أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كريم الهزاع - جدلية الماء والنار














المزيد.....

جدلية الماء والنار


كريم الهزاع

الحوار المتمدن-العدد: 2324 - 2008 / 6 / 26 - 02:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في البدء لنا أن نقول إن للثقافة روحين: روح الحضارة الشرقية المتسمة بالتعبد للنور والخضور، وللشمس والكواكب، والمملكة النباتية بما فيها الماء. أما الثقافة الغربية الأوروبية، فإن حاملها الأول هو النار والمعادن. وهذا الانقسام يقودنا إلى خيالين: مائي وناري. ومن دون عناد، نستطيع القول إن للحداثة روحين. ولعل البعض منا انساق وراء هذه المسارب، واندلق في أنابيبها دون أن يبحث في كيفيات الأشياء وآنياتها، أو قل بغير هضم، ولم ينتبه أحد إلى هذه المثنوية، بحجة أن المعرفة لا تتجزأ.

في الحقيقة يا سادة، المطلوب أن يكون هناك مفكر ولا أقول ناقدا، مفكر يحلل ويفلسف ليعبر بنا من ظاهرة الأهرامات وبرج بابل وقصيدة جلجامش والكتب السماوية، وحتى ظاهرة الشعر العربي المعاصر والرواية والقصة القصيرة، مفكر كوني وكلي النزوع، يلم في داخله بكل شيء أنجزه الإنسان. أدرك بأني أطلب هذا الطلب، بينما يعيب علينا البعض، أننا مازلنا نتحدث في الحداثة، بينما الآخرون تجاوزوها إلى ما بعد الحداثة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نتجاوز ونحن لم نتصالح مع ذواتنا، مع روح حضارتنا، القيمة الأولى: «الله نور السماوات والأرض» و«وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي» . نعم، نحن نعبد المجرد على هيئة النور، ونعبد المجسد على هيئة الماء، ومن هنا جاءت مشاريع الري العظمى في حضارتنا القديمة والوسيطة، في اليمن، وفي مصر الفرعونية، وفي سومر وبابل وآشور، بل حضارتنا لم تزدهر إلا في الأودية النهرية، أو على شواطئ البحار. الماء إذاً هو بذرة «كن»، بمعنى أن الأمة العربية حتى في الحداثة، شأنها في ذلك شأن كل أمة أخرى، ستظل تصون الخصوصية الجوهرية، الطبائع، ولو أن هذه الطبائع يسيل بعضها صوب بعض لكي ما ينجز مقام الأحد الذي لا يتجزأ، أو لا يتبدد. وتلكم هي بالضبط جدلية الشيخ الكبير محيي الدين بن عربي، وتجلت هذه الجدلية في شعر السياب وحاوي وأدونيس ودرويش وفي خيالاتهم المائية، بينما الشاعر الأوروبي قد فهم الحداثة على نحو آخر: إنها موقف من الحياة عند غوته، وموقف من الحضارة الحديثة عند بودلير وإليوت. ومع الأسف الشديد أخذ البعض من مثقفينا يحاكونها دونما وعي، بحيث باتوا كالغراب الذي ضيع مشيته، لقد تجمدت مقولات الحداثة على أفواههم حتى بهتوا، إذ لم يمنحوا أنفسهم فرصة تمحيص ما يلهجون به على الدوام. وأصبحت الحداثة عندهم هي الصورة المكثفة المتراكمة المكتظة بالمعاني المتعددة بلا لون ولا طعم، بلا هدف ونزعة إنسانية، صورة الهروب نحو اللاشيء، الانكسار، والخضوع لكل أنواع السلطات، صورة لا تحمل روح التغيير، أو قل، فعل التحريض، والفعل الذي لا يحرض ينفى.

أما عن ما بعد الحداثة، فأستطيع أن أتبنى قول الباحثة الاجتماعية ناديا صادق العلي (مدخل لما بعد الحداثة): .. وإني شخصيا أشعر بقربي الشديد من الشيزوفرينيا التي يبدو أن ما بعد الحداثة تستدعيها، وتسحرني، بخاصة أفكارها عن تعدد الأصوات واختلافها والتشتت والتشظي والشعور بالفقدان. كما فرض عليّ انحداري الثقافي أن أرى الأشياء من زوايا مختلفة، وهذا ما جعلني لا أطمئن إلى الحقائق المطلقة. وما يستهويني في ما بعد الحداثة، قبولها بالتشظي والفوضى والتفتت، يشكل لي في الوقت ذاته معضلة كبيرة. فمما لاشك فيه أن تأكيد ما بعد الحداثة على التعددية يشكل جذبا، خصوصا لأولئك الذين يشكون بالحقيقة» .. لكننا لا نستطيع أن ننفي المدارس الغربية، فنحن بحاجة لمعرفة شمولية لكي نستطيع تفكيك النص من خلال النظريات والحواس والحدوس والدلالات والرموز لكي نستطيع أن نفك شيفرتها مع الاحتفاظ بشخصية المكان أو الإنسان وهويته.

إن الصراع الحالي هو صراع النصوص المسنودة إلى فكر معين، وللأفكار جدليتها الدائمة، والأفكار لا تموت، لكنها تضمّن في سياق جديد «ترتدي ثيابا جديدة»، لا يراها إلا من يمتلكون حواسا أو أدوات سيميولوجية. والنصوص تأخذ في كشفها من التقريرية المباشرة، وإلى حد السريالية أو الفوضوية، ومازال التجريب يأخذ طريقه، والبنية في الكتابة الجديدة تحضر كينونتها الخاصة، وأيضا بنيتها وأسلوبها وتتكئ أفضل النصوص على المرونة التي تعتمد بشكل أساسي على الفلسفة، حيث تعددية التأويل والدلالات.. ولسنا بعيدين عن زيارة جاك دريدا لمصر، والموقف المحرج الذي وضع فيه نخبة المثقفين المصريين، حيث يغدو تأويل النص مثل رجرجة الماء، ومن الصعوبة القبض على الطيور العالية في السماء كلها، ولسنا بعيدين عن نصوصنا العرفانية وصعوبة تفكيكها، أو اللجوء للتأويل والهيرومنيطيقا.

ليكن لدينا علم اسمه «علم الاستغراب»، مثلما كان هناك «علم الاستشراق». وعلينا أن نستفيد من جدليتهما. إن ما قدمه دريدا أو دوسوسير وبارت وتشومسكي وآخرون، وعلاقته بعلم الاجتماع والأنثروبولوجي والإنسانية، لهو جدير بالاحترام مثل البنيوية والتوليدية والتحويلية والتفكيكية والسيميولوجيا والكتابة على الكتابة ولذة النص وهسهسته، بعد ذلك كله، علينا أن نحترم كل تجربة نقدية تفضي بنا إلى كيفية تذوق النص والغوص إلى باطنه من دون أن نبتعد عن ينابيعنا الخاصة.



#كريم_الهزاع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصحافة الكويتية واللعب بالمشاعر
- مرضى ال ms في الكويت.. من الذي سيقتص لهم؟
- قضية البدون في الكويت
- طرة أو نقشة
- إلى أين توجهت أصوات «حدس»؟
- الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 4)
- الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 3 )
- الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 2 )
- الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 1 )
- كيف نصنع دكتاتورا ونشنقه ونتباكى عليه؟
- الحداثة والبحث عن نظرية نقدية
- الصبي الذي حطّم أصنام أبيه
- البذور الجديدة
- أصنام الكتابات
- ريثما تطن نحلة أخرى في الدماغ
- فلسفة الفرح
- من يمنحنا أجنحة للطيران؟
- أوغست كومت بعد قرن ونصف من رحيله
- بهجة الاحتضار ومراوغات الجثة
- الإرادة : حينما لا أجد شيء يقلقني فهذا بحد ذاته يقلقني


المزيد.....




- الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
- بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند ...
- لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
- قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب ...
- 3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
- إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب ...
- مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
- كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل ...
- تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
- السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كريم الهزاع - جدلية الماء والنار