كنت ابحث عن من يجعلني احتمل وجودي. قصدت الصحفي، الذي يأكل لقمته من ورق جريدة لا يؤمن بصاحبها. كان عائداً للتو من جولة تغطية احداث مؤتمر الأرض. انتظرت طويلاً، ليفرغ من حمامه الساخن الذي سيقشط به ما تبقى من غازات العادم التي ملئت اجواء قاعة المؤتمر. كنت أسمعه يدندن بأغنية (حبيبي خذني الى البراري البعيدة..). ولأني عائد لتوي من تلك البراري، لويت بوزي وخرجت.
همت على وجهي ثانية في دروب الضباب باحثاَ عن صديقي الرسام.. علني اجده على تقشفه، وزهده بملامح أصحاب الجرائد.. وجدته كعادته، منكفئاً في مرسمه وسط اكوام القمامة وملابس مستعملة وبقايا قناني كحول.. بدأ بسؤالي:
ـ كنت تبحث عني.
ـ نعم.
ـ إدخل إذن؟
ـ إلى أين؟
ـ إدخل في لوحتي الجديدة.
ـ وهل ستخرجني منها؟
ـ من يدخل اللوحة لا يخرج منها.
ـ لكني لا ابحث عن من يريني سجني من الخارج.
ـ إذن لا مكان لك في لوحتي.
طردني من مرسمه.
ـ كما ترى يا صديقي، لقد نفذت بقايا خمر البارحة.. واللوحة لم تكتمل بعد.. إخرج من صومعتي.
قصدت الشاعر الذي لم يجد جريدة يأكل منها. كان يوزع على المارة نسخاً من ديوانه الاخير، وعلى كل نسخة يتفضل أحد المارة بقبولها، كان يضع إمضاءه تحت كلمات الاهداء.. بادرته مستبشراً:
ـ أخيراً وجدت من لم يتلوث بخواء المستنقع.
رفع بصره لي، هش وباش من فرط المفاجأة، ودعاني الى الجلوس معه على الرصيف، سئلني ووميض عدم التصديق مازال يتناوب عينيه:
ـ أكيد انك قرأت ديواني الاخير..
ـ لم أقرأ دواوينك..
أنتفض فجأة ووقف، كأنه يدعوني للخروج من بيته:
ـ إذن أنت لا تهمني.
ـ لكنك تهمني..
ـ كيف لم تقرأ ديواناً لي وتقول أني اهمك..
ـ أبحث عندك عن ما يجعلني احتمل خواء المستنقع.
ـ خذ ديواني إذن.
ـ وماذا سأجد به؟
ـ ستجد آخر صرعة حداثوية.
ـ لكني لا ابحث عن صرعات، لقد صرعني المستنقع
ـ أنت قديم إذن.. إذهب وإبحت عن شعراء الفحولة..
لقد طردني من الرصيف..
7/1/2004