أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عياد أبلال - أسس ومرجعيات البحث السوسيولوجي عند الأكاديمي أحمد شراك















المزيد.....


أسس ومرجعيات البحث السوسيولوجي عند الأكاديمي أحمد شراك


عياد أبلال

الحوار المتمدن-العدد: 2300 - 2008 / 6 / 2 - 00:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تقديم:

تندرج جل كتابات الباحث والأكاديمي المغربي أحمد شراك، إن لم نقل كلها، في إطار سوسيولوجيا الثقافة, وهو مبحث يكاد يكون غائباً في الكتابات السوسيولوجية بالمغرب خاصة وأن هذا التخصص الأكاديمي لا وجود له بشعب علم الاجتماع، الذي ما يزال إلى حد ما كلاسيكياً بالجامعة المغربية،ذلك أن السوسيولوجيا المغربية ، سواء لدى الجيل الأول أو الجيل الثاني أو حتى الجيل الثالث تهيمن عليها التخصصات التالية: السوسيولوجيا القروية، سوسيولوجيا العائلة, السوسيولوجيا الحضرية، وسوسيولوجيا الهجرة، والسوسيولوجيا السياسية ( )،، كما تكمن هذه الكلاسيكية كذلك على مستوى التراكم البحثي النظري والمنهجي, خاصة في التخصصات الفرعية لعلم الاجتماع، كالسوسيولوجيا الثقافية على سبيل المثال لا الحصر، لذلك يحق لنا وتأسيساً على التراكم الذي حققه أحمد شراك مناهزاً في مساره الكتابي ستة إصدارات ( )أن نجعل بالفعل من كتاباته أحد أهم روافد التأسيس لهذا المبحث الأكاديمي، لكن السؤال الجوهري ، والذي تحاول هذه المداخلة أن تجيب عنه، هو ما هي أسس ومرجعيات البحث السوسيولوجي عند هذا الباحث الذي يعتبر بحق من أهم السوسيولوجيين والكتاب المغاربة اشتغالاً على إشكاليات سوسيولوجية- ثقافية،من قبيل: الثقافة ،المثقفين، الكتابة والقراءة

1- تأطير نظري لإشتغالات أحمد شراك السوسيولوجية

إذا كان علم الاجتماع الثقافة من التخصصات المنعدمة بالجامعة المغربية، في الوقت الذي يدين فيه هذا التخصص المعرفي بجذوره إلى الجامعات الغربية، بالرغم من أنه أصبح مبحثاً ذو انتشار عالمي، فإنه نشأ لدى هذا الباحث نتيجة الاهتمام أولاً والانخراط في العمل السياسي كما العمل الجمعوي بشكل مبكر ثانياً, وأخيراً كان التخصص ثمرة الدراسة والبحث الذي جاء بدوره ليجيب عن سؤال /أسئلة الواقع المغربي سبعينيات القرن الماضي، ذلك أن الباحث المغربي أحمد شراك فطن مبكراً إلى أن إشكالية السياسة والديموقراطية، وأزمة الفهم والممانعة والرفض السياسي بشتى أشكاله التي تبناها بل وصاغها المثقف المغربي، حين اشتد لهيب الايديولوجيا الاشتراكية، وكتم النظام السياسي حينها أنفاس رفاق ماركس المفترضين، لا يمكن أن تفهم إلا من داخل الحقل الثقافي، ولا يمكن لمبحث علمي أن يفكك مناطق العتمة والغموض اللتين تلفان حقيقة الواقع المغربي، الذي يعيش وفق مضمرات ثقافية ولا مقول جمعي ذو امتدادات تاريخية،أكثر من سوسيولوجيا الثقافة، لذلك راح يرسم لنفسه مساراً سوسيولوجياً ،على هامش التكوين الجامعي الرسمي،كيمياؤه الثقافة بمختلف أسئلتها وإشكالياتها، ومن منطلق امتدادات أحمد شراك وانتماءاته المجتمع مدنية،يمكننا أن نعتبر أن مساره البحثي أكثر من متميز،ذلك أنك تضطلع عبر كتاباته على تحليل رصين ومعرفة عميقة بالواقع المغربي، كما أن احترافية هدا السوسيولوجي تكمن في تحكمه في لغة البحث والكتابة، لقد تخلص مبكراً من لغة السياسة والهتافـ ،بالرغم من أنه بدأ مناضلا سياسياً ضمن صفوف اليسار المغربي .
وإذا كانت سوسيولوجيا الثقافة من التخصصات العلمية التي تطرقت لموضوع الأدب، من منطلق أن الأدب بدوره أحد أهم ركائز الثقافة، بل ومن أهم مكوناتها، فإن أحمد شراك حين يكتب على التراكم الأدبي والثقافي ( )، وإشكالية المثقف والأديب وما إلى ذلك من المواضيع ذات الصلة، تجد نفسك وكأنك أمام أديب وخبير، والسبب أن هذا السوسيولوجي ولج كذلك البحث عبر بوابة العشق للأدب والشعر، وهو ما يعبر عنه في العديد من المناسبات, حيث نجده يقول في تصريح لجريدة الصحراء المغربية:" لقد جاء هذا الاهتمام من الأدب، وتحديداً من ممارسة الكتابة الشعرية في فاتحة ممارستي للكتابة، ولقد ظل الشعر يسكنني زمنا في السبعينيات حيث نشرت مجموعة من المحاولات في الصحف الوطنية، كما شاركت في مجموعة من القراءات الشعرية... إلا أن الشعر طلقني بسبب الأيديولوجيا التي كانت ضرة حقيقية له في العصر السبعيني، بحكم ذلك الموقف " الابيستيمولوجي " تجاهه والذي مفاده أن الشعر لا يغير الواقع، حيث انتصرت صفة المناضل على الشاعر... ولقد دعم هذا التحول انتسابي إلى شعبة الفلسفة في سنة 1974 بفاس، وانتصاري للسوسيولوجيا كتخصص... والذي توج ببحث في الإجازة (1978- 1979) حول الجمعيات الثقافية، ولعله كان أول بحث في المغرب حول العمل الجمعوي في ذلك الزمن الذي لم يكن فيه حديث عن المجتمع المدني، ولا عن دور العامل الثقافي في الحياة المدنية والاجتماعية... وهكذا يبدو أن الاهتمام قد يؤدي إلى التخصص، دون اختيار مبني على أسس علمية، ومن المصادفات العجيبة، أنه عندما أنجزت بمعية الباحث الصديق عبد الفتاح الزين " بيبليوغرافيا السوسيولوجيا المغربية " تبين لي أن سوسيولوجيا الثقافة من التخصصات القليلة على صعيد المتن السوسيولوجي بالمغرب... " ( ) لذلك سرعان ما سوف يتخذ هذا الباحث من هذا التخصص مجال اشتغاله المفضل.

2- الأسس المنهجية والتجريبية للمفهمة عند احمد شراك:

فإذا كان هذا المبحث غربي في مجمله – كما سبقت الإشارة إلى ذلك - ويدين من خلال مفاهيمه ومنهجيات اشتغاله الإبستيمولوجي, كتخصص موسوعي, ومتداخل التخصصات في العمق، أو لنقل ملتقى منهجيات وتخصصات شتى, علم نفس اجتماعي, أنثربولوجيا, علم اجتماع ديني, سوسيولسانيات..تاريخ....إلى التراكم الذي حققته السوسيولوجيا في نسختيها الفرونكفونية والأنغلوفونية، فإننا نجد الدكتور أحمد شراك من بين أبرز الذين يشتغلون في حقل السوسيولوجيا بالمغرب على تغريب المفاهيم المستعارة أساسا من حقول تنتمي إلى الثقافة والتاريخ والجغرافية الأوروبية...حيث التغريب في هذا السياق،وكما تقر بذلك الواقعية البنائية( ) هو الانتقال بظاهرة، قضية أو مفهوم من سياقها (ه) الأصلي إلى سياق أخر يختلف في الأسس والمرجعيات،على أن يتم تجريب إمكانيات الفعل والإجرائية داخل السياق الثقافي الجديد،أو تجريب وإخضاع نفس الظواهر والقضايا إلى نظريات مختلفة... ذلك أن المفاهيم أدوات وآليات تحليلية وإجرائية بالدرجة الأولى لها ارتباط جدلي بالمبحث التخصصي من جهة وبالأساس النظري السوسيو ثقافي من جهة أخرى، ومن ثم لا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة تشغيل نفس مفاهيم سوسيولوجيا الثقافة، كما هي موظفة في سياقها ومرجعها السوسيوثقافي الأصلي، دون إعادة الاشتغال التأصيلي عليها. يبقى أن الفهم الدقيق للموضوع, أيا كان موضوع الاشتغال السوسيولوجي, لا يمكن حيازته وتملكه بشكل كفيل بتفادي كل لبس أو غموض إلا بتدقيق وصياغة علمية للمفاهيم المستعملة والموظفة في سياق البحث، من منطلق كونها محرك وأداة التحليل والبناء, لأن الموضوع السوسيولوجي ليس بالموضوع المعطى والجاهز مرة واحدة، وفي الواقع الاجتماعي، هناك مواضيع اجتماعية معطاة بشكل أولي، وممنوحة هكذا للجميع، وهو ما يمكن للكل أن يبدي فيها الرأي، انطلاقاً من بناء معرفي جمعي، وهو ما كان يسميه الراحل بول باسكون ( )، بمعرفة الحس المشترك، في حين يبقى أن الموضوع السوسيولوجي هو بناء ذهني ونظري ومفاهيمي،ذلك أن المفاهيم في إجرائيتها تعبر عن الممارسات والتفاعلات والعلاقات الاجتماعية،إذ أن حقيقة المجتمعات، حسب جورج بلانديي: "ليست متمثلة في الظاهر أو ما نتوهمه كظاهر،بل إنما تعبر عن ذاتها من خلال مستويين على الأقل: الأول سطحي،ويتشكل من البنيات الرسمية إذا صح الأمر، والثاني عميق،وهو الذي يسمح بتحديد العلاقات الأساسية والممارسات المعبرة عن دينامية النسق الاجتماعي " ( ) وهو ما نستشفه من خلال نحث أحمد شراك لعدد من المفاهيم ذات الارتباط بالحقل في العديد من كتاباته، ففيما يخص اشتغالاته السوسيولوجية حول السياسة، المثقفين، والتراكم الثقافي... نجده قد تمكن من استنطاق الواقع السوسيوثقافي وخلخلته من خلال تحويل هذا الواقع في خاميته من واقع اجتماعي/ثقافي/سياسي إلى واقع سوسيولوجي، وقد تم بناؤه موضوعياً عبر وسيط مفاهيمي، ففي كتابيه: " فسحة المثقف " ، و " الثقافة والسياسة " نقف على عدد مهم من المفاهيم، التي يستعملها للحديث على مختلف أنواع المثقفين، خاصة وأنه يصعب علمياً الحديث بصيغة التعميم والتوحيد الصنافي، (Unification taxonomique). ذلك أن المثقف كمفهوم، هو مفهوم تصور، وليس مفهوم إجرائي، بمعنى أنه لا يفيد في التحليل السوسيولوجي بمعنى الكلمة، فالمثقف: هو تعدد واختلاف في الرؤية إلى العالم والأشياء، وتشتت في الرؤى والممارسات، ولو أن المفهوم جاء في صيغة المفرد، لأن هناك أصناف وأشكال شتى من المثقفين. لذلك فإن أحمد شراك حين يستعير عدداً من المفاهيم/ والتسميات من الكتابات الغربية، (مثل المثقف العضوي لأنطونيوغرامشي، المثقف الايجابي لسان سيمون، المثقف الأصلي لريجيس دوبري...إلخ ) يعمل على تبيئتها بعد إخضاعها للتجريب التغريبي, إذ لا يقبل طوعاً بمفاهيم وطروحات عدد من الباحثين والمفكرين:(سان سيمون, فوكو ياما،صامويئل هنتنجتون, ريجيس دوبري....( ) كما يخضع هاته المفاهيم/ التسميات / الإيتيكيت إلى التمحيص والخلخلة والتفكيك السيميو فلسفي، الذي يعتبر من أهم مرجعيات وأسس اشتغال أحمد شراك السوسيولوجي.

3- المرجعيات السوسيونقدية لخلخلة إشكالية المثقف
بين أطروحتي البداية والنهاية

ففي أفق اشتغاله السوسيولوجي – النقدي على إشكالية المثقف، تعريفاً وتنظيراً، نجد أحمد شراك يقارب عبر " فسحة المثقف " محللا ومخلخلا مفهوم المثقف الأصلي والأصيلي الذي يستمد نسغه الابيستيمي من أطروحة البداية التي قال بها ريجيس دوبري، معوضاً المفهوم بالمثقف الفقهي الذي سبق له وأن اعتبره في كتابه " الثقافة والسياسة " : " ذلك المثقف السبعيني الذي مازال ممتداً في الهامش، ومستمراً في الواقع على صعيد الخطاب والممارسة،يراقب ويرفض ويناهض، ويجر وراءه تضحيات وأياماً طويلة في القلاع والمنافي،وقد أخذ من جهة أخرى تلويناً آخر في شخص المثقف الإسلامي،الذي أصبح ينتج نفس الخطاب السبعيني فورة وحماساً ونظالاً وطهارة،نفس الخطاب على صعيد المنطق،وإن أخذ أشكالاً مغايرة على صعيد الأجهزة المفاهيمية والمرجعية والأحلام " ( ) ، كما يعتبره في إطار التنقيب النقدي أجدى من مفهوم المثقف الرسولي الذي يعتبر أكثر انتشاراً في الكتابات العربية، والذي يمكن أن يحال مرجعياً على المجال المقدس، في حين يرتبط جدلياً بالدنيوي، كما أن المفهوم في حد ذاته معياري، قد يشمل المثقف الأيدو-إسلامي، كما قد يشمل المثقف اليساري، القومي، العروبي....( ) ،والذي ارتبط ببداية الانبثاق الثقافي – الأيديولوجي إبان الفترة الاستعمارية ،وبدايات الاستقلال ،خاصة وأن أطروحة البداية وكذا النهاية هي أطروحات فلسفية لا تعدم الصلة بالمرجع الثقافي، والسياق الغربي ليس بالضرورة هو السياق المغربي،أو العربي, لذلك نجده يسهب في تحليل أسباب انبثاق التسميات/المفاهيم في تربتها الثقافية، من خلال نقد أطروحة البداية و النهاية، وكذا اشتغاله على مقولة " موت المثقف " ، الذي جعله عصر المعلوميات والاتصالات المتطورة التي عرفتها نهاية القرن العشرين ،يتوارى بل وينتهي ويؤبن ... ( )عالمياً، وعلى المستوى الوطني نجده يؤكد في العديد من المناسبات أن هذا الموت المفترض، كان لصالح السياسة والسياسي، الذي تخلص بسرعة من المثقف المعارض من خلال تعطيل وظيفته التنويرية والنقدية، بفضل عدد من الممارسات والاستراتيجيات السلطوية، كما فعل النظام السياسي بالمغرب فيما مضى – كما ما يزال لكن بفضل استراتيجيات جديدة - من خلال أساليب الترغيب، الترهيب، الإقصاء والتهميش... ، إذ بين البداية والنهاية، تمكث صنافة إجرائية، تتشكل من المثقف الرمزي الذي استقل من الفعل السياسي المباشر ليعلن عن اختياره لممارسة الكتابة والبحث كمشغولية وهاجس مركزي، والمثقف الحركي، الذي انتصر اختياره للخطاب السياسي والفعل السياسي المباشر، على حساب الإنتاجية الفكرية والعلمية والإبداعية، وثالثاً المثقف المزدوج الذي رأى ضرورة المزاوجة بين الحضور السياسي والثقافي بشكل متزامن ومتواز... ورابعاً المثقف البرغماتي وهي(في صيغة الجمع) كما يقول أحمد شراك فئة من المثقفين،بدأت تتسع رقعتها،والتي أصبح الإبداع والكتابة والبحث العلمي عندها هاجسا ثانويا،بل أكثر من ذلك أصبحت عندها هذه الأمور تدخل في إطار مرحلة ولت، مرحلة المغفلين أو الحالمين بالخلود الرمزي، لقد أصبح هاجسها هو ولوج الدواليب والمراكز، تراهن فيه على الدكاكين السياسية، وربط الجسور والمودة مع النافذين في أجهزة الدولة... ( )، وبالمناسبة فهي الفئة التي ساهمت، وما تزال في تعطيل وظيفة المثقف التنويرية، منتهياً في معرض اشتغاله التفكيكي / المفاهيمي إلى التنظير بضرورة ميلاد " المثقف المتشاكس " ، على أنقاض نهاية و" موت المثقف " ، الذي يبدو أنه ترك المجال فسيحاً للسياسي الذي ارتبط قدر المثقف والثقافة بمزاجه ومصالحه، لهذا وفي هذا الأفق يأتي نحته لهذه التسمية/المفهوم الذي يمكن إحالته مرجعياً على تصور افتراضي بالأساس، ليسد فراغاً ويقدم خدمة تحليلية, كما هو الحال مع " مفهوم المثقف الداعية" الذي نحته المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز ( ) والذي يعتبر كتاب أحمد شراك " فسحة المثقف " محاورة ضمنية له، بل وتتميماً له من وجهة نظر سوسيولوجية, فالمثقف المشاكس في الحقيقة هو المفهوم البديل بعد نهاية المثقف الداعية .
عموماً وقبل الركون نهائياً عند المثقف المشاكس والذي أجده يستمد بعض مقوماته الحركية من المثقف العضوي لدى أنطونيو غرامشي، الذي يبدو أن السوسيولوجي المغربي أحمد شراك يتحاشى توظيفه كنسق موجه للممارسة الثقافية والمثقفية (من المثقف) بالمغرب لسبب بسيط لأن المفهوم في حد ذاته جاء في إطار منظومة ونسق مفاهيميين توجيهيين نحتهما المفكر والسوسيولوجي الإيطالي أنطونيو غرامشي، والذي يستدعي أثناء التحليل والتوظيف مفاهيم من قبيل: المثقف الملتزم، الوحدة التاريخية، والأساسي هو المرجعية الماركسية، ولأن الزمن العربي عامة، والمغربي خاصة، لم يشهد وحدة تاريخية، ولا مثقفين عضويين بالمفهوم الماركسي للكلمة، فإن اقتراح شراك للمثقف المتشاكس، يأتي في أفق استشراف مستقبلي يلبي حاجة ملحة يعبر عنها الواقع الاجتماعي والثقافي المغربي، تتجلى في ملء الفراغ الذي تركه المثقف لصالح السياسي، كما يأتي ضرورة لنقد أطروحة مثقف النهاية،التي ليست في العمق سوى بداية أخرى، من منظور فلسفي،لذلك يريد أحمد شراك أن يشغلها بمثقف لانهائي،غير متورط سياسياً ، بمعنى يمكنه انتقاد السياسة والحزب بالرغم من انتمائه ،إذا افترض الأمر،إنه مثقف مبادر وفاعل،وليس ارتكاسياً إذا جاز لنا أن نستعير المفهوم من الفيلسوف نيتشه ( ) .
على سبيل الختم:
هكذا إذن يشرح السوسيولوجي المغربي أحمد شراك مصوغات هذا النحت المفاهيمي محاولا شذب هاته المفاهيم من الأحكام المسبقة، ومن ارتباطاتها بالحس العام المشترك، الذي يتعامل معه ابستيمولوجياً باعتباره مفهوما/ تصوراً ما قبل إجرائي، و بدون أن ندخل في نقاش حول المنطق أو الإبستيمولوجيا، نقول وبكل بساطة ممكنة أن المفهوم- الفكرة (notion) هو مجموع الصور، تمثل حدسي غير محدد وغير منسق، فاللغة اليومية تستعمل ألفاظا وكلمات: الألفاظ الإدارية، السياسية، الصحفية.. تجتاح وعينا وتمرر مفاهيم أقل أو أكثر تحديداً (15) ، فالتعميق الأول يستدعي المرور من المفهوم المقبول بشكل تلقائي والرائج تداوليا في التواصل والتفاعل اللغوي اليومي، إلى المفهوم كتصور ذهني مبني نظرياً ومنهجياً، فالمفهوم عامة هو تخصيص وتمييز للمفهوم الرائج، إنه يسمح بتمثل أكثر دقة لواقع معقد، بعد تشذيب، وتعديل وحذف للواجهات الخاطئة ، والأوهام التي تتضمنها عادة المفاهيم المسبقة، فالمفهوم إذن هو فكرة أقل عمومية، أكثر تجريداً، أكثر دقة،نتيجة ونتاج مجهود التعيين والتخصيص،ومن أجل المرور من المفهوم الخام / أو التداولي،إلى المفهوم في صيغته العلمية والتحليلة، يبدو أن التحليل السيمانطيقي وسيلة مفيدة، ولكن بشرط الاستعانة بامتحان تحليلي للاعتبارات التي تحيط بالمفهوم (16) كما يفعل أحمد شراك في العديد من كتاباته .
إن هذا الاشتغال الإبستيمو سوسيولوجي، حول المفاهيم من خلال تداخل مرجعيات أحمد شراك المعرفية، يتضح جلياً من خلال القراءة العميقة والمنتجة لمختلف إنتاجاته الفكرية، التي تتميز كيفياً من خلال متابعته الكثيفة لمستجدات الحقل الثقافي مغربياً وعربياً، كما من خلال إطلاعه الدائم لما يكتب تنظيرياً بالغرب، إذ تكفي إطلالة بسيطة على البيبليوغرافيا المعتمدة في كتاباته لمعرفة مرجعيات اشتغاله السوسيولوجي

الهوامش:
(*) قدمت هذه المداخلة خلال اللقاء المفتوح مع السوسيولوجي المغربي أحمد شراك الذي نظمه اتحاد كتاب المغرب بتعاون مع مندوبية وزارة الثقافة بمدينة تازة يوم 17/10/06 احتفاء بتجربته السوسيولوجية
(**) باحث في علم الاجتماع و الأنثربولوجيا الثقافية / المغرب

1 - أنظر نص الحوار الذي خص به الباحث أحمد شراك جريدة الصحراء المغربية ، العدد 3428، بتاريخ 14/10/06 _
ولو أنني أرى أن حتى هذه التخصصات ، ليست مستقلة بذاتها كشعب وكتخصصات قائمة الذات، كل ما هناك أن الجامعة المغربية ،وفي عدد قليل من الجامعات تدرس علم الاجتماع بشكل عام، ويأتي التخصص فقط من خلال مواضيع وأطروحات البحث، دون أن ينال الطالب الباحث شهادة رسمية تحدد مجال اشتغاله، لأنه بباسطة يحصل على شهادة دكتوراه أو ليسانس في علم الاجتماع ، هكذا وبدون تحديد التخصص الفرعي
- أحمد شراك سوسيولوجي مغربي وكاتب،عضو المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب، يدرس علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، صدر له: 1- الخطاب النسائي في المغرب، الدار البيضاء 1990 ، 2- السوسيولوجيا المغربية (بيبليوغرافيا) مع ع. الفتاح الزين، الرباط 1996 ، 3- الثقافة والسياسة، طنجة 2000 ، 4- مسالك القراءة، الرباط 2001 ، 5_ سوسيولوجيا التراكم الثقافي، الرباط 2004 ، -6- فسحة المثقف، الدار البيضاء 2006, كما له كتابات أخرى قيد النشر، كما أنه دائم الحضور على صفحات المجلات والملاحق الثقافية، واللقاءات الفكرية ...
- أنظر كتابه " سوسيولوجيا التراكم الثقافي" ورد ذكره
- أنظر النص الكامل للحوار ، جريدة الصحراء المغربية، العدد 3428، بتاريخ 14/10/06
- بخصوص الواقعية البنائية كمدرسة ابستيمولوجية حديثة برزت بألمانيا وتحديداً في النمسا في بداية الأمر، مع الفيلسوف والابستيمولوجي فريتش فالنر, أنظر : فريتس فالنر ، الواقعية البنائية ترجمة د. عز العرب لحكيم بناني, انفو برانت فاس 2001
- بول باسكون عالم اجتماع مغربي من أصل فرنسي، يعتبر الأب الروحي للسوسيولوجيا بالمغرب، بعد الاستقلال، صاحب عدد كبير من الدراسات والكتب التي لم ينشر جلها إلا بعد وفاته سنة 1973، على إثر حادثة سير رفقة الباحث أحمد العريف. بول باسكون كذلك يعتبر مؤسس الدراسات الحقلية والميدانية بالمغرب، وهو بلا منازع رائد الدراسات الخبراتية حول المجال الزراعي والتنمية القروية، للإطلاع أكثر على ما كتبه بول باسكون،أو ما كتب عنه ، أنظر أعداد التقرير الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب لسنتي 1968-1969
1- G.Balandier,sens et puissance, PUF .Paris 1971; p 7

- أنظر : أحمد شراك، فسحة المثقف ، ص 16-17
-أحمد شراك، الثقافة والسياسة،منشورات شراع العدد 70 ، طنجة،مارس 2000 ، ص 18
- أحمد شراك، فسحة المثقف، سبق ذكره، ص 11-12
- نفس المرجع السابق
- أحمد شراك، الثقافة والسياسة، سبق ذكره، ص 16-17
- أنظر كتابه : " نهاية الداعية, الممكن والممتنع في أدوار المثقفين " المركز الثقافي العربي,2000
- بخصوص الفرق بين القوة الفاعلة، والقوة الارتكاسية، أنظر جيل دولوز:" نيتشه والفلسفة " ، ترجمة أنسي الحاج،المركز العربي للدراسات ، ط الثانية، 2002
15- Paul Pascon:Conseil pratique pour la préparation des mémoires et thèses ;in Recherches en sciences Humaines , Rabat 1985,p:5
:6 -PAUL PASCON op.cit p 16



#عياد_أبلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زراعة وتجارة المخدرات بين الممارسة والقانون والسياسة بالمغرب
- فلسفة القوة عند نيتشه
- أسس ومرجعيات البحث السوسيولوجي عند الباحث المغربي - محمد مهد ...
- كرة القدم بالملاعب بين التشجيع و الشغب كتعبير عن خلل وظيفي ف ...
- ظاهرة التسول بالمغرب بين الديني والسياسي والاجتماعي
- الإرهاب في الوطن العربي مقاربة سوسيولوجية: أحداث 16 ماي بالد ...
- زواج المتطرفين الأصولين بين زواج المتعة والزواج العرفي، نحو ...
- الزواج المبكر طلب سوسيو ثقافي جنساني وشكل من أشكال إضفاء طاب ...
- الإعلام، التنمية والجريمة في المغرب
- صورة المرأة العربية وتفكيك الفحولة المتخيلة في الخطاب السردي ...
- المجال والتحولات الاجتماعية
- السحر والشعوذة, التمثلات الاجتماعية, التطبيقات والتجليات في ...
- المرجعيات الثقافية والاجتماعية للزواج المختلط بالوطن العربي ...


المزيد.....




- بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط ...
- بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا ...
- مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا ...
- كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف ...
- ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن ...
- معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان ...
- المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان.. ...
- إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه ...
- في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو ...
- السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عياد أبلال - أسس ومرجعيات البحث السوسيولوجي عند الأكاديمي أحمد شراك