أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاهر أحمد نصر - من الأشعار الأخيرة لرسول حمزاتوف















المزيد.....


من الأشعار الأخيرة لرسول حمزاتوف


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 706 - 2004 / 1 / 7 - 04:14
المحور: الادب والفن
    


ولد رسول حمزاتوفيتش حمزاتوف في 8 أيلول / سبتمبر من عام 1923 في قرية تسادا من منطقة خونزاخسكي في جمهورية داغستان الفيدرالية السوفيتية، في أسرة شاعر الشعب الداغستاني، حامل جائزة الاتحاد السوفيتي ، حمزة تسداسي. درس في مدرسة أران المتوسطة وفي المعهد المتوسط الأفاري، وعمل بعد انتهائه منه مدرساً، معاون مخرج في المسرح الأفاري الحكومي، رئيس قسم والمراسل الخاص للصحيفة الأفارية "بولشفيك الجبال"، محرر البرامج الأفارية في هيئة الإذاعة الداغستانية. في الفترة ما بين 1945 – 1950 درس رسول حمزاتوف في المعهد الأدبي المسكوفي الملقب باسم مكسيم غوركي. بعد إنهائه عين رسول حمزاتوف رئيس فرع اتحاد أدباء داغستان، حيث عمل حتى آخر أيام حياته.
بدأ رسول حمزاتوف بكتابة الشعر عندما كان عمره تسع سنوات. ثم أخذوا ينشرون أشعاره في صحيفة الجمهورية الأفارية  "بولشفيك الجبال". نشر أول كتيب شعر باللغة الأفارية في عام 1943. كان عمره عشرين سنة فقط، عندما أصبح عضو اتحاد كتاب الاتحاد السوفيتي. منذ ذلك الحين صدر له باللغتين الفارية والروسية، والعديد من لغات داغستان، القفقاز والعالم أجمع عشرات كتب الشعر والنثر، مثل "في جبال قلبي"، "النجوم العالية"، "صونوا الأصدقاء"، "الغرانيق"، "عند الموقد"، "رموز كتابية"، "السعر الأخير"، "داغستان بلدي"، "أساطير"، "دولاب الحياة"، "أيام القفقاز العاصفة"، "في قيظ الظهيرة"، "الشالان"، "حاكمني بقانون الحب"، "سونيتات"، والعديد غيرها، التي حازت على شهرة واسعة عند محبي شعره. وخاصة منها كتاب "داغستان بلدي" الذي يُعدّ من أكثر أعمال رسول حمزاتوف انتشاراً في العالم.. وعلى الرغم من أنّ هذا الكتاب يعد نموذجاً في الأدب السياسي الملتزم، وعلى الرغم مما عانى أدب الالتزام السياسي من ابتذال، إلاّ أنّ "داغستان بلدي" يبقى من الأعمال الخالدة ، وإن دلّ ذلك على شيء فهو يدل على صدق ونقاء العاطفة، وقوة اللغة والأسلوب، التي كتب بها رسول حمزاتوف. الذي تحول العديد من أشعاره إلى أغاني.
انتخب رسول حمزاتوف مندوباً في مجلس السوفيت الأعلى لجمهورية داغستان الفيدرالية، نائباً لرئيس مجلس السوفيت الأعلى لجمهورية داغستان، مندوباً وعضواً في مجلس السوفيت الأعلى للاتحاد السوفيتي، عضو اللجنة المنطقية الداغستانية للحزب الشيوعي السوفيتي. بقي عشرات السنين عضواً في مؤتمرات كتاب داغستان، روسيا، الاتحاد السوفيتي، عضو مكتب تضامن كتاب آسيا وأفريقيا، ورئيساً للجنة التضامن. حصل على العديد من الأوسمة..
زار رسول حمزاتوف العديد من دول العالم في أوروبا، آسيا، أفريقيا، وأمريكا...
توفي رسول حمزاتوف في موسكو في 3 تشرين الثاني / نوفمبر من عام 2003. وتبقى أعماله تخلد ذكراه.


ما الذي بقي، أخيراً ؟
كم من الخلفاء قد سقطوا،
كم من الإمبراطوريات توارت،
و تغيرت سلالات ،
كل الأشياء مئات المرات تغيرت...
وما الذي بقي، أخيراً،
سوى : كيف "أحب" و"أؤمن"؟
ما الذي بقي، أخيراً ،
إلاّ باتيمات(1)؟

دول انهارت،
الأطلسي ـ يموج، تجف المحيطات
و ـ لا عودة إلى الوراء .
ما الذي بقي، أخيراً ؟
إلاّ المياه الملتهبة ...
ما الذي بقي، أخيراً ؟
إلاّ باتيمات؟

جنكيزخان، تيمور لانك ، والمدعو بونابرت
جميعهم اختفوا ، كالرمل المنهار ،
ذراهم الزمن تباعاً ...
ما الذي بقي ، أخيراً ،
إلاّ الأغنية والحنان ؟
ما الذي بقي، أخيراً ،
إلاّ باتيمات؟

والفراغ السرمدي ارتعد وانهار ...
لو كانت القوة كافية ، لمضى كل شيء في وئام !
ما الذي بقي، أخيراً ـ
المهود، واللحود؟
ما الذي، بقي، أخيراً ـ
إلاّ باتيمات؟

فوق الأرض، المحروقة
                  مئة مرة ـ
انفجرت السماء صاخبة :
كم من الآلام ، كم من الدماء لقرون وقرون هنا سالت ...
ما الذي ، بقي، أخيراً ،
ألاّ النهار ، إلاّ الليل ؟
ما الذي ، بقي ، أخيراً ـ
إلاّ باتي مات ؟

لا تقلقوا عليّ ، هذه حكمة الكون ،
الوداع حتمي ، ـ لا مفر من الضياع ...
أنا راحل ، لكن آنئذٍ املئوا كأسي كاملاً ـ
لأسفح حياتي حتى الثمالة ...
ويبقى في الوجود
فقط باتيمات .

 


وصية
قبيل الصبح الباكر
آنَ تحلُ لحظة وداع الأرض،
لا تدع روحي تتحول إلى شجرة، ولا إلى أيل.

كم من المرات رام ماهر صوّب عليّ وأنا حيّ ،
وأعلم ، كيف في الساعة الدهماء
يقطعون ، ويقصفون الأغصان...

قبيل الصمت الأبدي عندما أُطبقُ عيني وأغادركم،
لا تَدَعوا لي مكاناً في أرض الغرانيق الكئيبة :

بعيداً عن داغستان فتحت طرقاً كثيرة ،
لذا، لن أسلك طريق سرب الغرانيق أكثر.

لن أحلق بعيداً عن الأنهر السريعة،
عن ضوء الغيوم المزخرفة.
أريد البقاء هنا أبداً
عند ينابيع الجبال العالية.

فلتلتهب كالنار الحية
في ليلة مدلهمة آمالي ،
ولترن عروقي كأوتار كمان حي .

الثلج الليلي
في هدأة الليل أفقت فجأة
من انسياب الضوء عبر النافذة .
والساعة تدق : لا تتعجل ، لا تقم ،
مازال هناك قليلاً من الوقت .

ذلك ليس الفجر، كما خيّل إليّ:
إشعاع نور، عبر النافذة
تلوح شجرة مكسوة بالثلج
وجانباً ـ غزال صغير من الجص.

يتطاير الثلج،
 الثلج المنير !
والدهر كالعجوز يئن :
الدهر الكليل أضاع الثقة ،
ويبقي الأمل في كل حين...

يضطجع الثلج  كالقطن على المتون،
يعالج الجراح بسكون .
داغستاني ، ألم تبردي ؟
لستِ حافة طريق أنتِ
الجص تكتسين.

جمح الغزال إلى الأعلى ،
... أفقت .
 النور ينساب من النافذة،
والساعة تدق : لا تتعجل ،
إنّه ـ الثلج ... نم قليلاً بعد .
   *   *   *

رعد في السماء ـ هذه أغنية الطريق،
أنين علي ، هذا ما تتحسر الكهوف عليه :
مثبط العزيمة أرمي حبلاً ـ وآمل
أنني سأتمكن من إنقاذه .

البرق ـ أمنيتي ...
قُذِفَتْ ـ كروبنسون في اليم.
أرسلتُ إليها قارباً ،
إلاّ أنّ الأمواج تقاذفته ،
في الضباب ، مع حطامه.

آه ! عد إلى الطوفان من الرعب
عليك بناء فُلكٌ جديدة،
لإنقاذ البصيرة الإنسانية ،
الغارقة في الأمواج العكرة المسعورة .
 
ما الذي ينقذ الأرض ؟
من في السماء ينعش الطريق
للصعود إلى الله العظيم
الضمير والشرف، الذي  تحت الأرض دفن ؟

معجزة المطر ـ مهرجان النقاء ،
دعابة الإله الموفقة .
بنى الكون في أيام ستة ـ
والناس مئات السنين يهدمونه .

أ يمكن ، أن يكون للأحلام نهاية ؟
تنهار الجدران ، القيم والآمال ...
كلعبة ، قدمها للتسلية ،
قبض الخالق على حياتي .
          *   *   *

ينسوننا وإياك ، أيها الصديق،
كما الجداول الخريفية تُنسى،
وإن فجأة يتذكرون للحظة ،
يحصل هذا أحياناً ـ  مصادفة .

مصادفة يتذكرون في ساعة ما مبهمة
كتذكر شواهد القبور المكسورة ، المهشمة ...
لن يبقى الجوعى يتذكروننا،
ولن نستطيع بأي شيء إغواء الشبعى .

دعنا نجد ـ رعونة هذا  لا تعد ـ
جزيرة قفر في صحراء مائية .
من الأغصان نبني كوخاً ـ
ولو كان للسكن غير ملائم .

ثلج ، مطر ، موسم الأمطار ...
ونحن نهجع في لجة سوداء ،
من الصبح للصبح تفور،
كقفقازنا الحالية عالية الثغور ...

أين تلك القوارب ؟
تنفث الأمواج العاتية
قدرة لا مثيل لها ، تقفز مزمجرة، كالأسود ،
وتنكسر حالاً على الصخر .

لا أعلم ، يا صديقي ، قد يكون ، هذا حلم ، ـ
ثلاثة قوارب رأيت في عتمة انبلاج الفجر .
ثلاثة قوارب تقترب من جهات ثلاث ،
كنجوم ثلاثة ـ أمنيات الفأل المقدس... 

إحدى الأمنيات نادت : إليّ !
طريق عائم معروف إلى البيت !
الثانية نادت : بسرعة ، إليّ !
في البعيد طريق عائم غير معروف !..

... اخترنا القارب الثالث وإياك ،
الذي لامسنا جانبه ومجاذيفه أولاً .
لا أعلم  إن كان القدر قد بعثه ،
وإن كنا سننجو عليه، أم نغرق ؟

سينسوننا وإياك ، يا صديقي ،
في بيئتنا الحميمة وفي بقاع الأرض ،
ومن الممكن ، يتذكرون فجأة لوهلة ،
كما شواهد القبور وسط العشب الأخضر ...

إلاّ أنّ القارب الغنائي
أنقذنا البارحة من العتمة ...
و ، من الممكن مجدداً قرب الموقد
يتندر عنا وإياك أحد ما بكلمة .
      *   *   *

لا أفهم ، كيف أمكن أن يحصل ،
كل يوم على الأرض يحل
ينظر بعيون ذئبة منهكة :
خطف الناس جروها .

ويئن كل مساء يحل ،
والليل الأعمى لا يغمض جفنيه ،
كالأم ، لا حول لها ولا قوة :
ذئب رمادي خطف ابنها .

وبكى الحصان : وثبة غير متأنية ـ
وأسقط الفارس من على السرج .
والكلبة تنبح على الجرو بإلحاح :
ما العمل ، ليتلاشى الخوف بلا أثر ؟

الأنهر تصبح ضحلة.
العصر الصاخب يئن :
كيف نحمي الأطفال من كل بلوى ؟
ما العمل، عندما في لجة البحر
تغرق سفينة آمالي البيضاء ؟

لا أفهم ، الطريق ، أم الحصان مذنب ـ.
أ خلل هناك في رأس الفارس ؟
أ لسنا نحن بأنفسنا عن الظل المستقيم نبحث
لعصا مفتول ومقوس ؟!

أغنية
نساء ، نبيذ وأغاني
في يوم ماطر وصحو
الأصدقاء دائماً أهدوني ،
والأعداء أيضاً أهدوني .

بأية أوزان نزينها إن شاءت الأقدار ؟
يبدو ، أنّ الكأسين
سيحلان على التوالي ...

النساء صرت أخشى
 لم أقارب النبيذ ـ
تحول الصديق في عدو ،
والصديق بدا عدوا .

النساء ، النبيذ والأغاني
لاحقاً ، كما هو أولا، السعادة منحوني .
والحزن ـ أحيانا .

النجاح ، والحزن أقيسها بمقياسي :
أؤمن ـ بوزنها بموازين الحب ،
بنفس موازين الأمل .

النساء ، النبيذ والأغاني !
لم أرفضكم ـ لكن فجأة أخطأت ،
العدو لم يبدُ عدواً ...
      *   *   *

أخشى ما أخشاه لقاء أصدقائي القدامى ،
وأنا لسنوات طوال أفتقدهم .

من المذنب لست أدري ،
أهو الزمن أم أنا ،
أمام البوابات أدور في مكاني ،
أوارب جانبا .

لا أتجاسر فتح الباب الأليف ...
كما كان كلُّ شيء سهلاً ،
أصبح الآن صعباً !

كيف أقتحمها في وضح النهار دون دعوى ؟
الزوجات والأبناء هل سيعرفونني ؟

كان الأصدقاء كثراً ...
يا لسوء الحظ ، الآن ،
لا هم يدعونني ،
ولا أنا أعود .

لا أعود ؟ لا يدعون ؟
لا ، السبب ليس أنّ : سلماً منحدراً وعاليا
فجأة انتصب ...

كما كان يوماً ، ما ـ لم أصعدها راكضا
تطفئ القلب هبة ، كما الثلج  يطفئ الشعلة .

ومن أين ما هبت الريح ـ سيان
تدق الزوبعة العوجاء النافذة ...

النور المرتعش في نوافذ الليل ينطفئ ـ
لم يعد في الروح موجودا ،
وأنا لم أعد موجودا ...

والباب الأليف قرعه أخشى ،
ولقاء أصدقائي القدامى أخشى .

أرجوك
لم أطلب حمايتك ـ
أنت وهبتني الكثير مع ذلك :
لقد غفرت ذنوبي ،
حميتني طوال الطريق.

أما أنا فقد نسيتك أحيانا ،
ابتهجت واكتأبت كثيرا ،
وأنت كنت كريماً صبوراً ، عَلِـيِّـا !
أكرمتني ولم تعاقبني ، ـ ولو كان هذا
ليس من دون جدوى  أبدا ... 

الآن ، ليس الحديث عني، أيها الخالق ، ـ
عن العصافير الصغيرة ـ
الأطفال البريئين: كيف نحميهم ؟
كيف نقيهم من البلايا، التي تنتظرهم في الدنيا ؟

لا تدعهم يختنقون في دخان خطايانا (التي نسيناها!) .
أتضرع لرحمتك : احم الأطفال ،
حتى تتقوى أجنحتهم .

أرجوك ـ قِ الأطفال
وانر بصيرتهم في الطريق الصعبة .
ليترنموا كالطيور بين وريقات
شجرة نسبنا المسكينة ؟

أية أغاني سيغنون ؟ أ تكون حياتهم خيرة أم قاسية ؟
احمهم من الفرح في غير أوانه ،
من ثلج آب ـ قبل موعده .

علِّم أولئك ، الساقطين من العش ،
 ساعد أولئك ، المتأخرين يطيرون،
علّمهم لغات جميع النجوم ، ـ
قد يحتاجونها في مكان ما ...
   *   *   *
هل الأرض ثملة أم الزمن أعوج ،
أم أن العربة في الطريق تحطمت ؟
أخمن بالودع ،  في ضجة العاصفة
أخمن : ماذا يُعدُّ القدر لنا ؟

أ نخطّ الطريق بين أشجار أسقطتها العاصفة ،
في المطبات، ونقول : شق طريقك في المجاهل دون خوف ؟
هل تتفادانا المصائب ـ كبارا وصغارا ؟
وأمامنا كمٌّ من الأنهر المزبدة .

وهل تتحقق أحلام جيل آخر ـ مولود في الآلام حديثاً ؟
... والأغاني والكلمات التي نفستها ـ للتو .
هل وجدت ؟

انحطت الأرض ، الأغنية شاخت ،
ومع هذا يبقى الأمل ، بين الحياة والموت ،
كملتمس تافه ، إلى السماء يبتهل
أنظرُ ، بصعوبة أنقب الكلمات . 

من الأرض والسماء أطلب كل ساعة
من اليتم احمِ الناس احمِ الوحوش .
مع إيماني، بأن لا سلطة للزمن على المشاعر ،
أبقى أربّت لحبي .

أرجو ، أن يصبح أسما الوجود
قوى الحب والخير العظيم ،
وأن لا يلامس الشر ولا الحسد
مواليد اللحظة ـ ومواليد الأمس .

في الحديقة الشتوية

في حديقة المستوصف الشتوية أتسكع ،
هنا تخضر الأوراق، غير ذابلة .
هنا الحكمة الهرمة ، والجموح الفتي يتجادلون ويتجادلون ...
ولا داعي للجدل..

يجافيني اليقين : اختفت السطور من الذاكرة فجأة .
وها أنا ما أزال واقفاً أمام البوابة ،
أ وراءها ـ الصحة ـ
أو المرض ـ أمامها .

الأرض كالمشفى الآن  ،
تحلم بشمس الشتاء القارس .
كعابر سبيل عند جسرٍ متداع ـ متلهف
الفجرُ يومياً ، يجاورُ الظلمة .

تتوعد العواصف ، الزوابع تزمجر ،
لا ملجأ أحياناً من الوابل والبرد .
لكن هل يمكن دمل الجراح القديمة ، ـ
أجبني ، يا اخضرار حديقة المشفى !

أيها العالم المتألم ،
نحن باللحم والدم موحدون ،
في مشفى واحد ـ نحن .
طالما لا أمل منك ـ ما حاجتي للعافية ؟
تعافى أنت ـ وأنا أتظلل بالغبطة . 

... في حديقة المشفى أبحث عن الشفاء
لجميع ، المرضى على هذا الكوكب ...
و الطبيب قد ذكّرّني :
" في هذه اللحظات
يولد أطفال ...
يولد أطفال ...
يولد أطفال:
للتو ـ تؤمان
في حجرتي ولدا !"
    *   *   *
بالودع نجّم لي المنجمون :
هذا البيت، وهذه الطريق من نصيبك ...
لكن مع ملامستي لخشبة السقف،
فهمت قدري الخاص :

كبرت ، ولامست السقف ،
لكن أمام القدر كنت أعمى وضحل .
وطريقي المبجل تبين أنّه أعوج ،
وفرس ـ النار عرج بتهور .

مئات المرات سبحت أمي بالسبحة :
هذا نهار ، هذا ليل ، هذا هبوط ، وهذا انطلاق .
لكن طريقي أعوج : قدري عنيد ،
يتمسك برأيه دون رحمة .

تبكي الأيام بمرارة ، وتضحك الليالي ـ
من يستطيع أن يعرف ، ماذا ينتظرنا لاحقاً ؟
أنت جبلي ، تتفاخر ، فلا تكثر :
تقف فوق الهاوية ـ لا تسقط ...

فهمت ، حظ ليس سهلاً ينتظرني .
وحلّ زمن ـ أتذكره كأنّه الآن :
تحت نغم الدف حلقت الأغاني في السماء ،
وعلى الأرض تحتها انطلقت ترقص .

لكن السماء فجأة كأنّها فطرت ،
الأرض ترتعد في أغلال الظلام .
هبت الريح وسرقت صوتك ،
الذي وثقت به ثقة عمياء.

... قطعت سبعة جبال ، ليس وراء الجبال
وجدت الحب ـ البرسيم في المرج ...
ما أصعب صون اللهب الحي ـ
الشعلة ، التي أوقدناها في الثلج !
     *   *   *
محزنٌ الحقل في يومٍ خريفي معتم ،
الأكثر حزناً ، الزمن الذي مرّ سدىً .
مرَّ ـ ومن الحزن لا مفرّ :
لفهم هذه الحقيقة البسيطة حان الوقت ، حان .

أكثر ما يحزن الإنسان الشجي ،
أنّه لا يقدر في الوجود على شيء :
في بوابات الحياة ، يتجمد ، كعمود ،
دخول ـ لا يدخل ولا يقدر على المضي .
       *   *   *
" في يوم ما كم كنت سعيداً ، يا صديقي ،
بشكل تام ونهائي :
لم أزعج أمي ،
ولم أكدر صفو أبي ...

 ألقى خطاباً عظيماً
أحد أترابي الأشيب .
... استمعت إليه ،
مطأطأ الرأس .
    *   *   *
حياتي ـ إنّها شجرة : محنية الجذع ،
لا أوراق ، ولن تكون حتى أفضل الأوقات .
لن تضطر للتراصف على الأرض خريفاً ،
إن لم تسطع أغانيّ أن تحميها .

عمري ـ كأغصان جذع يابس ،
تحترق برمتها وتُنثر هباء .
لن تبعث ، مشبعة عنفواناً مجدداً ،
إن لم يحميها حبنا .
شكراً

شكراً للممرات الضيقة : نفتل منها حبلاً ،
كالجرة ، حملتَ العالم على ظهرك .
وأقمتَ قوس قزح برشاقة ،
بالكاد يلامس القمم الصخرية .

شكراً ـ سَلِمْتُ في هذا الشتاء ،
للأسف ـ مرّ الصيف كالبرق سريعاً!
لم يحمل القَدَرُ الكأس عرضاً ـ
ألفنا مكابدة المرارة والحزن .

لم يسترعِ المطر الانتباه ،
وأنارت الشمس العالم ـ ولم تحرقه .
شكراً : ولو متأخرة ،
مع الحندقوق(2) رسائلك وصلت .

شكراً للعصفور ، لأنّه نقر في النافذة ،
يُخطِرُ ببدء النهار :
نقر ـ بحرص غير قليل
والأرق أنهكني .

انحني بمحبة قلبية للأصدقاء :
كم أصبحوا قلة ـ على الحد ...
كم عانيت من صلف المقربين ،
لكنني كلمة سيئة لهم لا أقول .

شكراً للحب ، للموسيقى المجد !
عن الخصام والشجار أسكت .
لا أدعو بالشر لمسببي الشر ،
حتى ذكرهم لا أريد .
ــــ
* عن موقع رسول حمزاتوف في شبكة الانترنت
 http://www.gamzatov.ru
قامت بترجمة الأشعار عن الأفارية (لغة الشاعر الأم ـ داغستان) إلى الروسية : يلينا نيكولايفسكايا.
(1) باتيمات : اسم زوجة الشاعر ؛ علماً بأنّ هذه الكلمة الروسية تتألف من مقطعين، وتستخدم في لعبة الشطرنج؛ بات: كش ، مات:مات (كش مات).
(2) الحندقوق : عشب بري أوراقه صغيرة خضراء مستديرة، ذكي الرائحة، تنعش رائحته عابري الحقول.

طرطوس 31/12/2003                          ترجمة: شاهر أحمد نصر
                                              [email protected]           

 



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع المدني ضرورة اجتماعية ووطنية
- الاستراتيجية الأمريكية، والقصور العربي، في السياسة الخارجية
- رسالة مفتوحةإلى: المناضل، عميد كلية الاقتصاد السابق، الدكتور ...
- عصر المعلوماتية 2-2
- عصر المعلوماتية
- الحوار المتمدن عنوان الأممية الحرة
- من متطلبات الدخول السليم في عصر المعلوماتية
- قانون الأحزاب السياسية من وسائل الإصلاح السياسي الديموقراطي
- مشكلة العرب والمسلمين ليست مع اليهود كيهود
- مصير العملاء السريين
- العلم عند العرب بين النهوض والتعثر
- إذا أردتم تحرير المرأة ، فابنوا مجتمعات على أسس متحضرة
- هل استكملت الأنظمة العربية عملية بناء الدولة القابلة على الب ...
- هل هناك من يريد ويعمل على البحث عن مطبات تعرقل الإصلاح؟
- المصلحة الوطنية تقتضي منع محاكمة من يتوجه لحضور محاضرة!
- الأنظمة الديموقراطية الشعبية المتكلسة ديموقراطية المظهر، ديك ...
- الديموقراطية في دولة الحق والقانون وسيلة ضرورية للتطور ومواج ...
- في أسباب انتشار الفكر الغيبي ـ أساليب الحكم وفق قوانين الطوا ...
- يوم كئيب في تاريخ الصحافة السورية
- في آلية الصراع داخل الأحزاب السياسية في البلدان العربية ـ ال ...


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاهر أحمد نصر - من الأشعار الأخيرة لرسول حمزاتوف