيث إنضممت إلى أصدقائي السابقين البرنوصي ومحمد عريجة ومصطفى ولد القائد ميمون وعلي وغيرهم . كانت الأيام والشهور تمر عادية نشتغل طوال أيام الأسبوع وكنا لما نأخذ أجرتنا الأسبوعية الهزيلة نسدد بها مصاريف السكن والأكل ولا يتبقى لنا سوى القليل الذي كنا نبدده في كؤوس الجعة والنبيذ فنصبح من جديد يوم الإثنين نعمل وجيوبنا فارغة وهكذا دواليك . لم يكن لدينا أوراق سوى بطاقة التأمين من حوادث الشغل - carta del seguro - كما كانت تسمى . وحتى هذه البطاقة لم يكن يتوفر عليها سوى القليل من المغاربة لأن بعض المقاولات التي تقوم بتشغيلنا تتحفظ في تعميمها على الجميع . كان يشاركنا هذه المرة في السكن بعض الأمازيغ من سكان القبائل الريفية شمال المغرب . كان هؤلاء مختلفون عنا تماما فقد كان أغلبهم لا يشرب الخمر وأسلوبهم في العيش مختلف كذلك لأنهم يطبخون أكلهم ولا يأكلون في المطاعم وكان بعضهم يقتاتون على الخبز وزيت الزيتون ونادرا ما يطبخون كان همهم الوحيد هو الإدخار لبعث النقود إلى البلد . وكانت صاحبة البيت تطلق عليهم لقب - ratones - بسبب طريقة عيشهم بالخبز والزيت . وكنا نضحك كثيرا لذلك وكان أحدهم لقبناه - طمر - يودع فلوسه بحقيبته يضعها فوق الدولاب بعد أن يعدها كل مساء ليسلمها صباحا الى صاحبة البيت كوديعة ليتسلما مساءا وهكذا تجري الأمور لديه . وإذا فتحت الباب ليلا تجده محملقا في الحقيبة حارسا لها كما لو أنه لا ينام .وتشاء الظروف أن يكون ضحية حادثة شغل توفي على إثرها قبل بلوغه المستشفى .وضاعت فلوسه دون أن يستفيذ منها أو يبعث بها إلى أهله .إنها الحياة والأقدار أحيانا تفرض على الإنسان ما لم يكن في الحسبان . أما مجموعة أخرى من هؤلاء وكانوا أربعة من أسرة واحدة يجمعون النقوذ ويضعونها في حقيقبتهم ويقفلون عليها الدولاب ويذهبون للعمل وعند عودتهم كل مساء يعدون النقود ويرجعونها للدولاب المحكم الإغلاق .وفي يوم من الأيام جاء واحد من عمومتهم لكنه كان مختلفا قليلا عنهم وطلب اللجوء عندهم ولما إطلع على أمر الحقيبة وعند إنصرافهم للعمل بقي هو بالحجرة فقام بتكسير اللوح الشفاف الذي يغلف الدولاب من الخلف وانقض على الحقيبة واستولى على مبلغ قيل أنه ( خمسين ألف بسيطة ) وهو مبلغ مهم آنذاك . ثم أعاد الدولاب إلى وضعه السابق واختفى . ولما حضر الأربعة مساءا تم فتح الدولاب لعد الفلوس كالعادة فإذا بهم أمام الأمر الواقع . إتصلوا بالشرطة لكن اللص كان حينئذ قد عبر الحدود القريبة وكان يشعر بالحرارة والفلوس في جيبه ذلك ما حكاه لنا عندما شاءت الظروف أن يرجع بعد مدة غير قصيرة إلى سانسيبسطيان . كانت الشرطة قد عاينت المكان ومنحت شهادة تثبت الواقعة حيث إنتقل هؤلاء إلى تطوان لإخبار الشرطة هناك وتحرير محضر في النازلة . ولما كان هذا اللص إبن العم أو من نفس النسب تمت تسوية المشكل دون رد فعل قضائي. كان الجميع يعمل ويكد . منا من كان يتسكع ويبدد ما يتبقى لديه من نقود لا تفيذ . ومنا من كان يدخرها لبعثها لأسرته الفقيرة أو يسخرها في طريقة إنتقاله الى بلد أفضل لأن إسبانيا كانت آنذاك بلدا فقيرا ويحكمه الديكتاتور فرانكو . أما من كانوا على شاكلتي فقد كانت جيوبهم تفرغ مع بد ء أول يوم في الأسبوع السيزيفي والغير المحتمل لكن مع حلول يوم السبت فما أن نتوصل بأجرتنا الهزيلة البائسة حتى تجدنا ننسى كل العناء والشقاء . وعلى هذا المنوال كانت تسير حياتنا فكنا كما لو أننا نبول في الرمال.
#ناس_حدهوم_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البسيط والهيئة العليا -20 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا-19- سيرة
-
رسالة إلى المطلق - من إقتراح الأستاذ رشيد المشكوري
-
البسيط والهيئة العليا -14- سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 15- سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 17 - سيرة
-
الرياح الوثنية
-
البسيط والهيئة العليا -16-سيرة
-
سارق الضوء
-
البسيط والهيئة العليا - 13 - سيرة
-
الدائرة
-
البسيط والهيئة العليا - 12 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 11 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا -10- سيرة
-
مثلا
-
البسيط والهيئة العليا - 9 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا -8- سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 7 - سيرة
-
لحظة ضعف
-
أبو الهول
المزيد.....
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|