احمد عبد الحسين
الحوار المتمدن-العدد: 2290 - 2008 / 5 / 23 - 04:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يحدث أن يستخدم شخص (أو مجتمع) عقله بطريقة غير عقلانية، بحيث تغدو أفعاله وأقواله لها حظ كبير من التماسك والاتزان إذا ما انسقنا وراء المنطق الخاصّ الذي تتحرك في أبهائه هذه الأقوال والأفعال. كما لو أن للعقل نواة صلبة هي الجنون ذاته.
لا أحد يجادل في أن للأسطورة مثلاً نحواً من المنطق يعطي لتفاصيلها مبرراً ذاتياً، لكنه المنطق الذي يأبى مقايسة جدواه وفاعليته بكل ما يقع خارجه، خالقاً بنى داخلية مكتفية بنفسها وملمومة على قناعات غاية في الوثوق واليقين. لنتذكر حضارة الأزتيك وكيف كان سبب انهيارها الأقوى انشداد عقول أصحابها إلى هذه "الحقائق" المرفوعة إلى مصافّ الى مصافّ اليقين الثبوتيّ، ومن يقرأ كتاب جان ماري لوكليزيو (الفكر المبتور) سيجد أن صراع فاتحي أميركا مع السكان الأصليين إنما هو صراع بين عقلين أحدهما يدخل الجنون في صلب عمله لأنه لم يحدث نفسه بالخروج إلى رحابة العقل الآخر.
الأسطورة ليست السبيل الأوحد لاستخدام غير عقلانيّ للعقل، هناك أيضاً الدين الشعبيّ الذي هو منبع اليقينيات كلها، وبجعله مرتكزاً لكل فاعلية عقلانية يغدو صنماً، عائقاً أمام التفكير الحرّ، هناك أيضاً الفضاء الشعريّ الذي يتخلل الثقافة طارداً الفكر والبحث والدرس مخلياً المكان لهوامات المعاني التي لا تكاد تبين.
في العراق اليوم ثمة كثيرون يباشرون أفعالهم الحياتية والثقافية بدليلٍ من عقل أسطوري، دينيّ أو شعريّ فيبدون أمامنا كائناتٍ متزنة وراكزة دون أن يشعروا أن حداء ربات العبث يقودهم من محنة إلى أخرى وصولاً إلى هاوية باتت وشيكة.
يحدث أن تكون هذه المهيمنات ذات سلطة فاعلة ونفوذ آمرٍ حتى على السياسيّ الذي يتخذ أفعاله بناء على ما يجود به هذا العقل الذي يبدو في ظاهره متماسكاً ، لكنه يتحرك أبداً في المنطقة التي يجول فيها الجنون.
#احمد_عبد_الحسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟