|
العراق في وادٍ ومؤتمر ستوكهولم في وادٍ آخر
سمير طاهر
الحوار المتمدن-العدد: 2306 - 2008 / 6 / 8 - 05:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل كان "مؤتمر عهد العراق" الذي انعقد في ستوكهولم يوم 29 مايو (أيار) 2008 جزءا من الحل لعراق اليوم أم كان بالأحرى جزءا من المشكلة؟ هذا التساؤل مرده الشبهة التي حامت حول المؤتمر بوجود ستراتيجية وراءه وضعتها القوة المحتلة للعراق وغرضها كسب تأييد عالمي لرؤيتها حول مستقبل البلد. فما خرج به المؤتمر يدفع للاستنتاج بأن القوى المحتلة والمتنفذة غير معنية بحل المشاكل السياسية المعقدة في عراق اليوم فلم تذكر كلمة واحدة تشير الى الاحتلال أو الى وجوب حصول العراق على استقلاله الحقيقي. بالمقابل صدرت عن المؤتمر تمهيدات وترويجات للسيناريو ذاته الذي حصل في بلدان عديدة زارها رأس المال الأمريكي: التخطيط لنهب البلد وتدمير اقتصاده لكي تربح الشركات المعولمة. أما تفصيلات هذا المخطط فنجدها في الوثيقة الأصلية للعهد الصادرة عن مؤتمر شرم الشيخ العام الماضي: خصخصة البنوك؛ بيع الشركات العامة وأملاك الدولة؛ إخضاع الزراعة لاقتصاد السوق؛ "إصلاح!" النظام الضريبي لتشجيع الاستثمار وخلق بيئة مناسبة للشركات، "السماح للقطاع الخاص بلعب دور قيادي في النشاط الاقتصادي" (حرفياً كما جاء في وثيقة العهد، وهذه العبارة تعني ـ لو نفذت ـ انهياراً كارثيا للاقتصاد برمته وللقدرة المعيشية للجماهير)، وذلك بهدف دمج العراق في عملية العولمة. لو نجح هذا المخطط فإن ما يلوح في الأفق العراقي ليس الأمل كما قال ـ بسذاجة مشبوهة ـ بان كي مون وإنما ـ بالضبط ـ الكارثة. على الرغم من كل التصريحات المتفائلة فان المؤتمر هو الى الفشل أقرب منه الى النجاح، ولا أدري من أين جاء أمين عام الأمم المتحدة بأمنيته بأن ينعقد مؤتمر العام القادم في بغداد! مصدر الفشل هو أن القضايا الحقيقية، الراهنة، جرى التهرب منها: الاحتلال، اللاجئون، الخدمات المدنية الضرورية، الفساد، العنف، الطائفية المسلحة، وبدا كأن المؤتمر مخصص فقط لتمهيد الطريق أمام رأس المال الأمريكي. بينما جدول الأعمال نفسه شهد إخفاقات: فلم تسفر توسلات السويد بتخفيف ثقل اللاجئين العراقيين عنها ( ثمة منطقة واحدة في ستوكهولم تستقبل من اللاجئين العراقيين أكثر مما تستقبل أمريكا كلها!) سوى عن "وعد" من وزيرة الخارجية الأمريكية باستقبال 12 ألف لاجئ (رغم ضآلة الرقم لم يأخذه الناس على محمل الجد فقد سبق لأمريكا أن وعدت باستقبال لاجئين عراقيين دون أن تنفذ وعودها). كما لم يتحقق أي لقاء بين وزيري خارجية أمريكا وإيران ـ كما كان مؤملاً ـ ولا حتى وراء الكواليس. أما موضوع إعفاء العراق من ديونه والذي يبدو أن نوري المالكي قد بذل فيه جهدا غير قليل فلم يسفر عن تقدم حيث لم يذكر المالكي ـ في المؤتمر الصحفي ـ أي رقم بهذا الشأن! واضح أن الادارة الأمريكية الحالية ستظل حتى يومها الأخير تمارس السياسة المتعجرفة ذاتها، وترفض الاصغاء الى نصائح وتقارير وإحصاءات المختصين والمهتمين على السواء. فقد قدم معهد بحوث السلام (TFF) خطابا الى مؤتمر ستوكهولم اقترح فيه ثلاث خطوات قال إنها الحل الوحيد لمشاكل الوضع في العراق، وأنا أشاطره هذا الوصف. هذه الخطوات هي: 1) انسحاب أمريكا من العراق بأسرع وقت، لأنه التصرف الوحيد المتفق مع القانون الدولي. فأمريكا تتحمل كامل المسؤولية عن هذه الحرب وشن الحروب هو أسوأ جرم كما يصفه ميثاق الأمم المتحدة، كما أن هذا الانسحاب ضروري لوقف حالة "شبه الحرب" السائدة في الداخل العراقي. لذلك يجب عدم إبقاء قاعدة دائمة ولا جندي واحد في العراق إذا أريد أن يوصف بالبلد المستقل. إستطلاعات الرأي الموثوقة تؤكد أن 90% من العراقيين يريدون رحيل الأمريكان، وتجاهل الأمريكان هذه الحقيقة في الوقت الذي يتكلمون فيه عن عراق ديمقراطي ليس غير إهانة لعقول البشر. 2) على الولايات المتحدة، بوصفها المسؤولة عن الحرب وعن توابعها الكارثية، أن تدفع تعويضات حرب للعراقيين. ولا غبن في ذلك فالعراق ما يزال الى اليوم يدفع تعويضات الى الكويت. وإذا كان تاريخ تعويضات الحروب يرينا بلداناً جائعة دفعت الى بلدان غنية ـ كما حصل بعد الحربين العالميتين ـ فالصورة هذه المرة معكوسة، وبالتالي عادلة. شعب العراق يستحق تعويضات حرب واعتذاراً. 3) يجب إطلاق العملية السياسية في العراق على وجه السرعة بمشاركة جميع القوى، بما فيها المعارضة، وعلى الأمم المتحدة أن تبذل جهودها لاسناد هذه العملية، مع قوات حفظ سلام إن لزم الأمر على أن لا تتدخل هذه القوات في العملية السياسية ولا تتحول الى احتلال جديد. كما ان هذه العملية تقتضي مشاركة القوى الاقليمية: سوريا وإيران وتركيا. هذه الخطوات الثلاث ليست ضرورية فقط وإنما أساسية لتأسيس وضع عادل دائم في العراق. غير أن أعضاء مؤتمر ستوكهولم كانوا في واد آخر بالطبع، وتجاهلوا هذا الخطاب تماماً. فالمسافة جد بعيدة بين عقلية سياسية تقر بمسؤليتها عن الحرب ونتائجها وتعتذر عنها، كما يفترض الخطاب ببراءة، والعقلية المتعجرفة للادارة الأمريكية الحالية التي تعالج الأخطاء بالايغال فيها، وتفضل الغرق في المستنقع على الانسحاب منه.
#سمير_طاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هكذا تجري الانتخابات الاميركية!
-
غباء الطغاة
-
موقع لكشف الحقيقة
-
أثر الأساليب التعليمية في شخصية الفرد العربي
-
دعه يخطئ، دعه يتعلم !
-
عن سعدي يوسف و الفلوجة
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|