|
مربدُ من؟
أحمد عبد الحسين
الحوار المتمدن-العدد: 2293 - 2008 / 5 / 26 - 10:07
المحور:
الادب والفن
قبل أن نصل البصرة قال أحد الشعراء مازحاً: (المهرجان جميل لكنْ أخشى أن يفسدوه بالشعر)، عرفت ـ بخبرة مشاركتي اليتيمة فيه قبل سنتين ـ ان مفارقة كهذه، أن يكون الشعرُ مفسدة لمهرجان شعر يمكن أن تحدث في المربد، وأننا ندرك حقاً أن القادمين، في الحافلات أو في الطائرات أو على أقدامهم ـ قادمون للمهرجان لا للشعر، لمهرجان تلتقي فيه الوجوه بالوجوه، والأسماء بالأسماء وان فضيلة التعرف على وجوه أسماء قرأناها هي فضيلة المربد كلّ عام، وان صاحبي لم يكن مازحاً تماماً. لكنْ ليس بالشعر الرديء وحده تفسد المهرجانات، بل بالتنظيم الفاشل وطاووسية المسؤولين وامتلاء قاعات الشعر والفنادق والمطاعم بالمسلحين الذين طلب منا أحد المسؤولين الرفق بهم. مع ذلك احتفظنا من المربد الأخير بذكرى بهيجة تتلخص برؤية البصرة أكثر أمناً، والبصريين أكثر بصرية، والناس أكثر تفاؤلاً، والجوّ خارج قاعة الشعر أكثر شاعرية. وربما كان ذلك كافياً لإنجاح مهرجانٍ يحفّ به الفشل دائماً، الفضل للبصريين وحدهم، لاتحاد أدبائهم كما لشعرائهم الذين أحاطوا زملاءهم بفيض محبةٍ هي علامة بصرية فارقة. مفاجآت المربد الأخيرة كثيرة، بعضها غير سارّ، وجدت اننا نحن الشعراء نستسيغ إلى الآن القاء قصائدنا في جوّ عسكريّ مشحون وفي ظلّ تفنن أولي الأمر باستثارة أعصابنا بغرورهم الكاشف عن خواء، ووجدتُ ان مستمعي الشعر قلّة وان الحاضرين لا يصغون إلا لقصيدةٍ زرع شاعرها مكبرات صوتٍ في كل حرف منها، وان الصوت العالي ـ حتى لو كان صوت رحى تطحن الهواء ـ هو الغالب، وأنْ لا أحد يصغي لأحد، وأن كثيراً من الشعراء الكبار تقدمت أسماؤهم الفخمةُ إلى المنصة جارّة وراءها شعراً هزيلاً مضجراً. غير ان هناك مفاجآت سارّة هي كنزي الذي عدت به، أكبرها ماجاد به علينا السيّاب العظيم، إذ اكتشفنا ـ بفضل مراسلنا الزميل الدؤوب جبار النجدي ـ بضعة نصوص له لم تنشر من قبلُ يحتفظ بها الأستاذ محمد صالح عبد الرضا، وها نحن ننشر في هذا العدد واحداً منها، أما مفاجآتي الشخصية فهي في تعرّفي على جيل جديد من الشعراء "من البصرة وسواها" يفتح باب الأمل على شعر عراقيّ لا شأن له بالموات المدوّن باسم الشكل الشعريّ العربيّ الخالد المسمى عامودياً، ولا بالنصوص النثرية السهلة التي ترتكب باسم وصفة حداثية جاهزة، شبان جادون بعضهم لم يبلغ العشرين عرضوا تجاربهم بخجل وتواضع كبيرين ورغبة واضحة في التعلّم والاستفادة. الأماسي الشعرية التي أقيمت خارج المنهاج، على هامش المهرجان، كانت أكثر دفئاً وحميمية وهدوءاً، أبرزها تلك الأمسية التي انتهت في الثانية بعد منتصف الليل في فندق الضيافة وجمعت الأجيال كلها: مخضرمين كجبار الكواز مع شبان كعلي محمود خضير وبين بين كماجد موجد وعلاوي كشيش وصفاء ذياب وأحمد عد الحسين. في المناسبات التي يبتعد فيها الرسميّ عن المشهد يتنفس الشعر الصعداء، يطمئنّ إلى نفسه حين يقلّ الضجيج وتنحسر مظاهر التسلّح، وحين يختفي المنبر يرتدّ الشعرُ إلى أصله الضائع: همس خفيض يلقيه شاعر لا شأن له بالوثوق أو اليقين المعبّر عنه بالزعيق، يعود الشعر كما خُلقَ، تأملاً صافياً، سبراً عميقاً موقّعاً بالأنفاس لا بايقاع الأقدام شأن هوسات القبائل البدائية وأهازيجها الداعية إلى الهياج. خارج ذلك كله كان يتناهى إلى سمعنا (دون أن نكترث له كثيراً) ضجيجُ اتهاماتٍ يلقيها البعض على الآخر عن ذممٍ متورطة وأموالٍ مهدورةٍ وأرقام تتطافرُ هنا وهناك ووثائق (يدعي الجميع امتلاكها دون أن نراها) تتهم فلاناً بالسرقة وعلاناً بالكذب، اقتنعنا أخيراً، أو أقنعنا أنفسنا، بأنّ هذا الضجيج تقليد عريق لا بدّ أن يرافق كلّ مهرجان، وان مربداً بلا قيل وقال أقلّ مربديةً. حادثة الاعتداء على الزميل صفاء ذياب ألقتْ بظلالها على مزاج المربديين، وإذا كان البعض ممن أراد تملّق المسؤول لينحو باللائمة على المعتدى عليه قد أخلف وعده مع ضميره، فإن أغلب الشعراء رأى بعينه وسمع بأذنه ما جرى وتأكدت له للمرة الألف حقيقة العلاقة بين المثقف والمسؤول، وهي علاقة قلنا عنها مراراً انها محكومة بالاحتقار المتبادل بين الطرفين. لا يمكن الجزم بهوية المعتدين، ولأي مسؤول هم عائدون، كلّ ما عرفناه انهما اثنان وانهما من حماية أحد المسؤولينِ اللذين كانا يشرّفانِ المكان بحضورهما البهيّ، وان أحدهما (أقصد المعتدين لا المسؤولين.. معاذ الله) يلبس قميصاً أصفر والآخر يلبس قميصاً بنياً، وربما كانت الدعوى القضائية التي أقامها الزميل صفاء كاشفة عن الحقيقة ليتبيّن الخيط البنيّ من الخيط الأصفر من المربد. تعاطفنا كثيراً مع السيد الوكيل الأقدم للوزارة حين سمى المربد صولة الشعراء تيمناً بصولة الفرسان التي جعلت البصرة أكثر أمناً، لكني الآن أفكر جاداً بأن كلام السيّد الوكيل ربما فُهم خطأ من لدن البعض فظنوها (صولة على الشعراء)، فكان ما كان. ونحن لا نملك هنا إلا دعوة الأخوة أفراد الحمايات إلى الإصغاء جيداً، متمنين أن يكون سمعهم وفهمهم أدقّ من سمع جمهور الشعر الذي كان منشغلاً بأحاديث جانبية ولغط مبهم لا يقطعه إلا هدير شاعر واثق زاعق ناطق بالرميم من القول وبحركات هستيرية من يديه اللتين تستغيثان بالجمهور أنْ صفقوا يرحمكم الله ...
#أحمد_عبد_الحسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صناديق فارغة
-
باب الحرية
-
أهمية أن تكون يهودياً
-
أسامينا.... شو تعبوا أهالينا...
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|