إعداد و ترجمة د . إبراهيم استنبولي
ولد في كرونشتاد [1][1] . مات في بلدة بيرنغاردوفكا بالقرب من بطرسبورغ . الشاعر ، الذي كانت أسطورة حياته واقعية إلى حد كبير ، ولعبت دورا في تكوين مجده لا يقل أهمية عن شعره . ابن لمهندس عسكري ـ بحري ، تلقى تربية في مدرسة مدينة تسارسكوي تحت إشراف اينّوكينتي انّينسكي . درس الفلسفة في جامعة بطرسبورغ وفي باريس من عام 1907 حتى عام 1914 . الزوج الأول للشاعرة آنّا آحمادوفا . قام بالترحال في أفريقيا ، الشرق الأوسط ، إيطاليا . تطوع للخدمة أثناء الحرب العالمية الأولى ، خدم في البعثة الروسية في باريس . بعد عودته عام 1918 إلى روسيا ، ترأس مع م . غوركي تحرير مجلة " الأدب العالمي " ، ثم اصبح رئيساً لاتحاد الشعراء لعموم روسيا بعد بـلوك .
حسب تعبير بلوك الشهير ، إن شعر غوميليف يشبه بعض غبار البلدان البعيدة ، التي بقيت محفوظة بشكل عجيب على مدية . على صور الشاب غوميليف تلاحظ كبرياء مراهق ديناميكي يحاول إخفاء عدم الثقة ، ويسعى للظهور اكبر واكثر خبرة مما هو في الواقع . إن مثل هؤلاء الأولاد يقتربون من مجسم الكرة الأرضية كما يتحسسون جسد المرأة الحبيبة . هكذا هي نفسية ذي الخمسة عشر ربيعاً ، الضابط للابد .
كوبر ، ماين ريد ، ستيفنسون ، كيبلينغ ، رامبو ، نيتشه والفلسفة الشرقية ـ هذه هي مكونات الرومانسية عند غوميليف . مع التشديد على الشعر الرجولي .
لقد احب غوميليف ، كما الطفل ، أن يترأس شيئا ما . وقد ترأس غوميليف حركة الكماليين[2] ، واضعا الدقة ، الوضوح والتحديد في وجه الرمزية ، التي اعتمدت الغموض المقصود بشكل مهني . لكنه ، أي غوميليف ، كما الرمزيين ، كان ينزلق أحيانا إلى بعض العلو والجمالية الزائدة . لا يوجد عند غوميليف اشعرا متوسطة ـ إما سيئة للغاية ، إما روائع .
إن غوميليف ، الذي كان قد تنبأ بموته في قصيدة " العامل " ، تم إعدامه رميا بالرصاص لمشاركته في مؤامرة الثورة المضادة . يُقال انه قبل الإعدام راح يغني " الهي ، احفظ القيصر " ، على الرغم من انه لم يكن ملكيا أبدا. ( وفق شهادة الأب الكسندر تورينتسيف ، في أحد الأيام ظل جالسا وبصق الشمبانيا عبر كتفه ، في حين أن الجميع قفزوا واقفين عند شرب نخب الإمبراطور ـ القيصر ) . لقد تصرف غوميليف مع جلاديه كما لو انه متآمر حقا ـ بفخر ، وباستهزاء . فيما بعد تبين انه لم يشترك و لا في أية مؤامرة .
بعد انتولوجيا يجوف و شاموريف ( 1925 ) لم تعاد طباعة كتب غوميليف ، لكن كان من الممكن اقتناؤها في محلات بيع الكتب المستعملة وعن طريق الطباعة الذاتية . وقد روى لي رئيس تحرير مجلة " اغانيوك " ـ الشعلة ، كم كانت دهشته كبيرة حين قام المنظر الإيديولوجي الكبير في الحزب أيغور ليخاتشوف ، وهو في مكتبه في اللجنة المركزية ، باطلاعه على مجلد أنيق لأعمال غوميليف . وفقط خلال مرحلة غورباتشوف ، تمت إعادة النظر في " قضية غوميليف " وتم سحب التهمة الموجهة إليه بخصوص التآمر مع القوى المعادية للثورة ، مما سمح ببعث أشعاره ، فأصبحت في متناول جمهور القراء ، لكن دون أن يبعث ذلك المؤلف .
( يفغيني يفتوشينكو)
الحــاسة الســـادسة
رائع لدينا الخمر الذي نحب
والخبز الطيب لأجلنا يصنع في الفرنْ ،
والمرأة ، التي خُلقت ،
بعد عناء ، كي نهنأ نحنْ .
ماذا نفعل نع الفجر الورديّ
في أعلى السماوات الباردة ،
حيث الصمت وهدوء غير دنيوي ،
ماذا نفعل بالأشعار الخالدة ؟
لا تُؤكل ، لا تُشرب ، لا تُلْثَم .
تهرب اللحظة من غير رجعة ،
بينما نحن ، من جديد ، نفرك أيدينا
مقدر لنا السير بمحاذاة ، بلا وقفة .
كما الصبي ، ألعابه وقد نسي ،
يتطلع حينا إلى حمام الصبية
و ، دون أن يعرف عن الحب أي شيء ،
راحت تعذبه رغبة غامضة .
كتلك الحشرة الزاحفة يوماً
على ذيل فرس أشعر ،
تشهق مدركة عجزها
إذ تحس بالأجنحة التي لم تظهر .
هكذا ـ أقريبا ، يا رب ؟ ، قرنا بعد قرن ،
بفعل مشرط الفن والطبيعة ،
ستصرخ الروح ، والجسد يئن
فيخلق عضو الحاسة السادسة .
1921
مصــــــــــــــر
كما اللوحة في كتاب قديم ،
تؤنس مسا آتي ،
تلك السهول الزمر دية
و مراوح النخيل المترامي الأغصان.
قنوات ، قنوات ، وقنوات ،
بمحاذاة الجدران الطينية تجري ،
وهي تروي صخور دمياط
برذاذ زهريٍّ من الزَبَدِ .
و تلك الجمال المُضحكة ،
بجسد السمك ورؤوس الأفاعي ،
كالعجائب القديمة ، الضخمة ،
من أعماق البحار المزركشة .
هكذا مصرَ أنت سترى
في الساعة المقدسة ثلاثاً ، حين
تشرب الشمس نهار الإنسان
و ، كالساحر ، يتبخر الماء .
إلى أشجار الدلب المزهرة
تأتي ، كما مشى مِن قبْلك
هنا حكيم ، وهو يحاكي الأزل ،
وقد احب الطيور والنجوم إلى الأبد .
.....
أو الماء يضج باستسلام
بين النواعير الثقيلة ،
أو أبيس الأبيض كالثلج يئن ،
وقد أدمته سلاسل الورد .
هل ذاك نظرة ايسيدا الخيِّرة
أم لمعان القمر الطالع ؟
لكن انتبه ! تنهض الأهرامات
أمامك ، سوداء ومرعبة .
جلس ، يحرس المكان المقدس، أبو الهول
وهو يرنو مع ابتسامة من علُ ،
بانتظار ضيوف من الصحراء ،
الذين لا تعرفهم أنت .
...
هناك ، بعد أن ترى النهر في الصحراء ،
ستصرخ أنت : " لكن هذا حلم !
أنا لست مكبلاً إلى قرننا ،
طالما أني أرى منذ القدم .
أليس على مرأى مني ، منفذين
أوامر الفراعنة ، العبيد العراة
حملوا الحجارة في الصحراء ،
ليشيدوا هذه الأعمدة ؟
.....
أليس أمامي ، بعد مئات السنين ،
غنوا للتمساح أهازيج ،
حلقات الكهنة الراقصين
وركعوا قدام أبيس ؟
و انطونيو الحبيب مُنتظرة ،
وقد رفعت عينين كبيرتين ،
راحت تحسب في النيل كليوباترا
السفن العابرة " .
لكن كفى ! أانت تريد
العيش للابد بين الأفراح القديمة ؟
و إنك غير سعيد بهذه الليلة
و بأزهار اليوم غير سعيد ؟
وعلى المدرجات المكشوفة الباردة
تنظف النسوة ذهب الجدائل ،
وتطعم صديقاتها السود العيون
العنبر ومربى من الورود .
والمشايخ يصلّون ، عابسين ، جاديّن ،
وقد وُضِع أمامهم القرآن ،
حيث الرسوم الفارسية ـ
كما الفراشات من بلاد خرافية .
ليس عبثا انه في البلاد قيل
مثلٌ في كل العالم انتشَرَ :
ـ من جرّب الماء من النيل ،
سيسعى دائما إلى القاهرة .
ليكن السادة هنا ـ هم الإنكليز ،
يشربون الخمر ويلعبون الفوتبول
والخديوي في ديوانه العالي
لم يعد للعنف المقدس قبول !.
....
....
إذا حط بالقرب لَقْلَقٌ تائه
وبنى عشا في حقلك ،
اكتب رسالة بالإنكليزية
واربطها تحت جناحه .
في الربيع ، على ورقة أوكاليبتوس ،
لو عاد اللقلق إليك ،
ستستلم تحية من مصر
من أولاد الفلاحين المرحين .
1918 ، 1921
[1][1] كرونشتاد
[2] من الكلمة اللاتينية akme ـ أعلى درجة لشيء ما ، القوة المزدهرة . حركة أدبية روسية منذ عام 1910 ، من ابرز ممثليها : غوميليف ، آحمادوفا ، ماندلشتام ، غوروديتسكي .. دعت الحركة إلى تحرير الشعر من الرمزية والغموض وطالبت بالعودة إلى العالم المادي ، إلى الطبيعة .. لكن مع الحفاظ على الجمالية والموسيقى .. المترجم