|
الدكتور سهيل ادريس والمزاوجة بين الهوية والمعاصرة
ابراهيم خليل العلاف
الحوار المتمدن-العدد: 2276 - 2008 / 5 / 9 - 11:04
المحور:
الادب والفن
فقدت الاوساط الثقافية، والصحفية ،والادبية العربية ، علما من أعلامها .. ومدرسة متميزة من مدارسها الفكرية ، ففي 19 من شباط 2008، توفي الاستاذ الدكتور سهيل ادريس (1925 ـ2008) الروائي ، المترجم ، والناشر ، والاستاذ الجامعي ، وشيع الى مثواه الاخير في بيروت .. وقد عرفنا الدكتور سهيل اكثر مما عرفناه ، مؤسسا لمجلة الاداب ( البيروتية) التي تربت من خلال ما كانت تنشره ، أجيال واجيال من المبدعين والمبدعات . ولعل ما يميز الدكتور سهيل ادريس ، أنه من اوائل الذين جمعوا في كتاباتهم بين الاصالة والمعاصرة .. في الادب والفكر العربيين .. الاصالة المتمثلة بالعروبة ، والمعاصرة المتمثلة بالحداثة . وكان، رحمه الله، يرى ان ليس ثمة تعارض بينهما ، خاصة وانهما يعدان ضرورة من ضرورة التقدم العربي . كما عرفناه في الستينات من القرن الماضي ،من أشهر الرواد العرب ، الذين أشاعوا (الادب الوجودي) ، فلقد تولت مجلة الاداب ، نشر الكثير من المقالات في هذا الاتجاه ..كما اضطلعت دار الاداب للطباعة والنشرالتي، اسسها سنة 1956، بترجمة النصوص الوجودية . وكان الدكتور سهيل ادريس ، الى جانب الدكتور عبد الرحمن بدوي ، من أشهر الكتاب والمفكرين العرب الذين ادخلوا التيار الوجودي الى الفكر العربي المعاصر .. وما زادنا معرفة بالدكتور سهيل ادريس انذاك ، اصداره روايته الشهيرة :( الحي اللاتيني) التي كتبها ايام كان طالبا في جامعة السوربون في فرنسا ، وعرض فيها تجربته كشرقي وانفعالاته والاحداث التي عايشها والتناقضات التي رصدها خاصة في مجال الصراع بين الشرق والغرب .و( الحي اللاتيني ) ،كما هو معروف، جزء من ثلاثية له هي فضلا عن الحي اللاتيني ، الخندق الغميق ، واصابعنا التي تحترق . عمل الدكتور سهيل ادريس في الصحافة ، ومن الصحف والمجلات التي كتب فيها الصياد، وبيروت الماء ، والرسالة ، والمكشوف ، والاديب . لقد حاول الدكتور سهيل ادريس، من خلال كتاباته ، شأنه في ذلك شأن غيره من الكتاب والمفكرين العرب من الذين جايلوه او سبقوه ، الاجابة على السؤال التقليدي لماذا تقدم غيرنا ؟ ولماذا تخلفنا نحن ؟ لهذا عد من الرواد الذين تركوا بصماتهم على حالة الثقافة العربية المعاصرة . وقد تناول هذه الجزئية ، في فكر وثقافة سهيل ادريس ، الاستاذ جورج طرابيشي الذي قدم دراسة قيمة بعنوان : ((انوثة الغرب وذكورة الشرق)) . ومما حاول الدكتور سهيل ادريس تأكيده في اطروحاته بشأن الصراع بين الشرق والغرب، أن العلاقة، وان بدت سليمة ، لكنها وبسبب ممارسات الغرب العدوانية تحولت الى صراع وحقد وكراهية . والدكتور سهيل ادريس ، ومن واقع اهتمامه باللغة كوسيلة وكاداة للحوار والتفاهم بين الثقافات ، اهتم باعداد واصدار المعاجم .. والمناهل المعجمية . ومنذ وقت مبكر من حياته العملية،أصدر مع ولده الدكتور سماح، والشيخ صبحي الصالح المنهل العربي ـ العربي ، والمنهل العربي ـ الفرنسي .. كما أصدر مع الدكتور جبور عبد النور :( المنهل الفرنسي ـ العربي). وللدكتور سهيل ادريس اهتمام متميز بالقصة ،وقد نشرت له منذ اواخر الاربعينات من القرن الماضي مجموعات قصصية عديدة منها : اشواق ، نيران وثلوج ، كلهن نساء ، الدمع المر ، حماك يا دمشق ، العراء . ولم يقف اهتمامه بالقصة عند هذا الحد ، بل أن اطروحته للدكتوراه التي قدمها الى جامعة السوربون كانت تتناول : ((التاثيرات الاجنبية في القصة العربية الحديثة 1900 ـ1950)) . قال الاستاذ ماهر كيالي عن الدكتور سهيل ادريس أنه ( قامة ادبية وفكرية عالية) وقال بأنه: ((روائي من الطراز الاول)) و((موسوعي)) .. و ((هو صاحب فكر وكلمة حرة وخسارته لحركة الثقافة العربية المعاصرة خسارة فادحة)) . أسس مع عدد من الناشرين سنة 1983 ، ((اتحاد الناشرين العرب))، واصدر مجلة ((الناشر العربي)) . ولقد اثارت سيرته الذاتية الصريحة والجريئة التي اصدرها سنة 2005 بعنوان : ((ذكريات الادب والحب : سيرة ذاتية)) كثيرا من الجدل لكنها اشرت حقيقية مهمة وهي ان هذا الرجل ، كان مؤسسة قائمة بذاتها ..وتأخذ الصورة ابعادا اكبر اذا ما علمنا انه بدأ حياته عالما دينيا وطالب فقه ومرتديا للزي الديني الاسلامي عندما كان طالبا في الكلية الشرعية ببيروت .. وبعد تخرجه سنة 1940 ، بدأ يدخل عالم المجتمع المدني ، فدرس الادب والنقد العربيين في مدارس وجامعات عديدة ، ومارس ، الصحافة ودافع عن التيار الوجودي ، واهتم بالمعاجم ، والترجمة ، والنشر ، والسياسة ، والفكر . وقد احتفظ ، بسبب روحه المرحة ، وجديته في التعامل ، ونشاطه الثقافي منقطع النظير ، بعلاقات ممتازة مع عدد كبير من السياسيين ، والمقفين ، والمفكرين والمستشرقين ، والادباء ، ,الشعراء ، وأستطيع القول هنا ، انه يعد صاحب فضل على كثير من مثقفي عصرنا ، فلقد يسر لهم ليس نشر نتاجاتهم ، عبر مجلة الاداب التي أصدرها، في بداية الامر، مع بهيج عثمان، ومنير بعلبلي سنة 1953 ، وتفرد بها سنة 1956 ، وحسب بل وفي تشجيعهم على الكتابة وحثهم على النشر، وافساحه المجال لهم للتعبير عن ما يريدون قوله دون قيد او شرط .. لذلك فان ( مجلة الاداب) ، والتي تواصل الصدور حتى كتابة هذه السطور ، تمتعت وتتمتع بسمعة علمية ، وادبية واسعة داخل الوطن العربي وخارجه . والدكتور سهيل ارديس اهتم كذلك بالمسرح وكتب له .. ومن المسرحيات التي كتبها مسرحية ( الشهداء) 1965 ، ومسرحية ( زهرة من دم) 1969 . في مقالة مقتضبة كهذه ، لايمكننا رصد كل نتاجات واعمال ونشاطات هذا الرجل الكبير. يكفي ان نقول أنه من الذين بشروا وعملوا من اجل المشروع العربي القومي التقدمي ، لذلك فانه يحتاج الى الكثير من الاهتمام ، ولابد من التذكير به باعتباره قدوة صالحة للاجيال العربية والتي ، بدون شك ، ستعيد اكتشافه من جديد ، وتتعامل معه وفق ظروفها ومتغيرات حياتها .. رحمه الله ، وجزاه خيرا على ما قدمه لوطنه وامته وللانسانية جمعاء .
#ابراهيم_خليل_العلاف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستاذ الدكتور عبد المنعم رشاد ومكانته العلمية
-
أكرم فاضل الصيدلي والمشهد الثقافي العربي
-
علاء الدين السجادي 1907-1984 ودوره في خدمة الادب والثقافة ال
...
-
البرلمانيون العرب وقضايا التنمية الاقتصادية والمشاركة السياس
...
-
الاستاذ الدكتور عادل محمد البكري ..سيرة رائد ومبدع عراقي
-
مير بصري 1911-2005 واسهاماته في خدمة حركة الثقافة العراقية ا
...
-
التأريخ وسيلة لتقوية فكرة المواطنة في العراق المعاصر
-
حامد علي البازي 1920-1995 وجهوده في توثيق تأريخ البصرة الحدي
...
-
اسهامات المؤلفين العراقيين المعاصرين في دراسة الصلات بين الع
...
-
تحية الى استاذي الدكتور عمر محمد الطالب
-
عبد الباسط يونس والنهضة الصحفية المعاصرة في الموصل
-
الدكتور محمد الهاشمي 1910- 1996 والتأريخ لحركة الفكر العربي
...
-
حمادي الناهي والصحافة الساخرة في العراق المعاصر
-
جماعة رواد الادب والحياة في الموصل :فصل من تأريخ العراق الثق
...
-
جماعة الصحيفة 1924-1932 فصل من تأريخ حركة الفكر والثقافة الع
...
-
بواكير العمل الصحفي في الموصل
-
اليساريون في العراق هم ليسوا الشيوعيين فقط !!
-
هل نحن بحاجة الى الاصلاح والتغيير ؟ وكيف؟
-
الدكتور محمود عبد الله الجادر وحركة التحقيق التراثي في العرا
...
-
الصحافة الالكترونية ودورها في اقامة المجتمع الديموقراطي
المزيد.....
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|