عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2283 - 2008 / 5 / 16 - 06:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عند تاملنا في الوضع الراهن الذي تمر به كردستان العراق بعد عقد ونصف من الحكم الذاتي الشبه المنفصل ونقارن ما يجري هنا و ما يمر به العراق ، يتبادر الى الذهن ان الوضع مستقر والحياة من كافة نواحيها في تقدم ملحوظ، الا ان ما يجعل المتتبع متشائما حين يرى المجتمع الكردستاني و ما يطمح اليه المثقفون والشعب بشكل عام هو ضمان و توفير ادنى المستويات من المستلزمات والخدمات الضرورية والرئيسية للكادحين والطبقة المعدومة التي تعيش في فقر مدقع ، وفي المقابل يرى البون الشاسع بينه وبين مجموعة من المستغلين الذين يتحكمون بقوت الشعب . المخيف في الامر عندما يستمع اي من ابناء هذا الشعب المضطهد الى المتنفذين وهم يتكلمون بطلاقة اللسان عن الرخاء والتقدم والمجتمع المدني الموعود ويقارنون الحال بزمن الدكتاتورية، وهو السلاح الوحيد بيدهم، يدخل في عالم الخيال .
انني لا انكر هنا بعض الجوانب الايجابية في التغير الحاصل منذ عام1991 لحد اليوم، الا اننا لو قارننا ما تسير عله الحال و حجم الواردات التي تهب الى كردستان نشاهد ان هناك عدم التنظيم والفساد الاداري الفاحش المتغلغل في ثنايا وكافة زوايا المرافق الادارية ، وهو بفعل سيطرة الاحزاب و حكمهم المطلق لجميع الهيئات الاداري الاقتصادية السياسية الاجتماعية، و عدم فصل السلطات الثلاث الذي هو من الاعمدة الرئيسية لبناء وترسيخ المجتمع المدني.
و حتى مفهوم المجتمع المدني يفسر ويحلل وفق المصالح الحزبية، ونرى تدخل الحزب في مهام وتركيبة مكونات المنظمات المدنية وفق ايديولوجيات بالية بدل ان يكون الحزب نفسه احدى المؤسسات المدنية بل يجب ان يكون في طليعتها ، وعليه ان يعمل من اجل حياة ديموقراطية حرة و مانعة للاستغلال البشري او الطبقي ، نرى تدخله السافر في شؤونها بل وحتى يستغل بعض منها من اجل اهداف حزبية ضيقة بعيدة عن الاهداف و المهام الخاصة التي انشات من اجلها.
باختصار، حتى وان اسلمنا بان مفهوم المجتمع المدني وان اقحمت بقوة كانت ام بفعل مراوغات العالم الراسمالي الاحادي القطب في اطار فلسفة الليبرالية وهي ذات ابعاد تتمثل في التعددية السياسية والحرية والديموقراطية وفصل السلطات، الا ان لكل تشخيص وتعريف خاص بهذا المصطلح يعتمدعلى الفكر والفلسفة التي يؤمن بها المفسر. فهناك من يهلهل بان المجتمع المدني يترسخ في النظام الليبرالي مما يؤدي الى توفير و ضمان الحياة الحرة من المساواة والرفاه الاجتماعي والاقتصادي و حرية الفرد، وفي المقابل هناك من يتشدق بالاشتراكية الديموقراطية و انجازاتها في تحقيق اماني المجتمع ، ولا ننسى هنالك من يتمسك بالقومية بكافة انواعها و نزعاتها المتشددة والمعتدلة، وان لم نذكر هنا الافكار الدينية والمذهبية. اي اننا نرى المبالغات الكثيرة لشرح و تفسير محتوى هذا المفهوم و طبعا الكل يغني على ليلاه سوى كان لاهداف ومصالح خاصة او مغرضة.
ان عدنا الى لب الموضوع، وهو ما نشاهده هنا في اقليم كردستان في هذه المرحلة المتنقلة هو اختلاط الحابل بالنابل في تسير و تمشية امور الشعب و كيفية تحقيق امانيه وان كانت ليست بقدر تضحياته عبر السنين.
ان ما يمكن ان نبينه هنا هو ان اهم اركان وجوهر هذا المفهوم هو العمل من اجل تنظيم و تشجيع واثارة افراد المجتمع وتفعيلهم من اجل المشاركة في تقرير مصيرهم و مواجهة السياسات التي لها تاثير سلبي واضح على حياتهم وتزيد من فقرهم و توسع من من الفروق الطبقية بينهم، ودفعهم الى الميدان العملي والفعلي لانجاز التغيرات الواقعة في حياتهم اليومية وعدم ترك امآنيهم و مصيرهم بيد نخبة من السياسيين والتجار واصحاب المصالح الكبرى الذاتية.
على الرغم من اننا هنا في كردستان العراق نرى منظمات مدنية صورية غير مؤثرة في المجتمع ، بل في اكثر الاحيان واكثرهم يعملون كبيدق بيد الاحزاب المسيطرة بينما الحياة السياسية في تراوح مستمر.
بكل وضوح ان ما نلاحظه هنا عدم تاثير المنظمات و الاحزاب السياسية بشكل ايجابي في تغير المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمجتمع او ان كنا دقيقين اكثر، التغير بطيء جدا بما لا يتوازى مع التقدم الحاصل في العالم وذلك لعدم تحديد المصالح العامة بل الاهتمام المباشر بالمصالح الحزبية والفردية والقبلية الضيقة، وعدم ايجاد و تقديم الحلول الملائمة للصراعات رغم زيادة الثروات، الا انها تجمعت في ايد محدودة، وعدم انتاج وابراز القيادات الجديدة الجيدة والواعية القادرة على ادارة التغيرات الحاصلة عالميا واقليميا،و لم تكن لهم يد يذكر في نشر ثقافة الديموقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة والخاصة واحترام القوانين.
والادهى من ذلك، لم يكن هناك من المؤسسات الهامة كفاعل ايجابي لعملية التغير الاجتماعي الحاصل تلقائيا من دون مبادرة من اية جهة او احد ، بل اصبحت هذه المنظمات والمؤسسات مجردة و فوقية .
نستنتج مما سبق ان اقليم كردستان رغم تحرره من مخالب الدكتاتورية منذ اكثر من عقد ونيف ، الا انه و لاسباب ذاتية و موضوعية لم يثبت ويستقر على سكته الصحيحة من حيث المسيرو الطبيعية لحياة المجتمع.
موبايل 009647701551428
السليمانية – كردستان العراق
#عماد_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟