أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانيه عقلة حداد - -تانغو ... انت لا تغادرني ابدا-















المزيد.....

-تانغو ... انت لا تغادرني ابدا-


رانيه عقلة حداد

الحوار المتمدن-العدد: 2326 - 2008 / 6 / 28 - 08:33
المحور: الادب والفن
    


... اذا فقدنا ذاكرتنا ونسينا فمن نحن بعد ؟

استعراض هادئ وطويل بالكاميرا لمدينة بيونس ايرس الارجنتينية في صباح شتائي مشمس، تتآلف معه موسيقى حنونة لاكورديون وكمان، تعطي احساسا كما لو ان المدينة تتنفس عميقا قبل ان تستيقظ، بهذه المقدمة يبدأ الفيلم الاسباني " تانغو" انتاج 1998 بحس تأملي شاعري، وبدفء خاص يضفيه عليه لون الفيلم المائل للبرتقالي.
في "تانغو " تتعدد الحكايات وتتشابك، ومنذ البداية الاولى للفيلم يختار مخرجه الاسباني (كارلوس ساورا) ان يمحو الحدود بين تلك الحكايا، فيختلط الشخصي بالعام، والواقع بالمتخيل، والذاكرة الفردية بالجمعية، فها هو ماريو ساوريز (مايكل انجيل سولا) يطل علينا في اول مشهد وهو يراجع سيناريو "تانغو" الفيلم الذي يحضر لاخراجه عن التاريخ الدامي للصراع في الارجنتين، حاملا نفس عنوان، ومقدمة، ومضمون الفيلم الذي نشاهده، فليس ماريو بالنهاية الا انعكاس لذات المخرج ساورا، وما حكاية رحلة انجازه للفيلم، معاناته، قلقه، واسئلته عن الابداع والالهام الا حكاية، قلق، واسئلة، ساورا نفسه، هذا يذكرنا تماما بفيلم (ثمانية ونصف) عام 1960 الذي يعد فيلم سيرة ذاتيه لمخرجه الايطالي فيلليني، حيث البطل هو مخرج يقوم بانجاز فيلم ايضا، يواجه ازمة ابداع، ويبحث عن الالهام كما كان فيلليني في الحقيقة، الا ان اسلوب ومشروع كل من فيلليني وساورا مختلف تماما.
ماريو يفتقد كثيرا لزوجته لاورا (سيسيليا ناروفا) التي هجرته وترفض العودة اليه، لكنها ما زالت تعمل معه كراقصة تانغو في فيلمه هذا، وبينما يتابع التحضيرات للفيلم، تنشأ علاقة حب بينه وبين ألينا (مايا مايسترو) راقصة تانغو شابة، عشيقة عضو المافيا وأحد منتجي الفيلم، وهنا مرة اخرى يتلاشى الخط الفاصل بين الواقع والمتخيل، بين ما يحدث مع ماريو وما يتخيله، حين نشاهد تداعيات الصراع على ألينا بين ماريو وعضو المافيا، كجزء من احداث الفيلم الذي يعده ماريو عن استعمار الارجنتين، كما يتخذ هذا الصراع مستوى دلالي اخر، حيث الحبيبة تغدو الوطن (الارجنتين) محور الصراع الذي يناضل الابناء من اجله ضد المستعمر.
كجزء من ذاكرته التي تمتزج بالذاكرة الجمعية، يستعيد ماريو/ساورا في "تانغو" لمحات من تاريخ الارجنتين؛ الاستعمار، والحرب، ومعاناة ابنائها وتهجيرهم، وتعذيبهم باسلوب غير تقليدي عبر مشاهد او لوحات تعبيرية لا تستخدم الحوار، انما الموسيقى وصور بصرية تشكلها لغة الاجساد التي ترقص التانغو معبرة عن الاحداث والمشاعر، بتآلف مع الاضاءة وتكوينات الديكور في فضاء الاستديو، الذي يتكون بعضه من منصات تذكرنا بالمسرح، و بانوهات متحولة الوظيفة والدلالة، فتارة تصبح مرايا، ووتارة تتحول الى خلفيات تعرض عليها صور من احياء الارجنتين، او لوحات لغويا عن الحرب، او مقاطع من افلام قديمة، او تتحول الى مساحة رحبة يتجسد عليها ما يتخيله ماريو...، تتظافر مختلف انواع الفنون في الفيلم دون ان تطغى على لغته السينمائية، وبه يصل ساورا الذروة تعبيريا، مستكملا بذلك مشروعه بتوظيف الموسيقى والرقص النابع من التراث الاسباني، كاداة تعبيرية تروي اغلب حكاية الفيلم، الذي بدأ بفيلم "كارمن"، مرورا ب "عرس الدم"، و"فلامنغو".
في "تانغو" يقترب ساورا اكثر من الشكل الملحمي البريختي، وهو في هذا يذهب خطوة ابعد من فيلليني، حيث لم يكتفِ باتخاذ الفيلم داخل فيلم كآلية لكسر الايهام بالحدث السينمائي، وابقاء المشاهد على مسافة منه، انما ايضا يدخلنا ساورا اكثر من مرة لعبة الايهام بالواقع، ثم يزيل الوهم كاشفا زيف الاشياء، فما تلبث ان تأخذنا الاجساد الراقصة والاضاءة بدلالتها الرمزية اثناء التمارين، حتى تتحرك الكاميرا مستعرضة، فندرك بعدها ان تلك الاجساد ليست حقيقة انما هذا ما الا انعكاسها بالمرآة، فالحقيقة في مكان اخر غير الذي نظنه، وعلينا ان لا نترك الحياة تخدعنا بزيفها، كما كان ايضا ساورا حريصا على كسر الجدار الرابع وجعل المشاهد شريكا في الحدث وشاهدا عليه في آن، يدخلنا معه لعبة الكاميرا والمرايا، ففي لحظات معينة تتحرك الكاميرا عبر الاستديو فنرى حركتها المنعكسة في المرايا التي تملأ المكان، تقترب منا كما لو انها ترصدنا كأننا الحدث، وتارة كما لو ان عين المشاهد تتحد مع عين الكاميرا نقف امام المرآة امام انفسنا نتأملها ونعريها، وتارة اخرى نتحرك معها كشهود على الحدث، كما في المشهد
الاخير، حيث يجعلنا ساورا نغادر الفيلم قبل انجازه، تماما بعد اللحظة التي يغادر فيها فريق العمل الاستديو كي يعود في اليوم التالي لاستكمال التمرينات، فنبقى كمشاهدين وحدنا في الاستديو نتحرك مع الكاميرا امام المرآه وحول مسرح الاحداث، حيث كراسي الاوركسترا الخالية مع الاضاءة التي تميل الى الغروب، كأن تكون هذه الكراسي تُركت فارغة لنا، لنكون اصحابها ونعزف من فوقها لحننا الخاص فالآن دورنا.
اكثر من ذلك هناك مشاهد يجعلنا ساورا فيها نقف داخل مخيلة ماريو وخارجها في ذات اللحظة، نشاركه بما يتخيل ونشهد عليه في آن، كما في المشهد الثاني في الفيلم عندما يستلقي ماريو على السرير تقترب الكاميرا من وجهه وهو يفكر، ثم ننتقل الى ما يتخيله فتاة وشاب يرقصان التانغو، بعد فترة كما لو ان نافذه قد فتحت خلفهما على البانوه، تظهر عليها صورة ماريو وهو يفكر ونرى انعكاس صورته على الراقصين؛ فنحن نبصره وهو يفكر ونبصر ما يتخيله معا.
واخيرا كقصيدة حب نكاد لا نعرف أهي للحبيبة أم للوطن ... هكذا هو تانغو" كما لو ان الارجنتين؛ هي الوطن الذي تُغادره ولا يُغادرك ... كرقصة تانغو خالدة، لربما من هنا جاء العنوان الفرعي للفيلم "... انت لا تغادرني ابدا" ... ولان علينا ان نتعلم درسا من التاريخ الذي يعيد نفسه،
ويتجلى فيه الصراع كمحرك رئيسي لاحداثه، لذلك صنع ماريو / ساورا هذا الفيلم، كي نتذكر واذا ننسينا فمن نحن بعد؟ مستخدما اكثر الادوات رقة؛ الرقص، والموسيقى للتعبير عن اكثر الاشياء قساوة؛ الحرب، والقتل.


* كاتبة في الصحافة السينمائية/الاردن
[email protected]
------------------------
Tango, no me dejes nunca



#رانيه_عقلة_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نادي شومان السينمائي
- ما زال هناك ما يمكن فعله ... في الذكرى الستين للنكبة


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانيه عقلة حداد - -تانغو ... انت لا تغادرني ابدا-