|
البسيط والهيئة العليا -20 - سيرة
ناس حدهوم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2328 - 2008 / 6 / 30 - 05:57
المحور:
الادب والفن
مشاكل العمل كانت كثيرة ومتنوعة . فالعامل المهاجر وبالخصوص المغربي كان مقموعا ومهانا وعليه أن يقبل بكل أحواله السيئة . لأننا كنا نشتغل في ظروف غير قانونية وليس لنا الحق في بطاقة العمل والإقامة كما هو الشأن هذه الأيام. فقد كانت الشركات تتعاقد مع مقاولين يتحملون مسؤوليتنا ولم يكن هؤلاء سوى لصوصا يسرقون عرق جبيننا ويطردوننا أو يتم تصريفنا متى أرادوا ذلك دون تمتيعنا بمستحقاتنا .أما القانون بالنسبة لأبناء البلد فقد كان صارما مع المشغلين . أتذكر ذات يوم تعرضت لحادثة شغل بسيطة فتم معالجتي داخل إحدى الحانات عن طريق شراء الضمادات والدواء من الصيدلية . وبسبب طبيعتي المتمردة فقد كنت دائما أتعرض للصدام مع رؤساء الأوراش والمقاولين وكنت ألتجيء دائما إلى المصالح المختصة - el sendicato - التي كانت تتكفل بالدفاع عن مصالحنا ضد مشغلينا وكنت في الحقيقة آخذ مستحقاتي عن آخرها لأن المجتمع الإسباني آنذاك رغم نظامه الديكتاتوري كان مجتمعا غير فاسد .كان لديهم ضمير حي . وكان القانون يفرض نفسه على الجميع . كان الضمير المهني موجود وحاضر باستمرار . كل واحد يقوم بواجبه على أحسن الحال ولم يكن لديهم أي نوع من أنواع الرشوة على الإطلاق . كما كانت الجرائد الوطنية تخصص صفحة أو صفحتين للإعلانات عن مختلف الحرف والمهن المطلوبة في سوق العمل . ولم يكن لنا نحن المغاربة الحق في ولوج مناصب شغل مريحة تحفظ كرامتنا بل العكس هو الصحيح فقد كنا عمالا موسميين نشتغل في أحط المهن وأحقرها أما مناصب الشغل الجيدة فكانت تخصص للإسبان فقط . وليس لغيرهم . وهذا شيء طبيعي . ولما لم يكن لنا الحق في الحصول على بطاقة الشغل والإقامة فقد كان بعض منا يتوفر على بطاقة التأمين ضد حوادث الشغل والمرض أيضا . فقد كان العلاج بالمجان بواسطة تلك البطاقة وقد تعطى أيضا لمن لا يتوفر عليها من أصدقائنا فيحظى بالعناية . وكان لكل منا طبيب قريب من محل السكنى نلتجيء إليه عند الحاجة . أو يحضر لسكنى حاملها إن هو لا يستطيع مغادرة فراشه . كان المجتمع الإسباني يضمن لنا الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية على كل حال . لكن الأوراق الثبوتية والعمل المستديم كان ذلك صعب المنال .وكنا مع ذلك نسقط أحيانا في شكل من أشكال العبودية المطلقة .. ذات يوم كنت أشتغل في ورشة بناء بجانب مقر سكناي وكنت سعيدا لذلك . لأنني كنت أوفر الوقت ومصاريف النقل . وبينما أنا أشتغل ذات صباح جاء شخص إسباني تبدو عليه أمارات البداوة كان رجلا متخلف وجلفا أقرب للحيوان منه للإنسان . تحدث إلى رئيسي وأشار إلي ثم جاءني الرئيس وسألني عن بطاقة التأمين إن كانت موجودة لدي الآن . ظننت أنني سوف أنتقل إلى عمل أفضل ما دامت البطاقة مطلوبة . فأجبت بالإيجاب . فطلب مني أن أجمع أغراضي وأصطحب البدوي المذكور . سرت وراءه وركبت خلفه على دراجته النارية الضخمة وانطلقنا . فوجئت به يبتعد عن المدينة - سان سيبسطيان - بينما كنت أظن أن الهدف داخا المدينة . وكلما استفسرته عن الوجهة يكذب علي ويشير بأن الهدف قريب . في حين وجدت نفسي مستسلما للأمر الواقع . وبعد أن قطعنا عدة عشرات من الكيلمترات وقفنا في قرية صغيرة بورش كبير لا زال في بدايته . وحدد لي عملي مع شخصين برتغاليين بجانب آلة لخلط الرمال والإسمنت والحجر المفتت لصنع عجين الخرسان المسلح وهذا العمل شاق جدا وعلينا أن نسرع ونكدح دون توقف لتغطية طلبات البنائين المكلفين بالخرسانة المسلحة لأساس البناية المراد تشييدها . كانت الشمس تسطع بشكل رهيب والجو خانق كان ذلك في عز الصيف . ونظرا لكوني أسمر اللون فقد تشوهت حالتي بفعل الغبار والكدح والشقاء وصرت شخصا أسودا كعبد . وكانت حالتي تلفت نظر المارة الغير المتعودين على رؤية مخلوقات مثلي . كنت بائسا حقيقيا . ولم أعد أطيق نفسي وندمت ندما عظيما على إدلائي ببطاقة التأمين اللعينة . توقفت عن العمل وطلبت من البدوي تسديد ساعاتي الخدماتية لأنسحب . فأبى أن يفعل ونصحني بأن أتصل برئيسي في الورشة السابقة لأنه هو من أرسلني . عدت أدراجي عبر القطار الصغير الذي يقطع المسافة من وإلى سانسيبستيان .وفي الغد صباحا حضرت إلى مكاني بالورشة السابقة لكن الرئيس رفضني . إتصلت بإدارة الشركة وشرحت لهم ما حدث وتفهموا أمري وحولوني إلى ورش صغير داخل المدينة وهو عبارة عن بيلا تكلفت الشركة بإصلاحها وترميمها وتزليجها بزليج فاخر جدا . كان صاحب البيلا رجل طاعن في السن وله زوجة شابة فاتنة تقضي كل الصباح بجانب حوض السباحة متعمدة إظهار مفاتنها للعمال فكأنما تريد إشغالهم عن عملهم وبالفعل فقد كان الجميع مفتونين بها وهي تأخذ حمامها الشمسي دون أن تسبح في الحوض .كان لها جسد رائع يشبه في لونه المرمر الناصع . شعرها أشقر وناعم كالحرير . كنت أنا أختبيء في أماكن حيث لا يراني أحد فأتمتع بجسدها وأنا أستمني مراقبا حركاتها وسكناتها وكان يتعذر علي التنفس وأنا أحلم بمضاجعتها . هكذا قضيت ذلك الصيف كأنني شخص متزوج . لكن في الحلم فقط .
#ناس_حدهوم_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البسيط والهيئة العليا-19- سيرة
-
رسالة إلى المطلق - من إقتراح الأستاذ رشيد المشكوري
-
البسيط والهيئة العليا -14- سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 15- سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 17 - سيرة
-
الرياح الوثنية
-
البسيط والهيئة العليا -16-سيرة
-
سارق الضوء
-
البسيط والهيئة العليا - 13 - سيرة
-
الدائرة
-
البسيط والهيئة العليا - 12 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 11 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا -10- سيرة
-
مثلا
-
البسيط والهيئة العليا - 9 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا -8- سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 7 - سيرة
-
لحظة ضعف
-
أبو الهول
-
البسيط والهيئة العليا - 6 - سيرة
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|