|
وماذا عن الجيش؟
عاصم بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2311 - 2008 / 6 / 13 - 11:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المفترض أن لا تخرج أحداث السابع من أيار، من التداول. وأن لا يسكت اللبنانيين عنها. وأن لا يكون، هذا اليوم، تاريخ بدأ العمليات التأديبية لمدينة بيروت، يوماً كبقية الأيام، يحفظ جماعياً، وتغيب قيمته النقدية. فلا حزب الله مقدس، ولا الفريق المواجه (14 آذار) مقدس، ولا الطرف الثالث، أي الجيش، مقدس ولا قيمة للحرية خارج إطار النقد. من هذا المبدأ، يجب إعادة فتح ملف تلك الأحداث، وخاصة أن الوطن الآن، وفي شكل نسبي، يمر في حالة من الهدوء نتيجة تراكمه إقليمياً. ويحق لنا، كلبنانيين، أن نفهم ما جرى. لما فعل حزب الله "المقاوم ضد إسرائيل" هكذا؟ ولما إستنكف فريق الرابع عشر من آذار عن المواجهة؟ ولما كان الجيش هزيلاً وغريب الأطوار؟!
لعل النقطة الأخيرة، المتعلقة بالجيش اللبناني، هي الأهم. لأن حزب الله فعل طارئ، قد ينتهي في أي لحظة بإنتهاء مشروعه الإقليمي. وحالة قوى الرابع عشر من آذار، هي أيضاً حالة عابرة، بمعناها المادي، وقد تتلاشى اليوم أو غداً أو بعد غد. أما الجيش، فهو مستمر في حياتنا، لأنه، وهكذا يقال، الضامن لأمن وسلامة هذه البلاد (إن إستمرت هي أصلاً!) من الشرور الداخلية والخارجية على حدٍ سواء. ولأنه حيادي، بالمعنى الإيجابي للكلمة، لا السلبي كما فعل في الأزمة المذكورة. فالمراقب لأداء الجيش فيها، يشعر أن الجيش يلعب دور "الواسطة" أكثر منه دور "الحامي"، وهذه مشكلة حقيقية. فمن عمله الدؤوب على تسلم المراكز الحزبية من مسلحي حزب الله، إلى تحذيره العاملين في تلفزيون المستقبل على الخروج منه، قبل ضربه، إلى صمته إزاء مشاهد التسلح في شوارع وأزقة بيروت، والمتحركة من حوله وعلى جنبه.
لا أحد يستطيع تبرير ما حصل. ولا شيء يبرر. ما نفهمه، وما نعرفه، ونعلمه بالفطرة، أن الجيش موكل الحفاظ على الأمن، والدفاع عن الناس. وما رأيناه، أدخل على إدراكاتنا أدواراً مغايرة تماماً للمؤسسة العسكرية، فهي صارت "الطرف الأضعف" في هذه البلاد. الطرف الذي لا قيمة تذكر له. مجرد أداة تسلم وتسليم. ولما كل هذا؟
نقدر هنا، جواباً على هذا السؤال، أن نصوغ إجابتين. الأولى رسمية، أعلنت عنها قيادة الجيش نفسها، والثانية تحليل شائع الصيت. الأولى تقول: أن الجيش إستنكف عن الدخول في المواجهات، لأن بنيته مهددة. عسكره، من أبناء هذا الوطن بطوائفه ومذاهبه. وبما أن الصراع كان واضح التمظهر، شيعي-سني، فضلت القيادة العسكرية، الإمتناع عن التدخل، لكي لا يفرط عقد الجيش، وتنتهي أخر المؤسسات الرسمية المشتركة والجامعة، ويدخل البلد كله، في حربٍ لا نهاية قريبة لها، كالحرب السابقة! أما الإجابة الأخرى، فتقول: أن قيادة الجيش إمتنعت عن الدخول بجدة في الصراع، لأنها كانت (وخاصة قائد الجيش، الرئيس الجمهورية الحالي!) تحت الإختبار، من قبل فريق رئيسي في المعركة، ونقصد هنا بالطبع حزب الله.
ما يهمنا، الآن، هو الجواب الأول، لأن الثاني، أعتقد أنه أُثبت وحصل فعلاً، وكان عاملاً مؤثراً في إنعدام حركة الجيش والتردد الذي وسم مواقفه ولاحقاً في إنتخاب رئيس الجمهورية. إن الطرح الأول، يحيلنا إلى مأزق كبير، يصعب المرور عنده مرور الكرام. فالجيش هو ضمانة الناس، سلماً وحرباً، وإن ضاع، ضاعوا هم. وأن يقال، في كل مواجهة أن الجيش عاجز عن القيام بدوره الأمني-الدفاعي بفاعلية خوفاً من تفككه وتشتته، فهذا كلام مخيف ومقلق ومحض سخيف. فما قيمته إن لم يكن قادراً على لعب هذا الدور، والأفضل في هذه الحالة أن ينصرفوا جميعاً –قيادة وعسكراً- إلى بيوتهم. لا أهمية لوجوده إلا كونه مصدر رزق لعدد كبير من الأشخاص. لكن الجيش، إفتراضاً، ليس جمعية خيرية، بل هو مؤسسة لها دور أمني كبير، وكبير جداً يتعلق بمصير الكيان كله. لا يمكن السكوت عن هذا الكلام. لا بل هو عذر أقبح من ذنب. كل هذه السنوات، ألم تستطيع القيادة، إميل لحود ومن بعده ميشال سليمان، أن تجعل من الجيش إنتماءاً وحيداً لمنتسبيه؟ هذه كارثة حقاً. وماذا كانوا إذاً يفعلون كل هذه السنوات؟ هل كانوا يخيطون أحلامهم برئاسة الجمهورية؟
كان الرئيس السابق إميل لحود، يفتخر بتوحيده للجيش. هل هذا التوحيد، هو على صعيد الهيكل فقط؟ أي أن جميع أفراده يلبسون الزي نفسه، ويتدربون بنفس الطريقة، ويملكون الأسلحة ذاتها؟ أم أنه كان في العقيدة والجوهر؟ نعم حال الجيش، كحال المجتمع وهو من مؤسساته. لكنها حالة غير سليمة وغير مقبولة. وما نقصده هنا بالعقيدة، لا يستهدف تحديد العدو وهو إسرائيل طبعاً، فالدور الأساس لأي عقيدة هي توحيد مريديها، وجعل الإنتساب إليها، إنتماءاً أصيلاً. هذا الخوف الدائم من التفتت، لن يفيد، ولن يجعل منه جيشاً، ولن يجعل منا مواطنين، ولن يجعل من هذه الأرض وطناً. تالياً لن تتم هذه المعادلة: نعيش في وطن، يحمينا فيه نحن المواطنين جيشه!
من يحمينا إذاً؟ سؤال، بلا شك، هام ويطرح الآن بين جميع الناس. إن ضعف الجيش، ونقولها صراحة لأنها بدأت تحصل، سيدفع التكتلات التجمعية (وهي مذهبية على الأغلب) إلى السعي إلى تأمين أمنها بنفسها. تماماً كما يفعل حزب الله اليوم. وقد يكون الحزب المذكور على حق حين يقدم على هكذا خطوة! إنه لإعتراف مثير. كيف يستطيع أياً كان اليوم أن يطالب حزب الله بالتخلي عن سلاحه من دون أن يضمن له الحامي البديل أمام أخطار الداخل أو الخارج؟ لا أحد. إنتصر حزب الله وحقق نظريته في غيره. إن حزب الله كحزب مسلح، وطائفة مسلحة وككل الطوائف المسلحة، ينجح عندما تثبت الشرعية الجامعة فشلها (والأمر نفسه على الصعيد الإجتماعي). واليوم نحن المطالبون بحلٍ لسلاحه صرنا أضعف، لا بل سنحذو حذوه ونشحذ قوانا العسكرية، عكس ما يعتقد الكثيرين أن حزب الله خسر (وهو خسر لكن ليس في هذا المجال). اليوم السنة في لبنان سيعمدون إلى لملمة أنفسهم والتعسكر وكذلك الدروز والمسيحيين. هذه حال الجميع.
إن تواضع قدرات الجيش وضعفها، تخيف الجميع. والخوف ينسحب على الذات، والذات هنا، لا تسعى إلا إلى تأمين نفسها من الأخطار، وهذا لن يكون إلا بإعادة التسلح. الجيش ضعيف والملل، كلها من دون إستثناء، ستعمد بعد هذه الأحداث لتأمين الذخيرة والسلاح. حتى "المدنيين" لن يتوانوا عن تأمين أنفسهم. فماذا تبقى من الدولة الموحدة؟
إن فخامة رئيس الجمهورية الحالي، العماد ميشال سليمان، قائد الجيش السابق، قيل فيه ويقال حتى الساعة الكثير، عن مميزاته وحسناته وقدراته، وكأنه قادم إلينا من الغيب ليحل مشاكلنا بضربة ساحر. إنه الأسطورة القادمة من هناك، من تلك المؤسسة "الصورة" فقط! كم من المفيد أن نذكر الجميع، بالهالة والحفاوة نفسها التي إستقبل بها الرئيس السابق العماد إميل لحود، شعبياً وسياسياً. وكم من المفيد التذكير بإنجازات العهد السابق. وكم من المفيد، أيضاً، أن نعلم أن القائدين السابقين والرئيسين السابق والحالي، لم يستطيعا توحيد الجيش، المجتمع الصغير المشابه للمجتمع الأكبر. فيكيف سيوحدوننا؟
#عاصم_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراع أبدي
-
الإنتفاخ الطائفي
-
متى الحرية؟ متى السيادة؟
-
في ذكرى سمير قصير: أسئلة دائمة
-
الدولة المعلقة والحرب والمعلقة
-
هل العلمانية حل لمشكلة الأقليات اللبنانية؟
-
لا نساء في الكويت
-
ماذا بقي من الديمقراطية؟
-
أخطئ سعد الحريري
-
وأيضاً سمير قصير؟
-
لا تنسى
-
نماذج علمانية تخريبية
-
سقطوا
-
فضائل النقد والمجتمعات الغيبية المقدسة
-
كابوس
-
الكذبة الحقيقية
-
في شؤون -المحادل- والديمقراطية
-
ساقطة.. ساقطة.. ساقطة
-
شهداء مجانين
-
بل بحبل مشنقة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|