|
الأمم المتحدة والضحايا الصامتون!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2301 - 2008 / 6 / 3 - 11:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قالت مبعوثة الأمم المتحدة لحماية حقوق الطفل راديكا كوماراسوامي إن أطفال العراق هم الضحايا الصامتون، وذلك في سياق زيارة استمرت 6 أيام إلى بغداد. وبسبب الاحتلال والإرهاب وأعمال العنف والصدامات المسلحة، سقط مئات الآلاف من الأطفال قتلى وجرحى، وانقطعت بهم سبل الدراسة، في حين تم تجنيد أعداد منهم كأعضاء في الفرق المسلحة والميليشيات، أو أن بعضهم أصبح رهن الاعتقال. ويعاني الأطفال من أمراض نفسية، إضافة إلى اختلال الصحة الجسدية. وقد انتشرت ظاهرة المخدرات على نحو غير مسبوق بين صفوفهم. وحسب الإحصاءات المتوفرة، فإن ما يزيد على خمسة ملايين طفل يتيم في العراق، ولعلها نسبة كبيرة قياساً لعدد السكان البالغ نحو 30 مليون نسمة. وينتشر عشرات الآلاف من الأطفال المشردين في الشوارع. وطالبت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة كوماراسوامي، القادة السياسيين ورجال الدين والقوات المسلحة والعشائر تشجيع الجهود لإبقاء الأطفال بعيدين عن العنف، والعمل على عودتهم إلى مدارسهم. وأشارت إلى أن العنف والتمييز ضد المرأة في تصاعد مستمر وعلى نحو غير قابل للاحتمال، وأن نصف أطفال المدارس الابتدائية فقط هم الذين يستمرون في الذهاب إلى المدرسة وهذا يشكل انخفاضاً في المستوى الدراسي يصل إلى نحو %80 قياساً بالعام 2005، ناهيكم عن النقص في مياه الشرب واحتمال انتشار مرض الكوليرا بين الأطفال إضافة إلى الكبار. لقد دأبت الميليشيات المسلحة من كل الأطراف على تجنيد الأطفال، واستخدام بعضهم في أعمال انتحارية. وما زال أكثر من 1500 طفل يقبعون في السجون والمعتقلات، وهو ما ذكرته المبعوثة الأممية. كما أشارت إلى أن العاملين في ميدان المنظمات الإنسانية يجدون صعوبات ومعوقات للوصول إلى الأطفال في أجزاء عديدة من العراق، الأمر الذي طلبت توفيره من حكومة واشنطن وبغداد للوصول إلى السكان المدنيين والأطفال منهم بشكل خاص، مثل صندوق الأطفال للأمم المتحدة، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والبرنامج العالمي للغذاء. وناشدت ممثلة الأمم المتحدة دول الجوار العراقي باحتضان اللاجئين العراقيين وضمان رعاية الأطفال، وتقديم الخدمات الأساسية لهم في التعليم والرعاية الصحية. ودعت جميع الأطراف في النزاع العراقي إلى اتباع المقاييس الإنسانية الدولية لحماية الأطفال، وتحرير من هم دون الثامنة عشرة من الانخراط في الأعمال المسلحة، والتمسك بمعايير حقوق الإنسان الدولية بشأن حماية تطبيق العدالة. تشير بعض التقديرات إلى وجود مئات الآلاف من الأطفال النازحين ومئات الآلاف من الأطفال المهجرين، ومليون طفل معوَّق، إضافة إلى الملايين الخمسة من الأيتام. وأن نسبة عالية من الأطفال الأيتام والمشردين والمعوّقين واللاجئين يعانون من سوء التغذية والأمراض، خصوصاً الأطفال الذين تركوا أسرهم بسبب الفقر والحاجة للعمل في الشوارع، بما فيها مع المجرمين أحياناً أو الذين يساهمون في توريطهم بالجريمة المنظمة، سواءً بسبب الحاجة المادية أو الخوف أو انقطاع السبل بهم وعدم إيجاد عمل أو مورد لعائلاتهم، وكذلك بسبب تسرّبهم من المدرسة. ويعتبر انعدام الأمن وضعف القانون والرقابة سبباً من الأسباب الأساسية الأخرى التي أدت إلى تدهور أوضاع الطفولة في العراق، حيث ترك الكثير من الأطفال والطلبة مدارسهم، وارتفعت نسبة الأمية بينهم، تلك التي كانت قد انحسرت على نحو كبير في أواخر السبعينيات وكادت أن تختفي حسب تقديرات اليونسكو، لاسيما بين الأطفال والأحداث، إلا أنها عادت بقوة بسبب المغامرات العسكرية والحروب والحصار الدولي والاحتلال والإرهاب. وبيّنت أحدث دراسة قام بها المركز الإنمائي للبحوث التربوية والنفسية في محافظة الناصرية، بالتعاون مع دائرة الرعاية الاجتماعية، أن %60 من أفراد العينة البالغ عددهم288 طفلاً تركوا الدراسة في مرحلة الصف الثالث الابتدائي، والـ%40 الباقية منهم على وشك ترك الدراسة بسبب ما يعانونه من صعوبات نتيجة سوء حالتهم المعيشية والصحية والاجتماعية. إن أعمار التلاميذ الذين تركوا الدراسة تتراوح بين 7 و15 سنة، وهي تعني أنهم تركوا التعليم وهم في الصفوف الأولى، ما يعني أنهم لم يتعلموا إلاّ الشيء القليل، أو أنهم بقوا أميين. وإذا كان هذا الأمر في محافظة الناصرية التي تعتبر محافظة «آمنة» قياساً لمحافظة بغداد أو المحافظات الساخنة الأخرى، فلنا أن نقدّر حجم الكارثة التربوية والتعليمية والمعرفية التي يعاني منها العراق وتأثيراتها على المستقبل. وقد أثارت قضية «دار الحنان» الحكومية لرعاية الأيتام والمعوقين ضجة وفضيحة إنسانية عندما انكشفت حال الأطفال الراقدين فيها ومعاناتهم من الجوع والأمراض والإهمال والعذاب. وحسب تقرير «موجز إنساني عن الأزمة في العراق»، فقد بلغت نسبة سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة %43 خلال النصف الأول من عام 2007، إضافة إلى ظاهرة تسوّل النساء في الشوارع وهن يحملن أطفالا صغاراً، وبعضهن اعتدن على تعاطي المخدرات. كما انتشرت ظاهرة الخدمة المنزلية للكثير من العراقيات، بمن فيهن بعض الدارسات، الأمر الذي له تأثيراته الاجتماعية السلبية. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن نحو 2000 شخص يتعاطون المخدرات بصورة مدمنة حسب أرقام وزارة الصحة، وأن هذه النسبة تتصاعد يوماً بعد يوم في ظل استمرار الوضع المأساوي الذي يعيشه المجتمع العراقي، علماً بأن الكثيرين ممن ابتلوا بهذا المرض من الأطفال تصرّ عائلاتهم على أن يبقى علاجهم سرياً، وفي عيادات خاصة، وأحيانا يترك المدمن حبيس البيت حتى لا يسبب فضيحة أخلاقية لعائلته. وقد ارتفعت ظاهرة الإصابة بمرض الايدز بعد الاحتلال على نحو كبير، وسجلت الإحصاءات الطبية أرقاماً كبيرة قياساً لفترة ما قبل الاحتلال. وذكرت وزارة الصحة أن العيادات الحكومية والشعبية رصدت مراجعات 24 ألفاً و759 شخصاً في محاولة للحصول على حبوب «الهلوسة». وصار منظراً مألوفاً استغلال الأطفال من جانب عصابات السلب والإجرام مقابل حصولهم على المخدرات، أو حبوب «الكبسلة» كما شاعت تسميتها، فهؤلاء الأطفال مستعدون لعمل أي شيء، ويتم استخدامهم كمجموعات في عمليات الاحتيال والتسوّل لصالح أشخاص بالغين، وكذلك في عمليات العنف والإرهاب. وإذا كانت المبعوثة الأممية قد قرأت الحالة خلال زيارتها في الأيام الستة إلى بغداد، فإن أيام بغداد التي زادت على سنوات خمس، وسبقها حصار دولي دام 13 عاماً، ومغامرات وحروب وعدوان واحتلال زاد على 3 عقود من الزمان، فإن على المنظمة الدولية واجباً قانونياً وإنسانياً وأخلاقياً، لاسيما للدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، بذل جهد استثنائي لأوضاع استثنائية شملت خرقا كاملا لمنظومة حقوق الإنسان، وهي الحالة التي تم توصيفها من جانب المبعوث الأممي فان ديرشتويل 1990-1999 (المقرر الخامس للجنة حقوق الإنسان في العراق)، والذي أشار إلى أن وضعاً استثنائياً لخرق حقوق الإنسان في العراق، وهو يحتاج إلى جهد استثنائي لمعالجته، فما بالك والعراق اليوم يعاني الأمرين بسبب انتهاكات الماضي والحاضر، لاسيما في ظل الاحتلال حيث يعاني الأطفال معاناة لا حدّ لها. وإذا كان نزيف الضحايا الصامتون مستمراً، فإن صمت المجتمع الدولي أو نبرته الخافتة لهو تواطؤ صارخ وفاضح على المستوى الإنساني!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احتلال العراق وقصة الانتحال والمخابرات “العظيمة”
-
معاهدة عراقية - أمريكية سيعلن عنها في يوليو
-
المحاكمة: المنظور والمحظور!
-
الاستثناء العربي والمرجعية الدولية للديمقراطية
-
المعاهدة الأميركية - العراقية: ابتزاز أم أمر واقع؟!
-
جدلية الإصلاح العربي: الساكن والمتحرك!
-
ثقافة الخوف والإرهاب!
-
في أزمة الشرعية
-
المواطنة والفقر
-
التشكيك بحقوق الإنسان!
-
جدل المواطنة والهوية!
-
مسيحيو العراق... قرابين على مذابح عيد الفصح!
-
دمشق عاصمة الثقافة: شجون فلسطين والفكر العربي
-
جدل قانوني أميركي!
-
رحمة بالأبرياء العراقيين!
-
بعيداً عن السياسة: سؤال الضحايا إلى أين؟
-
الدولة والمواطنة «المنقوصة»!
-
سلّة ساركوزي المتوسطية اتحاد أم شراكة؟!
-
التسامح وأوروبا: فصل الخيط الأسود عن الخيط الأبيض!
-
استحقاقات المواطنة «العضوية»
المزيد.....
-
الرفيق جمال كريمي بنشقرون يحمل الحكومة مسؤولية أزمة قطاع الص
...
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يهدد بتشديد العقوبات على الدول التي تشت
...
-
ما حقيقة تعرض مصر ثالث أيام عيد الفطر لـ-أعنف- عاصفة ترابية
...
-
محكمة فرنسية تعتزم البت في طعن لوبان في صيف 2026
-
الولايات المتحدة تعزز وجودها العسكري في الشرق الأوسط
-
واشنطن مستعدة لدراسة توسيع عدد المشاركين في البعثات النووية
...
-
توقع -العرافة العمياء- لعام 2025 يتحقق والباقي عن مستقبل قات
...
-
رويترز: ترامب يعتزم تخفيف قواعد تصدير الأسلحة الأمريكية
-
السوداني والشرع يبحثان العلاقات الثنائية
-
الحوثيون يعلنون استهداف حاملة الطائرات الأميركية ترومان
المزيد.....
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
المزيد.....
|