حمزه ألجناحي
الحوار المتمدن-العدد: 2290 - 2008 / 5 / 23 - 03:35
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
سجن الحلة قصة الأمهات لهدهدة أطفالهن
حديث المضايف و الجلسات الشعبية
في هذه الايام نقرأ كثيرا عن تلك القصة وابطالها ولو لم يكونوا بعض ابطالها احياء لعددناها من قصص الخرافية او قصص اهل بابل ولأضفناها لقصص الف ليلة وليلة او لأضفناها لقصص السحر البابلي ولأكتملت قصة هاروت وماروت الذين لازالوا معلقين في دهاليز بابل وينتظرون الخلاص من عذاب الله ...سمعت هذه القصة من جدي الذي كان يذهب الى مدينة الحلة وبحكم عمله التجاري وعلاقته الوثيقة بعلية القوم في تلك المدينة العراقية التي تتميز دونا عن باقي المدن بالتاريخ والعلماء والادباء وحتى وجود الاصدارات والتي كانت المدن والقصبات القريبة تنهل من تطور مدينة الحلة واهلها اللذين خبروا الحيات العصرية والتي كانت تضم بعض المدن والتي أصبحت بعد ذالك محافظات بعد ان كانت اقضية تابعة للواء الحلة..
في عام (1967)وفي ذالك اليوم بالذات او بعد يومين من الهروب ذهب جدي الى مدينة الحلة التي تبعد تقريبا (28)كيلو متر عن المدينة وكنا أطفال ننتظر عودته عند المساء لأن النقل لم يكن ميسرا ولأشغاله الكثيرة وعلاقاته بأهل الحلة كانت عودته المتأخرة زاخرة بأشياء كثير نفرح بها ونفرح به وهو يخرج لنا من جيبه الحلوى وبعد ان يأخذ استراحته يقص علينا الرحلة من الفها الى ياءها جلسنا حوله كالطيور ننتظر ان يخبرنا علينا ما شاهده في الحلة من السيارات والنساء اللواتي لايلبسن العباءة والشوارع المبلطة والاسواق والكهرباء كانت قصصه جميلة جدا بالنسبة لنا لكن هذه المرة لم تكن قصصه كتلك القصص فلقد سرد لنا قصة واحدة فقط في وقتها لم نستطيع ان نصدقها كونها خيالا اقرب لواقع كانت ذاكرتي وقتها صورية استطيع ان أخزن فيها وبناء على قصة جدي تصورت وتخيلت طول الرجال وغلظ اجسادهم وقوة اجسامهم المفتولة بالعضلات ففي اعتقادي لايمكن ان يكونوا الا بهذه الصورة كيف لا وهم قد هربوا من سجن الحكومة وحفروا نفق تحت الارض ليخرجوا في وسط كراج السيارات وهم يرتدون ملابس رياضية وكأنهم فريق كرة كما حدثنا جدي اول من نقلها جدي الينا وبعد يومين من تلك الرحلة لجدي انتشرت كالنار في الهشيم في مدينتنا التي لأهلها الفقراء وقت فراغ كبير ومجالس ليلية ومضائف وسهرات ودلال قهوة في مضيف الشيخ الكبير ...
كان جدي يذهب يوميا الى المضيف ويسرد لهم قصص المدينة الكبيرة لكن في ذالك اليوم لم يكن جدي الوحيد الذي علم بالخبر او لعل خبر الهروب حدث قبل يومين كما اسلفت من ذهاب جدي فهو خبر جديد (تازه)ستبقى تتداوله المضايف لأشهر ويضيف عليه اصحاب الخيالات الواسعة مثل (الحاج ابو جودة) او (ابو حمديه)(او الشيخ رزاق)رحمهم الله جميعهم ثم ان هؤلاء السادة لهم ابناء والاغلب الاعم ان ابناءهم منتمين الى الحزب الشيوعي في مدينتنا وبكثرة كونه الحزب الوحيد في المدينة ولا يجسر احد ان ينتمي لغيره فهم ابناء ذوات وشيوخ ومتنفذين وبما ان حكاية الهروب ابطالها من الشيوعيون وفي الحلة فهو نصر لهؤلاء الكبار في السن لأن رفاق ابناءهم هم ابطالها لذا صار المضيف حديث لهؤلاء الاجداد ..
طرق السيد ابو حمدية الباب مبكرا وبعد اذان المغرب للذهاب الى مضيف السيد فنادى على جدي (بالتسيارة)امرني جدي ان ابلغه ان يذهب وسوف يأتي على اثره لأنه لم يكمل عشاءه لكن ابو حمدية لم يفارق الباب لعلمه ان جدي في جعبته خبر الهروب من السجن رفع صوته ليبلغه (حجي الناس تنتظرك بالمضيف كوم جيب عشاك ويام السيد ايكول خلي يجي يتعشه يمي)
وهذه وحدها قصة ملفقة لأجبار جدي لمرافقته الى المضيف ..
نهض جدي دون ان يكمل عشاءه وسالني هل ارافقه فكنت مسرورا جدا لأني ايضا اريد ان اسمع القصة ثانية وانا كنت رغم صغر سني اعرف ان القصة سيضاف عليها الكثير وسوف يحكيها رواد ذالك المضيف وكأنهم ابطالها,,ما ان وصلنا الى باب ذالك المضيف حتى سمعنا الجميع يقول
( أي اجة الحجي هسة نعرف الخبر منه الصدك من الجذب)
كان المضيف عامرا وشاهدت بعض الوجوه التي لا ترتاد المضيف لكن اليوم والخبر على كل لسان قصة الهروب سيرويها الحاج عبيس الذي كان في الحلة وجاء قبل ساعات وهو يعرف كل شيئ اليس هو التاجر الوحيد في المدينة
(علاقاته واسعة واكيد ربعة بالحلة حجولة القصة)
دخل جدي امام السيد ابو حمدية على الرغم من ان العرف يحتم دخول السيد قبل العامي لكن ابو حمدية دفع جدي امامه وكأنه مكلف بأيصاله والاطمئنان من وصوله الى المضيف لايهم من يدخل اول حتى لوكان ليس سيدا انه يحمل قصة الجميع ينتظرها ,,
دخل جدي المضيف وهو يمشي الخيلاء والكل وقف له ويطالبه الجلوس بقربه ليسمع القصة جيدا من فمه وكان النقل مباشر وعبر فم الحاج عبيس كل شخص من الحاضرين يطالبه بالجلوس بجانبه وبما ان السيد طلب من جدي الجلوس بقربه أذن سيكون الجلوس بقرب السيد وشيخ السادة والمدينة لا لشيء الا لكونه يحمل قصة الهروب ولو كان جدي طلب كرسيا ليجلس عليه للبوا طلبه حتى لو كان النبر الحسيني المركون في زاوية المضيف ولو كان جدي يعلم بأسماء هؤلاء الابطال وعددهم واسماء عوائلهم لأصبح الليل لايكفي لسرد تلك القصة ولأحتجنا للحكواتية اللذين (يلوزون)القصة ويضيفون عليها الكثير ,,
وهذا ماحدث فعلا وفي الليلة الثانية أضيف على تلك القصة التي سردها جدي حسب مصادرها الحلية وكأن جدي لم يكن الذي قصصها بالامس فكان عندما يذكر أحداثها يقاطعه السيد (مساعد) والذي هو مركز للأخبار لأنه يمتلك راديو يعمل على بطاريات متعدده فاخبر جدي أن روايتك غير صحيحة لأنه سمع قصة أخرى عن الهروب من سجن الحلة عن طريق اذاعة (لندً )و(لند) هذه هي لندن لكن السيد اعطى لنفسه الحق بحذف حرف النون وبالتالي له الحق بسرد روايه أخرى وتعددت الحكايات في تلك المدينة الصغيرة الامنة وأختفت الى اجل غير مسمى كل أحاديث المدينة والحكومة..
هكذا هي قصة الهروب سمعها العراقيون في يومها الأول وضلوا يتحدثون بها الى يومنا هذا إنها ليس قصة من قصص الخيال بل قصة واقعية إبطالها لازالوا أحياء عدد القائمين بها أكثر من (45)مناضل القي القبض فيما بعد على (14)منهم واليوم ولحد هذه اللحظات نرى هناك تضارب في حقيقة القصة وأبطالها
الحقيقة أن ما يروى ليس كذبا بل كل يؤرخ من زاويته وموقعة في ذالك الحدث وعليه يجب ان يعمل الحزب الشيوعي بالاستعانة بمؤرخ محترف او كاتب يكتب ويوحد كل وجهات النظر الكتابية لطرحها إلى الجمهور العراقي لينظر الناس الى هؤلاء الرجالات وما قدموا لبلدهم
أهذه القصة العظيمة أم قصة عبور أحدهم نهر دجلة وقد عملت أفلاما وروايات وهي محض افتراء وكذب ودجال وقد دوخوا رؤوس الناس بها؟؟؟ ...
لذا نرى ان هذا الحدث ليس ملك أحد فقط بل هو ملك للوطن ويبقى يحكى للأطفال قبل ان يناموا او اللذين فارقهم النوم ومثلها مثل بعض القصص الهزيلة والغير واقعية التي تحكيها الأمهات الى أطفالهم وفي كل دول العالم والتي أصبحت موروث تتباهى بها الشعوب ,,,
هل هناك موروث أفضل من ملحمة الهروب من سجن الحلة .
حمزه—الجناحي
العراق—بابل
[email protected]
#حمزه_ألجناحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟