|
غربُ المَوت ، للشاعر الكردي دانا صوفي
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2278 - 2008 / 5 / 11 - 09:13
المحور:
الادب والفن
حينما أضحى الإله ُ تعباً ، منحَ الإنسانَ موهبة الخلق :
عطشُ العاشق يُطفأ بالنور ؛ النور الذي يقطر في الجسد . النور يسطع بأثر خطى الناسك ، النور يسطع في الأشياء المبحرة . في الجانب الآخر من الحقيقة ، لا يوجد أيّ نور بقادر على تمسيد الكلمة . مُلهمي يُبصر قيمة النور في تلك القبور المتجوّلة والسائلة ؛ يبصر عظمة الجسد في التطبيق والإنتعاظ . ملهمي الآخر ، يقول : الحياة في نظر عين الميّت ، هي رصاصة في ضيافة الجسد . دعنا نموت ؛ فالموت هو قراءة رواية السراب . أنا عبرتُ بجانب تاريخ معلق ، ثمة حكاية الجسد لم تكتب بعد . إذا كانت الحقيقة هيَ ماءٌ جار في حجرةٍ لا مرئية ، فماذا سأفعل مع السراب المشتعل وأغنية الرغبة ؟ هذه النار التي تقذفني إلى ذلك العناق المطفأ ، والذي يجعلني مجنوناً بمتعة الرؤية ، ذاك اللحن الذي يجعل وجودي مستحيلاً خلال ثورة عابرة ، أو في سفر بلا شرَفٍ . إلى إشراق بسمةٍ ، قدمتُ أنا من منبتٍ لم يعرف الماءَ أو الغروب ، والذي لم يدرك معرفة فرع المطر ؛ المنبت الذي بدأ تواً بقراءة طرق النسيان ، هذه التي بدأت للتوّ ، أيضاً ، بتفسير رغبةٍ وقدر من الألف إلى الياء ، ولكن التي تنكر ذاتيّة القبلة .
دربٌ يفضي من البحر ؛ دربٌ بعيد المنال ثمة ، أين الطفولة بعين مفتوحة تبحث عني . دربٌ يؤدي إلى السراب ؛ دربٌ إلى ملكوت الله هناك ، أين الشيخوخة تودّعني . في هذا المُنتهى من رحلة التطهّر والخطايا يوجد ضياعٌ أجمل ، حسْب . أنا أحتملُ موتَ البياض هذا كله ، كي يتبرعم مكانٌ للهدوء وراء الأحرفِ ؛ ولكي يأتي أريجٌ من رسائلها ؛ ولكي يتمكن الجوّالُ التائه إستجداءَ الصفح من نور القمر . طالما وجدَ الضوء ، فالتيْه غير موجود ؛ طالما وجد الروح فالطفولة موجودة . دعنا نحلم بالإله ، ما دمنا نتذكر النجم .
*
تقريرٌ سريّ لموت :
لأرفعنّ ، لحظة موت الإله ، نخبَ الذكرى . بين السفر والسراب ، بين الورد وعناصر الطمانينة ، لنكتشف مقبرة ً من أجل الحياة ، ولنرجع إلى راحتيْ أمان االإله . الحياة ، خيانة الماء للجسد . إذا لم نستطع ، يا صاح ، أن نكتبَ تاريخاً من المحبّة ، فلندع للبحر تلك الأجداث . في جذور الدمع تلملمُ المقبرة تفاصيلها . غيرَ أن تلك لم تك النهاية . إذا تركني الوطن ، أردتُ أن أستعيدَ مدينتي . في ثقل الأسئلة ومفردات الثورة ، أجدُني الرجلَ الأكثرَ صبراً في العالم . أغاني السراب ليست بأغان للمنفى ، إنما لعبة بين الذاكرة والنسيان . الشيطان يضحك تلقاء النسيان ، ما فتأ الضحك وجوده : غيرَ أنّ هذا ما كان اورغازم السّفر . ثقافة متجوّلة منحتنا شيئاً من قيمة هالة القمر . قال : هاكمُ قداسة وحرباً ، كيما تصير آية لآخلافكم ؛ هاكم هذا السيف وزمن الموت صيرورة طريقكم . عليّ ، يجب ، الإعتذار لوفاء الفراشة للوردة ، لو ما إستطعتُ أن أسلمَ الجسدَ اللا زمنيّ للتربة المقدسة . أيها الوطن ! أيها الأب ! أيها القائدُ الحبيب : أعذروني إذا كنتُ في أورغازم حروبكم المجنونة أشعلتُ أصابعَ اللذة والسراب ؛ في معبد ثورتكم عرضتُ جسداً عار وتمثالاً من رميم ، والإغواء والخطيئة . من بعد لن أعود إلى معبد الحرب .
* دعنا نستهلّ بالموت :
لما تكلمَ الموتُ ، ما كان فضاء بيتي مائياً ؛ كانت أذني منذورة لحكمة الأخوّة . بيتي صغيرٌ وليسَ كما الماء ، الموتُ كالماء والسفر عبثٌ . دعنا نمضي إلى ذلك المكان ، أينَ الأيدي النورانية للملائكة لا تصلنا ؛ المكان ، حيث كلّ شيء بلا وزن ؛ هناك ، حيث الكلمات لا تستطيع أن تحتلّ الجسد ؛ ثمة سنجمعُ الصمتَ حسْب ، نبعثر الصمتَ نحوَ السماء ؛ صمتٌ ، من أجل الحبّ ؛ هذا الصمتُ ، نحيا لأجله .
* الموتُ ، بحسب وجهة نظره :
دعنا نموت أن نموت معناهُ نوم الروح ونبضة القلب ، أو جرعة َ نشوةٍ في موسيقى الجسد . دعنا نلهو بميداليات الفردوس بلعبة الإنتظار ، بمآثر حكماء الثورة في وقتٍ نشفقُ فيه على عَظمَة العنب . فلنلهوَ بأولئك الوعاظ ، الذين إستلوا حيوية الجسد . دعنا نلهو بأزقة الطفولة وخطايا المطر . دعنا نحيي اللحظات الغرائبية للقدَر ؛ فعبْرَ الحكمة الأولى تلك ، سنؤوب للموت .
* بضعة من ذاكرة صديقي الشاعر ، إثرَ السراب :
وراء السلطة ضحكة تقول ، هذه التفاحة هي جسدكَ إنها ذاكرة الأجيال . الماضي غيرَ ذاخر بالحياة ، والمستقبل مكانٌ بلا عاطفة ، أما الحاضر فقد فتحَ باباً على العشق في دفتر السراب . أكان ذلكَ هوَ العشقُ أم ذكريات الجسد ، من إختطفَ ذاكرة بلدي ؟ آه ! أنتِ ، المتخمة بالنهاية التي ليسَ لها مبالاة . فحقيقة ، أنّ سفرَ السنونو لا ينتهي بعد التفاحة ، فلتفتح ذلكَ القلب من أجل غزوة الأرواح الأكثرَ ألماً ؛ إفتح تلكَ الأجساد من أجل تهدئة شهوانية الزهّاد ؛ دعنا نرجع لقدَر الجسَد . لن تتمكن من إستعادة العشق الذي فقدته في حرب إخوتك . الآن ، لا وقتَ كافياً للعبادة ، أو الإنصات لتمنيات المطر ؛ ولا وقتَ ، أيضاً ، ليقين القمر أن يمنحَ هالته لأجسادنا . حان الوقت لكي ننتقل بأنفسنا إلى منفى رحلة النعاس ؛ هذه التي لا تأخذنا إلى الأحلام المائية هذه التي لم تجعلني عالماً بشبهة الماء . هذا وقتُ الموت ، فلمَ لا نموت ؟
حفنة أقنعة كانت قد تركتْ بُعَيد سفر إخوتنا : أهُمُ قطراتُ الندى أم أجزاءٌ من أبديّة الحياة ؛ أهم لحظات من زمن التفهّم أم نبضات القلب ؟ ماذا عليّ فعله مع سراب الفوضى ؟ هذه هي صحيفة الفشل وملفّ الفضيحة . اللحظات تمضي ، وليس ثمة من يشكّ وردة على صدر منتصف الليل ؛ وما من أحدٍ يحتفي بالسفن المبعثرة ؛ ولا أيضاً من هوَ بقادر على إنقاذهم من مصيرهم القاتل . السفر ما كان بقادر على أن يخلق مني إنساناً ، ولا محارباً ينأى بنفسه عن الزمن . إنني أرغبُ أن نبدأ القبل ، وبالموت ننتهي مع ذروة اللذة . من أجل أولئك الموتى الذين غسلوا خطايا الأرض ؛ فلتفتح تلكَ النوافذ المطلة على جثث الأخوة ؛ فلتفتح النوافذ ذاتها للعنة الأرض على الأجيال . لا أحد يُفكر بعلامة الولادة ، جميع الذين يشعرون بنسيم الجسد ، يحتسون عدمَ الريح الخفيفة . من هنا نؤوب إلى تفسير الهدهد لجدليّة العلاقة بين الثدي والحرب ؛ ثمة لا أحد ، سواء من العشاق أو العرّافين يطيقُ قراءة الرسائل وترجمة الأنبياء ؛ هناكَ ، لا أحد من العشاق يطيق قراءة الرسائل ولا العرافين بقادرين على ترجمة أحلام الأنبياء والبحارة ؛ وليس ثمة من غروبٍ ، يُشرف على كينونة الجسد ؛ هناك ، أينَ عناقيد العنب يُحتفى بها بلا رغبة .
* آية جديدة لحاشية الموت :
هذه الآية قرأتْ للمرة الأولى ، من أجل جوّال كانت هوايته الموسيقى .
إلهي لا تغفر لي ولا تأخذ خطاياي ، إنني أحيا بذنوبي ؛ إنها بيتي . الموتُ يقول : شاركتُ بإخفاء آلام الحياة ؛ والحياة أيضاً ، بصدد يقين الأزل ، تشدّ تشرّدها البوهيميّ . بلا مأوى الحياة ، بيتها مسافرٌ هيَ في يأس الطريق . عاشقُ السراب يقول : ما بينَ الإختيار والقطيعة ، ثمة زمن يتكوّن من آخر طبعة للحياة ، وجغرافيّة الطفولة .
أنا أحيا بذنوبي . يا للتاريخ ! في تلك اللحظة التي لم نشعُر فيها بموت الفراشة خسرنا ، ولم ندرك ثمن تلوّن الصديق . لا تغفر لي ، إلهي . إلى أمان راحَتيْ اليوتوبيا تلك ، أعودُ وينقلبُ تاريخي إلى مأواي الخطيئة . رغباتي أعلقها ، مُلاحقاً هذيان الثورة في فراغ الآية . دعوني أيتها الفروع الموقرة للنارنجات ، مُجسّداً في أجسادكنّ ؛ في فِراشكنّ دعوني أدفن نفسي وآيتي ؛ هناك ، حيث يتصالح الله والشيطان هناك ، حيث يتزاوج الجلاد والضحية : تخمِدُ حينئذٍ شعلة ُ الحياة زمنَ الخطايا . فلنمُتْ في الغربِ ونحلم بشواطيء المكان الزمانيّ في جرحكَ ، الحلم المائيّ هدانا إلى خمسة أنجم ٍ مُقنّعة لعِبَتْ بالزمن ؛ إثنان منها تهاويا وإثنان تصاعدا وواحد على قلب الزمن تهادى . غادَروا في الأسفل حيث أمواج البحر ، كان عليهم أن يدفنوه بلباس الطفولة وبآيةٍ من إقليم الخطى الكافرة . غادروا وفي ضفة بحر ما ، جغرافيّة الحبّ القصيّة إستدعوها ومع المريدين الشائخين ، بحثوا عن القانون المائيّ في الإقليم الأكثر مثاليّة . ما من جرح مطلّ على البحر ، كي يُطهِّرَ بعبث تاريخ ِ الحروبِ ، أزماننا . إستلق ِ الآن في أمان اليقين ، وتأمّل شفافيّة التفاحة أنظر البحرَ وإجرع قدَحَ الخطيئة : حينئذٍ يتفتح العراة ُ كدفتر شعريّ ، والعالم يولدُ من جنون الخطيئة . لن أعودَ من بعد لربيع الآباء ، الذين أخمدوا الدروب أناشيدكم تلك ، لم تدعنا نبكي على ميتتنا غير المرغوبة حان الوقت لنشكّل إطارَ لحظاتٍ موسيقيّة ، جديرة بالرقص ، والموت نعلقه هناك خلف ظهر الطفولة . يأتي الأمواتُ ويجعلون الفضاءات لهم ولأحفادهم مُلكاً . وهذا البحر ، وهذه الدنيا أيضاً ، لا مكانَ فيهما لجسدي اللا مُجدي . إجتازوا ذاكَ البحر أيضاً ، غادَروا وفي الأسفل ، حيث أمواج المياه ، كان عليهم أن يدفنوه ومستقبله . لن أعودَ من بعد لوطن التفاحة ، وجثتي ما فتأت على الطريق .
1997 ـ 1999 ( طهران ، أوبسالا )
* دانا صوفي : من مواليد 1971 في أربيل ـ كردستان له مجموعة شعرية مطبوعة ، بالكردية أسهمَ في كردستان بتأسيس وإدارة تحرير مجلات أدبية وهو يعيش حالياً في السويد ، ويعمل باحثاُ في قسم علم الإجتماع بجامعة ستوكهولم
* الترجمة عن السويدية [email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أقاليمٌ مُنجّمة 8
-
عزلة المبدع ، قدَر أم إختيار ؟
-
مسْرىً لمَغاورها
-
أقاليمٌ مُنجّمة 7
-
قراصنة في بحر الإنترنيت
-
أقاليمٌ مُنجّمة 6
-
النصّ والسينما : - كرنك - علي بدرخان
-
أقاليمٌ مُنجّمة 5
-
أقاليمٌ مُنجّمة 4
-
كما كبريتكِ الأحمَر ، كما سَيفكِ الرومانيّ
-
أقاليمٌ مُنجّمة 3
-
أقاليمٌ مُنجّمة 2
-
آية إشراق لنبيّ غارب ٍ
-
أقاليمٌ مُنجّمة *
-
مَناسكٌ نرجسيّة 6
-
سطوٌ على المنزل الأول
-
مَناسكً نرجسيّة 5
-
القبلة المنقذة في فيلم للأطفال
-
مَناسكٌ نرجسيّة 4
-
من جسر ثورا إلى عين الخضرة
المزيد.....
-
مكتب نتنياهو يُعلن إرسال وفد إلى الدوحة نهاية الأسبوع لمناقش
...
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|