|
مهنة الدبلوماسية!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2313 - 2008 / 6 / 15 - 10:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
غالباً ما يتردد: هل الدبلوماسية فن أم علم أم كلاهما معاً؟ وهل هي مهنة أم وظيفة إدارية، ثم ما علاقة الدبلوماسي بالأمن الوطني؟ ومنذ دراستي للعلوم السياسية والقانون قبل أربعة عقود ونصف من الزمان دائماً ما أضع للدبلوماسي مكاناً خاصاً، في فن التعامل و«الأتيكيت» واللياقة والكياسة واستخدام المفردة والابتسامة العريضة والحصافة والحكمة وسرعة المبادرة وغيرها من الأمور، إضافة الى المعرفة والثقافة والخبرة واللغة، وقبل كل ذلك تمثيل الدولة وليس الجماعة الفئوية أو الحزبية أو المذهبية أو الإثنية. وفي الكثير من الأحيان أصطدم بالكثير من هذه المواصفات التي أقابل عكسها وأنا ألتقي بهذا الدبلوماسي أو ذاك، فالكثير من تلك المواصفات تتبخر وتطير، لتحل محلها مواصفات لا علاقة لها بمهنة الدبلوماسي، فإما مراعاة للمحسوبية والمنسوبية أو اعتماداً على الولاء بدلاً من الكفاءة، أو تقديم القربى العائلية أو الحزبية أو المذهبية أو الاثنية، عوضاً عن الوطنية والمساواة والمواطنة وتكافؤ الفرص. ولعل السبب يعود الى حصر جهاز وزارة الخارجية والامتيازات التي يحصل عليها الدبلوماسي بأوساط معينة، ففي العراق الملكي كانت أقلية تحظى به رغم صرامة المعايير، وفي العهود الجمهورية وبسبب ضعف المعايير تسللت إليه الحزبية، لاسيما في ظل النظام السابق بعد العام 1968 إلى أن تم احتكاره كلياً على الحزب الحاكم وحواشيه، ثم جاء الاحتلال ليكرس المحاصصة والتقاسم الوظيفي الاثني والطائفي والسياسات الضيقة، بعيداً عن المهنية والكفاءة والخبرة، فضلا عن مواصفات الدبلوماسي المعروفة على المستوى العالمي. وأكاد أجزم أن الكثيرين من موظفي وزارة الخارجية يجهلون قواعد التعامل الدبلوماسي والتعامل القنصلي و«الاتيكيت والبروتوكول» والمراسم وغير ذلك، وربما قسم كبير منهم من لم يطّلع على مجموعة الكتب التي ألفها السفير السوري المعروف الأكاديمي الأستاذ سموحي فوق العادة أو أعمدة الدبلوماسية مثل: أرنستو ساتو وراؤول جونيه، وربما لم يسمع الكثير منهم بحكمت سليمان وحسين جميل ومحمد فاضل الجمالي وكاظم الخلف ونجدة فتحي صفوت وداود محمود رامز والدكتور فاضل زكي محمد والدكتور وهبي القرغولي والدكتور هشام الشاوي والأستاذة سلوى ساطع الحصري، ممن كتبوا في فن وعلم الدبلوماسية. وإذا كان موضوع التعامل الدبلوماسي والتعامل القنصلي قد أصبحا أمرين يسيران بفعل الاتفاقيتين الدوليتين الأولى: اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 والاتفاقية الدولية للعلاقات القنصلية لعام 1963 فإن موضوع البروتوكول وقواعده و«الاتيكيت» وقواعده، يواجهان حقيقة الاختلاف في تفاصيلهما من بلد الى آخر، إذ تتحكم في قواعدهما وتطبيقاتهما أعراف محلية وتاريخية. وقد صادف لي أن التقيت قبل شهر ونيف في الرباط أحد الدبلوماسيين العراقيين المخضرمين من الذين عملوا في الحقل الدبلوماسي موظفاً متدرجاً من معاون محاسب الى قائم بالأعمال، وفي بعثات العراق الدبلوماسية والقنصلية في لندن وبروكسل ودمشق وجنيف وبومبي وبامكو (مالي) واكادوكو (بوركينافاسو) وينامي (النيجر) والقاهرة، وذلك خلال فترة حكم الرئيس عبدالسلام عارف والرئيس عبدالرحمن عارف والرئيس أحمد حسن البكر والرئيس صدام حسين، من سنة 1964 لغاية 2002 حين أحيل إلى التقاعد. وسألت همام هاشم الآلوسي وهو سليل الأسرة الآلوسية المرموقة ونجل العلامة هاشم الآلوسي: كيف كنتم تتعاملون في ميدان التشريفات والمراسم؟ وما الصعوبات والإشكالات وربما التحديات؟ ثم هل يوجد قانون أو نظام (قواعد أو سنن مقننة) لمراسم الدولة وتطبيقات قواعدها؟ أجابني الدبلوماسي المعتّق: إن ما كان يطبق لعدة عقود من الزمان هو أجزاء متفرقة من قوانين للمراسم يعود إصدارها إلى أواخر الثلاثينات من القرن الماضي في عهد الحكم الملكي، الأمر الذي يصعب اعتمادها جميعها، فالمسألة غير عملية، حيث تغيّر الزمن وطرأت على المراسم وأصولها وطرق التعامل بها الكثير من المستجدات الدولية والإقليمية والعراقية، وهو ما وجدته في كتابه القيّم الذي أهداني نسخة منه «الدبلوماسية». ومن هذه المتغيّرات على المستوى الداخلي، استحداث بعض المناصب التي لم تكن موجودة أساساً أيام صدور القانون، ثم تغيّر شكل النظام من ملكي إلى جمهوري، وتعاقب العديد من الرؤساء، في حين ظلّت المراسم كما هي دون تغييرات تُذكر، الأمر الذي كانت وزارة الخارجية تعالجه لاسيما موضوع الأسبقيات ومراسم تنظيم الاحتفالات الرسمية في الدولة، رغم ما يثيره من إشكالات ومشكلات نظرية وعملية. ويبرز هنا اسم عبد الودود الشيخلي الذي كان له دور كبير في إغناء دائرة المراسم العراقية إضافة إلى الدكتور عبدالرحمن البزاز والدكتور عبدالحسين الجمالي وعودة أحمد البياتي ونجدة فتحي صفوت وثامر الجيبجي وغيرهم! وإذا كانت وزارة الخارجية العراقية في العهود السابقة قد تعرّضت لانتقادات كثيرة لاسيما الفئوية والمحازبة التي استبعدت أو أطاحت بكفاءات بسبب تقديم الولاء على الكفاءة في أحيان كثيرة، فإن موضوع تمذهب وإثنية وزارة الخارجية أصبح على كل لسان، فهذا الفريق ينتقد الآخر ولا يعود السبب إلى عدم الكفاءة أو تزوير شهادة أو عدم تعيين لأسباب سياسية أو مذهبية أو إثنية، بل إلى أن حصته قليلة وأن حصة الطرف الآخر أكبر، وأن المجموعة الفلانية هيمنت على الوزارة وشاركها طيف آخر حسب امتدادات الوزير والوكلاء، لاسيما بعد إخراج الكادر الأساسي من الوزارة المحسوبين على النظام السابق أو الذين جرى اجتثاثهم حسب قانون «اجتثاث البعث»، رغم كفاءة العديد منهم وعدم وجود تهمٍ قضائية بحقهم. ولعل هذا المشهد يصبح غرائبياً حين توزّع مهنة الدبلوماسية على الأحزاب والفرق والجماعات، التي لا يربطها أي رابط أحياناً بالدبلوماسية علماً أو فناً أو ممارسة أو خبرة، لاسيما بخصائصها وتعاملها و«بروتوكولاتها وإتيكيتاتها» والعلاقات الدولية المعقدة والمتشابكة التي تعتمد عليها، حيث يتقدم الولاء المذهبي والإثني على حساب الكفاءة والمساواة، الأمر الذي لا يستقيم معه تمثيل الدولة!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرية التعبير وتحديات الإصلاح والديمقراطية
-
الإعلان العربي للمواطنة
-
الصمت الآثم: «المبشرون» وغسل الأدمغة!
-
حقوق الإنسان: الهاتف الغيبي!!
-
الجولان والوساطة التركية
-
حقوق الإنسان: اعتذار أم حالة إنكار؟
-
الأمم المتحدة والضحايا الصامتون!
-
احتلال العراق وقصة الانتحال والمخابرات “العظيمة”
-
معاهدة عراقية - أمريكية سيعلن عنها في يوليو
-
المحاكمة: المنظور والمحظور!
-
الاستثناء العربي والمرجعية الدولية للديمقراطية
-
المعاهدة الأميركية - العراقية: ابتزاز أم أمر واقع؟!
-
جدلية الإصلاح العربي: الساكن والمتحرك!
-
ثقافة الخوف والإرهاب!
-
في أزمة الشرعية
-
المواطنة والفقر
-
التشكيك بحقوق الإنسان!
-
جدل المواطنة والهوية!
-
مسيحيو العراق... قرابين على مذابح عيد الفصح!
-
دمشق عاصمة الثقافة: شجون فلسطين والفكر العربي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|