عمانوئيل كانط: (1724-1804)
عمانوئيل كانط (Emmanuel Kant ) فيلسوف بروسي (ألماني) ولد في كنجسبرج والتحق بمعهد فريدريك الديني في العام 1732، وفي العام 1740 التحق بجامعة كنجسبيرج. درس اللاتينية والأدب في المعهد ودرس الفلسفة والرياضيات وعلوم الدين والفيزياء في الجامعة. وفي العام 1755 حصل على شهادة الماجستير وعمل مدرسا في الجامعة التي تخرج منها. بقي مدرسا مدة خمسة عشر عاما قام خلالها بتدريس العديد من المواضيع ومن ضمنها الميتافيزيقا والمنطق والرياضيات وعلم الأخلاق، وفشل في ان يصبح أستاذا حتى العام 1770 حين فرغ كرسي المنطق والميتافيزيقا وعين فيه. استمر بالعمل في الجامعة حتى العام 1796.
اصبح عضوا في مجلس الشيوخ الأكاديمي في العام 1780. وفي العام 1787 صار عضوا في الأكاديمية الملكية للعلوم في برلين.
توفي في عام 1804 ودفن في قبو الأساتذة في مقبرة الجامعة. ومن ثم أقيم له ضريح في العام 1880 ونقشت على جداره عبارته الشهيرة التي أنهى بها كتابه "نقد العقل العملي": "السماء المرصعة بالنجوم من فوقي والقانون الأخلاقي في باطن نفسي".
كان كانط ذا نزعة عقلية واهتم بالعلوم الطبيعية التجريبية، لكنه اتخذها منطلقا من أجل تكوين نظرة فلسفية شاملة للكون ولما نعرفه عنه. وقد انتقل إلى تحليل المعاني العقلية المجردة (التصورات). وكان إيمانه بقدرة العقل شديدا جدا إلى حد اعتبر معه ان إمكانية المعرفة العقلية غير محدودة.
انقسمت حياة كانط الفكرية إلى مرحلتين أطلقت عليهما أسماء المرحلة قبل النقدية، والمرحلة النقدية المرتبطة بمؤلفه "نقد العقل المحض"، والذي عمل فيه كانط على دراسة العقل البشري المجرد، أي غير المرتبط بالحس والتجربة. وقد طور كانط في هذا المؤلف مجموعة من المفاهيم التي تعبر عن مراحل المعرفة، من مثل المعطيات القبلية (apriori) الضرورية من اجل ان تتم المعرفة العلمية، مثل الحس والتجربة، والمتعالي (transcendental) السابق للتجربة ولكنه موجود في نطاق العقل، ويشكل شرطا قبليا للتجربة. وميز كانط بين العقل (Vernunft) والفكر (Verstand) الذي هو ملكة التفكير في موضوعات الحس وهو معرفة تصورية، أما العقل فهو التفكير فيما هيأه الذهن وهو ملكة المبادئ والاستدلال.
ويعمل كانط في كتابه الذي يشكل بحثا في نظرية المعرفة أو في العقل النظري (العلم والفلسفة) على بيان فساد كل من التيارين التجريبي والعقلاني. الأول لقصوره، والثاني لتجاوز حدوده.
أما المقال الذي نقرأه هنا، فهو عبارة عن إجابة عن سؤال كانت قد طرحته المجلة "البرلينية الشهرية"، ويعالج فيه كانط موضوعة قدرة الأفراد على اتخاذ القرارات المستقلة باستخدام أفكارهم ومعارفهم الخاصة دون الرجوع إلى وصاية المجتمع والدولة في بعض المجالات.
كانط: ما هو عصر الاستنارة؟
ما هو عصر الاستنارة؟ هو خروج الإنسان من حالة القصور التي يبقى هو المسؤول عن وجوده فيها. والقصور هو حالة العجز عن استخدام الفكر (عند الإنسان) خارج قيادة الآخرين. والإنسان (القاصر)(1)(TN1) مسؤول عن قصوره لأن العلة في ذلك ليست في غياب الفكر، وإنما في انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسته، دون قيادة الآخرين. لتكن تلك الشجاعة على استخدام فكرك بنفسك: ذلك هو شعار عصر الاستنارة.
إن الخمول والجبن هما السببان اللذان يفسران وجود عدد كبير من الناس قد حررتهم الطبيعة منذ زمن بعيد من قيادة غريبة (عنهم)، لكنهم ظلوا قصّرا طوال حياتهم عن رضى منهم، حتى ليسهل على غيرهم فرض الوصاية عليهم. وما أسهل ان يبقى المرء قاصراً. فإذا كان لدي كتاب يحتل عندي مكان الفكر، وقائد يعوض الوعي فيّ، وطبيب يقرر لي برنامج تغذيتي، الخ... فلا حاجة لي في ان أحمل نفسي عناء (البحث)، ولا حاجة لي في ان أفكر ما دمت قادرا على دفع الثمن لكي يقبل الآخرون على هذه المشقة المملة.
إن الأغلبية الكبيرة من الناس (بما في ذلك الجنس اللطيف إجمالا) تعتبر تلك الخطوة نحو الرشد عظيمة الخطر، فضلا عن أنها أمر مرهق. ويساعدهم على القبول بحالة القصور هذه، أولئك الأوصياء الذين آلوا على أنفسهم ممارسة سلطة لا تطال على الإنسانية. فبعد ان أطبقوا (سجن) البلاهة على قطعانهم وعملوا على مراقبة هذه المخلوقات الهادئة مراقبة دقيقة، حتى لا تسمح لنفسها بالمجاسرة على أدنى خطوة خارج الحقل الذي حشرت فيه، أظهروا لها الخطر الذي يهددها ان هي غامرت بالخروج وحدها. لكن الخطر ليس كبيرا في حقيقة الأمر لأنها (لو أقدمت عليه) فسوف تتعلم السير، بعد عثرات قليلة. إلا ان مثل هذه الكبوات تولد الاحتراز وعادة ما يحملنا الخوف، الذي ينتج عن ذلك، على العدول عن محاولة أخرى. لذلك فإنه من العسير على أي شخص بمفرده الإفلات من حالة القصور التي كادت ان تصبح طبيعية فيه، إذ صار يرتاح إليها، غير قادر في هذه الفترة، على استخدام فكره الخاص، وقد حرم من فرصة المحاولة. فالمؤسسات والصيغ (الجامدة)، أي تلك الآلات المختصة باستعمال العقل، أو بتعبير أدق، باستعمال سيء للمواهب الطبيعية هي الجلاجل التي علقت على أرجل القاصرين، في حالة القصور التي ما زالت قائمة. وحتى إذا تخلص أحدهم من هذه الجلاجل فهو لا يستطيع القيام إلا بقفزة غير واثقة من فوق أصغر الأخاديد، لأنه لم يتعود بعد على تحريك ساقيه بحرية. لذلك فإن قلة من الناس توصلت من خلال إعمال ذهنهم الخاص(2) إلى الانعتاق من حالة القصور والقدرة على السير بخطوة ثابتة.
أما ان يستنير جمهور بنفسه فهذا يدخل أكثر (من ان يستنير شخص بمفرده كما تبينه الفقرة السابقة) في حيز المحتمل، بل ان هذا الاحتمال لا يمكن تجنبه إذا ترك للجمهور قدر كاف من الحرية، إذ لا بد من وجود عدد من الناس يفكرون بأنفسهم ضمن الأوصياء الرسميين على الجموع، أولئك الذين تخلصوا من نير حالة القصور، وطفقوا ينشرون بين الناس روحا تجعلهم يقدرون قيمتهم الخاصة، وجنوح كل إنسان إلى التفكير بنفسه. وعلينا ان نلاحظ ان الجمهور الذي كان تحت سلطة هؤلاء الأوصياء سوف يجبرهم (بعد ان تحرر منهم) على البقاء في وضع أدنى حين يدفعه بعض من الأوصياء الآخرين، ممن عجز على التمتع بمزايا الاستنارة، إلى الانتفاضة العنيفة، وذلك يدلنا على مضار الأحكام المسبقة والتي تنتقم ممن زرعها أو ممن سيأتي بعده، لأن الجمهور لا يصل (مرحلة) الاستنارة الا على مهل: فبإمكان الثورة ان تسقط الاستبداد الفردي، والاضطهاد المستغل أو الطموح، ولكنها لن تأتي أبدا بإصلاح حقيقي لطريقة التفكير، بل تولد، بالعكس، أحكاما مسبقة (جديدة) تشكل مع الأحكام المسبقة القديمة تخوما تفصل الثورة عن الجموع الكبيرة المحرومة من التفكير.
أما بالنسبة للاستنارة فلا شيء مطلوب غير الحرية، بمعناها الأكثر براءة، أي تلك التي تقبل على استخدام علني للعقل في كل الميادين. إلا أني أسمع الآن وفي كل اتجاه من حولي صيحة تقول: "لا تفكروا. فالضابط يقول: "لا تفكروا، عليكم ان تنفذوا..."، (هناك سيد والمسؤول المالي يقول: "لا تفكروا عليكم ان تدفعوا"، ورجل الدين يقول: "لا تفكروا عليكم ان تؤمنوا" واحد في العالم يقول: "فكروا قدر ما تشاؤون، وفيما تشاؤون ولكن عليكم ان تطيعوا(3)). في كل مكان يوجد تحديد للحرية. ولكن أي تحديد يناقض الاستنارة؟ وما هو التحديد الذي لا يناقضه بل والذي يمكن ان يكون لصالحه؟ أجيب فأقول ان الاستخدام العام لعقلنا لا بد ان يكون حرا في جميع الحالات، وهو الذي يستطيع وحده ان يأتي بالاستنارة إلى البشر، غير ان الاستخدام الخاص لعقلنا لا بد ان يخضع لتحديد صارم جدا دون ان يكون ذلك من الموانع المحسوسة في طريق الاستنارة.
وأقصد بالاستخدام العام لعقلنا ذلك الذي يقوم به المرء حين يكون عالما، في اتجاه الجمهور الذي يقرأ. أما الاستخدام الخاص (لعقلنا) فهو الذي يعطينا الحق في ممارسته والعمل به من موقع مدني، أو أي وظيفة محددة تم تكليفنا بها، إذ يوجد، ضمن مسائل عديدة تخص المصلحة العامة للمجموعة، جهاز آلي معين يحتم على بعض من أعضاء هذه المجموعة القيام بحركات لا إرادة لهم فيها، توجهها الحكومة (بفضل إجماع اصطناعي) نحو (تحقيق) الأهداف العامة أو (على الأقل) لكي تمنع القضاء على هذه الأهداف. هنا لا يُسمَح بالتفكير، بل تجب الطاعة. ولكن إذا كانت هذه القطعة من الجهاز الآلي عضوا في المجموعة، أو في المجتمع المدني العالمي، بصفته عالماً في الوقت نفسه، وإذا توجه هذا العضو بكتابات استند فيها إلى فكره، ففي هذه الحال يمكنه ان يستخدم عقله دون ان يؤثر ذلك على الشؤون التي كُلف بها خلال جزء من وقته كعنصر سلبي. وأن يرغب الضابط، الذي تلقى أمرا من رئيسه، في إعمال عقله ضمن مهمته للبحث عن جدوى هذا الأمر أو فائدته، فهذا أمر خطير ولا بد لهذا الضابط ان يمتثل. ولكن إذا أردنا ان نكون منصفين (نقول) ان لا شيء يحظر عليه، إذا كان عالما، إبداء ملاحظاته حول الأخطاء الواردة في الجهاز الحربي وتقديم هذه الملاحظات لجمهوره حتى يحكم فيها. ولا يمكن للمواطن ان يرفض أداء الضرائب المفروضة عليه سيما وأن نقداً لاذعاً لهذه الواجبات، ان لزمه قبولها، يعرضه للعقاب، بسبب الفضيحة التي يمكن ان تتولد (عن نقده) (وما ينجر عن ذلك من اضطراب شامل في النظام)، أما وقد وضعنا هذا التحفظ، فلا نرى تناقضاً مع الواجبات ان عبر هذا المواطن، بوصفه عالماً، وبصفة علنية عن نظرته في رعونة ذلك النوع من الجباية أو في جور (من فرضها). كذلك يجب على رجل الدين ان يقوم بتعليم رعيته، وفي معبده، بحسب رمز الكنيسة التي يخدمها أنه انتدب بحسب هذه الشروط، ولكنه يتمتع، كعالم، بكامل الحرية (إن لم نقل ان ذلك من واجبه) في ان يمد الجمهور بكل الأفكار، بعد ان يزنها بثبات ونيّة حسنة، حول ما يراه خاطئاً في هذا الرمز، وفي ان يقدم لهذا الجمهور مشروع رؤيته لتنظيم أفضل للشؤون الدينية والكنائسية. وفي هذا أيضا لا يوجد ما يمكن ان يثقل ضميره، لأن ما يعلمه وفقا لوظيفته كممثل للكنيسة لا يقدمه إلا كآمر لا حرية له في إبداء الرأي فيه وإنما كتعاليم قد التزم بتدريسها باسم سلطة أجنبية (عنه).
ولسوف يقول "هذا ما تعلمه كنيستنا وها هي الحجج التي تستعملها (في ذلك)". وقد يُبرز، بهذه المناسبة، لرعيته الميزات العملية من الأطروحات التي لا يتفق معها عن اقتناع كامل والتي التزم، رغم ذلك، بعرضها، إذ من الممكن ان يكون قد وجد فيها بعض الحقيقة الكامنة أو، على الأقل، لم يجد فيها ما يتعارض مع الإيمان الذاتي (عنده) أما إذا تعرض لشيء من هذا القبيل فلا يمكن له عند ذلك الاحتفاظ بمهامه والبقاء على اتفاق مع ضميره، وعليه، إذن، ان يعتزل (عمله). ونتيجة ذلك ان المربي إذا استخدم عقله أثناء عمله وأمام من حضر دروسه لا يقوم إلا باستعمال خاص للعقل لأن المسألة تخص اجتماعاً عائلياً، مهما بلغ حجم (هذه) العائلة. وهو يتصرف أمامها على أنه رجل دين غير حر، ولن يكون حراً، لأنه يؤدي مهمة خارجة (عن نطاقه). أما إذا اعتبرناه عالِما يخاطب بكتاباته الجمهور الحقيقي، أي العالَم، (كعضو في مجمع ديني ضمن استخدام عام لعقله) فإنه يتمتع بحرية لا حدود لها في استعمال عقله والتحدث باسمه الخاص. والادعاء القائل بأن الأوصياء على الشعوب (في الأمور الدينية) لا بد ان يظلوا قُصراً هم أنفسهم، يُعَد سخافة ساهمت في تأييد السخافات (الأخرى).
ولكن ألا يحق لمثل هذه الجمعية الدينية، سواء كانت مجمعاً كنائسياً أو طبقة من الآباء (كما تُسمى في هولندا) ان تلجأ إلى دعوة (أعضائها) إلى تأدية اليمين على رمز معين ثابت، لكي تسلط وصاية أعلى، دائمة، على كل عضو، وحتى تؤيد هذه الوصاية من خلالهم؟ أقول ان هذا الأمر مستحيل تماماً، لأن مثل هذا النوع من التعاقد يقرر الاستغناء نهائياً عن كل تنوير جديد يمكن للجنس البشري ان يستقبله، ويظل على هذا الأساس لاغياً وغير ذي مفعول، حتى وإن كان زكي من سلطة أسمى، أي من البرلمانات أو من المعاهدات السلمية الأكثر جلالاً. ذلك لأنه لا يمكن لقرن ما ان يولد اتفاقاً يقيد القرن الذي يليه بوضع يجعله غير قادر على توسيع معارفه (بخاصة منها تلك التي تتعلق بمصلحة هذا القدر من الخطر) ويحرمه من التخلص من أخطائه، والتقدم، بصفة عامة، على (طريق) الاستنارة. إنها لجريمة في حق الإنسانية التي يحملها قَدَرُها الأصيل نحو هذا التقدم بالذات. لذا يحق للخَلَف ان يرفض تماماً مثل هذه القوانين وأن يحتج (على ذلك) بجهل من قام بسنها وطيش دوافعه. فحجر الزاوية في كل ما يمكن تقريره لصالح شعب ما، في شكل قانون، يكمن في السؤال التالي: "هل يقبل هذا الشعب ان يهب نفسه قانوناً كهذا القانون؟". من الجائز ان يكون القانون المعني ممكناً لمدة محددة قصيرة، في انتظار قانون أفضل، وتحسباً لإدخال تنظيم معين، ولكن على شرط ان يُترك لكل مواطن (وبخاصة لَرجُل الدين ان كان عِالماً) الحرية في صياغة الملاحظات حول العيوب التي تحتوي عليها المؤسسة الحالية، على ان تكون هذا الصياغة علنية، أي في شكل كتابات، مع الإبقاء على النظام القائم. وذلك حتى يأتي يوم يتقدم فيه البحث في هذه الأشياء أشواطاً بعيدة تجعله يتأكد بما فيه الكفاية، فيُرفع أمام العرش مشروعٌ مدعمٌ باتفاق (أغلبية) الأصوات (ان لم نقل جميعها) يهدف إلى حماية المجموعات المتضامنة، بحسب آرائها الخاصة، والمتفقة على تغيير المؤسسة الدينية، دون ان يُلزم ذلك أولئك الذين ظلوا أوفياء (للمؤسسة) القديمة، إنما ان يكون الاتفاق على دستور دائم لا يأتيه الشك، حتى ولو كان ذلك لمدة تعادل عُمر إنسان، مما يقضي على الإنسانية، ردحاً من الزمن، بالعقم في (توقها) إلى التقدم ويضر بالأجيال القادمة، فهذا ما هو محظور إطلاقاً.
ويمكن لشخص ما، فيما يتعلق به شخصياً، ان يؤجل الحصول على معرفة لا بد له من الحصول عليها. أما ان يُعرض عنها وأن يحرم منها الأجيال المقبلة، فهذا ما يُسمى بالتجني على حقوق الإنسانية المقدسة ودوسها. ويبقى ما حُرم على الشعب تقريره، محرماً، من باب أولى، على الحاكم، لأن سلطة الحاكم في التشريع مُنبثقة من الشعب وهو يستمد إرادته الخاصة من إرادة الشعب العامَة. فليسهر الحاكم على إبقاء الإصلاح، المنجَز أو المفَترض، متفقاً مع النظام المدني، وليترك الحرية لرعاياه في البحث عما يجب عليهم القيام به ليحصلوا على نجاة أرواحهم (في الآخرة). فليس هذا الأمر من شأنه وإنما عليه، بالمقابل، ان يمنع البعض (من الشعب) من حرمان البعض الآخر، بالقوة، من العمل على تحقيق النجاة والإسراع بها بكل ما أوتي من جهد. والحاكم يضر بهيبته ان هو تدخل في هذا الشأن وأعطى تكريساً رسمياً للكتابات التي يحاول فيها رعاياه توضيح آرائهم. فإن فَعَلَ انطلاقاً من سلطته الشخصية فهو يتعرض للوم القائل "إن قيصر ليس أرفع (شأناً) من النحويين" وإن هو حمى في دولته الاستبداد الكنسي وبعضا من المستبدين على بقية رعاياه فهو يَضعف من قدرته العالية.
وإذا سُئلنا بعد كل هذا: "هل نحن نعيش الآن قرناً مستنيرا؟" فإن إجابتي تكون على النحو التالي: "لا. لأننا في الواقع (نعيش) قرناً يسير نحو الاستنارة"، فنحن لما نَزَل في مرحلة تفتقر إلى عناصر كثيرة أخرى تحمل الناس إلى حالة تمكنهم من ممارسة تفكيرهم الخاص في الأمور الدينية بإحكام وقدرة ودون نجدة الآخرين.
ولكن ان يكون للناس الآن مجال أرحب في ممارسة هذا (التفكير الخاص) بحرية، وأن يكون عدد العقبات أقل من ذي قبل نسبياً، في الطريق نحو عصر شامل للاستنارة يخرج بالناس من حالة القصور التي يبقون هم المسؤولون عنها، فهذا ما لنا عليه مؤشرات مؤكدة. من هذا المنطلق يمكن القول ان هذا القرن هو قرن الاستنارة وقرن (الملك) فريدريك. فالأمير الذي لا يتأفف عن التصريح بأن من واجبه ان لا يأمر بشيء في الأمور الدينية، وأنه يترك للناس كامل الحرية في ذلك، والذي يَعرِض عن لفظة التسامح المتعالية، يبقى هو نفسه مستنيراً: فهو يستحق، إذن، إجلال معاصريه واعتراف الأجيال المقبلة (بجميله)، لأنه أول من أخرج الجنس البشري من حالة القصور، من وجهة نظر إدارية على الأقل، وترك لكل (شخص) الحرية في استعمال عقله الخاص في أمور العقيدة. ففي عهده أصبح من حق رجال الدين الأجلاء، إذا كانوا علماء، ان يتفوهوا بأحكامهم وآرائهم التي تخالف الرمز الرسمي، دون ان يكون لذلك انعكاس سيئ على واجباتهم تجاه وظائفهم. كما أصبح من حقهم ان يعرضوا علانية (هذه الأحكام والآراء) على اختيار العالم، وهذا ينسحب، بالطبع، على كل شخص لا يتقيد بأي التزام تجاه وظيفته. وقد انتشرت روح الحرية هذه في الخارج حتى وإن هي تعرضت لعقبات موضوعية (أقامتها) الحكومة التي لم تستوعب دورها بعد. وما نحن فيه (حكومة فريدريك) يقوم مثلاً أمام كل حكومة لم تفهم ان لا خوف إطلاقاً على العهد السياسي، ولا على وحدة المؤسسة العامة من توفير جو الحرية، حيث سيبذل الناس كبير الجهد حتى يخرجوا من حالة الصلافة، ان لم يكن هناك من يجتهد في إبقائهم عليها.
لقد ركزتُ اهتمامي في بحثي حول حلول عصر الاستنارة، على ذلك النوع (من الاستنارة) الذي يحرر الناس من حالة القصور التي يبقون هم المسؤولون عليها، ووقفتُ على المسائل الدينية، ذلك لأنه لا مصلحة لحكامنا، في ما يخص الفنون والعلوم، في ان يقوموا بدور الأوصياء. ثم ان حالة القصور هذه (الدينية) التي تناولتُها، هي الأكثر ضرراً والأدهى خزياً. ويذهب منهج التفكير عند رئيس الدولة الذي يشجع الاستنارة إلى أبعد من هذا فيعترف، من منطلق تشريعه أيضاً، ان لا خطر (عليه) في ان يسمح لرعاياه باستخدام علني لعقلهم حتى يقدموا للعاَلم ما أنتجوه من أفكار تشير إلى بناءٍ أفضل لهذا التشريع، حتى ولو كان ذلك من خلال نقد صريح للتشريع الذي تم سَنَه. ان لنا في هذا لمثل كريم لم يتجاوزه أي ملك عدا الذي نُجله.
وهذا الملك المستنير هو الملك الوحيد الذي لا يخشى البقاء في الظل وقد مَسَك بجيش عتيد حسن التنظيم، يضمن به الطمأنينة العامة، وهو (الملك) الوحيد الذي يَقِدر على التصريح بما لا تجرؤ أي دولة حرة (أخرى) على التصريح به: "فكروا قَدرَ ما تشاؤون وفي ما تشاؤون، وعليكم ان تطيعوا".
هكذا تأخذ الأمور الإنسانية مجرىً مثيراً غير منتظر. ومهما يكن من أمر، وإذا اعتبرنا سياق الأمور في جملتها، نرى ان كل شيء تقريبا يثير الإحساس بالمفارقة: فالحصول على درجة أعلى من الحرية الَمدَنية يبدو مفيداً لحرية الفكر عند الشعب في الوقت نفسه الذي يفرض عليه حدوداً لا يمكن له تخطيها. (ومن ناحية أخرى) فإن درجة أدنى توفر له الفرصة في ان ينشر نفوذه الكامل. وما ان تُحرر الطبيعة، من تحت قشرتها الصلبة، بذرة الميل والتأهب للفكر الحر حتى تحدوها بعطفها وتجعل منها ذلك النزوع الذي سيؤثر تدريجياً وبمفعول رجعي على مشاعر الشعب (ومن خلال هذه المشاعر يزيد الشعب شيئاً فشيئا من الاستعداد للسلوك بحرية). وسوف يؤثر هذا النزوع بدوره، آخر الأمر، على أسس الحكم الذي سيرى من صالحه ان يعامل الإنسان (وهو الذي لم يعد مجرد آلة) حسب التقدير الذي يستحق.
ترجمة: يوسف الصديق
ميشال فوكو (1926 -1984)
ميشال فوكو (Michel Foucault) مفكر فرنسي شهير عالميا ويعتبر من آباء المدرسة التفكيكية، وهي اتجاه في العلوم الاجتماعية يدعو إلى الابتعاد عن النمطية في تحليل الظواهر الاجتماعية مدعيا ان ذلك يضيق إلى حد كبير آفاق المعرفة البشرية، ويسقط أوهام الناس على الظواهر.
"فوكو كان كاتبا مهجنا، يستند في كتاباته إلى كل أنواع المصنفات، والتاريخ، وعلم الاجتماع، والعلوم السياسية، والفلسفة، ولكنه يتجاوزها جميعها. وبالتالي فهو يضفي، عامدا، على أعماله قدرا من العالمية جعلها، في ان واحد، نيتشوية واحدث من الحداثة نفسها: فهي ساخرة، ومتشككة، وعنيفة في راديكاليتها، وهي، أيضا، مضحكة ولا أخلاقية في إطاحتها بكل تقليدي ملتزم، وبالأصنام وبالأساطير..."(4)
بعدما درس الفلسفة وعلم النفس وعَلّم في السويد، وبولندا، وألمانيا وتونس، حصل ميشال فوكو على لقب بروفيسور تاريخ أنظمة الفكر في أشهر مؤسسة أكاديمية في فرنسا وهي الكوليج دي فرانس (Collège de France). ارتبطت أعمال فوكو خلال الستينات بمجموعة البنيويين (structuralists)، إلا أنه رفض أية علاقة له بهذه المجموعة. في السبعينات والثمانينات كان يعرف في الولايات المتحدة بـ "ما بعد البنيوي" نسبة إلى "ما بعد البنيوية" (poststructuralism). وكان قد رفض هذا اللقب أيضا. أقر فوكو، بتقارب من الناحية الفكرية، بينه وبين المفكر الفرنسي جيل ديلوز (Gilles Deleause) خاصة وأنه كان هناك تشابه بين الاثنين من الناحية السياسية والفلسفية. وكانت لفوكو نشاطات سياسية مختلفة منها مشاركته الفعالة في المجموعات التي كانت تناضل من أجل حقوق السجين، والمرأة، واللوطيين، والخاضعين للاستعمار كما كان لفوكو نشاطات سياسية في الحركة التي عرفت في أوروبا في نهاية الستينات بحركة "اليسار الجديد".
من الممكن تصنيف كتابات فوكو على أنها تعكس فكر ما بعد الماركسية، وذلك لانه سعى إلى تطوير إستراتيجيات في التفسير تعرف وتحدد آليات السيطرة خارج إطار العمل أو حتى خارج مفهوم نمط الإنتاج. ان كل عمل من أعماله يعالج موضوعا تاريخيا يحاول من خلاله الكشف عن كيفية ممارسة النفوذ والسلطة في بنية الأجهزة الهرمية. فهو يتطرق إلى مسألة الجنون في كتابه "الجنون والحضارة" -Madness and Civilization- (1961)؛ الدواء في كتابه "ولادة العيادة" -Birth of the Clinic- (1963)؛ العقاب في كتابه "الانضباط والعقوبة" -Discipline and Punish- (1975)؛ والجنس في كتابه "تاريخ مظاهر الجنس" -History of Sexuality- (1976-1978). كما كتب فوكو كتب أخرى في غاية الأهمية منها "أركيولوجيا المعرفة" -The Archaeology of Knowledge- (1969). وقد وضع في هذا الكتاب منهجيته الخاصة في قراءة التاريخ والوصول إلى المعرفة العلمية والاجتماعية.
فوكو: كانط والثورة
يبدو لي ان هذا النص يكشف عن نوع آخر من الأسئلة في مجال التفكير الفلسفي. فما هو بالنص الأول في تاريخ الفلسفة (ولا حتى عند كانط) الذي يطرح سؤالاً حول التاريخ: إذ نجد عند هذا الفيلسوف نصوصاً عديدة تلقي على التاريخ سؤال الأصل، كالنص حول بدايات التاريخ ذاته، والنص المتعلق بتحديد مفهوم الأجناس. وثمة نصوص أخرى تضع التاريخ أمام سؤال حول صيغة إنجازه، كهذا النص المنشور في سنة 1784 نفسها: "حول فكرة تاريخ عالمي من وجهة نظر كونية". وهناك أخيراً نصوص تساءلت عن الغاية الذاتية(5) التي تنظم السياقات التاريخية كالنص الخاص باستعمال المبادئ الغائية. فكل هذه النصوص(6) المترابطة بعضها ببعض وثيق الترابط تخترق جميع تحاليل كانط حول التاريخ. إلا أنه يظهر لي ان نص عصر الاستنارة يختلف عن كل هذه النصوص فهو (على الأقل) لا يطرح أياً من هذه الأسئلة: لا سؤال الأصل ولا (برغم ما يبدو للناظر) سؤال الإنجاز، بل يضع بصفة محتشمة، تكاد تكون جانبية مسألة الغائية الكامنة في سياق التاريخ ذاته. والمسألة التي تبدو لي مطروحة لأول مرة في نص كانط هذا هي مسألة الحاضر، أي السؤال عن الآنية: ما يحدث اليوم؟ ماذا يحدث الآن وما هو هذا "الآن" الذي نوجد نحن وغيرنا فيه، ومن الذي يحدد اللحظة التي أكتب فيها؟.
ليست هذه هي المرة الأولى التي نجد فيها، خلال التفكير الفلسفي، إشارة إلى الحاضر بوصفه وضعاً تاريخياً محدداً. فقد وصف ديكارت في بداية "مقالة الطريقة" مسيرته ومجموعة القرارات الفلسفية التي اتخذها تجاه نفسه وتجاه الفلسفة، ولقد أشار فعلاً وبطريقة واضحة لأمر يمكننا ان نعتبره الوضع التاريخي ضمن انتظام المعارف والعلوم في عصره. غير ان المطلوب في هذا النوع من الإشارات يبقى إيجاد الدافع لاتخاذ القرار الفلسفي داخل ذلك الشكل المتوحد الذي نشير إليه بلفظة الحاضر. فعند ديكارت لا نجد سؤالاً من صنف: "ما هو بالتحديد هذا الحاضر الذي أنتسب إليه؟" فالسؤال الذي ألزم كانط بالإجابة حين ألقي عليه هو من نوع آخر، في ما يبدو لي، إذ هو لا يصاغ بهذه البساطة أي على هذا الشكل: ما الذي يحدد في الوضع الحالي هذا القرار أو ذاك ضمن النظام الفلسفي؟ بل ان السؤال يتعلق بهوية هذا الحاضر، وقبل كل شيء، بتحديد عنصر معين من الحاضر لا بد من التعرف عليه وتميزه وفك شفرته من بين كل العناصر الأخرى، حتى يصبح السؤال: ما الذي يشكل في الحاضر، الآن، المعنى في تفكير فلسفي ما؟
في الجواب الذي يحاول تقديمه حول هذا التساؤل يعمد كانط إلى بيان الميزة التي يحملها هذا العنصر، والتي تجعل منه المؤشر لسياق يضم الفكر والمعرفة والفلسفة. غير أنه من الضروري (في الحين ذاته) تحديد السبب والصيغة اللذين يجعلان المتحدث (كمفكر أو كعالمِ أو كفيلسوف) ينتمي هو ذاته إلى هذا السياق ثم كيف يمكن تحديد الدور الذي يلعبه (هذا المتحدث) في هذا السياق حيث يوجد هو نفسه كعنصر وفاعل في الوقت نفسه.
ومجمل القول أرى أننا نلمح في نص كانط هذا، قيام مسألة الحاضر كحدث فلسفي ينتمي إليه الفيلسوف الذي يتحدث عنه. وإن نحن قبلنا باعتبار الفلسفة شكلاً من أشكال العمل النظري له تاريخه المميز؛ فإننا (في اعتقادي نشاهد في نص الاستنارة الذي أمامنا، ولا أبالغ حين أقول لأول مرة) نشاهد الفلسفة تعمل على صياغة إشكالية لآنتيها النظرية. فهي تستنطق هذه الآنية كحدث لا بُد من الإفصاح عن معناه وعن قيمته وعن تفرده الفلسفي، ولا بد من ان تجد فيه (في الوقت نفسه) تعليلاً لوجودها وأساساً لما تقوله. نرى، إذن، ان تساؤل الفيلسوف عن انتمائه لهذا الحاضر لم يَعد إطلاقاً تساؤلاً حول انتمائه لمذهب ما أو لتراث معين، ولا حول قضية انتمائه لمجموعة إنسانية بصفة عامة، بل أصبح السؤال يخص انتماءه لـ "نحن" محدد، لهذا الـ "نحن" الذي يشير إلى مجموعة ثقافية تتميز بآنيتها. هذا هو الـ "نحن" الذي سيصبح في الفلسفة موضوع تفكيرها، ومن هذا المنطلق لم يعد من الممكن ان يتجنب الفيلسوف السؤال حول انتمائه المتفرد لهذا الـ "نحن". كل هذا (أي الفلسفة كعملية تجعل من الآنية إشكالاً، وكتساؤل الفيلسوف عن هذه الآنية التي ينتمي إليها والتي لا بُد ان يتخذ له منها موقفاً) كل هذا إذن سيُمكن من تمييز الفلسفة كخطاب الحداثة وكخطاب عن الحداثة.
وحتى نتحدث بصفة مبسطة نقول: ان مسألة الحداثة كانت قد طُرحت في الثقافة الكلاسيكية (الغربية) ضمن محور ذي قطبين: قطب العصر القديم وقطب التحديث. فقد تمت صياغة المسألة إما في اتجاه سلطة، علينا قبولها أو رفضها ( أي سلطة نقبل وأي نموذج نتبع، الخ...؟)، وإما في شكل (مرتبط بالاتجاه الأول) تقويمي مقارِن: هل القدامى أفضل من المحدثين؟ وهل أننا في فترة انحطاط، الخ..؟ لكننا نرى (مع نص كانط) ظهور صيغة جديدة في طرح مسألة الحداثة إذ لم يعد السؤال في علاقة المحاذاة مع القدامى، بل أصبح في علاقة يمكن ان نسميها "شعاعية"، انطلاقا من آنية المتسائل: على الخطاب بدءاً من الآن ان يضع في الحساب آنيته حتى يحدد فيها مجال تواجده الخاص من جهة، وحتى يتلفظ بمعناه من جهة ثانية، ثم وفي نهاية الأمر، كي يميز صيغة العمل الذي يستطيع القيام به داخل هذه الآنية2.
ما هي آنيتي؟ ما هو معنى هذه الآنية؟ وما هو نوع العمل الذي أقوم به حين أتحدث عن هذه الآنية؟ ذلك، في رأيي، ما يعرف هذا التساؤل الجديد حول الحداثة.
إلا ان (ما توصلنا إليه إلى الآن) لا يشكل سوى ممرا لا بد من استكشافه عن قرب، لذا يجب علينا ان نُقبل على بحث أصولي3 لا يستهدف بالضرورة فكرة الحداثة بل الحداثة كمسألة. وعلى أي حال وحتى لو أخذنا نص كانط كنقطة بروز هذه المسألة فإننا نرى ان هذا النص يندرج هو نفسه داخل سياق تاريخي واسع لا بُد من ان نقدره حق قدره. وسيكون هذا الاتجاه، دون شك، أحد المحاور الهامة لدراسة القرن الثامن عشر بعامة، وعصر الاستنارة بصفة أخص، إذا نحن وضعنا الأمر التالي موضع التساؤل: ان عصر الاستنارة قد سمى نفسه عصر الاستنارة، فهو، إذن، سياق ثقافي متفرد بذاته دون ريب، لأنه وعى ذاته بتسمية ذاته في الوقت نفسه الذي حدد فيه نفسه بالنسبة لماضيه ومستقبله، مع قيامه بتعيين الاختيارات التي سيُقبل عليها ضمن حاضره.
أو ليس عصر الاستنارة هو أول العصور التي تسمي نفسها بنفسها، وأول عصر لم يتميز (بحسب العادة القديمة) بصفة الانحطاط أو الإزدهار أو بانتسابه للرونق أو للبؤس فقط، بل سمى نفسه من خلال حدث معين داخل تاريخ الفكر الشامل، وداخل تاريخ العقل والمعرفة، حيث سيلعب هذا العصر دوره الخاص. فعصر الاستنارة طَورٌ صاغ شعاره بنفسه كما صاغ تعاليمه، معلناً عما سيقوم به من عمل في اتجاه تاريخ الفكر بعامة، ثم في اتجاه حاضره وفي اتجاه صيغ المعرفة والعلم والجهل والأوهام التي عَرَف هذا العصر كيف يتحسسها وكيف يتعرف على وضعه التاريخي فيها. ويبدو لي أننا نشهد في مسألة عصر الاستنارة هذه، أولى المظاهر (لمولد) طريقة معينة في تعاطي الفلسفة، مرت بتاريخ طويل خلال قرنين، لأن من أهم وظائف الفلسفة التي تسمى بالحديثة (والتي نستطيع تحديد بداياتها من أقصى أطراف القرن الثامن عشر) تساؤلها عن آنيتها. ونحن نستطيع متابعة خط هذه الصيغة (الجديدة) للفلسفة خلال القرن التاسع عشر حتى اليوم، مع ان الشيء الوحيد الذي أرغب في التشديد عليه هذه المرة هو ان كانط لم ينسَ فيما بعد المسألة التي عالجها سنة 1784، حين أجاب على سؤال طرح عليه من الخارج، فهو سوف يعيد محاولة الإجابة عليه ضمن ما سيقوله (في مناسبة لاحقة) عن حدث لم ينفك هو أيضا يتساءل عن ذاته، وأعني بهذا الحدث، طبعا، الثورة الفرنسية.
ففي سنة 1789 سيعطي كانط ما يمكن ان نعتبره تتمة لنص 1784. فالفيلسوف حاول في 1784 الإجابة على السؤال: ما هو عصر الاستنارة؟ أما في 1789 فسيجيب على سؤال آخر طرحته عليه الأحداث، لكن المناظرات الفلسفية في ألمانيا كانت قد صاغته منذ 1894. وهذا السؤال هو: "ما هي الثورة؟".
تعلمون ان كتاب "نزاع الكليات" هو مجموعة ثلاث رسائل حول العلاقات القائمة بين مختلف الكليات المكونة للجامعة، وتتعلق الرسالة الثانية بالنزاع بين كليتي الفلسفة والحقوق، وقد حكم مجال العلاقات بين الفلسفة والحقوق آنذاك هذا السؤال: "هل هناك تقدم مستمر للجنس البشري؟" وحتى يجيب كانط على هذا السؤال، عمد في الفقرة الخامسة من هذه الرسالة، إلى إثبات الاستدلال الآتي: "إذا نحن أردنا الإجابة على السؤال "هل هناك تقدم مستمر للجنس البشري؟" وجب علينا ان نحدد ما إذا وُجدت علة ممكنة لهذا التقدم. فإن نحن سلمنا بهذه الإمكانية وجب علينا ان نقيم الدليل على ان هذه العلة فعالة في واقع الأمر. فمجرد تحديد العلة لا يسمح إلا بتحديد جملة من النتائج الممكنة أو، بتعبير أدق، لا يسمح إلا (بتصور) إمكان النتيجة. ولكن واقع النتيجة لا يمكن ان يتأسس إلا بوجود الحدث". لا يكفي، إذن ان نتحسس التظافر الغائي الذي يجعل التقدم ممكنا، بل لا بد من ان نحدد داخل التاريخ حدثا تكون له قيمة المؤشر؟ مؤشر على ماذا؟ مؤشر على وجود علة، علة مستمرة قادت البشر خلال التاريخ على طريق التقدم، علة ثابتة يمكن لنا ان نؤكد فاعليتها في الماضي وأنها تفعل الآن، وأنها سوف تقوم بالفعل في الزمن الآتي. فالحدث الذي يمكننا إذن من تقرير وجود التقدم هو مؤشر "يمكن استحضاره بالذاكرة والاستدلال عليه، وتوقع حدوثه مستقلاً" (باللاتينية في النص الأصلي)4. يجب ان يثبت المؤشر إذن ان الأمور وقعت في الماضي (الاستحضار بالذاكرة)، وأن الأمور نفسها تحدث الآن (المؤشر (في حالته) الاستدلالية)، وأنها سوف تحدث هكذا باستمرار (المؤشر (في حالته) التوقعية)، وبهذه الطريقة يمكننا ان نتأكد من ان العلة التي تجعل التقدم ممكنا لم تَقُم بفعلها في ظرف معين فقط، بل تضمنت نزوعا شاملا يحمل الجنس البشري كله على السير في اتجاه التقدم، يصبح السؤال إذن: "هل يوجد حولنا حدث يمكن استحضاره بالذاكرة والإشارة إليه استدلالا، والتوقع بحدوثه يشير إلى تقدم مستمر يحمل الجنس البشري كله؟".
لا بد أنكم حدستم الجواب الذي يعطيه كانط، لكني أريد ان اقرأ عليكم مقطعا من نص سوف يدخل كانط من خلاله إلى الثورة كحدث له قيمة المؤشر (كما بينها). فقد كتب في الفقرة السادسة (من الرسالة المذكورة): "إياكم ان تروا في هذا الحدث مجموع الأعمال الراقية والمساوئ الخطيرة التي قام بها الناس، والتي حولت الأشياء العظمية عندهم حقيرة، والأشياء الحقيرة عظيمة (وإياكم ان تروا) في المعالم القديمة الرائعة التي انمحت بمفعول يكاد يكون سحريا، بينما ظهرت مكانها معالم أخرى وكأنها طلعت من تحت الأرض لا! لا شيء من ذلك". في هذا النص يشير كانط، طبعا، إلى الأفكار التقليدية التي تبحث عن دلائل التقدم أو عدم التقدم، عند النوع البشري، في انقلاب الإمبراطوريات وفي تعاقب النكبات التي تأتي على الأوضاع الأكبر رسوخا، أو في تغير الأقدار التي تصيب بالنكسة القُوى الراكزة فتعوضها لما جرى. يقول كانط لقرائه: حذار، فإننا لن نجد في هذه الأحداث الضخمة ذلك المؤشر الاستحضاري الاستدلالي التوقعي للتقدم، بل إننا نجده في أحداث أقل منها ضخامة، وأخفى منها على الإدراك، ولا يمكن لنا ان نحلل حاضرنا بالنظر إلى هذه القيم الدالة، دون ان نسقط في طلسمة تقودنا إلى إعطاء الدلالة والقيمة التي تبحث عنها لما هو في الظاهر خالٍ من الدلالة والقيمة.
لكن ما هو هذا الحدث الذي ليس هو بالحدث "الضخم"؟ هناك طبعا مفارقة عندما نقول ان الثورة ليست الحدث الصاخب، أليست هي مثال الحدث الذي يقلب، والذي يجعل ما كان كبيرا يصبح حقيرا، وما كان حقيراً يصبح كبيراً، والذي يلتهم هياكل المجتمعات والدول الأكبر رسوخا في الظاهر؟ ولكن ليس هذا هو الجانب من الثورة الذي يحدد المعنى عند كانط. فالذي يشكل الحدث ذا القيمة الاستحضارية الاستدلالية التوقعية لا يكمن في الدراما الثوري نفسه ولا في الانتصارات الثورية ولا في الإيماءات التي ترافقها. فالدال في الثورة هو الطريقة التي تقيم بها الثورة المشهد، أي الطريقة التي تُستقبل بها من طرف مشاهدين لم يُسهموا فيها وإنما نظروا إليها وحضروها واستسلموا لتيارها، ان نحو الأفضل أو نحو الأسوأ.
فالتحول الثوري لا يشكل الدليل على التقدم، ذلك لأنه، أولاً، مجرد عكس لواقع الأمور ثم، ثانياً لو ان لمن قام بهذه الثورة ان يكررها كما هي لَماَ فعل. هناك نص لكانط ذو أهمية بالغة يقول: "ليس المهم ان تكون الثورة ثورة شعب عظيم الثقافة كما رأيناها في أيامنا هذه (وهو يتحدث إذن عن الثورة الفرنسية)، وغير مهم ان نعرف ان هي نجحت أو فشلت، وليس من المهم ان نعرف ما تراكم خلالها من البؤس والفظاعة، حتى لأن إنساناً عاقلاً، لو توفر له القيام بها من جديد على أمل إنجاحها لَمَا قَبِل إطلاقاً محاولة التجربة بالثمن نفسه." فليس مسار الثورة هو المهم، وغير مهم ان تفشل أو تنجح إذ لا علاقة لكل هذا بالتقدم أو، على الأقل، بمؤشر التقدم الذي نبحث عنه. ففشل الثورة أو نجاحها لا يكونان مؤشراً للتقدم، ولا المؤشر الدال على انعدام التقدم، بل لو تمكن الإنسان من فرصة الإطلاع (على نتيجة) الثورة والعلم بكيفية تطورها، ولو تمكن في الوقت نفسه من السير بها إلى النجاح مرة أخرى فإن هذا الإنسان، ان كان عاقلاً، وحسب الثمن الضروري لهذه الثورة لا يكرر القيام بها. فالثورة في حد ذاتها كعملية "القلب"، أو كبادرة يمكن لها ان تنجح أو ان تفشل، ثم كثمن باهظ لا بد من دفعه، لا تُعتبر مؤشراً يدل على وجود علة قادرة على تمرير تقدم متواصل للبشرية خلال التاريخ.
ولكن الذي يشكل مؤشر التقدم، بالمقابل، هو ما يحاذي الثورة، كما يقول كانط من "تعاطف بين التطلعات يلامس الحماسة". فالمهم في الثورة ليس (حدث) الثورة ذاته، بل ما يدور في أذهان من لا يقومون بها أو، على الأقل، من ليسوا بالقائمين الرئيسيين بها. المهم هو العلاقة القائمة بين هؤلاء وهذه الثورة التي هم ليسوا من أعضائها الفاعلين. فالحماس للثورة، بحسب كانط، هو المؤشر لتأهب يظهر بصفة مستمرة في مظهرين: أولاً في حق كل الشعوب في ان تَهبَ نفسها الدستور السياسي الذي ترتضيه، ثم ثانياً في المبدأ الذي يتفق مع الأخلاق والحق، (القاضي) بأن تتمتع الانسانية بدستور سياسي (شامل) يجنب، من وجهة نظر هذه المبادئ ذاتها، كل حرب هجومية.
فالتأهب الذي يحمل الإنسانية نحو هذا الدستور هو الذي تشير إليه الحماسة للثورة. فالثًورة كمشهد لا كإيماءات، وكموطن للحماسة عند الذين يحضرونها، لا كمبدأ عند مَن يشاركون في صنعها هي "مؤشر استحضاري" لأنها تُبرز التأهب المتأصل (في الإنسان) وهي "مؤشر استدلالي" لأنها تُظهر الفاعلية الحاضرة لهذا التأهب، وهي أيضاً "مؤشر توقعي" لأنه لا يمكن مستقبلاً نسيان التأهب الذي برز من خلالها حتى ولو كان من الجائز مراجعة بعض من نتائج الثورة في ما بعد.
ثم أننا نعلم ان هذين العنصرين، الدستور السياسي الذي اختاره الشعب بمحض إرادته والدستور السياسي (الشامل) الذي يُجنب الحرب، هما (في) مسار عصر الاستنارة. أي ان الثورة هي بالفعل (في الوقت نفسه) التتويج والتواصل لعصر الاستنارة، وفي هذا الإطار يصبح عصر الاستنارة والثورة من الأحداث التي لا يمكن نسيانها. وقد كتب كانط يقول: "أؤكد أني أستطيع التنبؤ للجنس البشري، دون ان يكون ذلك عن ميل إلى التنجيم بل من خلال الظواهر وما استشفه من علاقات في عصرنا، أستطيع التنبؤ بأن (الجنس البشري) سوف يصل إلى هذه الغاية، أي أنه سيبلغ حالة تجعل الناس قادرين على تبني الدستور الذي يريدون والدستور الذي يجنب الحرب الهجومية، بحيث تصبح هذه المكاسب في مأمن من كل مناقضة وظاهرة كهذه لا يمكن ان تُنسى في تاريخ الإنسانية لأنها تُبرز في الطبيعة الإنسانية تأهبا ومَلَكَة (في الإقبال) على التقدم لا يمكن لأي سياسة مهما بلغت من قوة الدهاء التي تنتزعها من مجرى الأحداث السابقة فالطبيعة والحرية، ان اجتمعا في فكر الإنسان، بحسب مبادئ الحق الكامنة (فيه)، يصبحان وحدهما القادرَين على تقرير هذا الأمر حتى وإن لم يكن ذلك إلا في صيغة غير محددة، وكحدث عارض. ولكن وإذا لم يكن الهدف المطلوب من وراء هذا الحدث قد تم الوصول إليه، أي حتى وإن فشلت في ما بعد الثورة أو الإصلاح الذي شمل دستور الشعب، وإذا سقط كل شيء، بعد فترة قصيرة من الزمن، في الأخدود السابق، كما تنبأ بذلك بعض السياسيين، فإن تنبؤنا الفلسفي لن يفقد شيئاً من قوته، إذ ان هذا الحدث هو من الأهمية وعلى درجة من الارتباط بمصالح البشرية، ومن تأثير واسع على كل أجزاء العاَلم ما يجعله يعود، وجوبَا، إلى ذاكرة الشعب حالما تعود الظروف الملائمة، وسيُستحضَر عند تَحدد الأزمة ضمن محاولات متجددة من هذا الصنف؛ لأن قضية بهذه الأهمية بالنسبة للنوع البشري سوف تمكن الدستور المنتظر من ان يبلغ في وقت ما تلك الصلابة التي تؤسسها دروس التجارب المتكررة في الأذهان".
على كل حال، لا بد للثورة ان تكون مهددة بالسقوط في "الأخدود السابق"، ولكنها لن تسقط، إلا كحدث ذي محتوى تافه ويبقى وجودها يشهد على كُمونٍ مستمر لا يمكن نسيانه، ويبقى هذا هو الضمان مستقبلاً لمسيرة التقدم.
أردت ان أحدد فقط موقع نص كانط هذا حول عصر الاستنارة وسأحاول فيما بعد قراءته بدقة أكبر وأردت أيضا ان أرى كيف أَقبل كانط بعد خمس عشرة سنة على التفكير في أحداث أكثر درامية (مما جاء في هذا النص) هي أحداث الثورة الفرنسية. فنحن أمام هذين النصين نقف على موضع الأصل وعلى نقطة انطلاق سلسلة من الأسئلة الفلسفية، لأن هذين السؤالين: "ما هو عصر الاستنارة؟" و"ما هي الثورة؟" هم الشكلان لسؤال كانط حول آنيته ذاتها. وهما، فيما أظن، السؤالان اللذان لم ينفكا يترددان على جزء كبير من الفلسفة منذ القرن التاسع عشر، ان لم نقل على كل الفلسفة الحديثة. ويظهر لي، في آخر الأمر، ان عصر الاستنارة كحدث متفرد دشّن الحداثة الأوروبية، وكسياق مستمر يبرز في تاريخ العقل، وضمن تطور أشكال العقلانية والتقنية وفي عملية تأسيسها ثم ضمن استقلالية المعرفة وسلطتها. ان عصر الاستنارة إذن لا يبقى مجرد مرحلة من تاريخ الأفكار، بل هو مسألة فلسفية مدونة في فكرنا منذ القرن الثامن عشر. ولنترك في وَرَعهم أولئك الذين يريدوننا ان نحتفظ بتركة عصر الاستنارة حية مقدسة، فإن مثل هذا الورع يعد من أسذج الخيانات. المطلوب ليس ان نحافظ على بقايا عصر الاستنارة بل ان نُبقي على ذات السؤال الذي طرحه هذا الحدث وعلى معناه (أي تاريخية فكرة العالمية) الذي لا بد من الاحتفاظ به حاضراً والإبقاء عليه كالشيء الذي يجب ان يكون (مادة) الفكر.
إن مسألة عصر الاستنارة، ومسألة العقل كمشكلة تاريخية، عَبَرت الفكر الفلسفي بكيفية يتفاوت غموضها منذ كانط إلى الآن. والوجه الآخر للآنية الذي اعترض كانط هو الثورة: الثورة كحدث ثم أيضاً كفظيعة وكتحول في التاريخ وكفشل، وفي الوقت نفسه كقيمة وكمؤشر وكتأهب يفعل داخل التاريخ وضمن تقدم النوع البشري. وهنا أيضا لا يكون السؤال المطروح على الفلسفة في اتجاه تحديد ذلك الجانب من الثورة الذي يجب الحفاظ عليه، وإبرازه كنموذج، بل على السؤال ان يتجه نحو معرفة ما يجب ان نفعله بهذه الإرادة في الثورة، وبهذه "الحماسة" للثورة التي تختلف عن العملية الثورية نفسها. فالسؤالان: "ما هو عصر الاستنارة؟ و "ماذا نفعل بإرادة الثورة؟" يحددان كلاهما مجال التساؤل الفلسفي عن هوية وجودنا في الآنية التي نعيشها.
لقد أســَس كانط، فيما أعـــتقد، الركنين الرئيسيين للتراث النقدي اللذين تقاسما الفلسفة الحديثة. ولَنِقُل إنه وضع في عمله النقدي العظيم دعائم هذا التراث الفلسفي الذي يطرح السؤال حول الشروط التي تجعل المعرفة الحقة ممكنة. ولنا ان نؤكد ان جانباً بأكمله من الفلسفة الحديثة قد تولد وتطور (من كانط) في شكل تحليله للحقيقة.
غير أنه يوجد في الفلسفة الحديثة المعاصرة سؤال من نمط آخر، أي على صيغة أخرى من الاستفهام وهي التي تولدت تحديداً في السؤال عن عصر الاستنارة وفي النص حول الثورة. وهذا التراث النقدي الجديد يطرح السؤال: ما هي آنيتنا؟ وما هو المجال الحالي للتجارب الممكنة؟ والأمر لا يتعلق هنا بتحليلية الحقيقة بل بما يمكن ان نسميه بأنطولوجية(7) الحاضر، أي بأنطولوجيتنا نحن ذاتنا. ومن هنا أرى ان الاختيار الفلسفي الذي نتعرض له اليوم هو الآتي: فإما ان نختار فلسفة نقدية تأتي إلينا على أنها فلسفة تحليلية (تتناول) الحقيقة بصفة عامة، وإما ان نفضل فكراً نقدياً يأخذ شكل أنطولوجية لـ "نحن ذاتنا" أي أنطولوجية الآنية، ولقد أسس هذا الصنف من الفلسفة (الاختيار الثاني) بدءا من هيغل إلى مدرسة فرانكفورت، مروراً بنيتشه وماكس فيبر، شكلاً من التفكير حاولت أنا ان أعمل داخله.
-----------------------------------------------------
(1) للجملة الفلسفية الكانطية بنية منشغلة تجعلها "تلبس" الفكرة ولا تنتهي الا بانتهائها. فالتنقيط "النحوي" عند هذا الفيلسوف يبقى تحت قيادة النَفَس الاستدلالي الذي يطول أحيانا إلى حد إرهاق القارئ والتباس الأمور عليه. حاولنا الإبقاء على صحة الصياغة في ترجمتنا لنص كانط من الترجمة الفرنسية، مع لجوئنا في كل مرة إلى القاموس الكانطي الأصلي، بالألمانية، في تعريبنا للمفاهيم الفلسفية.
(2) ترجمنا بكلمة الفكر المفهوم الكانطي Verstand، وبكلمة عقل المفهوم Vernunft كما جرت العادة في الترجمات العربية لأهم أعمال كانط، أما حين يستعمل اللفظة Geist وهي تعني بالضبط العقل في بعديه الجماعي والتاريخي، فقد فضلنا تعريبها بكلمة الذهن. (المصطلحات مذكورة في هذا الهامش باللغة الألمانية).
(3) يقصد كانط بهذا (السيد الوحيد) الملك فريدريك ملك بروسيا الذي كان يعيش عهده، كما سيبين النص ذلك فيما بعد.
(4) اقتباس من مقالة لإدوارد سعيد بعنوان "ميشال فوكو".
(5) الغائية (teleology) هي النظرية القائلة بوجود غرض (هدف) لكل ظواهر الطبيعة.
(6) تعرف هذه النصوص في أعمال كانط تحت العناوين التالية:
"حول مختلف الأجناس البشرية" نشره أول مرة سنة 1775، وأعاد نشره منقحاً ومزيداً سنة 1777.
" حول تحديد مفهوم الجنس البشري"، 1785 (ربما كان هذا النص تعقيبا متأخرا على النص الأول).
"اقتراحات حول بدايات التاريخ الإنساني"، 1786.
2 فضلنا ترجمة مفهومactualite (actuality) بالآنية، من "الآن"، لأن فوكو في مواضع أخرى يعتمد التحليل نفسه، ويشدد على البعد الزمني لهذا المفهوم أي البعد "التوقيتي"، لا البعد "الحدثي".
3يشير فوكو حين يتحدث عن البحث الأصولي إلى استدراج المفاهيم والقيم بدءا من أصلها، واستنطاقها من خلال هذا الاستدراج تماما مثلما فعل نيتشه في كتابه "البحث في أصول الأخلاق" (Genealogie de la Morale).
4 ميز النص أبعاد هذا المؤشر بتعابير لاتينية: (Reme morativum, De monstrativum, Pronosticum).
(7) من أنطولوجيا (ontology)، ويعني علم الوجود، أو علم الكينونة، وهو العلم الذي يهدف إلى استكشاف ماهية الأشياء في حد ذاتها باستقلال تام عن أفعال الوعي.