أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كريم عبد - العالم موضوع فرجة والإنسان كائن متفرج !!















المزيد.....

العالم موضوع فرجة والإنسان كائن متفرج !!


كريم عبد

الحوار المتمدن-العدد: 707 - 2004 / 1 / 8 - 03:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الفرجة لا تعني موقفاً سلبياً من العالم، بطراً أو ما شابه ذلك. لأن المتبطر لا يملك صدقية التأمل، وليس بوسعه أن يستنتج شيئاً وراء ما يرى. ليس لوجوده معنى خارج تبطره.وليس لرغبته دلالة خارج الكسل .
الفرجة الـمقصودة هنا بالـمعنيين الـمسرحي والاجتماعي هي أن يكون لك موقع داخل موضوع التفرج وخارجه في ذات الوقت. إن العرض الـمسرحي هو صورة مصغرة عن العالم والعالم بدوره عرض مسرحي لا نـهائي. ربـما قال أحد كلاماً كهذا من قبل .
عندما يصبح العالم موضوع فرجة بالنسبة لك، هذا يعني إنك طرف في حوار دائم متجدد. أي أن لديك استعداداً لاستقبال العالم. ومن هذا فإن نوعية الـمتعة في الحياة تعتمد على طريقة استقبالك لهذا العالم ، وقدرتك على امتلاكه من حيث كونك طرفاً فيه.
إن تـمايز الإنسان يعتمد في مبرراته على طريقة تفرجه على ما حوله، على كل ما حوله. تلك الفرجة التي تنطوي على الـمشاركة وتبادل الأدوار. فأنت أيضاً وبالتأكيد موضوع فرجة بالنسبة للآخرين، بصفتك جزءاً من هذا العالم .
إن الأفكار وتاريخ الأفكار ومصيرها بالنسبة للإنسان يعتمد على مستوى التفرج، لكن كلمة ( مستوى ) قد تنطوي على مفارقة ما، فالدلالة المقصودة هنا تتعلق بالسوية، سوية العلاقة مع الزمن والأشياء بغض النظر عن النتائج الأخرى الـمترتبة على ( المستوى ) بالمعنى التراتب والتباين في كمية الثقافة الـمكتسبة. كمية الثقافة قد لا تتناسب طردياً مع مستوى التفرج ونوعيته، بل قد تصبح مصدر إرباك، وربما وضعت المرء خارج الفرجة وجعلته موضع استنكار بالنسبة للمتفرجين، دون أن يكون هو على حق، أو أن يكون الآخرون على باطل بالضرورة .
فقد يلتقي في سوية التفرج فلاح بسيط وتكنوقراطي وفنان مهم، وقد يتفوق أحدهم على الآخرين، فعلاقة الفلاح البسيط بالطبيعة ربما كانت أكثر دقة ومعرفة من الفنان والتكنوقراطي، وربما كان الفنان أكثر قدرة على تثبيت القيم والدفاع عنها .. الخ . 
إن السوية في التعاطي مع العالـم باعتباره موضوع فرجة، تشترط حالة مـماثلة لناحية وجود هذه السوية في التعاطي مع الذات. والسوية، استطراداً ، تعني انتفاء مبررات الرغبة بأن تكون فوق العالم أو تـحته، وعكس ذلك سيحرمنا متعة التفرج، متعة الشعور بالمشاركة في هذه الفرجة اللانـهائية .
إن الرغبة في وضع الذات فوق الـعالم، تخفي حتماً نزعة دونية، تـخفي أو تعلن عن اضطراب في العلاقة مع الذات تنعكس على طريقة التعامل مع الأفكار التي يكوّنـها المرء عن صور الأشياء وزمنها وحركتها. هي نزعة دونية مقلوبة : غرور .
أما الرغبة في وضع الذات تحت موضوع الفرجة، فهو دليل نكوص ناتج عن ذعر من حقائق الحياة وحضور الآخرين. هو نوع من عنف مخذول يرتد ضد الذات دافعاً إياها نحو الأسفل .
إن الانتربولوجيا هي أفضل دليل، ليس فقط على أهمية الاستخدام المتطور للأفكار في توسيع وتعميق عملية التفرج، بل وأيضاً على ضرورات التواصل بين الـمستويات الحضارية المتباينة تاريخياً والـملتقية في عصر واحد. عصر ينطوي على جميع العصور. وهذه الـمفارقة الكبيرة لـم يكن لها أن تكتشف لولا شغف الإنسان الحديث في تطوير عملية التفرج ودفعها الى أبعد حد ممكن ، بما يعنيه ذلك من ضرورة تتمثل في حاجة الإنسان المعاصر لمعرفة فحوى نزعات وتقاليد الإنسان البدائي، للكشف عن نسق الـحياة البدائية ، أي أسباب تلك النزعات وتاريخ تطور تلك التقاليد. ومن جانب آخر نجد إن العلاقة مع التراث والتاريخ - بعيداً عن الرغبات السهلة بامتلاك التاريخ كهوية – كثيراً ما تنطوي على حذر شديد، على خوف من الـماضي، أو خوف عليه من تصوراتنا الـموروثة عنه، من أن لا يتطابق مع تلك التصورات. لكن حفريات التفرج ظلت تكشفه دائماً كحقائق وفضائح تتناقض أحياناً مع ذلك التراث والتاريخ اللذين خلقتهما السلطات المتعددة على مقاساتـها ومقدساتـها الـمؤسسة على الكذب والخديعة. الكذب على الذات وخديعة الآخرين، وتحويل كل ذلك الى ثقافة خائفة ومخيفة معاً. خائفة من نفسها ومخيفة لكل من هو راغب بالتفرج الـحر !! وكل هذا يندرج تحت العناوين الـمختلفة للعُقد الطائفية والشوفينية، التي لا تـحرم الـمرء فقط من متعة التفرج الحر والتواصل، بل تدفعه أحياناً لتخريب معنى الـعالم، وإن لـم يستطع فلتخريب الذات !! وهذه هي حالة المتطرفين من مختلف القوميات والأديان. فالتطرف هو إحلال الاضطراب محل التأمل. أي محل التفرج الحر . لذلك يمكن القول أن نزعة التفرج الحر ليست مجرد رغبة بل هي صيرورة قد لا تتوفر في سياق حياة البعض مـمن يجدون أنفسهم تحت وطأة شروط تربوية أو اجتماعية خارجة عن إرادتـهم .
لا تعني الفرجة أن يكون لنا بالضرورة موقف مغاير أو معترض، بقدر ما يستوجب الأمر السؤال عن جدوى ذلك الاعتراض ومبررات تلك الـمغايرة، وضمناً صواب توقيتهما. 
إن اعتبار العالـم موضوع فرجة لا يعني تقسيمه إلى متفرجين وطاقم عرض، لأن هذا سيجعل الطرفين تحت رحـمة ( الـمُخرج ) و ( شروط الدخول ) ومع إن سياق الحياة وتفاصيلها لا تخلو من أمر كهذا ، لكن الـمسألة هنا أعمق من ذلك بكثير، وستكون هكذا إذا أردناها كذلك. أي إذا أردنا لطبيعة موقعنا وحركتنا داخل المشهد الإنساني، أن لا تتحدد من خارجنا. فالمهم هنا هو اعتدادنا الطبيعي بأنفسنا، أي كيفية وإمكانية أن نكون داخل المشهد وخارجه في اللحظة ذاتـها. هذا هو معيار تمتعنا بحريتنا الداخلية.
إن حريتنا الداخلية تبدأ من عدم إقرارنا بأية عبودية نجد أنفسنا واقعين تحت وطأة شروطها، سواء كانت عبودية السلطة بأشكالهـا الـمختلفة، حيث تستعبدنا وتسيرنا عندما نكون فيها أو محاولتها مصادرة حقوقنا حين نكون خارجها. أو عبودية الـمنفى بحالاته ومفاهيمه الـمختلفة .
إن كيفية إنتاج الأفكار عن الذات وعن العالـم، وتاريخ تطور هذه الأفكار، وأسلوب التفكير بـها والتعبير عنها، سيظل يتحدد من خلال طريقة حياتنا، أي بتأثير منها، أي من خلال موقعنا وكيفية التعامل مع الشروط التي حددت هذا الـموقع في هذا العالم، أي في هذه الفرجة اللانـهائية .
لو تأملنا جيداً لوجدنا أن الإنسان كائن متفرج ونرجسي أي استعراضي في الوقت نفسه، إذ تتراوح نزعاته بين الفضول ورغبة الاستعراض. أي بين أن يكون متفرجاً وبين أن يكون موضوع فرجة .
ومن زاوية أخرى، إن دور العرض السينمائي والمسارح وكذلك الـمنـتزهات والـمسابح، ما هي إلا دليل على هذا النـزوع الـمتداخل، فالعرض السينمائي الناجح هو الذي يـمنح المشاهدين متعة تفرج لا يجدونـها في مكان آخر ، وفي نفس الوقت يجعلهم يرون أنفسهم في شخصيات وأحداث الفلم، وهنا نكون مع واحد من أفضل الأمثلة حيث يكون المرء متفرجاً وموضوعاً للفرجة معاً . وكلما ارتفعت درجة الحساسية الـجمالية للـمتفرج، كلما أخذت الفرجة معنى أعمق ، وأصبح للعالـم دلالات أكثر شفافية وأدعى للـمتعة والتأمل .
وسنجد إن ابتكار الـموسيقى هو نوع من محاولة لتجاوز تعدد اللغات الى لغة إنسانية واحدة، أي تجاوز سلطة اللغات الـمتعددة وشروطها، لصالح توحيد الـمستمعين بإعطاء الإنصات، بصفته فرجة داخلية، بعداً روحياً إضافياً أكثر صفاءً وجمالاً، فالاستماع قبل ابتكار الـموسيقى كان إنصاتاً لـمعنى الوجود، وصار في الـموسيقى ومعها حب لا مرد له لتعميق ذلك الإنصات عبر التـجلي الروحي لمعنى الوجود وغوامضه من خلال إعادة ابتكاره عبر الـموسيقى .
إن الطبيعة هي أم الفنون مثلما هي مصدر المعرفة وقياسها، وهي مادة الفرجة وجوهرها وموضوعها باعتبار إن الإنسان جزء من هذه الطبيعة. لذلك ولأن الفرجة كعلاقة بين الإنسان البدائي والطبيعة لم تكن واضحة بعد، غامضة ومثيرة للشكوك، فقد بدأ الفن التشكيلي البدائي كتعبير عن القلق على موجودات الطبيعة والخوف منها في نفس الوقت. ولاحقاً، أصبح تناسق الكتل والفراغات، وتناغم الألوان والأشكال بمثابة رفع لمستواها باتجاه الموسيقى، لذلك يقول أحد الفلاسفة : ( كل الفنون تطمح للوصول الى الـموسيقى ) وبهذا المعنى فإن أي عمل إبداعي لا يوحي بالموسيقى أو يقترب منها، سيكون مشروعاً متدنياً، لأنه يهبط بالفرجة الى عادية النظر. وهو بذلك يلغي حالة المشاركة أساس متعة التفرج. ومن الاقتراب أو الابتعاد من عمل فني معين يبدأ التباين في الأذواق، لأن موضوع الفرجة هو الذي يحدد هوية الـمتفرج .
وسيحدث لنا الشيء نفسه في صالة المسرح والسينما، ذلك إن طبيعة العرض هي التي تحدد نوعية الجمهور ، وبالتالي فان الفرجة في كل مرة، ستكون تعبيراً عن مستوى وذوق. إن المستوى والذوق هنا، كثيراً ما يتعلقان بالسجية والفطرة، بـحيث يمكن اعتبار كمية الثقافة المكتسبة، أمراً لاحقاً وتابعاً لنوعية النـزوع الـخفي عند الإنسان، أي سجيته.
تتخذ الفرجة أبعاداً متعددة، وهي لا تبدأ برفع الستارة حصراً ، بل بطرح الأسئلة. أسئلة الإنسان وتلك المطروحة عليه وحوله، عن الجنس البشري باعتباره جنساً وعراً ومتناقضاً. أليست هذه هي أسئلة الفن والفكر ؟!
عبر كل مراحلها لم يكن بوسع العلوم الإنسانية أن تدعي القدرة الشاملة على إضاءة جوهر الحياة الإنسانية، وكشف نظام حركتها ودوافع الإنسان ورغباته الطبيعية أو الـمنحرفة التي لا حدود لها. إن أفضل ما بالعلوم الإنسانية هو قدرتها على تجاوز إنجازاتها السابقة وتجديد أطروحاتـها، وتبنيها النـزعة التجريبية وأخذها بنظر الاعتبار الأبعاد الاحتمالية والتأويلية، حيث يعني كل هذا تكريس نزعة التفرج المعرفي على الأشياء والظواهر ، جاعلاً الفرجة بمثابة الضرورة .
الإنسان كائن متفرج، والعالم بـما ينطوي عليه هو موضوع فرجة، لكن لا بد من القول هنا، أن أشياء كثيرة تحدث كل يوم، وسط هذا القاعة الـمفتوحة التي أسمها الحياة، دون أن نكون قادرين على رؤيتها بالضرورة !!    



#كريم_عبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضحية تشتاق إلى جلادها، حمزة الحسن نموذجاً
- ثلاثُ مراثٍ لرياض إبراهيم
- قصيدة حب
- القناع المقدس والعنف الرسمي !!
- إلى موفق محايدين : شيوعيو ( مجلس الحكم ) أنبل بالتأكيد من قو ...
- الموتُ رمحُُ طويلُُ ُ تكسَّـر في قلوبنا !! - من أجل شريف الر ...
- الدولة والثقافة ومصير الإنسان !!
- نداء إلى جميع الكتاب العراقيين الشرفاء
- أزمة الثقافة العراقية في سياقها العربي ( 1 & 2 ) :ثقافة سعدي ...
- كتاب لا يتحدث عن العراق لكنه ضروري جداً للعراقيين !!
- من أوراق المنفى : رسالة إلى حسين كامل !!
- الإعلام المصري والمسؤولية الأخلاقية !!
- رداً على مناقشة حسين بن حمزة ونجم والي إبداعات المنفى العراق ...
- الحزبية الثورية ، في المعارضة أو الحكم


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كريم عبد - العالم موضوع فرجة والإنسان كائن متفرج !!