|
القلم .. والرصاص
حسن عبد راضي
الحوار المتمدن-العدد: 2318 - 2008 / 6 / 20 - 02:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لكل مواطن في العالم الديمقراطي الحق في توجيه النقد لمن يشاء، شرط ان يكون النقد مبنياً على أسس موضوعية ووثائق ومعلومات مؤكدة بشأن القضية محل النقد، وتنسحب هذه البديهية على الإعلام بكل صوره وأشكاله، فلا يجوز لأي إعلامي (ولا لمؤسسته طبعاً) أن يوجه انتقاداً أو اتهاماً إلى أية جهة إن لم يتوفر على قرائن وأدلة تؤكد وجهة النظر النقدية المعروضة، وتدفع أية شبهة بالانحياز واللاموضوعية. لقد وجدت حاجة ماسة لأقدم بهذه البديهيات المعروفة جداً، لاسيما بعد مشاهدتي حلقة من برنامج (قلم رصاص) الذي يقدمه إعلامي مصري اسمه حمدي قنديل من قناة دبي الفضائية. وكعادة العرب في الكيل بمكيالين أو أكثر، فقد وجه هذا الإعلامي نقداً هنا وآخر هناك، ومسَّ حكومات الدول العربية مساً رفيقاً تاركاً خطوطاً كثيرة للرجعة، ومساحة كبيرة للعذر لتلك الحكومات، وبقي ما طرحه تجاهها في سياق النقد، لكنه ما إن جاء إلى الشأن العراقي، حتى بدا التحامل واضحاً ومفضوحاً، فقد استهل حديثه عن العراق بإيراد مانشيت جريدة يقول إن ثمة (مليون معاق في العراق) .. ويا له من مدخل!! نعم قد يكون في العراق أكثر من هذا العدد من المعاقين، وضعفه أو أضعافه من الشهداء والأرامل والأيتام، لكن هل سأل قنديل نفسه: من أين جاء هذا العدد المهول من الضحايا؟؟ لقد قتلهم إخوته وأبناء عمومته ... مصريون وتونسيون وسعوديون وسوريون جاؤوا من كل صحراء بلقع ومن كل فج عميق، أرسلتهم إلينا مساجد الضرار ودعاة السوء، فجاؤوا وفجروا أنفسهم أو سياراتهم المفخخة في الأسواق والمدارس والشوارع والمساجد والحسينيات بدعوى الجهاد!! فإذا كنا نعذر صعيدياً (لا يعرف الألف من كوز الذرة) كما يقول إخواننا المصريون أنفسهم، فكيف نعذر إعلامياً مخضرماً يعيش وسط مدينة دبي للإعلام..؟؟ أفلم يسمع عن العمليات الانتحارية التي نفذها من يدّعون المقاومة وأزهقوا بها آلاف الأرواح البريئة لمدنيين عراقيين عزل؟ ألم يشاهد ولو مرة واحدة بقايا مجزرة قام بها إرهابي سلفي في سوق لفقراء العراقيين وليس في معسكر أميركي!! وليته يتحلى بقليل من الشجاعة والصراحة ليخبرنا ماذا كان موقفه من مقتل الزرقاوي الذي قتّل العراقيين وحاول إشاعة الفتنة الطائفية بينهم؟ هل قال شيئاً في برنامج الرصاص هذا عن جرائم الزرقاوي؟ أم أنه أبّنه وبكى عليه كما فعل كثير من العرب وكما هو متوقع منه؟ طرح قنديل في برنامجه قضية الاتفاقية العراقية الأميركية، واستضاف لهذا الغرض أحد مناوئي المشروع السياسي الجديد في العراق، وصارا يغردان على نفس المقام، لكن الغريب أنه بعد انتهاء حواره مع ضيفه، وفي تعليقه الختامي - الذي أفترض أنه يتحمل مسؤوليته بالتضامن مع القناة التي تبث البرنامج- يقول :(إن هذه الاتفاقية حتى لو أبرمت بموافقة البرلمان العراقي فإن على الحكومات العربية أن تضغظ لإسقاطها، فإن لم تستطع ذلك، فإن على الحكومات العربية أن تعمل جاهدة لإسقاط حكومة بغداد) هذا ما قاله حرفياً، ولئن كان هذا الأمر مردوداً من جهة بأن الحكومات التي يدعوها قنديل لإسقاط الاتفاقية أو لإسقاط الحكومة العراقية، هي نفسها لديها اتفاقيات أمنية وعسكرية واقتصادية ليس مع امريكا فقط، بل حتى مع اسرائيل (لا أدري هل نسي قنديل اتفاقية كامب ديفيد التي يعيش هو وثمانون مليون مصري في ظلها ويأكلون من بركاتها! عمي يا قنديل..خلي الطبق مستور)، فإن مثل هذا التصريح لا ينبغي السكوت عليه من قبل الحكومة العراقية، لأنه يعني تدخلاً سافراً في شؤون العراق وبكل الوسائل الممكنة، كما أن الشطر الأخير من التصريح يتضمن تحريض الحكومات على إرسال المزيد من البهائم الانتحارية "لإسقاط حكومة بغداد" كما يقول. ولا أدري من أين يأتي بعض العرب بكل هذا الصلف؟ هل يعلم قنديل وغيره أن معدل زيارات المسؤولين العرب (غير العراقيين) إلى واشنطن وتل ابيب يفوق عشرات المرات الزيارات التي يقومون بها إلى عواصم بعضهم؟ وهل يعلم ان الاتفاقيات الثنائية بين الدول العربية متفرقة مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل يفوق بأضعاف الاتفاقيات الثنائية بين الدول العربية ؟؟؟ هل يعلم شيئاً عن حجم التبادل التجاري بين العرب وأعدائهم من الأميركان والصهاينة؟ وهل يعلم شيئاً عن التوسلات العربية بإسرائيل لكي ترضى أن تمنح الفلسطينيين جزءاً صغيراً من وطنهم ليؤسسوا عليه "دولة" ويعيشوا في سلام،.. ثمة آلاف الأسئلة التي لا أجد جواباً مقنعاً لها لدى قنديل ولا لدى ملايين القناديل الآخرين الذين ينظرون إلى العراق من وراء زجاج معتم اسمه الطائفية، ويصورون الأشياء لا كما هي في حقيقتها، لكن كما تعكسها نفوسهم المريضة، وقديماً قال المتنبي: ومن يكُ ذا فمٍ مر ٍمريض ٍ يجد مراً به الماء الزلالا
#حسن_عبد_راضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقدة السوبرمان
-
عصر الغذاء الرخيص
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|