|
أين هي التفاحة ؟
إبتهال بليبل
الحوار المتمدن-العدد: 2301 - 2008 / 6 / 3 - 08:20
المحور:
الادب والفن
يثمر الكلام في أراضي الريح ، ويتجمّع فيها الصمت ، حصاده أصوات مبحوحة ، مغيبة ... أملاحها محرقة تُلهب ، لهذا تُهجر هذه الأراضي ، والسامعون يقهقهون بمتعة. والصمت كما نعلم كلام غير منطوق ، نسمعه لوحدنا ، ولا يسمعه سوانا ، تكون حيث لا تكون، وكلماتنا غيابنا، ونحن لا حُضُور. وإذا كانت قيمة الصمت والكلام فلأنّ فيه يكون صمتنا ناطقاً في رأس غيرنا، في رأسنا، في صميمنا ، في أرضنا . وكما يقال أن السياسة فن يبتعد ، أحياناً عن الــقيم وألا خلاق والمبادئ ، ويعتمد على المراوغة و المناورة ... فما يحصل اليوم ليس غريباً علينا . صراعاً مكشوفاً ، ابتدأ به الجار ، وحفظ جيرته معنا ، تسللت أصابعه المرتعشة إلى رؤوسنا وغرسها بوجع في شعرنا الفاحم . . ليتحسس الوجع الذي بدأ ينضج ويتمدد حتى شغل الجزء الأكبر من قلوبنا وعقولنا ، وغدى هاجساً، ما انفك يلازمه، إنه ذاك الحلم الذي زرع بذرته في صدره منذ عهود ، عندما كان يعطي أحلامه بعنف ، مسرعة لا تبطئ، فيصفع القدر أيامه بقسوة ، تاركاً فوقه النديات ، ولهاثاً يعزف أسوأ ترنيمة للاحتضار ! أنه مازال مسرع في ذاكرته ، تحمله أجنحة الشوق إلى تلك الذكريات وعلى ثغره ألاف الكلمات يصوغها بخنجر لعمره حليف ، يود سحقه على جبيننا . . أنه يصرخ اليوم ... وصراخه يجتاحه الموت ... ليكون الصراخ في حدتهُ وقوتهُ ، يهشم رؤوس حُشرت فيه قصراً ، نزاع شرس ، تركز في عقر دارنا ، هناك ، بؤس وشقاء يلف الأمكنة .. أناس تموت .. تتوارد الأخبار عن وفيات .. بدأ الخوف يتسلل إلى النفوس .. النساء يتذكرن أزواجهن خلف المجهول، ويشُّدهُنّ الشوق و الحنين إليهم..أشخاص في عزلة يعيشون تلك الأحداث ويتابعونها أولاً بأول..آباء وإخوان وأزواج يعيشون الخوف وربما الموت ، وأبناء يتقلبون على أحر من الجمر شوقا لهم. وفي خضم هذا التوجس الذي احتل عقول الناس جميعاً واختطف البسمة من شفاههم والفرحة من قلوبهم..يتمايل هذا الجار الشرس ، بوقاحة ليعبث بجدار جارة أخرى هي من الجميلات في المنطقة ، جمالها معجون بمختلف الألوان ، تخرج من جيبها تفاحة ، لتتأكد أنها لم تنس َ إحضارها ، فها هو الجار الشرس يبتسم لها مفتش جيوبها متأتي . . كم يحب أن يراوغها قبل أن تعطيه إياها . . ينهض من تلك التفاحة العصيبة من الدهر والتي غمرها بالكثير، وزرع رأسه بأحقاد، ما انفكت تلازمه وتقاسمه تفاصيل الحياة، على الرغم من انهماكه في صنع العنف، فالفكرة منبثقة من ركام الذكريات ، امتدت وتفرعت حتى أصبحت جزءاً من تكوينه. . واستوطنت شجرة روحه، فما إن تهب رياح، أو حتى نسمة حتى تهتز أغصانه، فتوقظ ذاك الحقد التي يصر على استدراجه نحو الهدف الذي نذر نفسه لأجله، فينهض وقد تدفق الدم في أرجاء ذاكرته، فإذا به يغمره تماماً، إنه ذات الدم الذي لمحه يتسرب يوم عاد خائب. . حين رأى جاره وهو يصعد إلى السماء ملوحاً بكفه الطرية المخضبة بالدماء . - أنه يريد أن يأخذ التفاحة ؟ يستفيق على صوت الحقد الراقد في حضنه مفتشاً كفيه : - نعم ولكن أين هي التفاحة ؟ يمد شفتيه ويجيب وقد اعتلى وجهه الاصفرار : - سأحضرها في الحال. . . في كل يوم كان يهم بالفعل الذي عزم عليه منذ عهود ولت فتخذله المصادفات، إلا عشية ذلك اليوم حين خرج بقرار اللاعودة، وأقسم أن يخلص ذاكرته من لعنة الدم المتصاعد كالوقود من أخمص قدميه حتى رأسه المتقد كالمرجل. . سار بخطى مبهمة معوجه خانقه، شعر بها من قبل، أخذ يجول ببصره بين السماء والأرض ، فيرى المسافة بينهما قد ضاقت، حتى خال له أن رأسه يلامس السماء، ها هو يسترق السمع لغناء الأطفال وهدهدات الأمهات، وضحكات الآباء التي كانت تملأ الأماكن ، يباغتها صراخ الحقد عندما اندفعت أشلاء الأشياء إلى خارج المنطقة، وانطلق نهر الدم ليغرق المدن بأكملها، حشود من الناس تجمعت ودوي سيارات الإسعاف المتأخرة تأتي من أخر الدنيا، بينما يتصاعد بكاء وصراخ . . اللعنة على من زرع بذورهم السامة بيننا فانتشروا كما تنتشر الغربان لتأتي على بياض المكان، فلا تتركه إلا قطعة من السواد، بينما يصرخ الجميع: اللعنة عليك يا جار. . يتحول المكان إلى وباء، يتصاعد و يقترب من الكل، تتسارع أنفاسه، يقترب أكثر، يضغط عليهم بقوة فلا ينساب إلا الدم ونعيق الغرباء . لا سبيل اليوم سوى افتعال الفتنة ، إنها في موقع حساس للغاية، وأي محاولة للانسحاب ستبوء بالفشل الذر يع، لقد سحق الكثير حتى وصل إلى هذا المكان ، يتلفت كالسارقين، ثمة خشخشة تخترق طنين الصمت المرعب ، يلمح الجارة الجميلة في المكان ، الشفق الأحمر يتدلى من السماء معلناً عن اقتراب موعد القيامة، فيتفقد حقده مرة أخرى، يا للكارثة! ! هل انقلب السحر على الساحر؟ هل سيتحول إلى لقمة سائغة لأفواه غريبة ؟ ليستل سكيناً بخفية ، ويقترب ، حول المكان، الدم يتصاعد في رأسه من جديد حتى يغرق كل القيم ، ويرتفع الصراخ المختلط بضحكات الأطفال المضخمة بالدماء، الأشلاء ترتفع إلى السماء بدون أكفان، حتى أن بوابة السماء ضاقت ولم تعد تتسع للمزيد من الجثث، بينما يسيح الدم بسبب جارنا الشرس، ليرسم أبشع خارطة للحقد والدمار! ! ! . يقفز كالوحش الهائج غارس سكينه في ظهورنا، تندُ صيحة يتدفق على أثرها صور وأحداث خُفيٌت لنبذ الخلاف ، بينما ينهمر الرصاص على أجساد بريئة كالمطر، فيما تطلق هذه الجارة الشرسة الحاقدة ضحكة عالية ، عندما ينطلق منها دوي انفجار هائل، ليغوط جيرانها في بحر من الدم الأسود ...
#إبتهال_بليبل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فقدان الاخلاق والمبادىء
-
الحلم الواعد
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|