أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - خليف الأعمى وسرُّه الصغير!














المزيد.....

خليف الأعمى وسرُّه الصغير!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 2285 - 2008 / 5 / 18 - 04:14
المحور: الادب والفن
    


لا أعتقد أن قوام المدينة هو مجموعة الدور والمباني والأزقة بل هو مجتمعها الداخلي ، هو الثقافة الشعبية ومجموعة العادات والتقاليد والأعراف والطبائع الشعبية والعامة والمتوارثة، هو مجموعة الأشخاص ذوي السمات المميّزة والسلوك المشترك والمتداخل مع بعضه البعض.
إننا حين نزور مدينة مهما كانت صغيرةً أو كبيرة سنشاهد المظاهر الطبيعية ولكن الإطلاع على مخبرها ووجهها الخفي سيكون ممتنعا على الزائر فترةً طويلة وربما مهما طالت مدة زيارته إلاّ إذا فتحت المدينة لذلك الزائر ذراعيها كما يُقال فإنه حينذاك سيرى ما لم يتسنَّ له أن يراه من قبل.
تلك هي أهم مظاهر السعادة الحقيقيّة!
بلغني أن أحد حكماء الصين كان قد سُئِلَ عن السعادة؟ فقال السعادةُ هي في أن ترى ما لم تكن رأيته وأن تسمع ما لم تكن قد سمعته وأن تأكل(ربما تهضمَ) ما لم تكن أكلته ( أو هضمته) فقيل له وكيف السبيل إلى ذلك ؟ قال: في السّفر!
حتّى المدن التي نعيش فيها فإننا لا نفهمها إلاّ بعد أن نغوص قليلا في أعماقها ونتعرّف على بعض شخوصها الذين يُشكّلون سماتها وميّزاتها وملامحها التي تتفرد بها.
خْليف..!
ومن سفر الغوص في مدينتي البصرة أقدّم بعض الصور التي تختصّ بها وأترك الباب مفتوحا لأولئك الذين غاصوا عميقا في لجّتها الزرقاء وما أكثر ما استخرجوا لنا منها لؤلؤاً ومرجانا ومحاراً وأصدافاً تخلب الألباب.
أعمى يجلس في أحد الميادين يرتدي دشداشة بسيطةً يُخبركَ بالوقت كلما طلبت منه ذلك! وكلما مرّت سيّارة بالقرب منه ذكر بصوت مسموع رقمها واسم سائقها ونوعها بل ربما لونها ، وبعد ذلك يختم أجوبته بعبارة( عفية قلب لا يقرأ ولا يكتب!) ورجل آخر يُخبر عن الوقت أيضا ولكن بخطأ يسير ربما لا يتجاوز الخمسة دقائق في احسن الأحوال ، وآخرون لهم أخبار ونوادر كثيرة ولكن أغرب ما عرفته هو ذلك الأعمى المدعو (خليف) وهو تصغير خلف لقد كان خليف عجيبا غريبا فقد كان يميّز الناس عندما يقبلون عليه أو يقتربون منه ويحدس أشياء كثيرة غريبة وفي احدى المرات كان لي نسيب أراد زيارة خليف فقصده في البستان الذي يعمل فيه وكان خليف هذا يقوم بتلقيح النخل أي أنه كان فوق النخلة وعندما اقترب الزائر من النخلة صاح خليف : أهلا دكتور!إذ كان الزائر طبيبا
واكمل : يا أهلا، وهلاّ ورحّب ونزل بأسرع ما يمكن من النخلة
كان خليف يحب الطرب والمرح كثيرا ويقول لو سمعت صوت الطبل من بعيد تهتزّ فرائصي كما تهتزّ فرائص الجبان من القتال، ويتعاطى شرب المدام عندما يكون العرض مجانيا ،وفي إحدى المرّات راهن بعض ممن يعرفونه على قدرته على تمييز الموضع الذي يطلب توقف السيارة فيه على طريق أبي الخصيب وهو طريق كثير التعرج وقد كان أيامها أكثر تعرّجا بما يشبه المتاهة التي تعدّها بعض مجلاّت الأطفال، فأخبروه فقال إنه يستطيع أن يتعرف على موضع التوقف حتى لو شرب زجاجة عرق أبو كلبجة! كاملة وفعلا تمت دعوته إلى أحد النوادي بالعشار وبعد أن شرب زجاجةً من عرق ابو كلبجة كاملة تم وضعه في صندوق السيارة وأُقفل الصندوق تماما وساروا في موكب معه وعند ما بلغوا الطريق المتفرع من الطريق العام ضرب خليف بقبضة يده من داخل الصندوق بقوّة وصاح (نازل! نازل!) وما أشدّ دهشة الجميع الذين انفجروا بين ضاحكٍ ومتعجّب مندهش.
وربما يحفظ عدد من الناس لخليف نوادر كثيرة أخرى ولكنه من ناحية أخرى كان يخدم البستان العائد له ويزرع ويقوم بالتسوّق ولا يحتاج احدا لمساعدته ولم يتزوج أبداً بسبب سرّ صغير في حياته وما أنبله ! ذلك أنه كانت له أخت مريضة بمرض جلدي لا شفاء منه وأشفق عليها من تركها في مستشفيات العزل فأخفاها عن أعين الناس وخدمها طوال حياته بنفسه في مرضها وشيخوختها ! يُساعدها على قضاء حاجتها ويحممها ويطهو لها الطعام ويؤانسها بالحديث وأخبار الناس إلى أن قضى الله أمراً كان مفعولا.
.



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قولٌ على قول..!( في الماديّة الدايلكتيكيّة)
- حكاية المعمّر الحاج علي أبو سريح!
- توسيع دراسة الظواهر الدينيّة بين الماركسيّة والعلمانيّة ورجا ...
- ألتاريخ لا يُخطيء!
- بكم نبتدي وإليكم نعودُ ومن فيضِ أفضالكم نستزيدُ
- زكيّة الدكّاكة!
- إلى أنظار دولتي رئيسي مجلسي الوزراء ومجلس النواب الموقرين
- بأي حقّ..؟!
- ستراتيجية العصر..في كل (جوكه)لنا خيّال!!!
- إحنا سباع..! وشكّينا الكاع.
- قل أريب ولا تقل مثقف..!
- أمّتان!
- أخطاءٌ منهجيّة!
- قضايا المرأة والمزايدات السياسيّة!
- فنطازيا على فنطازيا
- الحرف التاسع والعشرون!
- رحلةٌ من محطّة قطار المعقل!
- مدنيّون!..وماذا بعد؟
- رِفقاً بِلُغَة السَّماء!
- الفاشوش والقراقوش!


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - خليف الأعمى وسرُّه الصغير!